Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تستأنف الطريق "الوعرة" نحو قرض صندوق النقد

الحكومة تراهن على تمويل بـ4 مليارات دولار في وضع اقتصادي "كارثي" ورفض متواصل من جانب "اتحاد الشغل"

قدمت تونس ملفاً للصندوق يضم برنامج إصلاح هيكلياً للاقتصاد أهم خطوطه ترشيد الدعم وخفض الأجور (أ ف ب)

تستعد تونس لخوض جولة جديدة من المحادثات مع صندوق النقد الدولي في إطار سعيها لتوقيع اتفاقية للحصول على تمويل جديد، إذ تشهد المالية العمومية صعوبات نتيجة حال عدم الاستقرار التي مرت بها البلاد طوال الأعوام العشرة الماضية، والتي تلتها انعكاسات الأزمة الصحية على الاقتصاد وعمّقتها الحرب الروسية الأوكرانية.

وتفاقمت المديونية ليبلغ مستوى الديون 107 مليارات دينار (35.6 مليار دولار) في ظل نسبة نمو لم تتجاوز 3.1 في المئة عام 2021، و2.4 في المئة خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2022، مع تنامي التضخم إلى 7.5 في المئة خلال شهر أبريل (نيسان) 2022. وانطلقت النقاشات بين مسؤولين تونسيين وممثلين عن الصندوق منذ 23 مارس (آذار) الماضي، ووُصفت بـ"التقنية" في انتظار المفاوضات الرسمية، التي اختلف محللون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" بين من يصفها بالمتأخرة بسبب الإشكاليات التي تواجهها الحكومة في تنفيذ الإصلاحات التي التزمت بها والمرتبطة بالحصول على قرض الصندوق، ومن يعتبر أنها تمر بمراحل متعددة، في حين تتعرض المالية العمومية لضغوط بسبب المستحقات التي تواجهها، وهي خدمة الدين والأجور والدعم المتنامي بسبب ارتفاع أسعار المحروقات في السوق العالمية.

 مناخ اجتماعي متوتر

قدمت تونس ملفاً للصندوق يضم برنامج إصلاح هيكلياً للاقتصاد الوطني، تمثلت أهم خطوطه في ترشيد الدعم والتخفيض في كتلة الأجور المرتفعة بالقطاع العام ومراجعة النظام الجبائي وإصلاح المؤسسات العمومية. وجوبهت حزمة الإصلاحات المذكورة بتحفظ الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) بسبب ما اعتبره تهديدات بتسريح العمال في القطاع العمومي، ورفع الدعم وما سيؤدي إليه من صعود الأسعار.

وفي الأثناء، دعا الاتحاد إلى فتح جولة مفاوضات مع الحكومة لزيادة أجور القطاع العام، وانتقد الأمين العام نور الدين الطبوبي بشدة المذكرة التي تقدمت بها الحكومة إلى صندوق النقد الدولي، والإجراءات التي قال إنها تتعلق بالتقليص في كتلة الأجور ووقف الانتدابات بالوظيفة العمومية ورفع الدعم والتفويت في عدد من المؤسسات العمومية، في ظل موازنة مرتهنة لاستجابة الصندوق، داعياً إلى ضرورة مصارحة الحكومة التونسيين بالوقائع والإكراهات التي يمكن أن يسلطها صندوق النقد الدولي.

 إجراءات حاسمة وتشاور

 في الوقت الذي دعا صندوق النقد إلى ضرورة توافر مناخ اجتماعي مستقر لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في تونس، ذكر المتحدث باسمه جيري رايس منذ أيام أن الصندوق يواصل محادثاته مع السلطات التونسية، قائلاً "نظراً إلى الوضعية الاقتصادية الكارثية، فإن من الضروري اتخاذ إجراءات حاسمة وتنفيذ الإصلاحات من دون انتظار نهاية المحادثات، أو إبرام برنامج تعاون مع الصندوق، بعد أن أطلق الأخير منذ بداية 2022 مباحثات تقنية مع تونس، ونتابع تطور الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، على أن يتم تبني برنامج الإصلاح الداخلي على غرار ما تم تقديمه من الحكومة الحالية، لتتوافر له حظوظ أكبر للنجاح".

في المقابل، ردت وزيرة المالية سهام البوغديري على المشككين في تواصل المحادثات بسبب ما اتسمت به من بطء، والمناخ الاجتماعي المتوتر الذي يسود علاقة الحكومة بمنظمة الشغيلة، بأن الملف التونسي نال استحسان ممثلي صندوق النقد الذين اعتبروه جيداً، وأشارت إلى "لقاء إيجابي" جمع المديرة العامة للصندوق كريستالينا جورجيفا برئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن والوفد المرافق لها بمناسبة منتدى "دافوس" الاقتصادي، وتم خلاله تناول المستجدات المتعلقة بالوضع الاقتصادي والمالي في تونس، وكذلك برنامج الإصلاحات التي تستوجبها المرحلة الحالية الصعبة، إضافة إلى جانب كبير من الإصلاحات التي تتلاءم مع متطلبات البرنامج المزمع إبرامه مع صندوق النقد الدولي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضافت البوغديري أن التشاور مع الصندوق قائم، ولا صحة لما يُتداول بأن الصندوق لن يدعم تونس، معربة عن تفاؤلها بانطلاق المفاوضات في القريب العاجل، ومرجحة أن يتم ذلك في أقل من شهر. واستدركت أن إشارة البدء في المفاوضات ستأتي من قبل الصندوق.

وفي إطار السير في تنفيذ الإصلاحات المذكورة، دعت بودن في منشور حول إعداد مشروع موازنة عام 2023 إلى مزيد من التحكم في كتلة الأجور وترشيدها. ووجهت بعدد من الإجراءات العاجلة للتحكم في كتلة الأجور التي بلغت عام 2022 مستوى قياسياً بواقع 15.6 في المئة من الناتج المحلي الخام، مقابل 10 في المئة عام 2010. وتتمثل الإجراءات في حصر الانتدابات في الحاجات ذات الأولوية القصوى.

كما نبّهت رئيسة الحكومة إلى الارتفاع غير المسبوق في موازنة الدعم، سواء في ما يتعلق بدعم المحروقات، أو دعم المواد الأساسية، بخاصة الحبوب، في ظل الأزمات المتلاحقة من وباء كورونا إلى الحرب الأوكرانية. وقالت إن "ذلك يستوجب الانطلاق في تطبيق استراتيجية لإصلاح منظومة الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه، عبر تركيز منصة إلكترونية للانطلاق في تسجيل الراغبين بالانتفاع بالدعم".

الحكومة لا يمكنها خفض الرواتب

في المقابل، أكد نصر الدين النصيبي، الناطق باسم الحكومة، وزير التشغيل والتكوين المهني، في 30 مايو (أيار) الماضي، أن تونس بصدد التفاوض مع صندوق النقد الدولي بهدف عدم الإضرار بالمقدرة الشرائية للمواطن، مع إصلاح الاقتصاد في الوقت ذاته. وأوضح أن الحكومة لا يمكنها رفع الدعم، على الرغم من اشتراط صندوق النقد الدولي ذلك. وقد قدمت خطة للمؤسسة المانحة بإمكانها إرجاع الاقتصاد إلى سالف نشاطه، بخاصة أن المؤسسات العمومية تواجه صعوبات عدة، وتحتاج إلى تمويلات كبرى لإنقاذها.

واعتبر المحلل الاقتصادي حسين الرحيلي أن النسق الذي يشهده تنفيذ الإصلاحات في تونس يؤثر في سير المحادثات مع صندوق النقد. ويتحتم بمقتضاه انتظار ثلاثة أشهر على الأقل لانطلاق المفاوضات الفعلية بعدما عبّر الصندوق عن رغبته بالحصول على ضمانات مسبقة لتنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة التونسية. ويعود ذلك إلى تقديم حكومات سابقة وعوداً بتركيز جملة من الإصلاحات من دون الإيفاء بها، على الرغم من حصولها على تمويل من الصندوق في هذا الصدد.

ورأى محمد صالح سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي أن الحكومة تسير بخطى حثيثة لتحسين حوكمة المؤسسات العمومية، وهو في صميم الإصلاحات. ومن البديهي أن تسير النقاشات مع صندوق النقد بالتوازي مع وضع آليات لتنفيذ الإصلاح الهيكلي للاقتصاد. وينتظر أن يؤثر السير البطيء للنقاشات مع الصندوق في المالية العمومية بحكم الضغوط التي تتعرض لها والمتمثلة في تسديد الديون وتوفير الأجور، والدعم الذي يشهد ارتفاعاً بسبب الزيادات في أسعار الطاقة والأغذية، لكن الحكومة الحالية تجاري هذه الصعوبات، وتفي إلى الآن بالتزاماتها الخارجية على مستوى خدمة الدين، وسددت 3.36 مليار دينار (1.21 مليار دولار) من جملة الديون الخارجية لعام 2022 حتى الآن. ولم تتخلف عن التزاماتها الداخلية على الرغم من أن الموارد الداخلية لا تفي بتغطية الحاجات، وعمدت إلى إصدار سندات طويلة وقصيرة الأمد في هذا الصدد للاقتراض من السوق الداخلية، وهي أساليب لمجاراة النسق إلى حين الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي