Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحقق أغلفة الكتب العربية المعادلة الصعبة بين الفن والتسويق؟

أصبح الغلاف في السنوات الأخيرة من العوامل المهمة في صناعة النشر على المستويين العربي والعالمي

يساعد الغلاف على نجاح الكتاب أحياناً وقد يؤدي لفشله في حال عدم تقبل الجمهور له (أ ف ب)

يعد الغلاف بمثابة التعارف الأول بين القارئ والكتاب، فكثيراً ما يجذب غلاف مميز أحد محبي القراءة وهو يتجول في واحدة من المكتبات ليقرر شراؤه للتعرف على المضمون الذي قد لا يكون ضمن اهتماماته الأساسية، يحدث المشهد السابق كثيراً للقراء المترددين على المكتبات باستمرار والمتابعين لأحدث إصدارات الكتب، فغلاف الكتاب حالياً يُعد جزءاً رئيساً من صناعة النشر.

وأخيراً أثارت فكرة تصميم الأغلفة سجالاً في مصر بين الفنانين والكتّاب والجمهور المهتم بالقراءة، بصدور طبعة حديثة من أعمال نجيب محفوظ ضمن مشروع لإعادة تقديم أعماله، اعتمدت الطبعة الجديدة تصميماً للأغلفة على نحو مختلف لقي ردود فعل متباينة.

وأتت ردود الأفعال بمعظمها غير راضية عن جودة الغلاف واعتبرته دون المستوى ولا يليق بقامة نجيب محفوظ، أديب مصر الحائز  جائزة نوبل، بينما اعتبر بعضهم أنها تجربة جديدة في عصر مختلف يمكن اعتبارها رؤية معاصرة لأعمال نجيب محفوظ لا تتنافى مع الأغلفة المميزة التي قدمها سابقاً فنانون كبار مثل جمال قطب وحلمي التوني وارتبطت بأذهان الناس لعشرات السنوات بروايات نجيب محفوظ، بينما اعتبر فريق ثالث أن هذا السجال بحد ذاته هو ظاهرة صحية كدليل على وعي القراء من جانب والمتخصصين من جانب آخر وسينعكس إيجاباً على عالم الكتاب بشكل عام عندما ترى دور النشر أن الغلاف أصبح له أهمية كبيرة عند القراء.

فهل يمكن اعتبار تصميم أغلفة الكتب فرعاً من فروع الفنون البصرية وكيف يمكن للفنان تحقيق المعادلة بين أن يكون غلاف الكتاب معبراً عن مضمونه والهدف منه، وفي الوقت ذاته يكون عملاً فنياً متكامل الأركان؟

حسين جبيل، الفنان التشكيلي مصمم أغلفة الكتب قال لـ"اندبندنت عربية"، إن "تصميم غلاف الكتاب بشكل عام يرتبط بفنون متعددة مثل الفن التشكيلي والغرافيك والتصوير الفوتوغرافي، فهو ليس فناً قائماً بذاته أو منفصلاً عن الفنون الأخرى، وغلاف الكتاب هو العتبة الأولى للنص ومصممه هو مترجم بصري للمحتوى المكتوب حيث يقوم بترجمة فكرة الكتاب لصورة تعبر عن مضمونها وتجذب القارئ في الوقت ذاته، ومن هنا فإن المصمم لا بد أن يقرأ النص بدقة ليصل للفكرة الأساسية التي يمكن أن يبني عليها الغلاف".

وأضاف "كل نوع أو تخصص من الكتب له ما يناسبه، فالروايات مثلاً تتحدث عن أشخاص أو أحداث يمكن الاستلهام منها في الغلاف، بينما هناك نوعية مختلفة من الكتب مثل كتب الفكر والفلسفة على سبيل المثال يكون التعامل معها مختلفاً ويكون على المصمم جهد كبير ليقدم غلافاً يحمل فكرة من روح الكتاب، والغلاف المتميز هو الذي لا يقدم للقارئ فكرته كاملة من أول نظرة بل يمكن أن تعاد قراءته وتفسيره ويمكن أن ينظر إليه بشكل مختلف بعد الانتهاء من قراءته".

