Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يحتاج الغرب إلى البدء في الإعداد لعصر ما بعد بوتين؟

تتضاعف علامات الامتعاض داخل طبقتين اجتماعيتين روسيتين هما النخبة والطبقة المتوسطة المحترفة

إذا سقط بوتين فلن يكون ذلك بضغط شعبي، ليس من الشارع في الأقل (رويترز)

لا بد للسؤال حول كيفية انتهاء هذه الحال، من أن يكون سؤال اللحظة الراهنة. ولا يتعلق السؤال بوقف الفظائع التي تتكشف على مدار الساعة في أوكرانيا فحسب، بل كذلك بما ينتظر الرجل الذي أمر بما سمّاه "العملية العسكرية الخاصة" وما تطلق عليه أغلبية العالم الآن غزو أوكرانيا.

وإذا كان جزء من النهاية، كما قد تكون الحال فعلاً، هو رحيل فلاديمير بوتين، فالعالم قد يكون حقاً على أعتاب عصر ما بعد بوتين، على الرغم من أنه أمر قد يبدو غير قابل للتصور. ويتعين على الغرب أن يكون مستعداً لاحتمال كهذا. وهذا يعني غياب اليقين، ليس في شأن مستقبل أوكرانيا فحسب، وهي إحدى أكبر البلدان في أوروبا، بل أيضاً في شأن مستقبل الكتلة الأرضية الضخمة التي تمثلها روسيا.

من غير المرجح أن يأتي رحيل بوتين، إذا حصل، نتيجة ضغوط شعبية، أقله ليس في الشوارع. من الجدير بالملاحظة عدد الروس الذين يستمرون في الاحتجاج، إذ يسجل الآن آلافاً كثيرة على رغم الاعتداءات بالضرب والاعتقالات. في المقابل، لا تزال حركة الاحتجاج خاضعة للسيطرة [غير منفلتة العقال]، وأولئك الذين غامروا بالخروج إلى الشوارع سيفوقهم عدداً بكثير أولئك الروس الذين يؤمنون بخط الكرملين، الذي تروج له في شكل لا يمكن وقفه أجهزة الإعلام التابعة للدولة، ويتلخص في أن العمل العسكري محدود ومبرر للتصدي لتهديد نازي (لا وجود له على الإطلاق) منْ قِبَل أوكرانيا.

في المقابل، إن احتمالات رحيل بوتين في هزيمة انتخابية، أقل كثيراً. إذ لن يحل السباق الرئاسي المقبل إلا بعد سنتين، وإذا ظل بوتين في السلطة (وهو أمر أشك فيه)، فلن يتمكن من خوض إعادة الانتخاب إلا إذا ضَمِنَ النصر، بوسائل منصفة أو جرمية.

وليس من الواقعي أيضاً أن نبالغ في الرهان على المحكمة الجنائية الدولية. ليست روسيا، على غرار الولايات المتحدة، كما يجب القول، عضواً في المحكمة الجنائية الدولية. ومن الناحية النظرية، يمكن أن تصدر الإحالة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكن حق النقض الروسي يعني أن الخطوة ستتعثر عند العقبة الأولى. لا، لا بد من أن يكون الطريق الأكثر ترجيحاً لخروج بوتين هو الثورة من الداخل، وهذا أمر ممكن بصرف النظر عن نهاية حرب أوكرانيا.

لا شك في أن الهزيمة أو المراوحة أو الأعداد الضخمة من الخسائر ستتحول إلى مسؤولية كبيرة يتحملها بوتين في الداخل، لكن قوة روسيا العسكرية تعني أن الغلبة تكاد تكون مضمونة لروسيا على رغم بطولة أوكرانيا كلها. وكلما اشتدت مقاومة الأوكرانيين، كان من المرجح أن تستخدم روسيا أساليب أشد قسوة.

في المقابل، تتمثّل النقطة الأساسية هنا في أن حتى "النصر" قد يعني نهاية بوتين. تتضاعف بالفعل علامات الامتعاض داخل طبقتين اجتماعيتين مهمتين روسيتين هما النخبة والطبقة المتوسطة المحترفة. ويضاف إلى ذلك إن الأبناء البالغين لعديد من الوزراء وشركاء بوتين هم من بين هؤلاء الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن معارضتهم. وقد جَمَعتْ الجمعيات المهنية التي تمثّل الأطباء والمهندسين المعماريين وما إلى ذلك، الآلاف من التوقيعات على عرائض الاحتجاج.

وفي سياق متصل، إن بقاء أصحاب الثراء الفاحش محميين مالياً إلى حد كبير من خلال الاحتفاظ بمعظم أموالهم في الخارج، يعني أن الطبقات المهنية تدفع بالفعل ثمن العقوبات المالية. فأفرادها هم من لا يستطيعون الحصول على أموالهم من أجهزة الصراف الآلي، وتضاعفت تكلفة رهونهم العقارية، وهبطت استثماراتهم إلى مستويات متدنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في زاوية مقابلة، كان مفترضاً أن يتمثّل أحد موروثات بوتين في الاستقرار الاقتصادي وتحسن مستويات المعيشة في شكل كبير، ذلك إنه جاء بهما بعد الفوضى التي سادت في تسعينيات القرن العشرين. وهذا الوضع في طريقه إلى الزوال بالفعل. إن هؤلاء [أفراد الطبقتين المتعضتين] هم الأشخاص الذين يسافرون، ولديهم أو كانت لديهم وظائف آمنة، ولديهم ما يمكن أن يُسمَّى نمط الحياة الغربي. ويدركون أيضاً آثار الحرب والرأي خارج روسيا. ويحضرون في الداخل ضمن وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام البديلة، إذ يعرفون تماماً مدى تعجيل الحرب في تكبيد روسيا مكانتها الدولية، وأن اللقطات التلفزيونية الصادرة من أوكرانيا تشكل اتّهاماً في حد ذاتها.

إن هاتين الجماعتين هما اللتان قد يؤدي سخطهما إلى حمل شخص ما داخل التسلسل الهرمي في الكرملين، على السعي إلى السلطة أو إقناع بوتين بأن رئاسته انتهت من أجل إنقاذ روسيا، وهذا، للمفارقة ربما، هو السبب نفسه الذي شن بوتين باسمه الحرب.

قد يكون رحيل بوتين مسألة أشهر أو سنوات. فقد أُسقِط نيكيتا خروتشيف بعد سنتين من الحُكْمْ على أزمة الصواريخ الكوبية بأنها نكسة سوفياتية. ويمكن أن يُعزَى انهيار الاتحاد السوفياتي، جزئياً على الأقل، إلى خسارة الحرب في أفغانستان وعودة الجيش محبطاً منها. وإذا أدرك البعض في دائرة بوتين بالفعل التكاليف الشاملة التي قد تتحملها روسيا من جراء الحرب، قد تحل نهاية ولايته فجأة، حتى قبل أن ينتهي القتال في أوكرانيا.  

تجعل هيمنة بوتين من الصعب تحديد الخلفاء المحتملين، لكن أي زعامة جديدة ترغب في إنهاء الحرب، والاعتراف باستقلال أوكرانيا بلا قيد أو شرط، والتوصل إلى استيعاب ما في المناطق المتمردة، لا بد من أن تكون موضع ترحيب. ومع ذلك، وعلى رغم الافتراض السائد في كثير من الأوساط في الغرب على مر السنين، لا يوجد ضمان بأن تكون القيادة الجديدة هي التي ستفتح بالضرورة حقبة جديدة من السلام والصداقة بين الشرق والغرب. وفي الواقع، إذا بدا أن روسيا هُزِمت في المعارك على أوكرانيا، قد يكون تعامل الغرب مع مقيم جديد في الكرملين صعباً بمقدار صعوبة التعامل مع بوتين.

لا بد أيضاً من الاعتراف بأن العزلة والعقوبات من غير المرجح في حد ذاتها أن تؤدي إلى تغيير النظام في روسيا، بل إنها قد تخلف أثراً عكسياً. وتذكيراً، لم تُسفِر العقوبات التي فُرِضت بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 إلا عن تعزيز مكانة بوتين في الداخل، إذ اعتُبِر واقفاً بمفرده في مواجهة الغرب. وكذلك ساعدت [العقوبات] أيضاً في تعزيز الاكتفاء الذاتي الروسي، مع وقف روسيا اعتمادها على الواردات الزراعية.

من الممكن أن تخدم العقوبات ببساطة مرة أخرى في إقناع بوتين وشركائه، إضافة إلى عديد من الروس العاديين، بأن العالم الغربي هو، وكان دوماً، ضدهم. وقد يكون الاستنتاج الذي يتوصلون إليه أن روسيا ليس لديها ما تخسره، بل ربما تخوض أيضاً الحرب في أوكرانيا حتى النهاية المريرة.

في المقابل، ليس الوقت الحالي مبكراً أكثر مما ينبغي كي يُصحّح الغرب بعض أخطائه الجوهرية في معاملته لروسيا في السنوات الأخيرة. إذ ستتواصل المخاوف الأمنية الروسية بعد رئاسة بوتين، وعلى وجه التحديد مخاوف روسيا في شأن تقدم حلف شمال الأطلسي نحو حدود روسيا. ويتعين على الغرب والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي أن تكون أكثر تقبلاً [احتواء] للمخاوف الروسية، إلى جانب مخاوف أهل شرق أوروبا ووسطها الذين سوف يشعرون بتهديد أكبر قد يأتي من  روسيا في مرحلة ما بعد أوكرانيا. ولا بد من إسقاط اللهجة المتعالية في الغالب، التي تتبناها المملكة المتحدة في شكل خاص.

وقبل كل شيء، لا بد من بذل مزيد من الجهود بهدف عكس المسار نحو انقسام جديد بين الشرق والغرب في أوروبا، وإيجاد وسيلة لاستيعاب أوكرانيا وروسيا معاً. ولن يكون هذا سهلاً، لكن ربما كان أسهل بعض الشيء الآن، في شكل غير متوقع، مع تكبد روسيا وأوكرانيا والغرب التكلفة الكارثية للفشل في الماضي[تكبدها أثمان الخسارة في الماضي].

© The Independent

المزيد من آراء