الضحكة الماكرة وصوتها المميز، ذلك ما يصدر مني بعد أن أفرغ تواً من رواية أولى جيدة حقاً، ثم أقلب الصفحة الأخيرة وأغلق الكتاب وأبدأ فوراً في وضع استراتيجية لحملتي الرامية إلى إخبار كل من أحبه أو أحترمه أنه يجب عليه أيضاً قراءتها على الفور، يرجع ذلك أولاً إلى أنه من اللطافة بمكان مشاركة القراءة مع آخرين، وثانياً لأن تلك المشاركة تجعلني أبدو مثقفة ومتمرسة، وبقدر ما أحبها فإن التباهي بقراءة الرواية السابعة لإليزابيث ستراوت لا يجعلني أبدو طليعية أو متقدمة على غيري، لا يمكن إنكار وجود عجرفة في اكتشاف المواهب العظيمة قبل الجميع، إذ يجعلني هذا أشعر برضا كبير عن النفس، إضافة إلى أنني أستمتع بالكتب أيضاً.
إنه أمر جيد بالنسبة إلي الآن، لأن عالم النشر يتحمس بشكل حاسم لمصلحة من يكتب قصة أدبية للمرة الأولى، وفي هذا الخريف هناك روايات جديدة يصدرها غزيرو الكتابة وكبار الحائزين على جوائز كإيان ماك إيوان وإليزابيث ستراوت وكيت أتكينسون وباربرا كينغسولفر وماغي أوفاريل، لكن في هذه السنة تدور الضجة حتى الآن حول كتب المواهب الجديدة، يشمل ذلك "دروس في الكيمياء" لبوني جارموس، وهي قصة محببة عن عالمة عنيدة تحولت إلى طاهية تلفزيونية في خمسينيات القرن الماضي، وطيلة أشهر عدة أدرجت الرواية في قائمة "صنداي تايمز" للكتب الأكثر مبيعاً، كذلك فإن رواية "ذا ويلبون ثياتر" [مسرح ويلبون] لجوانا كوين التي تروي قصة منزل ريفي إنجليزي بأسلوب يحاكي رواية "سجل الحوادث عن أسرة كازاليت" للكاتبة إليزابيث هوارد، قد دخلت مباشرة في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً بعد أن حازت على نقد مفرط بالإطراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عدد من أفضل روايات العام الماضي كانت من بواكير أعمال أيضاً، يشمل ذلك كتاب "ديترانزيشن، بيبي" للمؤلف توري بيترز المتأثر بثقافة البانكس [ثقافة بديلة ظهرت في ثمانينيات القرن الـ20 في الغرب، واتسمت بطابع الفردية والتحدي المتطرف]، إلى كتاب باتريشيا لوكوود عن الإنترنت وعنوانه "لا أحد يتحدث عن هذا"، وكذلك الحال بالنسبة إلى كتاب جو هاميا "ثري رومز" المتأثر برواية "السيدة دالوي" [للكاتبة فيرجينيا وولف]، حول الإحساس بالانتزاع من الجذور الذي رافق الألفية الثالثة للميلاد، وكتاب "السيدة مارش" الذي لم يلتفت إليه أحد للمؤلفة فيرجينيا فيتو، المستم بالرعب القوطي الذي يمزج الخوف مع ظواهر ما ورائية وتداخل بين الحاضر والماضي، وفي المقابل يستحق الكتابان الأخيران أن يكونا من كلاسيكيات المستقبل، وفي هذا الأسبوع أعلنت دار نشر "ووترستون" عن القائمة المختصرة لـ"جائزة أدب خيالي بكر"، مع ملاحظة أنها تطلق تلك الجائزة للمرة الأولى، وستمنح "ووترستون" الفائز 5000 جنيه إسترليني، وترمي بثقلها لمصلحة دعم الروائيين الستة الجدد، وقد أدرج عمل جارموس في تلك القائمة، وينطبق وصف مماثل على عمل تيسا غانتي "ذا رابيت هاتش"، وهي مجموعة متميزة بشكل أخاذ من القصص المترابطة وأقرأها بنهم حالياً، إنها قائمة واسعة النطاق تفتخر قبل كل شيء بقابليتها للقراءة المشوقة.
لطالما حظيت بواكير الأعمال بشعور إضافي بالإثارة لأنها تحدد أول لقاء لنا مع الكاتب، قد يصقل الكتاب حرفتهم لاحقاً، لكن يمتلك الكتاب الأول الذي يطرحونه في العالم شيئاً غير مصقول لكنه يسبب الارتعاش، لن نعرف أبداً ما كانت ستكتبه سيلفيا بلاث بعد "ذا بيل جار"، لكن قوة فرادتها صمدت عبر الأجيال، قد يكون ريتشارد ييتس قد كتب كتاباً أفضل [من روايته الأولى] كمؤلفه "إيستر باريد" The Easter Parade، لكن كتابه "ريفوليوشناري رود" هو الراسخ في وعينا بسبب تصويره الساحر لأزمة الطبقة الوسطى في الضواحي الأميركية، لقد كان كتاب "حارس حقل الشوفان" رواية أولى، وكذلك "كاري" و"التاريخ السري" و"لا تقتل طائرا ساخراً"، باكورة الأعمال هي لحظة "الجلوس والاستماع"، لحظة "صاعقة!" لا يمكن تجاهلها.
في السنوات الأخيرة، أثار التشبث المتزايد بالأعمال الأولى مستوى من السخرية، إنه ذلك الإحساس الآتي من عالم النشر المتفكك الذي حولته سالي رووني إلى عالم مجنون، في محاولة لا نهاية لها لتكرار نجاحها إلى أن يستهلك نفسه، في صحيفة "نيويورك تايمز" كتبت المؤلفة ليزلي جاميسون، "أصبحت النميمة حول الأعمال الأولى للكتاب مبالغاً فيها لدرجة أنها أصبحت نوعاً خاصاً رياضة التواصل"، إنه ذلك البحث الذي جرى الاستهزاء به كثيراً عن "صوت الجيل"، وإنه ميل إلى المبالغة بالحديث حول حروب تقديم العطاءات وصفقات براقة لحقوق الأفلام، ما يشير إلى وجود صناعة ليس لها سوى ذاكرة قصيرة، إذ تعزز مكانة الشباب حتى العبادة ولا تستثمر في مسيرتهم المهنية على المدى الطويل، ففي نهاية المطاف شكل انتصار برناردين إيفاريستو الحائزة على جائزة بوكر عن رواية "فتاة، امرأة، آخر"، الأمر الأكثر روعة نظراً إلى أنها كانت روايتها الثامنة، وتمسك ناشروها بها طوال مسيرتها الأدبية الطويلة والمتعثرة.
بغض النظر عن الضجة الإعلامية فبالنسبة إلى معظم الكتاب يكون نشر رواية للمرة الأولى تجربة معرضة للنقد ومكتسبة بصعوبة، وليست بالضرورة تجربة مغيرة للحياة، لا يجب أن تكون باكورة الأعمال مرادفة للجيل العمري للشباب، إذ تنشر جارموس كتابها الأول في سن الـ64 بعد أن عملت سنوات طويلة كمؤلفة مستقلة للإعلانات، فاز دوغلاس ستيوارت بجائزة "بوكر" لعام 2020 عن كتاب "شوغي باين" عن عمر يناهز 43 سنة بعد أن رفضه 44 ناشراً، إذ يحدد الصبر والإيمان والانضباط نجاحهم بقدر ما تفعل الموهبة، إلى جانب ذلك لا يضمن العمل الأدبي الأول دائماً مسيرة مهنية طويلة، ولسبب ما يدعى ذلك العمل مجازياً الألبوم الثاني المخادع، لا يعني هذا حتى أن أولئك الكتاب الذين يتركون انطباعاً إيجابياً يمكنهم ترك الوظيفة اليومية والعيش من ثمار أعمالهم الإبداعية، فقد أشار تقرير لصناعة الكتابة والنشر في عام 2018 إلى أن متوسط أرباح الكتاب لم يزد على 10 آلاف و500 جنيه إسترليني في السنة، لذا فإنه من اللطيف أن يظهر دعم للكتاب المبتدئين، بل إنه أمر ضروري.
لكن لماذا تزدهر بواكير الأعمال الآن؟ لأننا نعيش في عالم متعدد المنصات، ونستهلك كميات من المحتوى أكثر من أي وقت مضى، نحن متعطشون للقصص وأكثر استعداداً للمخاطرة، لقد أدت النجاحات الصاعقة في وسائط إعلامية أخرى لأعمال كـ"قد أدمرك" I May Destroy You' و"حقيبة البراغيث" Fleabag إلى تغذية الشهية للأصوات جديدة، كذلك تتزايد مبيعات الكتب، ويتواصل أيضاً ذلك الارتفاع في القراءة المستمد من فترة الإغلاق متواصل [بسبب جائحة كورونا]، فوفق بيانات من مؤسسة "نيلسن بوكسكان" بلغ إجمالي مبيعات الكتب 767.7 مليون جنيه إسترليني في النصف الأول من هذا العام، وهي أعلى نسبة منذ بدء تسجيل هذه البيانات، وقد جاء ربع تلك الأموال من أعمال الأدب الخيالي، نحن في خضم لحظة نقل المسؤولية الأدبية، ونبحث عن أصوات ووجهات نظر جديدة، لا يتعلق الأمر بالاكتفاء بتوسيع ميدان اللعب، بل بأننا جاهزون لقصص جديدة ومختلفة، نحن في لحظة تحول، حقبة تبحث عن رموزها الثقافية، وتفتش عن كبسولات زمنية تظهر لنا من نحن وأين نحن موجودون، نريد أن نجد نسختنا [كأجيال معاصرة] من روايات "ترانسبوتينغ" و"الأسنان البيض" و"مصنع الدبابير" و"إله الأشياء الصغيرة".
لكن الروايات الأولى تواصل مسيرتها لتحتل وضعية المذهب، لأن الناس يقرؤونها، ثم يخبرون الآخرين ليقرأوها، إنه توالي أشخاص مثلي، ممن يغلقون الكتاب ويضعون قائمة بالأصدقاء بغية تحريضهم على القراءة، لقد اختيرت جائزة "ووتر ستونز" Waterstones من قبل بائعي الكتب، من أشخاص يحبون الكتب ويطالعون كثيراً، لأنه بعد الحملات التسويقية الصاخبة وصفقات الأفلام الزاهية، فإن الأعمال الأولى تصمد أمام اختبار الزمن بسبب تناقل الكلام شفهياً بشكله التقليدي، ثمة متعة فريدة في اكتشاف كتاب جدد ولامعين والتوصية بهم بلهفة لأصدقائك المفضلين، وهناك متعة إضافية أخرى أيضاً تتمثل في وعد بكتب عظيمة وقادمة، بالأحرى بحسب جاميسون "المخطط الجنيني لما لا يمكننا تخيله".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 23 يوليو 2022
© The Independent