Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مهمة بوتين التالية ستكون "روسنة" أوكرانيا وفظائعه ما زالت في بدايتها

تكمن دلالاته الأوسع في ما يخبرنا إياه عن نيات روسيا تجاه الأراضي التي تحتلها

دمر القصف مركزاً تجارياً في كييف (رويترز)

من أكثر التطورات المقلقة في أوكرانيا خلال الأيام الأخيرة، وهذا واحد من الأحداث الهمجية والفظائع بلا شك، زعم مجلس مدينة ماريوبول بأن آلاف مواطني المدينة اقتيدوا بالإكراه إلى روسيا.

لم تثبت المصادر الإخبارية الموثوقة صحة هذا الكلام، وهي مهمة متعذرة أساساً، ولكن الزعم قد يكون صحيحاً للأسف، فأهمية الأوكرانيين الجائعين الهاربين من الاضطهاد النازي الجديد المفترض للأغراض الدعائية، واضحة للعيان.

قد تتخيل أن المبعدين من ماريوبول ومعظمهم من النساء والأطفال والمسنين، يشقون طريقهم نحو مخيمات وقد لا يعودون أبداً إلى الديار، فبحسب علمنا ليس في روسيا برنامج يقضي بفتح الناس أبوابهم لاستقبال اللاجئين، لا سيما أن اللاجئين الذين تعرضوا للقصف قد يبدأون بنشر الحقيقة حول جرائم الحرب.

قياساً على عدد الأوكرانيين النازحين من منازلهم والذي يقارب الـ 10 ملايين نسمة، يبدو عدد المبعدين من ماريوبول متدن نسبياً، ولكن دلالاته الأوسع الأكبر تكمن في ما يخبرنا إياه عن النيات الروسية تجاه الأجزاء التي تحتلها في أوكرانيا أو التي ستواصل احتلالها خلال الحرب وبعد انتهائها، وقد يشكل ذلك بداية دمار أوكرانيا باعتبارها دولة واضحة المعالم [سيدة]. والأهم أن الغرب لن يتدخل عسكرياً على الإطلاق لمنع حدوث ذلك، وما يثير الخوف هو أن تفرض روسيا على أوكرانيا ما سمي خلال زمن القياصرة والحقبة السوفياتية بالـ "روسنة"، وتعريف هذا المصطلح هو التحويل القسري لطابع منطقة كاملة عبر إدخال تغييرات اجتماعية وثقافية لمصلحة استخدام اللغة الروسية، واعتناق عقيدة الدولة والديانة الروسية كنمط حياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان أقوى الأسلحة مزيجاً من الترحيل القسري لسكان أصلييين مشاغبين، واستبدالهم بعدد كبير من الروس من طريق هجرة مدعومة من الدولة، والهدف هو تغيير هوية المنطقة كلياً على افتراض أن ذلك يكرس وجودها داخل الإمبراطورية الروسية/السوفياتية.

لو أراد بوتين تأسيس "جمهوريات شعبية" روسية عميلة في جنوب أوكرانيا وشرقها، أو ضمها إلى روسيا الاتحادية، فهذه إحدى الوسائل التي قد يستخدمها، وإن أضفنا تزوير الانتخابات وحملات الـ "بروباغاندا" فستضمن موجة تهجير كبيرة للسكان أغلبية موالية لبوتين في أي استفتاء شعبي، وتكون بمثابة أداة تشرع تقطيع أوصال أوكرانيا، ومع الوقت سوف تصبح أوكرانيا أطلال دولة على أفضل تقدير، تحيطها اليابسة من كل مكان وتحاصرها دول تابعة لروسيا وتخضع باستمرار للتهديد الروسي، فيما يحتجز مئات الآلاف من مواطنيها فعلياً كرهائن في روسيا.  

كم من الثلاثة ملايين أوكراني، وغالبيتهم من النساء والأطفال، سيسمح بوتين بعودتهم لأوكرانيا إن انتصر في الحرب؟ نحن نفترض بأنه سيسمح لهم بالعودة للاجتماع بأزواجهم وأبنائهم وإخوتهم، ولكن هل سيحصل ذلك؟ ربما يعتبرهم الكرملين متمردين غير وطنيين و"نازيين جدد"، ولا ضرر من أن يحتفظ بهم الغرب، وقد يستبدلهم بروس يبحثون عن حياة جديدة مع أراض وبيوت وُعدوا بها في الأراضي الجديدة التي يسيطر عليها الكرملين، أما اللغة والفنون والثقافة فيمكن تخفيفها [تخفيف وزنها] كلها عبر الـ "روسنة"، وربما يواجه الأوكرانيون شيئاً أقرب إلى الإبادة الجماعية.

من وجهة نظر بوتين المشوهة للعالم، لا يمكن أبداً أن يكون مسؤولاً عن دمار الثقافة أو الهوية الوطنية الأوكرانية على أي حال، لأن هذه الأمور غير موجودة أساساً، فالأوكرانيون روس والبلد غير حقيقي، وقد يختلف معه الرئيس زيلينسكي والـ 40 مليون أوكراني بعض الشيء، وفي حال انتصار الروس، وعلى الرغم من الشجاعة الهائلة لشعبها، قد تصبح أوكرانيا عزلاء [من غير حيلة] وخائفة، ولا تتمتع بحرية تقرير مصيرها، ولذلك فليس من العجب رؤية الأوكرانيين يحاربون ببسالة.

الشهر الماضي أبلغت الولايات المتحدة الأمم المتحدة بأنها تمتلك معلومات موثوقة عن جمع موسكو قوائم بأسماء الأوكرانيين الذين "يجب قتلهم أو إرسالهم إلى المعتقلات بعد الاحتلال العسكري"، وهذا ما تعنيه روسيا بعبارة "استئصال النازية"، أي إقصاء السياسيين والموظفين الحكوميين والمعلمين والمثقفين وغيرهم ممن يبدو عليهم الاستعداد لإثارة الشغب، وتحذر الرسالة التي كتبتها باثشيبا كروكر السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، من انتهاكات حقوق الإنسان الموجهة، إذ "يرجح أن تستخدم هذه الأفعال التي شملت في عمليات روسية سابقة الاغتيالات الموجهة والاختطاف أو الإخفاء القسري والاحتجاز الظالم واستخدام التعذيب، ضد المعارضين للنهج الروسي".

وتزعم كروكر بأن الأهداف العسكرية الروسية ستشمل معارضين من روسيا وبيلاروس يعيشون في المنفى في أوكرانيا، كما الصحافيين والناشطين ضد الفساد و"السكان المعرضين للخطر مثل الأقليات الدينية أو العرقية والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين (الميم عين)"، قد يقتل العديد منهم أو يرسل إلى المعتقلات أو المنفى.

يرتعش المرء من الخوف عند التفكير في ما قد يحدث لفولوديمير زيلينسكي لو اعتقله بوتين.

هذه التكتيكات ليست بجديدة، وبصفته طالباً متفانياً مع أنه مضلل في شأن التاريخ الروسي، فبوتين ضليع بوسائل عمل الديكتاتوريين الذين سبقوه، ومن أحد أسباب الوجود الروسي الكثيف نسبياً في شبه جزيرة القرم ترحيل مئات الآلاف من تتار القرم إلى أوزباكستان خلال الحرب العالمية الثانية بسبب قصر قامتهم، كما أدى طرد الكولاك (صغار المزارعين) خلال عملية تشكيل المزارع الجماعية القسرية إلى تقليص أعداد الأوكرانيين وتدمير الهيكليات الاجتماعية الموجودة في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي، وأسهم في حلول المجاعة الكبرى خلال العامين 1932 و 1933، التي تعرف باسم "هولودومور"، وهو مصطلح مشتق من كلمة "الجوع" (هولود) و"الإبادة "(مور) باللغة الأوكرانية.

كما تركت قرون الترحيل القسري والـ "روسنة" وراءها إرثاً آخر، منه أقليات روسية لا يستهان بها في إستونيا ولاتفيا، وطردت الفنلنديين من كاريليا فغرست في أوروبا بذوراً جديدة للتصادم والصراع، ويعتبر بوتين انهيار الاتحاد السوفياتي مأساة جيو- سياسية بسبب الاضطراب الذي خلفه وراءه، والحقيقة أن الاتحاد السوفياتي وقبله الامبراطورية الروسية خلقا حالات من عدم الاستقرار.

يتبع بوتين هذا التقليد غير المشرف بحذافيره، ويفرض "هولودومور" آخر على أوكرانيا كوسيلة قتال هذه المرة، وتماماً كما حدث مع اضطهاد ستالين لأوكرانيا سابقاً، لن يحرك الغرب ساكناً للحؤول دون حدوث ذلك.

© The Independent

المزيد من آراء