Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متحف السودان البديل يقدم حكايات استعمارية مجهولة

الفنان أمادو الفادني جمع بطاقات وصوراً تكشف المآسي التي حلت بالسودانيين

بطاقة بريدية سودانية مدفوع رسمها في أيام الإنتداب (الخدمة الإعلامية للمعرض)

بطاقات بريدية عليها صور لفتيات ورجال سودانيين كان يرسلها جنود الاحتلال إلى عائلاتهم أثناء حقبة الاستعمار. تم انتقاء أصحاب الصور ذوي البشرة الداكنة بعناية كي تدل ملامحهم على الثقافة التي ينتمون إليها، ولتشبع كذلك النظرة النمطية لدى المستعمر. جمع الفنان أمادو الفادني هذه البطاقات وعالجها بعناية، طامساً جانباً من تفاصيلها أو مضيفاً إليها بعض العناصر واللون، لكنه حافظ في الوقت نفسه على هيئة أصحابها، متسائلاً عن الظروف التي تم في ظلها التقاط هذه الصور، وكيف أصبح هؤلاء نموذجاً للمصور الأوروبي.

هذه الصور وغيرها هي جزء من معرض شامل يستضيفه حالياً غاليري سولجر بيل في العاصمة البريطانية لندن حتى 30 يونيو (حزيران) القادم تحت عنوان "متحف السودان البديل" ويضم عدداً من المشاريع الفنية التي عمل عليها الفنان أمادو الفادني خلال السنوات الخمس الماضية. هذه المشاريع تمثل سلسلة ممتدة من البحث والتقصي حول الحقبة الاستعمارية وتبعاتها وانعكاساتها الآنية. تمثل هذه المشاريع جانباً من بحث الفنان حول ذاته وثقافته من ناحية، وتقصياً حول العلاقة المشتبكة بين الشرق والغرب.

أمادو الفادني فنان ولد في القاهرة عام 1976 لأبوين سودانيين، فهو فنان قاهري كما يصف نفسه، غير أن جذوره السودانية الأفريقية كانت تدفعه دائماً إلى التساؤل عن فكرة الهوية وما ارتبط بها من خطابات قومية وعرقية، وكان لابد لهذه الازدواجية الثقافية أن تنعكس على تجربته البصرية بلا شك وتدفعه دفعاً إلى تأمل ملامحها ومقوماتها.

تعتمد تجربة أمادو الفادني على جانبين يتمثل الأول في تأمله لوضعه الراهن كفنان قاهري ذي خلفية سودانية. ولذلك فهو مرغم على الاشتباك مع الأحداث والوقائع المحيطة به. أما الجانب الآخر فيتمثل في اقتفائه لجذوره ورغبته في التنقيب عن الروايات المسكوت عنها تاريخياً، هذه الروايات التي لا تنفصل عنه وعن تاريخ عائلته كما يقول.

ومن بين مشاريعه اللافتة التي أنجزها في هذا السياق ويضمها العرض الحالي، يبرز عمله الذي قدمه عام 2017 تحت عنوان "العاج الأسود" وهو تجهيز متعدد الوسائط، تتبع خلاله الفادني قصة 520 جنديا أفريقيا انضموا عنوة إلى الجيش الفرنسي في حرب المكسيك عام 1864. تناول الفادني رحلة هؤلاء الجنود من السودان إلى المكسيك، عبر الطرق الوعرة بين السودان ومصر، وصولاً إلى موانىء البحر الأبيض المتوسط. اعتمد العمل على خلق حالة من الاشتباك بين الصورة البصرية التي تمثلها المنحوتات المصنوعة على هيئة قطع كبيرة من العاج مطلية باللون الأسود من جانب، والسرد الصوتي لرحلة أحد هؤلاء الجنود بلغته الأصلية من جانب آخر، مع ترجمة لهذا النص في كتيب صغير متاح للجمهور. العاج الأسود هنا يشير إلى البضاعة التي كان يُجبر المختطفون على حملها في طريق هجرتهم، كما أنها التسمية التي كان يطلقها عليهم تجار العبيد في تلك الحقبة.

متحف المآسي

يجمع الفنان أمادو الفادني في أعماله بين مجموعة من الممارسات الفنية المختلفة، فهو يمارس الرسم والتصوير ويتعامل مع الفوتوغرافيا، كما أن له عدداً من أعمال التجهيز في الفراغ في إطار هذا المشروع الممتد لتوثيق الروايات التاريخية المهمشة. بين أبرز هذه الأعمال التي قدمها الفادني يأتي "متحف الهولوكوست الأسود" وهو عمل تجهيزي تناول فيه أحدى المآسي الكبرى التي دارت وقائعها في أفريقيا في بدايات القرن الماضي، وراح ضحيتها آلاف الأشخاص من قبيلتي الهريرو والناماجو.

من خلال المعلومات والبيانات القليلة المتوفرة استطاع الفنان أن يرسم صورة قريبة مُتخيلة لتلك المأساة التي لا يعرف عنها الكثيرون شيئاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي مشروع آخر يعرضه تحت عنوان "الآس البستوني" اعتمد الفادني على مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية التي كانت تُستخدم للدعاية الحربية في تلك الفترة في أوروبا على هيئة بطاقات بريدية (كروت بوستال)، يظهر فيها الجنود الأفارقة بزيهم الحربي. في هذه الصور كان يتم اختيار الأشخاص ذوي البنية القوية، من أجل التباهي أو زرع الخوف في قلوب الجيوش المعادية. تعامل الفنان مع تلك الصور وعالجها طباعياً، مضيفاً إليها بعض العناصر الداعمة بالرسم والتلوين، أو التوليف بين عدة مشاهد مختلفة. جميع اللوحات في هذا المشروع تحميل هيئة ورقة اللعب المعروفة باسم الآس البستوني، وهي الورقة التي كانت تحمل أختام الجيوش الاستعمارية، ففي تلك الحقبة كانت تلك الدول توزع على الجنود، كما يقول الفادني أوراق اللعب من أجل التسلية. وكان يمنع تداول تلك الأوراق خارج إطار تلك الجيوش، لذا فقد كان يتم وضع أختام الدولة عليها. اتخذ الفنان من تلك الورقة محوراً لهذه الأعمال المعروضة، فهي الورقة التي كانت تحمل أختام السلطة الاستعمارية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة