Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"موسكو 2042"... نبوءة ساخرة عن مستقبل روسيا حققها بوتين

توقع المؤلف فلاديمير فوينوفيتش أن ضابطاً كبيراً سابقاً في الـ "كي جي بي" سيحكم حتى نهاية حياته محاطاً بأصدقائه من أيام عمله في جهاز المخابرات

رحلة فلاديمير بوتين إلى الكرملين تشبه حبكة روائية (أ.ب)

في الأوقات التي تكتنفها الشكوك وتسودها أجواء القلق والحيرة حيال المستقبل، كتلك التي نعيشها حالياً والتي عشناها خلال فترة سيطرة وباء كورونا على حياتنا، وعند مرور العالم بأحداث مهمة وعلامات فارقة مثل الحرب الحالية التي تشنها روسيا على أوكرانيا أو وصول شخص كدونالد ترمب إلى البيت الأبيض أو صعود رجل إلى الفضاء لاستكشافه كما فعل ريتشاد برانسون، يجد كثيرون مهرباً وعزاء في الأعمال الأدبية والفنية الحديثة منها والقديمة، وكثيراً ما وجد طالبو السلوى والتسلية تشابهاً بين تلك الأحداث الكبيرة وأمور تنبأت بها أعمال صيغت قبل سنوات وأحياناً قبل عقود، وتبدأ المقارنات والموازنات.

طريق بوتين الخيالي

قبل حوالى أربعة عقود تقريباً، وبالتحديد في العام 1986، عندما كان الاتحاد السوفياتي يقترب من نهايته، حاول روائي روسي ساخر تخيل مستقبل وطنه. لقد تصور وصول شخص إلى سدة الحكم كان قد ارتقى في صفوف الـ "كي جي بي"، واستخدم الحرب لتعزيز سلطته، ورقى زملاءه الأمنيين السابقين إلى مناصب متنفذة، وادعى أنه يستمد السلطة من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وسيطر على حكم البلاد لعقود، وبعبارة أخرى تنبأ الكاتب بقدوم فلاديمير بوتين.

كان هذا المؤلف هو فلاديمير فوينوفيتش، وروايته التي تحمل عنوان "موسكو 2042" هي عبارة عن هجاء بائس يحكي قصة رجل يذهب في رحلة إلى القرن التالي.

يذهب بطل الرواية، الكاتب المستقل فيتالي نيكيتيش كارتسيف، في رحلة فضائية عبر خطوط لوفتهانزا في عام 1982، ويتناول أثناء الرحلة عدداً لا نهائياً من أقداح الفودكا، ثم ينزل من الرحلة في عام 2042. إنه لا يصادف كثيراً من التكنولوجيا المتطورة المستقبلية التي تثير دهشته. يقول كارتسيف، "يجب على الأشخاص المهتمين بمثل هذه الأشياء قراءة قصص الخيال العلمي"، وفي الصورة التي يرسمها فوينوفيتش لروسيا في الألفية الحالية، لا يزال الاتحاد السوفياتي محافظاً على قوته.

لكن تصور فوينوفيتش للحاكم الذي سيجلس على عرش البلاد طوال حياته يتمتع ببصيرة ملحوظة، ويعرف هذا القائد في الرواية باسم "جنياليسيمو"، "شخصية سياسية عظيمة، وصديق للبشرية جمعاء، قادر على تحويل الطبيعة، وعبقري متعدد الأوجه"، بحسب تعبير كارتسيف عندما يصفه لأحد المواطنين.

لكن أحد الحاضرين في حفل استقبال الكاتب في عام 2042 يسترسل أكثر في وصف القائد العظيم قائلاً "إن جنياليسيمو هو في الوقت نفسه الأمين العام لحزبنا، ويحمل رتبة جنرال عسكري، وعلاوة على ذلك، إنه يتميز عن الجميع".

تشابهات لافتة

كما هو الحال مع الشخصيات الجليلة، فإن التفاصيل المتعلقة بمظهره المادي تمر بشكل خاطف، حفاظاً على هالة القداسة التي يتمتع بها. يلاحظ كارتسيف أن "جنياليسيمو بدى في صوة بورتريه وهو يحدق في نظرة رضاً عن النفس". وعلى الرغم من أن الرواية لا تشتمل تصويراً للقائد ممتطياً صهوة جواده وهو عاري الصدر كما فعل بوتين في إحدى إجازاته في صربيا عام 2009، إلا أن أفعاله في العمل المكتوب عام 1986 تحمل تشابهاً غريباً مع تصرفات الرئيس الروسي الحالي.

أولاً، يتم الحديث عن مكانة جنياليسيمو في طبقة الشيوخ الحاكمة. أحد المسافرين المرافقين لكارتسيف في رحلته الفضائية هو إرهابي يساري من ميونيخ يسافر إلى المستقبل لجمع الأدلة على قدرة أيديولوجيته على الصمود، ويقول إنه "في ظل الشيوعية سيكون الجميع شباباً وسيمين أصحاء ومحبين لبعضهم بعضاً"، لذلك يتفاجأ كارتسيف عندما يكتشف أن روسيا المستقبلية ستكون تحت حكم جيناليسيمو المسن وجماعته من البيروقراطيين البائسين.

كان بوتين يبلغ من العمر 47 عاماً فقط عندما تولى الرئاسة للمرة الأولى، لكن في العام 2021 أقحم تغييراً دستورياً يسمح له بشغل المنصب حتى العام 2036، أي السنة التي سيتم فيها عامه الـ 84.

التقدم في السن ليس العامل الوحيد الذي يشترك فيه جيناليسيمو مع بوتين، بصفته ضابطاً كبيراً سابقاً في الـ "كي جي بي" أمضى سنوات عدة في ألمانيا، ملأ جيناليسيمو حكومته بأصدقائه من أيام عمله في جهاز المخابرات، وقاموا سوية بإنشاء حزب أمن الدولة الشيوعي، وهو عبارة عن مزيج متشابك من المشرعين والشرطة السرية الذين يترأسون "مجتمعاً شيوعياً لا طبقياً ولا يتبع نظاماً معيناً".

كان بوتين يعمل في ألمانيا الشرقية من منتصف الثمانينيات حتى سقوط جدار برلين. (تم العثور أخيراً على بطاقة أمن الدولة الخاصة به في أرشيف شرطة دريسدن السرية). مثله مثل جيناليسيمو، قام بتعيين زملاء أمنيين سابقين في مناصب عليا، ومن بين هؤلاء إيغور سيتشين، الرئيس التنفيذي لشركة النفط العملاقة روسنفت، الذي ورد أنه "يوعز بإظهار الولاء لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي (إف إس بي)، الوكالة التي خلفت الـ "كي جي بي"، وسيرغي إيفانوف، الذي شغل منصب رئيس أركان الكرملين حتى العام 2016، ونيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي الذي يترأسه بوتين أيضاً.

الكنيسة أيضاً

في الملخص الذي نشرته صحيفة "ستارز آند سترايبس" للرواية، توقع المؤلف فوينوفيتش أيضاً أن الكنيسة ستستمتع بعودة قوية في روسيا المستقبلية، بعد تعرضها للقمع في الحقبة الشيوعية السابقة. يعتبر الزواج بين الجنسين أمراً مقدساً في "موسكو 2042"، حيث تستمر العلاقات لمدة أقصاها ثماني سنوات، ثم يتم "حلها تلقائياً عندما تنتهي سنوات الخصوبة عند أحد الشريكين (في سن الـ 45 بالنسبة إلى المرأة، والـ 50 للرجل)". بالنسبة إلى أصحاب الإيمان الضعيف، يتم تذكيرهم بأن يسوع هو أحد أسلاف جيناليسيمو، إضافة إلى ستالين ولينين طبعاً.

ربما لا يعتبر بوتين نفسه رأس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، على الرغم من أنه أشار إلى أن حكمه لروسيا وكذلك أوكرانيا مبني على أساس روحي، كما أنه استخدم الدين لإحكام قبضته على السلطة، وعارض المثلية الجنسية والطلاق باسم الدين.

حاله كحال جيناليسيمو، قام ببعض الاستثمارات الضخمة. في الكتاب، موسكو هي المدينة المزدهرة الوحيدة المتبقية في الاتحاد السوفياتي، أما بقية مناطق الدولة فهي فقيرة ومعزولة، على غرار ما يحدث في سلسلة أفلام "ماد ماكس"، وبالمقارنة كشفت أوراق باندورا التي نشرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن بوتين، الذي دان علناً الأثرياء ورجال الصناعة الفاسدين، مرتبط عبر شركات وهمية بشراء عقارات فاخرة في موناكو.

يبدو أن توقعين آخرين من رواية "موسكو 2042" تنبآ بوصول بوتين إلى السلطة. يكتسح جيناليسيمو الزعامة باعتباره بطل "حرب بورياتا المنغولية الكبرى التي انتهت أخيراً"، ثم يضمن شعبيته بالخروج منتصراً من "ثورة أغسطس الكبرى"، على غرار المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد الرئيس ميخائيل غورباتشوف عام 1991.

أصبح بوتين النائب الأول لرئيس الوزراء خلال حرب الشيشان الثانية في التاسع من أغسطس (آب) عام 1999، وتم تعيينه رئيساً للوزراء بالوكالة في الاتحاد الروسي في وقت لاحق من ذلك اليوم. وبحلول نهاية الشهر كانت القوات الجوية الروسية تشن غارات على الشيشان، وساعدت في شخصية بوتين المقترنة بفرض القانون والنظام في تعزيز شعبيته.

وعلى الرغم من أن محاولة الانقلاب التي وقعت في الاتحاد السوفياتي خلال أغسطس عام 1991 لم تكن ثورة من الناحية الفنية، إلا أن الدبابات شوهدت في الساحة الحمراء حيث كان الشيوعيون المتشددون يحاولون استعادة الاتحاد السوفياتي بالقوة، واستخدم بوتين علاقاته الأمنية مع المخابرات السوفياتية لحماية أول رئيس بلدية منتخب لسانت بطرسبرغ في فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي (الذي شغل بوتين منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية لديه). لكن في وقت لاحق في العام 2014، كرم أحد مخططي الانقلاب، وهو وزير الدفاع السوفياتي السابق دميتري يازوف، بتقليده وسام الشرف الروسي "لإنجازاته الكبيرة في أنشطة مجتمعية مفيدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عن المؤلف

في العام 2017 قال الكاتب فوينوفيتش أثناء مخاطبته جمهوراً روسياً يهودياً مهاجراً في نيو جيرسي، "في المرة القادمة سأكتب حكاية طوباوية. يقول الناس إن كل الأشياء السيئة التي أكتب عنها تتحقق، لذلك سأكتب عن أمور جيدة"، لكن المؤلف توفي في السنة التالية، لكن ليس قبل مقارنة روسيا تحت حكم بوتين بالاتحاد السوفياتي الذي ترعرع في كنفه، "من بعض النواحي، الوضع اليوم أسوأ".

كانت علاقة الكاتب بوطنه الأم مشوشة. تم القبض على والده عندما كان فوينوفيتش في الرابعة من عمره ضمن سلسلة حملات القمع والاضطهاد السياسي في الاتحاد السوفياتي التي دبرها ونفذها جوزيف ستالين والمعروفة باسم "التطهير العظيم". في سبعينيات القرن الماضي حظر الاتحاد السوفياتي قصة فوينوفيتش عن الحرب العالمية الثانية التي تحمل عنوان "الحياة والمغامرات غير العادية للجندي إيفان تشونكين".

بحلول عام 1980، أي بعد 20 عاماً من كتابته كلمات أغنية "14 دقيقة على الإقلاع"، وهي أغنية بوب حققت نجاحاً ضخماً، أصبحت النشيد غير الرسمي لبرنامج الفضاء السوفياتي، تم وصفه بأنه منشق وأجبر على العيش في المنفى.

سيعود فوينوفيتش إلى الاتحاد السوفياتي ليشهد سياسة الانفتاح والشفافية التي أطلقها ميخائيل غورباتشوف والجفاف الاقتصادي في سنوات ما بعد الشيوعية.

وفي العام 2000 نشر فوينوفيتش رواية "دعاية ضخمة" التي تصور محاولات امرأة مؤمنة بستالين التشبث بمعتقداتها لمدة 50 عاماً بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما سرقت القاعدة التي كان تمثال أيقونتها منتصباً فوقها، رأت شخصاً يخرج من مكان القاعدة السابق. يصف فوينوفيتش الشخص الذي ظهر بأنه كان "مبتسماً" و "رافعاً يده اليمنى وملوحاً بها". وفي العام نفسه تم تنصيب بوتين رئيساً لروسيا.

المزيد من كتب