ألقى رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، السبت 25 يونيو (حزيران)، باللوم على "مافيا" مهربي البشر في حادثة توغل عنيف ومميت للمهاجرين على الحدود المغربية مع جيب مليلية بشمال أفريقيا أمس، الجمعة.
وأسفرت الحادثة عن مقتل ما لا يقل عن 23 مهاجراً، وإصابة عشرات من الضباط الإسبان والمغاربة. بحسب آخر حصيلة نشرتها السلطات المغربية في مأساة جديدة مرتبطة بالهجرة على أبواب الاتحاد الأوروبي.
وقال سانشيز، في مؤتمر صحافي في مدريد، "لقد كان اعتداء على سلامة أراضي بلادنا".
كومة من المهاجرين
وظهر عشرات الأشخاص ممددين على الأرض، وقد سالت الدماء من بعضهم، فيما كان كثير منهم بلا حراك في مقطع فيديو زعمت منظمة حقوقية أنه يكشف المشاهد المروعة التي أعقبت محاولة عبور جماعي لمهاجرين من المغرب إلى جيب مليلية.
ولم تتمكن "رويترز" حتى الآن من التحقق من صحة مقطع الفيديو، الذي نشرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي منظمة مغربية تعمل مع المهاجرين في أجزاء من شمال البلاد، بما في ذلك المناطق المحيطة بجيب مليلية.
وقالت السلطات المغربية، في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، إن 18 مهاجراً لقوا حتفهم بعد أن سقط بعضهم من فوق سياج مرتفع، بينما قتل آخرون سحقاً بسبب التدافع، لكن تقديرات المكتب المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان تشير إلى مقتل 27 من دون تقديم تفاصيل عن العدد.
وذكرت السلطات الإسبانية والمغربية، أن نحو ألفي مهاجر حاولوا اقتحام السياج المحيط بالجيب للعبور إلى الأراضي الإسبانية، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة استمرت ساعتين مع قوات الأمن وحرس الحدود وأسفرت عن إصابة العشرات أيضاً.
وأظهر مقطع الفيديو، الذي نشرته الجمعية، عدداً كبيراً من المهاجرين الأفارقة مكدسين معاً وقد تكومت أجسادهم فوق بعضها، وكان العديد منهم بلا حراك، فيما قام عدد قليل منهم بإيماءات ضعيفة.
140 مصاباً من الأمن المغربي
وكشف المقطع نفسه قوات الأمن وهي تجر مهاجرين اثنين ينزفان وفي حالة من الوهن الشديد أمام كومة الراقدين على الأرض، كما ظهر في مقطع آخر نشرته الجمعية ضابط من الأمن المغربي يضرب مهاجراً كان ممدداً بين عدة مهاجرين مستلقين قرب سياج حديدي.
وقالت السلطات المغربية، إن 140 فرداً من قوات الأمن المغربية أصيبوا أيضاً في المناوشات، منهم خمسة في حالة خطيرة، على الرغم من عدم تسجيل وفيات بينهم.
وذكر متحدث باسم الحكومة الإسبانية في مليلية، أنه لم يمت أحد على الجانب الإسباني من الحدود، حيث أصيب 57 مهاجراً و49 من ضباط الشرطة.
عودة الهدوء
من ناحية أخرى، ساد الهدوء، صباح السبت، على حدود مليلية، وذكر صحافيون من وكالة الصحافة الفرنسية، أن الهدوء يسود في مدينة الناظور، وكذلك على حدود جيب مليلية من دون أي انتشار للشرطة.
ويشكل جيبا مليلية وسبتة الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي مع القارة الأفريقية ويشهدان بانتظام محاولات دخول مهاجرين يريدون الوصول إلى أوروبا.
تفاصيل الاقتحام
بدأت هذه المحاولة الجماعية لاقتحام السياج قرابة الساعة 06.40 عندما قامت "مجموعة تضم نحو ألفي مهاجر بالاقتراب من مليلية"، بحسب الشرطة المحلية.
وأضاف المصدر نفسه أن "أكثر من 500" منهم "قدموا من دول في أفريقيا جنوب الصحراء" واقتحموا المركز الحدودي مستخدمين "مقصات"، موضحاً أن 113 منهم نجحوا في الدخول.
وهذه المحاولة هي الأولى منذ عودة العلاقات إلى طبيعتها في منتصف مارس (آذار) بين مدريد والرباط، إثر خلاف دبلوماسي استمر قرابة سنة.
"لوبيات تهريب البشر"
وألقى حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة المغربية، بالتهمة على من وصفهم بـ"لوبيات تهريب البشر"، معتبراً أن هذه الشبكات تقف وراء مآسي الهجرة غير القانونية واقتحام سياج مدينة مليلية.
وأورد الحزب الحاكم في المغرب، أن شبكات تهريب البشر تستغل الظروف الاجتماعية لمواطني بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء. وشدد على ضرورة "التصدي الحازم لمثل هذه الأفعال التي تستهدف النيل من البلاد، والتشويش على تراكمها الإيجابي في معالجة قضايا الهجرة".
مساع مغربية لصد العبور
وانتشرت القوات المغربية بشكل واسع لمحاولة صد عملية الدخول على الحدود، وتعاونت "بشكل نشط ومنسق مع القوى الأمنية" الإسبانية، بحسب ما أفادت الشرطة الإسبانية.
وأظهرت صور بثتها وسائل الإعلام الإسبانية، مهاجرين مرهقين ممددين على رصيف في مليلية وبعضهم ملطخ بالدماء وملابسه ممزقة.
وأفاد المستشفى الحسني في الناظور، وهو غير بعيد عن مليلية، بأنه استقبل "عدداً" من عناصر الشرطة صباح الجمعة، فضلاً عن جرحى من المهاجرين من أصول أفريقية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المصالحة المغربية- الإسبانية
هذه المحاولة لدخول أحد الجيبين بأعداد كبيرة هي الأولى منذ عودة العلاقات إلى طبيعتها بين مدريد والرباط في منتصف مارس. وحصلت المصالحة بين البلدين بعد قرار إسبانيا تغيير موقفها المحايد إزاء نزاع الصحراء الغربية، لصالح مقترح الحكم الذاتي، الذي يطرحه المغرب حلاً وحيداً لإنهاء النزاع.
وخلال الأزمة بين الدولتين، دخل في مايو (أيار) 2021 أكثر من عشرة آلاف مهاجر في غضون 24 ساعة إلى جيب سبتة مع تراخي الجانب المغربي في عمليات التدقيق الحدودية.
وقبيل المصالحة، شهدت مليلية مطلع مارس محاولات دخول كثيفة ضمت أكبرها على الإطلاق 2500 مهاجر. وقد تمكن 500 منهم من الدخول إلى إسبانيا.
التهديد الأمني للهجرة غير الشرعية
وأدت عودة العلاقات بين البلدين إلى تراجع عدد الوافدين إلى جزر الكناري الأطلسية الإسبانية. وأظهرت أرقام نشرتها الحكومة، أن عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى جزر الكناري في أبريل (نيسان) كان منخفضاً بنسبة 70 في المئة بالنسبة لعدد الوافدين في فبراير (شباط).
وحذر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، في وقت سابق من الشهر الحالي، من أن بلاده "لن تسمح" باستخدام "الهجرة غير الشرعية وسيلة ضغط"، في تحذير غير مباشر للرباط.
وعلى مر السنوات، حاول آلاف المهاجرين عبور الحدود التي يبلغ طولها 12 كيلومتراً بين مليلية والمغرب، أو حدود سبتة التي يبلغ طولها ثمانية كيلومترات، عن طريق تسلق الأسوار أو السباحة على طول الساحل أو الاختباء في مركبات.
والمنطقتان محميتان بأسوار محصنة بالأسلاك الشائكة وكاميرات الفيديو وأبراج المراقبة. ولطالما كانت المدينتان نقطة خلاف في العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ومدريد، ويصر كلا الطرفين على أنهما جزء لا يتجزأ من أراضيه.