Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مصر تدين إصرار إثيوبيا على خرق التزامات "مبادئ سد النهضة"

آبي أحمد يعلن "فجر النور" في أديس أبابا ويؤكد رغبته في العمل مع "دولتي المصب"

رئيس الوزراء الإثيوبي دشن الإنتاج الأول للطاقة الكهرومائية من السد (الصفحة الرسمية لآبي أحمد على فيسبوك)

أعلنت إثيوبيا بدء إنتاج الطاقة الكهربائية من مشروع سد النهضة على النيل الأزرق الذي يدور في شأنه خلاف منذ سنوات بينها من ناحية ومصر والسودان من أخرى، وجاءت الخطوة قبل نحو 100 يوم من موعد المرحلة الثالثة من الملء الأول لبحيرة السد الضخمة، ووسط فشل وتوقف المفاوضات بين البلدان الثلاثة من أجل الوصول إلى اتفاق حول ملء وتشغيل المشروع المائي الأضخم في القارة الأفريقية.

ودشن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الإنتاج الأول للطاقة الكهرومائية من السد في حفل افتتاح رسمي حضره قادة حزبه الحاكم وبعض المسؤولين، مؤدياً التحية العسكرية إلى العمال والمهندسين المشاركين في بناء المشروع، وقال في تغريدة باللغة الأمهرية عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر"، "إن بدء تشغيل السد الأكبر في أفريقيا يمثل أخباراً جيدة لقارتنا ولدول منابع النهر التي ترغب في العمل معاً". وتابع في تغريدة أخرى، "يواصل النيل رحلته لزراعة بلادنا وري جيراننا. مبروك لجميع الإثيوبيين اليوم لأنه فجر النور في البلاد".

ودانت وزارة الخارجية المصرية إصرار إثيوبيا على خرق التزامات "مبادئ سد النهضة"، بينما تباينت تعليقات المراقبين حول مغزى وتداعيات هذا التحرك الذي يأتي وسط الصراع الداخلي بين حكومة آبي أحمد والمعارضة عقب حربه على إقليم تيغراي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، على الرغم من إعلان حزب الازدهار الحاكم بقيادة آبي أحمد قرب إطلاق حوار وطني في البلد الأفريقي المنقسم، استبعدت منه جبهة تحرير تيغراي وجماعة "أونق شني".

ماذا تعني الخطوة الإثيوبية؟

بالنظر إلى ضآلة كمية الكهرباء المتولدة من هذا التشغيل الجزئي للمشروع خلال مراحل بنائه، ينظر للخطوة الإثيوبية على أنها تحمل هدفاً سياسياً واضحاً في ظل السياق الداخلي بأديس أبابا، أكثر مما تستهدف تحقيق جدوى اقتصادية فارقة، وذكرت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية "أنه جرى إطلاق توليد جزئي للطاقة من سد النهضة الإثيوبي الكبير، من خلال بدء تشغيل أول توربين لديه القدرة على توليد 375 ميغاواط من الطاقة"، موضحة "أنه عند الانتهاء من المشروع سيولد سد النهضة الإثيوبي الكبير الذي يحتوي على 13 توربيناً قدرة تراكمية تبلغ 5150 ميغاواط من الكهرباء".

وعلى الرغم من أن الخطوة الإثيوبية لا تزال أحادية ومن دون اتفاق مع طرفي الخلاف، أشار آبي أحمد خلال حفل الافتتاح إلى رغبته في العمل مع دولتي المصب في إشارة إلى مصر والسودان، وقال في تغريدة أخرى باللغة الإنجليزية عبر حسابه الرسمي في "تويتر"، "اليوم بدأ أول توربين في سد النهضة، أكبر محطة للطاقة في أفريقيا، بتوليد الكهرباء. وتمثل الخطوة أخباراً جيدة لقارتنا ولدول المصب التي نطمح إلى العمل معاً".

وقال الباحث المصري المتخصص في شؤون المياه والسدود هاني إبراهيم "إن إعلان إثيوبيا بدء إنتاج الكهرباء من أول توربين منخفض في سد النهضة يعد إجراء أحادياً من بين أخرى عدة اتخذتها على مدى العامين الماضيين، خصوصاً أن عملية تشغيل التوربين الذي خضع لتجارب طوال الأيام الماضية لم تشهد أي محاولات للتنسيق وتبادل البيانات لارتباط تلك التجارب وعملية التشغيل بتغيير في تدفقات النهر، وهي الخطوة المتوقع أن تؤثر في سياسة تشغيل خزان الروصيرص السوداني، وبالتبعية على جميع الخزانات المرتبطة بتدفق النيل الأزرق" .

ويرى إبراهيم أن تلك الخطوة تعد دليلاً أيضاً على أن الغرض من تنفيذ الملء الأول والثاني لم يكن توفير الكهرباء للشعب الإثيوبي في ضوء تأخر تنفيذ الإعلانات السابقة عن الخطوة طوال الفترة الماضية، بدءاً من فيضاني 2020 و2021، أي بعد مرور 20 شهراً من بدء تنفيذ الملء في بحيرة سد النهضة خلال يوليو (تموز) 2020 وطوال 20 شهراً، لم تستطع إثيوبيا تحقيق الغرض الذي كانت تحاول ترويجه في أكثر من مناسبة، وفي المقابل تضررت مصر والسودان طوال تلك الفترة خلال عمليتي الحجز الأولى والثانية، وما شهدته بحيرة سد النهضة من فواقد مائية بالتبخر والتسرب وتشبع تربة موقع الخزان بالمياه خلال الملء الأول، وما تلاه من تفريغ جزئي للملء الأول والتجهيز للثاني وحتى الآن، ولعل التخبط الذي حدث خلاله بإدارة الخزانات على النيل الأزرق والنيل يؤكد أيضاً غياباً تاماً لعملية التنسيق وتبادل البيانات".

من جانبه، قال الأكاديمي الإثيوبي المحاضر في القانون الدولي بجامعة وولو الإثيوبية ديجين يماني لـ "اندبندنت عربية" إن "الخطوة التي أعلنتها بلاده تمثل تحقيقاً لحلم الإثيوبيين"، مضيفاً "أن بدء توليد الطاقة عاجلاً أم آجلاً من سد النهضة يمثل حلم الإثيوبيين الذي طال انتظاره برؤية هذا المشروع الرائد يتحول إلى قوة وضوء حقيقيين بدلاً من مجرد طموح مغرمين به، وعلاوة على ذلك سيكون إيذاناً ببداية حقبة جديدة في حوض النيل، حيث بدأت الدولة المساهمة بنسبة 86 في المئة بالمياه واستخدام حصتها العادلة المشروعة من نهر النيل التي كانت تحتكرها مصر والسودان لفترة طويلة"، على حد وصفه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ودشنت إثيوبيا عدداً من اتفاقات الربط الكهربائي مع دول الجوار لتصديرها، بينما تعلن أن الهدف الأساس من مشروعها هو توفير الطاقة لنحو 60 في المئة من الشعب الإثيوبي الذي لا يحصل على الكهرباء، والشهر الماضي اتفقت كينيا وإثيوبيا على تسريع تنفيذ صفقة بقيمة 1.3 مليار دولار لاستيراد 400 ميغاواط سنوياً، مما يمكن اعتباره سبباً في توقيت إعلان تشغيل أول توربينين في السد، لكن الأكاديمي الإثيوبي يرى "أن بلاده في حاجة ماسة إلى العملة الصعبة أيضاً، إضافة إلى سد حاجة الإثيوبيين من الكهرباء".

وأضاف، "أولاً هناك حاجة ماسة إلى الطاقة في إثيوبيا حيث يعيش الملايين في الظلام، وقطاعاتها الصناعية تتطلب مزيداً من الطاقة، وقد تكون تجارة الكهرباء مشكلة ثانوية، ولكن إذا كانت الحكومة ترغب في المتاجرة بها من أجل العملة الصعبة فهي لا تزال تتحرك بشكل سليم، لكن إبرام صفقة إمداد بالكهرباء مع الجوار لم يبدأ أخيراً فقط، فقد كانت هناك اتفاقات بالفعل، وحتى في ظل وجود إنتاج محدود للطاقة تقوم إثيوبيا بتزويد جيبوتي بالكهرباء، ولذلك لا يمكن للخطوة الحالية أن تبرز كاستثناء إذا كان هناك مثل هذه الصفقات".

مخالفة إعلان المبادئ

ويرى وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام "أن الخطوة الإثيوبية مخالفة لإعلان المبادئ الموقع بين البلدان الثلاثة عام 2015"، مؤكداً "أن بدء توليد الكهرباء من السد الإثيوبي يعني أنها خزنت المياه منذ عامين من غير مبرر، مما أدى إلى إهدار المياه وفقدان عدة مليارات مكعبة منها في التسرب والتبخر، "وهو ما يؤكد ضرورة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول قواعد ملء وتشغيل السد لتجنب الإضرار بحقوق جميع الأطراف في المياه"، معتبراً "أن الخطوة الإثيوبية تمثل انتهاكاً للاتفاقات الخاصة بمياه النيل واتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة الموقع عام 2015 بين مصر والسودان وإثيوبيا".

وتابع في تصريح خاص، "ليست هناك مشكلة في توليد كهرباء لمصلحة الشعب الإثيوبي، ولكن المشكلة في عدم التزام إثيوبيا باتفاق 1902 واتفاق 2015 اللذان ينصان على ضرورة الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل".

وأشار علام إلى أن استمرار المشروع بشكل أحادي يخالف الاتفاقات التاريخية الموقعة في شأن مياه النيل، مضيفاً "نحن نتحدث عن النيل الأزرق وليس نهر النيل كاملاً، وهناك اتفاق بين بريطانيا (نيابة عن مصر) والسودان وإثيوبيا عام 1902، وأخذت إثيوبيا الأراضي التي شيد فيها السد (بنى شنغول) وتعهدت بعدم بناء أي منشأ يعوق تدفق النيل والنيل الأزرق ونهر السوباط من دون موافقة بريطانيا (مصر) والسودان، ووقع على هذا الاتفاق ملك إثيوبيا مينلك الثاني".

وحول تأثير الخطوة الإثيوبية في مسار المفاوضات ومدى مخالفتها لاتفاق المبادئ، يرى يماني "أن بلاده لم تخالف الاتفاق"، مضيفاً أن "المفاوضات هي التي تغذي الصراع حول سد النهضة، فإذا كانت هناك حاجة فعلية إلى حوكمة سلمية وتعاونية لنهر النيل، فيجب على مصر والسودان تجنب التفاوض في شأن السد، ويمكن لإثيوبيا وينبغي عليها أيضاً أن تملأ وتشغل سد النهضة وفقاً للقانون الدولي، لذا فإن ملء أديس أبابا وتشغيل السد لن يشكل أبدًا انتهاكاً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ، إذا تم اعتبار هذه الآلية بالفعل مصدراً فعالاً للحقوق والالتزامات".

أي خيارات أمام مصر والسودان؟

وأصدرت وزارة الخارجية المصرية اليوم الأحد بياناً جاء فيه، "تعقيباً على الإعلان الإثيوبي البدء بشكل أحادي في عملية تشغيل سد النهضة، وذلك بعد سابق الشروع أحادياً في المرحلتين الأولى والثانية من ملء السد، تؤكد مصر أن هذه الخطوة تعد إمعاناً من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قبل رئيس الوزراء الإثيوبي".

وخلال الأسابيع الماضية أعادت مصر إثارة قضية الخلاف حول سد النهضة مع عدد من قادة العالم مع الدعوة إلى سرعة استئناف المفاوضات المتعثرة، إذ بحث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ملف السد مع الرئيس الصيني شي جينبينغ على هامش افتتاح أولمبياد بكين، ومع اثنين من القادة الأفارقة اللذين زارا مصر أخيراً وهما الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة والرئيس السنغالي ماكي سال الذي يتولى رئاسة القمة الأفريقية.

وأكد الرئيس المصري لنظيره السنغالي "أهمية التوصل لاتفاق قانوني عادل ومتوازن وملزم ينظم عملية ملء وتشغيل سد النهضة وفقاً لقواعد القانون الدولي ومخرجات مجلس الأمن في هذا الشأن، في إطار زمني مناسب ومن دون أي إجراءات منفردة"، وذلك عقب أيام من حديث لافت لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في شأن "فوائد سد النهضة لكل من مصر والسودان".

والأسبوع الماضي لفت المتحدث باسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي في تصريحات متلفزة على هامش مشاركته في الوفد المصري بالقمة الأفريقية الأوروبية التي انعقدت في بلجيكا يومي الخميس والجمعة الماضيين، إلى أن "أزمة سد النهضة هي القاسم المشترك والأعظم في كافة مقابلات الرئيس المصري ذات المستوى الثنائي مع الدول وزعمائها أو المستوى متعدد الأطراف".

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أكد الشهر الماضي حرص بلاده على التوصل إلى اتفاق ملزم قانونياً حول ملء وتشغيل سد النهضة يحقق المصالح المشتركة، من خلال الموازنة بين تحقيق إثيوبيا أقصى استفادة ممكنة من السد في مجال توليد الكهرباء وتحقيق التنمية المستدامة، وعدم حدوث ضرر لدولتي المصب مصر والسودان.

وجاءت تصريحاته رداً على حديث تعاوني من جانب رئيس الوزراء الإثيوبي الذي قال "إن مصر تستفيد أيضاً من الحفاظ على المياه عند سد النهضة بدلاً من إهدار مليارات الأمتار المكعبة من المياه من خلال التبخر وفي سهول الفيضانات"، وقال مدبولي "إن مصر تبدي اهتماماً باستئناف المفاوضات في أقرب وقت بهدف الإسراع في حل النقاط الخلافية الفنية والقانونية، وصولاً إلى اتفاق عادل ومتوازن ومنصف آخذاً في الاعتبار ما تعانيه مصر من ندرة المياه، واعتمادها بشكل رئيس على مياه النيل التي تعد مصدرها الأساس من النيل الأزرق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير