Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي جعل "نتفليكس" تسيء فهم رواية جين أوستن "إقناع"؟

صحيح أن الاقتباسات السابقة لأعمال أوستن لا تخلو من الملاحظات لكن الاقتباس الجديد ترك أماندا وايتينغ إحدى أكبر المعجبات بأوستن مصدومة وحائرة وخامدة المشاعر

ريتشارد إي غرانت وداكوتا جونسون في فيلم "إقناع" على "نتفليكس" (نيك وال/"نتفليكس")

في البدء بدا كل شيء على ما يرام مع بدء "نتفليكس" بعرض نسختها الجديدة المقتبسة من رواية "إقناع" Persuasion لجين أوستن، جاءت موسيقى العمل جليلة وسيمفونية على نحو غامض كي تلائم الزمن والحال، وحتى لو تخطيت قراءة ذاك المدخل المميز في منهاج الأدب الكلاسيكي، فإنك لن تلبث أن تفهم الفحوى، القرن الـ 19، الريف الإنجليزي، وأعمق الحسرات المصورة لانكسار القلب.

آن إليوت التي تؤدي دورها داكوتا جونسون بلكنة إنجليزية بارعة لا تكفي لإخفاء حقيقة تحدرها من هوليوود، تداعب بأصابعها العشب فتثير شهوانية طاهرة.

الأجواء تبدو حتى تلك اللحظة من العصر "الجورجي" [نسبة إلى فترة حكم عدد من الملوك باسم جورج بين عامي 1713 و1830) بامتياز، فريدريك وينتورث بأداء كوسمو جارفيس، مجعد البشرة وقاسي النظرات، بسوالف ملائمة تماماً [للإيحاء بتلك الحقبة الزمنية]. وحتى هذه اللحظة نعم، يبدو الاقتباس الجديد، وهو الخامس لرواية جين أوستن الأخيرة والشهيرة، وهذا يخص فقط الاقتباسات باللغة الإنجليزية مثل النسخة التي مثلت فيها سالي هوكينز سنة 2007 ونسخة "بي بي سي" سنة 1995، بأنه سيكون جيداً.

لكن بعد مرور 90 ثانية يحدث شيء ما ببطء ثم مرة واحدة، وتفسح النغمة الحزينة الطريق لإيقاع مندفع ومستمر يليق بالغموض النضر لـ "الآنسة ماربل".

 آن التي كانت قبل لحظات حزينة على نحو يفوق الوصف تنظر بمكر إلى أسفل الكاميرا وتقول مازحة إنها مذ فسخت خطوبتها من فريدريك وينتورث غدت عازبة و"مشرقة"، وهي كلمة لا ترد إطلاقاً في رواية جين أوستن المكتوبة سنة 1817.

إن التحسر على هوس هوليوود بإعادة سرد الحكايات المعروفة يعتبر أمراً منهكاً في هذه المرحلة، وتعرض صالة السينما في منطقتي فيلماً من إنتاج مارفيل (تور Thor)، وجزءاً رابعاً من فيلم للأطفال ("التوابع: قيامة غرو" Minions: The Rise of Gru)، وتتمة متأخرة لكلاسيكية من الثمانينيات ("توب غان" Top Gun الجديد)، إضافة إلى فيلم "إلفيس" Elvis لباز لورمان.

على خلفية ما أعلاه فإن فيلماً مستنداً إلى ملكية ثقافية، وهو حقيقة "ثقافي وفكري"، لا يمكن اعتباره سوى واحة وسط ما نحن فيه، كما تعلمون، فالاقتباسات الجديدة الطموحة لأعمال من حقب ماضية تخلق جمهوراً من القراء الجدد للكتب القديمة، كما تتمكن الاقتباسات الأفضل منها من إزالة المسافة بين الحاضر والماضي، فهي تظهر أن المعاناة والفرح الناتجين من كوننا بشراً لم يتغيرا في الواقع حتى عندما تتبدل الظروف البشرية.

وفي هذا الصدد يبرز فيلم "غرفة بإطلالة" A Room with a View، الذي أنتجته شركة "ميرشنت آيفوري" Merchant Ivory، مثل الفيلم الأساسي، فيما تحتل النسخة الممتازة من عمل جين أوستن "العقل والعاطفة" Sense and Sensibility (سنة 1995)، مع سيناريو إيما ثومبسون، المرتبة الثانية.

لكن عندما ظهر الإعلان الترويجي للاقتباس الجديد لرواية "إقناع" في يونيو (حزيران) الماضي صدح محبو الكتب على التوتير بتأوه عظيم، من أين نبدأ؟ إذ ثمة مفارقة تاريخية مضللة هنا وسقطات فظيعة وابتسامات متكلفة أمام كوة الكاميرا ذكرتني أكثر من أي شيء آخر بـمسلسل المكتب" The Office [مسلسل تلفزيوني أميركي عن الحياة اليومية في مكاتب الوظيفة عرض بين الأعوام 2005 و2013].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أكثر أمر كرهته شخصياً في الإعلان الترويجي كان الإشارة إلى جين أوستن على أنها مؤلفة "إيما" Emma و"كبرياء وتحامل" Pride and Prejudice، شكراً لإيضاح الأمر!

بدلاً من أن يمثل [الفيلم] واحة، فإن هذا التصور الجديد لـ "إقناع" تحول إلى سراب مقلق.

في الرواية آن هي شابة إنجليزية أجبرت عائلتها بسبب مشكلات مالية على تأجير منزلها الفخم لأدميرال (ضابط رفيع في البحرية الملكية) وزوجته، وللمصادفة يكون فريدريك ونتورث شقيق تلك الزوجة، وقد جاءت العناية الإلهية لتمنحه وآن فرصة أخرى للزواج. و"إقناع" عموماً تعد الرواية الأكثر نضجاً لجين أوستن كما تعد آن الشخصية الأكثر تعقيداً وعمقاً بين مختلف شخصيات الروايات التي ألفتها الكاتبة الشهيرة، ويأتي الأسلوب الطريف والبارع الذي تتمتع به أوستن ليوازي أسى بطلة الرواية.

وإن أرادت هوليوود العودة بالزمن مرة أخرى لأعماق الأدب الإنجليزي، فإن "إقناع" تعد الأمثل لهذه المهمة.

لكن بغية "تحديث" القصة كي تناسب المشاهدين المعاصرين تقوم نسخة "نتفليكس" من الفيلم بالمساومة في هذا الإطار عبر اتباع مقارباتها المعروفة الرخيصة والمعتمدة في العادة بحالات كهذه، فيبدو الفيلم وكأنه يطرح سؤال "ماذا لو كانت آن إليوت تشبه إلى حد ما (فليباغ) [Fleabag دراما كوميدية تلفزيونية بريطانية]؟" وتصف آن نفسها ووينتورث بأنهما "سابقان" (إكسس exes)، عبارة تصم الآذان بقدر ما هي خارجة عن زمانها وبقدر ما هي شائعة ومتداولة، ومن خلال جعل آن أقرب إلى ابتكار فوب والير بريدج اللاذع [فوب والير بريدج هي مؤلفة مسلسل "فليباغ" الذي استند إلى عرض أدته بريدج بمفردها على المسرح سنة 2013]، جاء الفيلم خائناً لأوستن عبر قراءته الخاصة والسطحية لشخصية بطلتها التي هي على الرغم من ذلك، وفق أديبة القرن الـ 19 تشبه إلى حد ما "فليباغ"، وحيدة وساخطة وخارجة على مسار المجتمع.

لا مشكلة لدي مع فكرة أن شخصية آن إليوت على بعض الصفحات غير مكتوبة فمن الرواية تذوقت قليلاً من الخمر

أفلام ومسلسلات كثيرة حول الفترات التاريخية السابقة استخدمت "المفارقات التاريخية" [الجمع بين الأحداث التاريخية والعصور الحالية] بشكل رائع. مسلسل ديكنسون من إنتاج "آبل تي في بلص"  Apple TV+حول السنوات الأولى من حياة الشاعرة الأميركية إميلي ديكنسون، يتجاوز مجرد رمي موسيقى تصويرية معاصرة على قصة قديمة، واستخدامها للغة الحديثة حكيم، فكلما كانت إميلي تشعر بالضيق ضد حدود النسوية في القرن الـ 19، زاد احتمال تسميتها شيئاً ما "هراء تام" bullsh**  وهي كلمة لم يتم اختراعها إلا بعد ثلاثة عقود من وفاة الشاعرة.

لكن في "إقناع" تثير المفارقات التاريخية جواً من العبث، وفيما يلي بعض أمثلة حرية التصرف بنص أوستن خلال الدقائق الخمس الأولى، آن تسكب النبيذ بنفسها وتبكي في حوض الاستحمام وتلقي بنفسها فوق سريرها على وجهها. أنا لا أقترح أن الناس في القرن الـ 19 لم يفعلوا هذه الأشياء، لا مشكلة لدي مع فكرة أن شخصية آن إليوت، لنقل على بعض الصفحات غير مكتوبة من الرواية، تذوقت القليل من الخمر.

لكن الأمر هو في الطريقة التي تفعل بها ذلك هنا وكأنها تعبر عن مشاعرها من أجل عرضها على "إنستغرام"، ولا ينقص المشهد سوى المناديل المجعدة ومشاهد من "الساهر في سياتل" Sleepless in Seattle على شاشة التلفاز في الخلفية، وفي محاولة لجعل آن حديثة ومعاصرة جاءت شخصيتها جميلة وغير جدية.

ويمضي الأمر على منوال لحد "الغثيان"، وقصاصة الورق الصغيرة التي يمررها ونتورث لآن في الكنيسة لا تحمل سوى عبارة "أنا ضجران"، فتبدو كرسالة نصية يرسلها طالب ثانوية لصديقه عبر الهاتف، ثم نكتشف أنها بعد فسخ خطوبتهما غدت مسلوبة العقل وراحت تجمع قصاصات صحافية ومقتطفات نشرها خطيبها السابق، وكأنها تتعقب بالدرجة الأولى صفحته على "فيسبوك".

الفيلم حافل بالمقارنات الخفيفة المماثلة وتسهم كل واحدة منها في التقليل من صدق حزن آن.

لقد شاهدت أفلاماً مقتبسة ناجحة من أعمال جين أوستن ("إيما" إنتاج سنة 2020 مع آنيا تايلور جوي يمثل عملاً مميزاً في هذا الإطار) وأعمالاً متواضعة ("إيما" إنتاج سنة 1996 مع غوينث بالترو)، لكن لم يسبق أبداً لعمل مقتبس من أعمال أوستن أن تركني خاوية المشاعر بهذا الشكل، فالإصرار الذي يظهره الفيلم على إيجاد مواز في القرن الـ 19 لكل مظهر من مظاهر الحياة الحديثة، يخرج "إقناع" من مسار الأفلام التي تناولت حقباً معينة وكانت قادرة على التأثير، إذ إن المشاعر الإنسانية مهما كان الزمن تبقى عصية على التطور، والحب يبقى صعباً.

بقدر الحماسة التي انتابتني بداية حين علمت أن "نتفليكس" تشتغل على إنتاج جديد من أعمال أوستن، أتمنى الآن لو أنهم تركوا هذه الكاتبة وشأنها.

تصوروا فتاة مراهقة اليوم تشاهد الفيلم ثم تعود للرواية فقط كي تسارع إلى إهمالها، إذ تدرك أن أوستن لم تستشرف وتستبق خصوصيات وعموميات الحياة الحديثة، وإن بقيت هوليوود مصرة على أن تكون الخيارات أمامنا مقتصرة على أعمال سبق وشاهدناها، فأنا شخصياً في هذه الحال سأختار توم كروز. "توب غان 3"، من يوافقني في هذا الأمر؟

 يعرض "إقناع" على منصة "نتفليكس" للبث الرقمي

 نشر في اندبندنت بتاريخ 14 يوليو 2022

© The Independent

المزيد من سينما