Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل دخل بوتين حرب أوكرانيا بلا سترة مضادة للرصاص؟

تحركات موسكو العسكرية خلقت ضدها تحالفاً عالمياً وانضمام فنلندا والسويد لـ"ناتو" وعدم سرعة حسم المعركة يقلل من الخيارات الروسية

كان أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الحرب في أوكرانيا منع توسع الناتو باتجاه الشرق (أ ف ب)

تعيش القارة الأوروبية ومعها روسيا على وقع متغيرات جذرية في المشهد الأمني والجيوسياسي للقارة بأكملها، عمقها إعلان كل من فنلندا والسويد التخلي عن حيادهما العسكري القائم منذ عقود، والتوجه إلى الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، إثر مخاوف احتمالات تجاوز الجيش الروسي الجغرافية الأوكرانية التي يخوض فيها "عملية عسكرية خاصة" منذ الرابع والعشرين من فبراير (شباط).

وفي ظل عودة أجواء الصراع بين الشرق والغرب، الذي تجسد طوال عقود الحرب الباردة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينيات القرن الماضي، وفق توصيف البعض، تواجه موسكو اختباراً أمنياً غير مسبوق مع بدء عملية قبول عضوية هلسنكي وستوكهولم في حلف "الناتو"، إذ يعني إتمام الأمر زيادة الحدود المشتركة للتكتل العسكري الغربي مع روسيا بحوالى 1300 كلم، وتكريس الضمانات الأمنية من دول تمتع بقدرات نووية للدولتين الإسكندنافيتين، وعودة توسع الحلف شرقاً صوب الحدود الروسية، الذي كان أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التوجه عسكريا إلى الحدود الأوكرانية.

وأمام خيارات روسية، تتوقف وفق توصيف بوتين على، "توسيع البنى التحتية العسكرية للناتو في أراضي فنلندا والسويد"، ترجح أغلب آراء المراقبين، على اعتبار انضمام هلسنكي وستوكهولم إلى حلف الأطلسي يعد أحد أبرز التداعيات غير المحسوبة التي يواجهها الرئيس الروسي جراء الحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع مستوى التوترات العسكرية في القارة الأوروبية، وانخفاض القدرة على التوقع بالمستقبل، لا سيما أن الحرب في أوكرانيا اقتربت من تجاوز شهرها الثالث، ولم تحسم بعد لصالح أحد أطرافها.

هل أخطأ بوتين الحسابات؟

بحسب التصريحات الرسمية السويدية والفنلندية، فإن قرار الانضمام لحلف "الناتو"، الذي تقدم به البلدان رسمياً الأربعاء الماضي 18 مايو (أيار) إلى مقر الحلف في بروكسل، جاء كنتيجة مباشرة للحرب في أوكرانيا، وبعد قطيعة "تاريخية" مع حيادهما العسكري الذي كانا يريان في تجاوزه خطوة استفزازية غير ضرورية لموسكو، وعليه اختارا تجنب استعداء قوة إقليمية كبرى. لكن "العملية العسكرية" الروسية في الجارة السوفياتية السابقة، غيرت المشهد الأمني في أوروبا بأكمله، وباتت تعيد تشكيل أنماط التفكير القائمة منذ عقود في القارة العجوز، وفق ما يقول مراقبون.

ويرى ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، أنه "يمكن تفسير الخطوة الفنلندية والسويدية نحو الناتو للوهلة الأولي إنها نتاج واضح للغاية لتداعيات الحرب الروسية الأكثر تدميرا في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية"، مضيفاً بحسب ما كتبه في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، "مع استمرار تلك الحرب وتهديدها بأن تصبح مأزقاً مدمراً، خلصت الدولتان الإسكندنافيتان إلى أن بيئتهما الأمنية تتدهور واختارتا الحماية الأكبر التي يعتقدان أن عضوية الناتو ستوفرها".

إلا أن والت، يعود متسائلاً، أن "هذا التفسير يترك بضعة أسئلة دون إجابة، بينها لماذا التخلي عن الحياد الآن وتغيير المسار بعد عقود في الحالة الفنلندية وقرنين في الحالة السويدية؟"، يجيب، "هذا مثال كلاسيكي لنظرية توازن القوى بشكل عملي".

ويوضح والت، "ربما كان المرء يعتقد أن الأداء العسكري السيئ لروسيا في أوكرانيا كان سيجعل هلسنكي وستوكهولم تشعران بأمان أكبر وليس أقل، حيث أظهرت الحرب أن القوات المسلحة الروسية ببساطة ليست بارعة في غزو الدول الأخرى، وأن مزيج العقوبات الغربية، وتكاليف الحرب نفسها، واستمرار هجرة الأدمغة من الشباب الروس وانخفاض إجمالي عدد السكان وتراجع الأعمار، ستقلل من إمكانات القوة في روسيا لسنوات مقبلة"، وعلى الرغم من ذلك يضيف، "عندما يتذكر المرء أن السويد ظلت محايدة طوال الحرب الباردة، عندما كانت القوة السوفياتية في أوجها، فإنه من المحير إلى حد ما على الأقل أن السويد وفنلندا اختارت هذه اللحظة لتقرر أنهما بحاجة إلى حضن الناتو".

ومضى والت في شرحه قائلاً، "تختفي مثل هذه الألغاز إذا أدركنا أن نظرية توازن القوى التقليدية غير مكتملة، إذ تولي الدول اهتماماً وثيقاً لميزان القوى، لكن ما يهتمون به حقاً هو التهديدات. حيث يمثل مستوى التهديد الذي تشكله الدولة للآخرين جزءاً من قوتها الكلية، ولكن أيضاً قدراتها العسكرية المحددة خصوصاً قدرتها على قهر أو إلحاق الأذى بالآخرين، وقربها الجغرافي، ونواياها المتصورة". يتابع، "بشكل عام، الدول القريبة أكثر خطورة من تلك البعيدة".

 

وبحسب والت، "تشرح نظرية توازن التهديد، حالة السويد وفنلندا، فمن الواضح أن نقطة التحول كانت وجهة نظر متغيرة للنوايا الروسية"، مستشهداً في ذلك بتصريحات رئيسة الوزراء السويدية ماغدالينا أندرسون لشرح خطوة بلادها الانضمام إلى "الناتو"، قائلة "إنها غيرت وجهة نظرها بشأن استعداد روسيا لاستخدام العنف وتحمل مخاطر هائلة". يتابع والت، "يخبرك رد الفعل السويدي والفنلندي على وجه الخصوص من خلفه رد الفعل الغربي بالكثير عن كيفية إدراك الدول للتهديدات والرد عليها. فبشكل عام، تواجه الدول صعوبة أكبر في معرفة كيفية التعامل مع الدول التي تزداد قوتها بسبب جهودها الداخلية، ولكنها لا تستخدم بعد هذه القوة لتغيير الوضع الراهن أو تحاول أن تصبح أقوى من خلال الاستيلاء على أراض من دول أخرى".

يستدرك، "بغض النظر عن دوافع بوتين، فمن الواضح الآن أنه أخطأ في الحسابات على مستويات عدة، حيث استخف بالقومية الأوكرانية، وبالغ في تقدير القدرات العسكرية الروسية، كما فشل في فهم درس رئيس من واقعية السياسة الخارجية، وهو توازن الدول ضد التهديدات"، مضيفاً أن "استخدام القوة لتغيير الوضع الراهن هو أكثر فعل مهدد يمكن أن يقوم به أي بلد".

ويمضي والت في شرحه، "قد تكون الحرب ضرورية في بعض الأحيان بالنسبة إلى الدول، لكن فكرة شن الحرب تنذر دائماً الدول الأخرى، وعادة ما قد يوحدها لاحتواء الخطر"، مضيفاً، "في حالة الحرب الروسية الأوكرانية، ربما كان الرئيس الروسي يعتقد أن أوروبا كانت منقسمة للغاية وتعتمد على نفط وغاز بلاده أكثر من أن تعارض تحركه، لذلك راهن على أنه يستطيع تحقيق أهدافه بسرعة والعودة في النهاية لخططه كالمعتاد، إلا أن ما حدث كان عكس ذلك، إذ دفع سلوكه الدول إلى إعادة تقييم النوايا الروسية، والعمل على موازنة التهديد والقوى"، يتابع، "كما أظهر سرعة رد الفعل الغربي وتوحده وسعيه و"الناتو" لإمداد أوكرانيا بالأسلحة المتطورة، إلى تشجيع فنلندا والسويد على المضي في خطوة عضويتهما نحو حلف الأطلسي العدو اللدود لموسكو".

من جانبه، ووفق ما كتبه، فريزر نيلسون، في صحيفة "التلغراف" البريطانية، عما سماه "مؤامرة بوتين لتفكيك الغرب التي جاءت بنتائج عكسية مفاجئة"، فإن جولة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى أقصى الشرق الآسيوي (كوريا الجنوبية واليابان)، تسعى من خلالها الإدارة الأميركية لمزيد من استمالة الجناح الآسيوي من أجل تحالف جديد مناهض لبوتين"، موضحاً "أن الحرب الروسية على أوكرانيا خلقت من غير قصد شيئاً أوسع نطاقاً، وأكثر فاعلية من مفاهيم (روسيا ضد الناتو) أو (روسيا ضد الغرب) ووصلت لحد "تحالف عالمي من الديمقراطيات" في مواجهته.

يشير نيلسون، إلى بعض التغيرات الجوهرية التي شهدتها منطقة شرق آسيا رداً على الحرب الروسية في أوكرانيا لمواجهة سياسات بوتين، إذ أعادت اليابان تسليح نفسها ونهضت دول أخرى محايدة سابقاً، وفرضت عقوبات وانحازت إلى الجانب الأوكراني، بعكس الحال الذي كانت عليه تلك الدول الآسيوية التي كانت محايدة أو هادئة على الأقل، طوال فترة الحرب الباردة، حيث تحشد الآن من أجل قضية الديمقراطية، وتتطوع من خلال انضمامها إلى فرض العقوبات على موسكو، بينها سنغافورة التي لم تفرض عقوبات على أي دولة منذ غزو فيتنام لكمبوديا عام 1978، إلا أنها انضمت لصف الغرب، بعد أن اعتبرت أن الحرب الروسية في أوكرانيا تمثل "تهديداً وجودياً" لها.

ووفق نيلسون فإن "اندفاع الديمقراطيات الآسيوية نحو الدفاع عن أوروبا يظهر أن تحالفاً جديداً قد تبلور، يتجاوز ما كان يعرف معسكر الشرق والغرب، ويصل حد العالم الحر وما سواه".

أي خيارات أمام بوتين؟

بحسب قراءة ردود الفعل الروسية الأولية على خطوة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف "الناتو"، فإن انضمام البلدين الإسكندنافيين للحلف لم يكن في صالح موسكو التي لطالما تحركت نحو منع توسع حلف الأطلسي شرقاً، حتى وإن ربط الرئيس الروسي تحديد رد فعل بلاده بـ"توسيع الحلف لبنيته العسكرية التحتية على أراضيهما".

ويبدو أن ردود الخارجية الروسية كانت أقرب لقراءة، كيف تنظر موسكو للخطوة، إذ شدد نائب وزير الخارجية الروسي سيرغى ريابكوف، على أن "العالم سيتغير جذرياً بعد قرار فنلندا والسويد"، محذراً بحسب تصريحات أوردتها وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، من أن الخطوة "سينجم عنها تداعيات واسعة. ولا يجب أن يظن البلدان أن موسكو ستتقبل قرارهما ببساطة"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "مستوى التوتر العسكري سيزداد بسرعة يصعب معه التنبؤ بما سيحدث"، كذلك حذرت "الخارجية الروسية" من أن الخطوة ستضطرها لـ"اتخاذ خطوات انتقامية، من أجل وقف التهديدات لأمنها القومي، وأن اقتراب (الناتو) من حدودنا لا يجعل العالم وقارتنا أكثر استقراراً وأمناً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك كان لافتاً إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الجمعة 20 مايو، أن بلاده ستُنشئ 12 قاعدة عسكرية جديدة غرب البلاد رداً على تعزيز "الناتو" قواته وتوسعه المنتظر في فنلندا والسويد.

وقال شويغو أمام مسؤولي وزارته والجيش "بحلول نهاية العام، سننشئ 12 قاعدة عسكرية وسننشر وحدات في المنطقة العسكرية في الغرب"، من دون تحديد طبيعة هذه المنشآت ولا حجمها. مشيراً في الوقت ذاته إلى "تزايد التهديدات العسكرية على الحدود الروسية".

وأمام هذه التطورات تتعقد الخيارات أمام موسكو، التي لا تزال لم تحسم معركة أوكرانيا بعد، وتواجه أعنف عقوبات اقتصادية يفرضها الغرب على دولة في التاريخ الحديث. ويقول ساشا توبريتش، نائب الرئيس التنفيذي لشبكة القيادة عبر المحيط الأطلسي، "تتغير الجغرافيا السياسية في القارة الأوروبية بشكل كبير وسريع جراء الحرب الأوكرانية"، مضيفاً لـ "اندبندنت عربية"، "خطوة تخلي فنلندا والسويد عن حيادهما القائم منذ عقود سيعيد تشكيل التفاعلات الأمنية والاستراتيجية في القارة العجوز بشكل لم يتضح بعد حتى اليوم".

وبرأي، توبريتش، "فإنه لا يرجح تصعيداً على المستوى القريب بين روسيا وكل من فنلندا والسويد، على الرغم من تأكيده ارتفاع منسوب التوترات الأمنية مع وجود الناتو على الحدود الروسية، إلا أن كافة الأطراف مع هذه التغيرات تدرك أن التصعيد غير المحسوب لن يكون في صالح أي من الأطراف".

ويوضح توبريتش، "باتت التوترات بين موسكو وحلف الأطلسي عميقة لدرجة لم يعد بالإمكان العدول عنها أو تجاوزها في المستقبل القريب، ويمثل انضمام دولتين بارزتين في الشمال الأوروبي للناتو فشلاً سياسياً كبيراً لسياسات بوتين المناهضة في هذا الاتجاه".

من جانبها، ووفق تقييم مجلة "ناشيونال انتريست" الأميركية، قد يلجأ الرئيس الروسي لخيارات "باهظة الثمن" وقاسية استمر تعثرها، موضحة "سيكون أخطر شكل من أشكال التصعيد هو توجيه ضربة غير تقليدية تستهدف أوكرانيا أو دولة من دول الناتو، لا سيما أن هناك مؤيدين داخل الكرملين يرغبون في تصعيد لغة الحرب لإثارة مزيد من المخاوف لدى الغرب ودفعهم باتجاه ضرورة السعي نحو إنهاء الحرب بشروط مقبولة لروسيا".

بدورها تري صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الخطوة الفنلندية والسويدية، كانت بمثابة "تحول ضخم في بنية الأمن في أوروبا"، إذ كشفت الحرب الروسية في أوكرانيا لدول الجوار أن "موسكو أصبحت بمثابة ذلك الجار الخطير والمقلق، وأن الحاجة باتت ضرورية  لتغيير البوصلة، والاتجاه أكثر نحو الناتو لتأمين سياستها الأمنية الداخلية".

وأضافت الصحيفة "أن الدروس التي استخلصتها دول الجوار الروسي من حرب أوكرانيا، هي أن موسكو مستعدة على الدوام لشن حروب على جيرانها، التي لا تمتلك مظلة عسكرية دفاعية مثلما هو الأمر بالنسبة لفنلندا والسويد".

المزيد من تقارير