وعن رأيه في الأزمات التي تعانيها أغلفة الكتب في العالم العربي، قال جبيل إن "أزمة الغلاف لا تنفصل إطلاقاً عن صناعة النشر بكل مشكلاتها في العالم العربي، ومن أهمها التكلفة العالية للخامات والطباعة وكل مراحل إنتاج الكتاب مما يجعل كثيراً من دور النشر تبحث عن الأقل سعراً في تصميم الغلاف وليس الأكثر جودة، فهي سلسلة متصلة من المشكلات يعانيها الكتاب في العالم العربي، وإذا حدثت انفراجة وزيادة في حركة البيع سينعكس ذلك على الناشر. ومن جانب آخر، تدخل المؤلف وفرضه لوجهة نظر معينة على دور النشر في التصميم غالباً ما يكون له نتائج عكسية، فالمصمم تكون خبرته البصرية في هذا المجال أكبر بكثير، بالتالي قد يقدم غلافاً يختلف عن توقع الكاتب ويحقق نجاحاً كبيراً".

ثلاثية المصمم والكاتب ودار النشر

حتى يتم التوافق على تصميم غلاف لكتاب معين، لا بد أن يحدث اتفاق بين ثلاثة أطراف على الغلاف المقترح، و هم، المصمم الذي يضع رؤيته وخبرته من جانب والمؤلف ودار النشر من جانب آخر. وفي بعض الأحيان يقوم الكاتب بتفويض دار النشر لاختيار الغلاف دون تدخل منه.

يقول الفنان ومصمم الأغلفة كريم آدم "يبدأ مصمم الغلاف بقراءة العمل ومن ثم يضع تصوراً ويقوم بعرضه ومناقشته مع الكاتب ودار النشر لتحقيق رؤية تتوافق مع جميع وجهات النظر، فالكاتب قد يكون له تصور معين ودار النشر يكون لها رؤية في كيفية التسويق للكتاب وبناءً على نتائج هذه المناقشات يقوم المصمم بالعمل ووضع التصميم المقترح، ويختلف الأمر بحسب طبيعة المادة فأثناء القراءة يضع المصمم عناصر أو أفكاراً للاعتماد عليها في الغلاف، ففي حالة الروايات مثلاً يستخرج بعض المشاهد التي يمكن البناء عليها، فالغلاف يجب أن يكمل العنوان ولا يشرحه".

ويضيف "تحقيق المعادلة بالجمع بين رؤيتي المصمم ودار النشر ليس بالأمر السهل، فالناشر يرغب في غلاف يساعد في زيادة مبيعات الكتاب والمصمم يكون تركيزه على الجانب الفني والجمالي والجمع بين تحقيق الهدفين يتطلب مهارة وحرفية كبيرة من المصمم".

وعلى الرغم من تعثر صناعة النشر في العالم العربي لأسباب كثيرة في الفترة الأخيرة، إلا أن هناك ظهوراً لكثير من دور النشر الصغيرة التي أدت إلى ظهور جيل جديد من الكتاب الشباب في مجالات متعددة مما زاد من كم الكتب المنشورة، بالتالي زاد الطلب على تصميم الأغلفة.

وفي دراسة صادرة عن اتحاد الناشرين العرب بالقاهرة في عام 2019 عن حركة نشر الكتب في العالم العربي في الفترة ما بين عام 2015 وحتى 2019 ظهر أن إجمالي عدد عناوين الكتب المنشورة في العالم العربي عام 2019 بلغ 70630 عنواناً مقارنةً مع 54601 في 2015.

وحلت مصر في مقدمة الدول العربية الأكثر نشراً في عام 2019 إذ نشرت في ذلك العام 23000 عنوان، يليها العراق بـ 8400 عنوان، ثم السعودية بنشر 8121 عنواناً، ومن بعدها لبنان مع 7479 عنواناً وفي المركز الخامس المغرب بنشر 4219 عنواناً.

وعن معدل النشر وتأثيره في جودة أغلفة الكتب يشير آدم إلى أنه "يمكن القول إنه خلال السنوات العشر الأخيرة حدثت طفرة كبيرة في معدل النشر بظهور عدد كبير من الكتاب الشباب مما أدى لظهور عدد كبير من مصممي الأغلفة من جيل جديد بعد أن كانت لفترة طويلة مقتصرة على عدد محدود من الفنانين، ونتج من هذه الزيادة تفاوت كبير في المستوى، فهناك المتميز والجيد والرديء، لكن القارئ يستطيع التمييز وهذا يأتي في صالح المجال لأنه يجعل المنافسة أكبر وذلك ينعكس على الجودة".

تاريخ أغلفة الكتب

وجِدت الكتب منذ أقدم العصور وكان لبعضها أغلفة تعددت أشكالها ولكن الغرض الأساس من الغلاف كان حماية محتويات الكتاب من التلف وربما كتابة عنوانه واسم المؤلف بغرض التنظيم والتوثيق، فكان المحتوى هو الأساس والغلاف هو شكل مكمل أو يمكن القول إن له وظيفة معينة وهي الحفاظ على الكتاب.

ومع مرور الزمن والتطور أصبح للغلاف دور آخر وهو التعبير عن مضمون المحتوى الذي يقدمه الكاتب وظهر فنانون ومصممون حول بعضهم أغلفة الكتب إلى لوحات تشكيلية وأعمال فنية عالية المستوى ارتبطت في أذهان القراء بكاتب معين أو سلسلة معينة تصدرها إحدى دور النشر، حتى أصبح حالياً غلاف الكتاب هو عامل رئيس من عوامل صناعة النشر في العالم كله، وأصبحت بعض دور النشر العالمية تقدم أحياناً أغلفة مبهرة تشكل جزءاً رئيساً من نجاح الكتاب.

ويقول الفنان مصمم أغلفة الكتب أحمد الصباغ إن "الغلاف إلى جانب اعتباره منتَجاً فنياً فإنه منتج تسويقي للكتاب بشكل أساس يهدف إلى زيادة القاعدة الجماهيرية التي يجذبها الكتاب، وهذا لا يقلل من قيمته على الإطلاق فهو يُصنع لهذا الغرض، فكثير من الكتب في مراحل تاريخية سابقة لم يكن لها غلاف أو كان لها غلاف بسيط يحمل عنوان الكتاب واسم المؤلف فقط وحققت نجاحاً كبيراً، والغلاف الجيد يخاطب الأذهان ويثير الفضول وقد يكون واحداً من عوامل نجاح الكتاب، وأحياناً يحدث العكس أن يحد الغلاف من مبيعات الكتاب، لأنه غير متناسب مع الجمهور، فالذوق العربي يفرض نفسه أحياناً على الطابع العام للأغلفة، فبعض الروايات المترجَمة على سبيل المثال إذا قُدمت بنفس غلافها فلن تناسب ذائقة القارئ العربي".

ويضيف أن "برامج التصميم جعلت الأمر سهلاً ويمكن لأي شخص أن يقوم بعمل تصميم، ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، لأن التصميم لا بد أن تكون له أبعاد كثيرة تجمع بين القيم الجمالية والفكرة العامة للكتاب والجانب التسويقي، فهناك فكر معين وكثير من المهارات لا بد أن تتوافر في مصمم الغلاف حتى يتمكن من تقديم عمل على مستوى متميز يساعد على نجاح الكتاب، وفي الوقت ذاته يرتقي بالذوق العام للجمهور".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن تعامل دور النشر مع الغلاف يشير الصباغ إلى أن "بعضها  يتعامل مع الغلاف على اعتبار أنه مكمل للعمل، بينما دور النشر الكبرى تهتم بكل التفاصيل، وهي النص والغلاف والطباعة والتسويق وتتعامل مع كل منها بالقدر ذاته من الأهمية باعتبارها عناصر متكاملة تؤدي إلى نجاح الكتاب، وأحياناً يرغب المؤلف في شكل غلاف معين ويكون غير موفق، فهنا التخصص مطلوب وتكون نتائجه أفضل، فالرؤية البصرية للنص تختلف كلياً عن المادة المكتوبة فقد تكون هناك رواية من مئات الصفحات والمطلوب من المصمم أن يقدم غلافاً يعبر عن المضمون والفكرة العامة وسيكون هو أقدر على ذلك من المؤلف أو المسؤول في دار النشر".

أرشيف الغلاف العربي

جذبت فكرة أغلفة الكتب العربية وتطورها على مر السنوات مصمماً مصرياً ليقرر العمل على مشروع يهدف لتوثيقها، يمكن اعتباره الأول من نوعه في العالم العربي ليكون مرجعاً لكل مهتم بهذا المجال، وبالفعل قامت المبادرة المعتمدة على فريق من الباحثين من دول عربية عدة بتوثيق ما يقرب من 4000 غلاف لكتب عربية متنوعة صدرت منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن ليقدم توثيقاً بصرياً عن شكل وتطور أغلفة الكتب على مر السنوات.

ويقول مؤسس المشروع، الباحث المصمم محمود الحسيني، إن "الأمر بدأ باهتمام شخصي بأغلفة الكتب والبحث في الهوية العربية والتصميم العربي، ويمكن القول إنه خلال حقبة التاريخ الحديث لا يوجد توثيق حقيقي لهذا الأمر على الرغم من أهميته الشديدة، فلا توجد مصادر أو شكل من أشكال التوثيق لهذا المجال، وفهم التصميم بشكل عام ومن بينه تصميم أغلفة الكتب لا ينفصل عن الواقع المحيط فهو جزء من السياق العام للمرحلة الزمنية بكل ما تشمله من مدارس فكرية وفلسفية، إضافة إلى علاقته بالفن والأدب وبحالة المجتمع ككل والوضع السائد فيه، فهو يمثل انعكاساً لحالة مجتمع معين في وقت معين، التصميم بشكل عام في مصر له جذور عريقة تمتد إلى مصر القديمة فهو ليس بالشيء الحديث".

ويضيف "أرى أن الفترة من السبعينيات وحتى أواخر الثمانينيات كانت متميزة في أغلفة الكتب، لأنه كانت هناك كتابات قوية في الفكر والأدب، وكان هناك انفتاح في الفكر إلى حد ما، فانعكس هذا على الأغلفة باعتبارها جزءاً من السياق العام، ولا يقتصر الأمر فقط على أغلفة الكتب إنما أغلفة المجلات الدورية التي كانت متصدرة في خلال هذه المرحلة مثل مجلة (صباح الخير) على سبيل المثال، فكانت أغلفتها شديدة التميز يقدمها كبار الفنانين في هذه الفترة".

وعن العوامل التي تؤدي إلى الحصول على تصميم جيد لأغلفة الكتب، يشرح الحسيني "بشكل عام يمكن القول إن الحصول على تصميم جيد يتطلب ثلاثة عوامل، الأول هو الاعتماد على مصمم محترف متمكن من أدواته يستطيع فهم واستيعاب الهوية العربية وتقديمها بشكل يتناسب مع الكتاب والقارئ، والأمر الثاني هو وجود صناعة وإنتاج على مستوى عال متمثل في جودة الورق وجودة الطباعة حتى لا تقلل من جهد المصمم وتظهر عمله بشكل جيد، الأمر الثالث هو وجود محتوى قوي يمكّن المصمم من الخروج بتصميم غلاف مميز للكتاب فهذه العوامل تتكامل مع بعضها ويرتبط كل منها ارتباطاً وثيقاً بالآخر".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات