Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تغيرت أوكرانيا عبر التاريخ وخلال 30 عاما من الاستقلال؟

بين الأوكرانيين والروس جذور وتراث مشتركان لكنهما خلقا أيضاً خطوط صدع دائمة

العاصمة الأوكرانية كييف، كما بدت صباح الأربعاء 23 فبراير الحالي (أ ف ب)

كثيراً ما أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أوكرانيا لم تكن أبداً دولة مستقلة إلا في نهاية القرن الماضي، وأن الروس والأوكرانيين شعب واحد، لكن مع استمرار سيطرة التهديد بغزو روسي لأوكرانيا على الأخبار، تكشف نظرة إلى الوراء عبر التاريخ الطويل والمتشابك للجارين المتنازعين خصوصاً بعد استقلال أوكرانيا في عام 1991، كيف أصبح المسرح جاهزاً لنزاع اليوم، فما حقيقة المزاعم الروسية، وكيف تغيرت أوكرانيا كثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، وثاني أكبر اقتصاد في الجمهوريات السوفياتية الخمسة عشر؟

حقيقة أوكرانيا

أدى فرض عقوبات اقتصادية أميركية وغربية على روسيا عقب اعترافها بدونيتسك ولوغانسك كجمهوريتين منفصلتين عن أوكرانيا، واستمرار حشد الكرملين مزيداً من القوات والمعدات على الحدود الأوكرانية، إلى تصاعد التوترات الدولية حول غزو روسي محتمل، وظهرت أوكرانيا على أنها "نقطة الصفر" في ما وصفه بعض النقاد بـ"الحرب الباردة الجديدة" بين روسيا والغرب، غير أن قروناً طويلة من إراقة الدماء والهيمنة الأجنبية والانقسامات الداخلية، تركت أوكرانيا في وضع حرج بين الشرق والغرب، فما حقيقة أوكرانيا؟

في خطابه، الإثنين الماضي، الذي اعترف فيه باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك اللتين أعلنتا انفصالهما عن أوكرانيا رسمياً، كرر الرئيس الروسي وصفه القديم عن الدولة الأوكرانية بأنها مجرد خيال أو وهم، وأن الزعيم الثوري البلشفي فلاديمير لينين، هو الذي منح أوكرانيا عن طريق الخطأ إحساساً بالدولة عبر السماح لها بالاستقلال الذاتي داخل الدولة السوفياتية التي نشأت بعد ثورة 1917 من خلال تقسيم أراضي روسيا واقتطاع أجزاء من أراضيها.

قراءات التاريخ

غير أن رواية بوتين بأن أوكرانيا موجودة فقط في سياق التاريخ والثقافة الروسية، يراها الغرب قراءة خطأ للتاريخ من عضو سابق في جهاز الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، اعتبر انهيار الاتحاد السوفيتي، "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، لأن الواقع التاريخي لأوكرانيا معقد، كونه يمتد لألف عام من تغيير الحدود والشعوب والأديان، ولا يمكن اختزاله في مئة عام فقط أو أكثر قليلاً.
وعلى الرغم من رواية بوتين عن التاريخ أوكرانيا وبأن الدول الغربية غيرت هويتها قسراً وأبعدتها عن مكانتها الصحيحة في المجال الروسي الأكبر، فإن البعض يشعر بالقلق من هذه التصريحات، حيث اعتبر جوشوا تاكر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة نيويورك، الخبير في الشؤون الروسية، أن "بوتين لم يكن يحاول الدخول في نقاش حول التاريخ المتشابك للشعبين الروسي والأوكراني، ولكنه كان يضع الأساس للحجة القائلة بأن أوكرانيا ليست مؤهلة لأي حقوق تربطها بالدول ذات السيادة، وتلك إشارة إلى نيته الدفع بأن التدخل العسكري في أوكرانيا لن ينتهك سيادة دولة أخرى".

جذور مشتركة وانقسامات

وبصرف النظر عما يريده بوتين، فإن علماء وأساتذة التاريخ، يتفقون في أن الجذور بين الشعبين والتراث المشترك بين البلدين تعود إلى الدولة السلافية الأولى، "كييفان روس"، وهي إمبراطورية من القرون الوسطى أسسها الفايكنغ في القرن التاسع، ففي عام 988 بعد الميلاد، تحول فلاديمير الأول، أمير نوفغورود الوثني إلى الإيمان بالمسيحية الأرثوذكسية، وكان ذلك بداية تاريخ وثقافة متداخلة بين شعبين يشتركان في نفس الديانة، وترتبط لغاتهما وعاداتهما ومأكولاتهما الوطنية، بحسبما أشارت صحيفة "نيويورك تايمز".
ومع ذلك، شهدت القرون العشرة الماضية، تقسيم أوكرانيا مرات عدة من قبل القوى المتنافسة، وغزا المحاربون المغول من الشرق "كييفان روس" في القرن الثالث عشر، ثم غزتها الجيوش البولندية والليتوانية من الغرب في القرن السادس عشر، وفي القرن السابع عشر، أدت الحرب بين "الكومنولث البولندي - الليتواني" و"روسيا القيصرية" إلى إخضاع الأراضي الواقعة شرق نهر دنيبر لسيطرة الإمبراطورية الروسية، بينما خضعت الأراضي الواقعة إلى الغرب من نهر دنيبر لسيطرة بولندا، وفي عام 1793، ضمت الإمبراطورية الروسية الأماكن الخاضعة في أوكرانيا، وحظرت استخدام اللغة الأوكرانية ودراستها وفقاً لموقع "ناشيونال جيوغرافيك".

أوكرانيا السوفياتية

وعانت أوكرانيا خلال القرن العشرين من بعض أكبر الصدمات، فبعد الثورة الشيوعية في عام 1917، شهدت أوكرانيا وبلدان أخرى عدة، حرباً أهلية وحشية، قبل أن يتم استيعابها بالكامل مع روسيا وبيلاروس وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا في الاتحاد السوفياتي في عام 1922،  لكن أوكرانيا عانت بشدة في ظل حكم الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين، حيث تسببت المجاعة في أوائل الثلاثينيات، والمعروفة باسم "المجاعة الكبرى"، في مقتل ما يقرب من 4 ملايين أوكراني، وهو ما يشير إليه العديد من الأوكرانيين على أنه عمل من أعمال الإبادة الجماعية التي دبرها ستالين لإجبار الفلاحين على الانضمام إلى المزارع الجماعية، ونقل أعداد كبيرة من الروس والمواطنين السوفيات الآخرين إلى شرق أوكرانيا، على الرغم من أن كثيرين منهم كانوا غير قادرين على التحدث بالأوكرانية، ما خلق نوعاً من الكراهية بين فئات تنتمي إلى أصول مختلفة، ولهذا عندما غزا النازيون الاتحاد السوفياتي في يونيو (حزيران) 1941، رحب بهم العديد من الأوكرانيين في البداية، وتعاون القوميون الأوكرانيون بقيادة ستيبان بانديرا مع النازيين بهدف إقامة دولة أوكرانية مستقلة.

وخلقت هذه الموروثات التاريخية خطوط صدع دائمة، نظراً لأن شرق أوكرانيا كان خاضعاً للحكم الروسي في وقت أبكر بكثير من غرب أوكرانيا، وكون الناس في الشرق علاقات أقوى مع روسيا وتحدث كثيرون منهم الروسية، وكانوا أكثر ميلاً لدعم القادة ذوي الميول الروسية، بينما أمضى غرب أوكرانيا قروناً تحت السيطرة المتغيرة للقوى الأوروبية مثل بولندا والإمبراطورية النمساوية المجرية، وتحدثوا الأوكرانية، وهو أحد الأسباب التي جعلت الأوكرانيين في الغرب يميلون إلى دعم السياسيين ذوي الميول الغربية.

ما بعد الاستقلال

مع انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، أصبحت أوكرانيا دولة مستقلة، ليس كما يجادل بوتين بأنها تعززت بسبب ضعف حكومة ميخائيل غورباتشوف السوفياتية المنهارة، وسماحها لكييف بالتخلص من قبضة موسكو بأن أعطتها الحق في الاستقلال من دون أي شروط، ولكن لأن الشعب الأوكراني، صوت بقوة لمغادرة الاتحاد السوفياتي في استفتاء ديمقراطي، وأصبحت أوكرانيا ثاني أكبر دولة من دول الاتحاد السوفياتي السابق بعد روسيا من حيث عدد السكان والقوة الاقتصادية.

غير أن توحيد البلاد أثبت أنه مهمة صعبة، بحسبما يقول السفير الأميركي السابق لدى أوكرانيا ستيفن بيفر، إذ كان الإحساس بالقومية الأوكرانية ضعيفاً في الشرق، وبخاصة بين الناطقين بالروسية الذين يقل عددهم عن خمس عدد السكان البالغ 43 مليون نسمة، بعكس غرب البلاد ذوي القومية الأوكرانية. كما كان الانتقال إلى الديمقراطية والرأسمالية مؤلماً وفوضوياً، وهو ما جعل العديد من الأوكرانيين، خصوصاً في الشرق، يتوقون إلى الاستقرار الذي عاشوا فيه خلال العصور السابقة. وظهر أكبر انقسام بسبب هذه العوامل بين أولئك الذين ينظرون إلى الإمبراطورية الروسية والحكم السوفياتي بشكل أكثر تعاطفاً، مقابل أولئك الذين يرونها مأساة، وهو ما اتضح أكثر خلال ما سمي "الثورة البرتقالية" عام 2004 حين احتشد آلاف الأوكرانيين لدعم التكامل مع أوروبا وفقاً لوصف أدريان كاراتنيك، الباحث في الشأن الأوكراني في المجلس الأطلسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


أوكرانيا الجديدة

ظلت أوكرانيا منذ الاستقلال تحاول التخلص من إرث الاتحاد السوفياتي الذي وضع على أراضيها ثلث أسلحته النووية، ما جعلها تحتل المرتبة الثالثة كأكبر دولة نووية بعد روسيا والولايات المتحدة. ولهذا نقلت أوكرانيا أسلحتها النووية إلى روسيا في منتصف التسعينيات مقابل وعود روسية باحترام سيادة أوكرانيا، وفقاً لـ"مذكرة بودابست" التي كانت الولايات المتحدة وبريطانيا طرفين فيها.
وعلى الرغم من محاولات دعم الصناعة والزراعة خلال الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال، ظلت أوكرانيا تعاني من إرث الحقبة السوفياتية، حيث أدى التصنيع السريع والزراعة المكثفة والافتقار إلى ضوابط فعالة للتلوث، إلى تدهور خطير في البيئة. وتسببت صناعات الفحم في شرق البلاد، إلى انبعاث مستويات عالية من ثاني أكسيد الكبريت والهيدروكربونات والغبار، ما جعل مناطق عدة من أوكرانيا هي الأكثر تلوثاً في العالم، كما لا تزال آثار انفجار مفاعل تشيرنوبل النووي في عام 1986 تلوث للمناطق المتاخمة له حتى اليوم.

وعلى المستوى السياسي، سعت أوكرانيا عبر غالبية الحكومات التي تولت القيادة فيها، إلى التقارب مع الغرب والسعي إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حيث أعلن الحلف في "قمة بوخارست" في عام 2008 أن أوكرانيا وجورجيا، ستصبحان عضوين في وقت ما في المستقبل، وهو ما كان يرفضه بوتين على الدوام وأكده خلال لقاء مع الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش. إذ كان واضحاً أن بوتين يخشى توسع الناتو شرقاً في دول الاتحاد السوفياتي السابق.

الخطر دائم

ولكن بعد أن أطاح المتظاهرون بحكومة مدعومة من الكرملين في كييف، أمر بوتين جيشه بالاستيلاء على شبه جزيرة القرم في عام 2014، ثم حرض على حرب انفصالية أدت إلى خسارة أوكرانيا لمنطقتين انفصاليتين في الشرق هما دونيتسك ولوغانسك اللتان اعترف باستقلالهما، الإثنين الماضي فقط.
وعلى الرغم من استقلال أوكرانيا الذي اعترفت به روسيا وتعهدت باحترامه، فإن العديد من الروس ينظرون إلى أوكرانيا على أنها "الأخ الأصغر" لأمتهم ويجب أن تتصرف وفقاً لذلك، كما يشير كليف كوبشا، رئيس مجموعة أوراسيا للمخاطر السياسية.
ومع وجود ما يقدر بنحو 190 ألف جندي روسي يحيطون بأوكرانيا من الشمال والجنوب والشرق، فإن إعلان بوتين أن "وجود أوكرانيا كدولة ذات سيادة كان نتيجة لخطأ تاريخي"، يثير القلق ويزرع الخوف في نفوس الأوكرانيين القوميين الذين يشكلون أكثر من 70 في المئة من السكان في أوكرانيا، ما يجعلهم بحسب استطلاعات الرأي أكثر رغبة في الانضمام إلى الناتو طلباً للحماية العسكرية، وإذا لم تتم تسوية التوترات والخلافات بين روسيا وأوكرانيا والناتو بقيادة الولايات المتحدة، فستظل أوكرانيا مهددة بخطر دائم لفترة طويلة مقبلة، خصوصاً وأن بوتين يخشى من انضمامها إلى الناتو، وأن تصبح نقطة انطلاق للولايات المتحدة لزعزعة استقرار نظامه. كما يعتقد أن واشنطن تستخدم بالفعل الحكومة الأوكرانية الحالية كوكيل للمصالح الأميركية.

المزيد من تقارير