Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخوف من اشتعال الأسعار في تونس مع تنفيذ إصلاحات اقتصادية كبرى

منظمات تنبه من ازدياد معدلات الفقر بسبب الرفع التدريجي للدعم

تعاني تونس أزمة مالية خانقة يرافقها تراجع في نسبة النمو (رويترز)

يُنتظر أن تتبع تونس تدرُّجاً في رفع أسعار المواد الاستهلاكية بالتوازي مع تطبيق إصلاحات هيكلية كبرى ضرورية للاقتصاد. هذا ما ورد على لسان وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيد، وتأتي هذه الإصلاحات في إطار برنامج متكامل أعدّته تونس، وسيتم عرضه على صندوق النقد الدولي خلال المفاوضات التي انطلقت أخيراً مع الصندوق بهدف توقيع اتفاقية جديدة يتزامن فيها الحصول على قرض مع تجسيد هذه الإصلاح.

أضاف الوزير التونسي أن الحكومة التونسية هي من طلبت التعامل مع صندوق النقد الدولي لمساعدة البلاد في هذه المرحلة الصعبة، وأن الإملاءات يفرضها في واقع الأمر الوضع الاقتصادي والأزمة الاقتصادية العميقة التي تشهدها تونس، كما أصبح من غير الممكن تأجيل أي إصلاح من الإصلاحات الكبرى، وحان تنفيذها، وستتابع تجسيدها رئيسة الحكومة نجلاء بودن، وهي تتمحور بالأساس حول الدعم الذي سيتم تعزيزه لفائدة الفئات المستحقة وذات الدخل المحدود، والتدرج في رفع الأسعار مع التقليص من حجم السوق الموازية، كما ستشمل هذه الإصلاحات الشركات العمومية التي قال إنه حان الوقت لتعصيرها ورقمنتها والتقليل من كتلة الأجور، وفق خطة لمراجعة حوكمة المنشآت العمومية، علاوة على مراجعة المنظومة الجبائية، بهدف أن تكون عادلة وشاملة.

يذكر أن تونس تعاني أزمة مالية خانقة يرافقها تراجع نسبة النمو المقدرة بثلاثة في المئة سنة 2021، وعجز في موازنة 2022 قدر بـ9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار)، ونقص في الحاجات الخارجية لتسديد مستحقات قروض حجمها 18 مليار دينار (6.2 مليار دولار) سنة 2022 وتفاقم المديونية، إذ تجاوز قائم الدين العمومي 114 مليار دينار (39.3 مليار دولار)، علاوة على نسبة البطالة التي بلغت 18.4 في المئة في الثلاثي الثالث من سنة 2021، مقابل ذلك، انتقد محللون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" المنهج المتبع لتطبيق الإصلاحات المذكورة لكونه لا يراعي المستحقات الاجتماعية ويهدد الشرائح المتوسطة الدخل بالتفقير، بينما يوشك أن يحول الطبقة الفقيرة إلى مدقعة الفقر.

وعود

وتتمثل الإصلاحات في التخفيض من كتلة الأجور بالقطاع العام وإعادة هيكلة المؤسسات العمومية، بما فيها التفويت في جزء منها، أو عدد منها بالكامل، ومراجعة الجباية، وترشيد الدعم، وهي المشاريع الإصلاحية التي عرضتها الحكومة التونسية على صندوق الدعم، ووعدت بتجسيدها من دون تنفيذ هذه الوعود خلال حصولها على قرضين متتاليين عامي 2013 و2016 على التوالي، ما جعل تركيزها ضرورة ملحة لاسترجاع ثقة الصندوق.

ومن الإصلاحات التي ووجهت بتحفظ المنظمات التونسية ما أطلقت عليه الحكومات التونسية المتعاقبة ترشيد الدعم، أي توجيهه إلى مستحقيه، وهو الرفع التدريجي للدعم مقابل وعود بتوفير منح مالية للأسر المصنفة فقيرة تعويضاً عن تدعيم المواد الأساسية، على أن يتم وضع منظومة رقمية تعمل على توزيع هذه المنح بعد قيام وزارة الشؤون الاجتماعية بمراجعة قائمات الأسر المستحقة، لكن لم يتم وضع القوائم وإنشاء البطاقات البنكية الذكية لتوزيع المنح، بينما انطلق الرفع التدريجي للدعم عن المواد الأساسية، ومنها بعض المواد الغذائية والمحروقات في السنوات القليلة الماضية.

تنامي الفقر

وتشير تقديرات البنك الدولي لسنة 2021، إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 21 في المئة من مجموع سكان تونس مقابل نسبة 15,5 في المئة ما قبل 2020، وسقوط أكثر من 600 ألف تونسي تحت خط الفقر نتيجة جائحة "كوفيد-19". وأشار البنك إلى أن استراتيجية البلاد في محاربة مختلف أوجه الفقر، غير واضحة وتتسم بالضبابية، فضلاً عن تشتتها، كما تعتمد، بخاصة على المساعدة المالية الظرفية، ولا تستهدف أسباب الفقر الحقيقية والعمل على إزالتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من وضع العديد من البرامج، وآخرها تخصيص مليار دينار (344.8 مليون دولار) بتمويل من البنك الدولي، لفائدة أكثر من 700 ألف عائلة، فما زال أكثر من مليونين و500 ألف تونسي يرزحون تحت خط الفقر، ومن المتوقع أن يتزايد الفقر والمعاناة. وأظهرت دراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) والبنك الدولي، أن ثمة شواهد على أن الجائحة أدت إلى تغيير العادات الغذائية لدى التونسيين، واضطرت الأسر الأفقر إلى التقليل من كميات الأغذية المستهلكة، أو بدأت في تناول أغذية أقل تفضيلاً، ولمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، أو تعويض الخسارة في الوظائف، لجأت الأسر إلى السحب من مدّخراتها، أو قبول المساعدة المالية الخارجية أو اقتراض المال من الأقارب، وتأجيل سداد أي التزامات مستحقة عليها.

وفي عام 2020، ظل معدل الفقر المدقع المحسوب باستخدام خط الفقر الدولي البالغ 1.9 دولار للفرد في اليوم من دون واحد في المئة في تونس، ولكن التقديرات أشارت إلى أن معدل الفقر، وفقاً للخط البالغ 3.2 دولار للفرد في اليوم قد ارتفع من 2.9 في المئة إلى 3.7 في المئة، علاوة على ذلك، من المتوقع أيضاً أن ترتفع نسبة السكان الذين يقفون على حافة السقوط في براثن الفقر، وباستخدام خط فقر قدره 5.5 دولارات للفرد في اليوم، من المتوقع أن يرتفع عدد الفقراء، الذين يقفون على حافة السقوط في براثن الفقر من 16.7 في المئة إلى 20.1 في المئة من إجمالي عدد سكان البلاد البالغ نحو 11.7 مليون نسمة، وفق البنك الدولي.

تآكل الطبقة المتوسطة

ولم توضح الحكومة التونسية طريقة دعم الفئات المستحقة عند إلغاء الدعم وتداعيات ارتفاع الأسعار على الطبقة المتوسّطة المتآكلة. وذكر منير حسين عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مستقلة) ورئيس فرع المنتدى بمحافظة المنستير، أن الدولة التونسية تواصل معالجة مسألة الإصلاح من الزوايا نفسها بالعمل على إلغاء الآليات المعتمدة في السابق، ومن بينها الدعم، بينما لا تنحصر الإصلاحات في هذه الآلية، بل من المفروض أن تشمل مراجعة شاملة لمنظومة اقتصادية بالكامل.

أما الحلول المعتمدة لتوجيه الدعم إلى مستحقه، فهي تأخذ منحى خطيراً عندما تتعلق بعملية تحديد هذه الفئات والمقاييس المعتمدة فيها، يشار إلى أن المواد الأساسية المدعمة هي مواد غذائية بالأساس، إضافة إلى النقل والمحروقات، علماً بأن المنحة الشهرية التي توفرها وزارة الشؤون الاجتماعية للعائلات الفقيرة تساوي 200 دينار (69 دولاراً) شهرياً، أي تضاهي حاجات الأكل، وحسب لفرد واحد بالأسرة، ويحدث هذا في الوقت الراهن وقبل الرفع الكامل للدعم عن المواد الأساسية.

ويظل تحديد هذه الشرائح الفقيرة محل نقاش، إذ يتم تصنيف الفئات ذات الدخل الفردي الذي لا يتجاوز 4.7 دينار (1.6 دولار) فقيرة، ويصنف تحت خط الفقر الأفراد من أصحاب الدخل أقل من 2.7 دينار، أي أقل من دولار واحد، وهو الفقر المدقع، وعندما يتجاوز الدخل ستة دنانير (دولارين) فإن التصنيف يعلو إلى الطبقة المتوسطة، وهي التي تتكون من العمال بالمصانع وصغار التجار والفلاحين والحرفيين، وهي الطبقة المهددة بالتآكل مع رفع الدعم، وتمثل 20 في المئة من المجتمع التونسي، وهي على حافة الفقر فعلياً، وهي تعد 3.3 ملايين تونسي، وتساوي تعداد الفئات المصنفة فقيرة التي تساوي بدورها 3.4 ملايين فرد. ويتحتم على سياسة الرفع التدريجي للدعم أن تأخذ بالاعتبار هذه الشرائح الهشة، ووفق دراسة قام بها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تحتاج الأسرة التونسية إلى مردود شهري قدره 1400 دينار (482.7 دولار) لتوفير حاجاتها الأساسية، لذلك يتوجب رفع مستوى الأجور إلى هذا المستوى، علماً بأنها تتراوح حالياً بين 500 (172 دولاراً)، و600 دينار (207 دولارات) للفرد بالفئات المتوسطة، وإعادة صياغة علاقة المؤسسات المشغلة بالمشغلين، والتأسيس لاقتصاد حديث موفر لمواطن الشغل عكس النموذج الحالي الذي ينتج الفقر بسبب استقطاب تونس الاستثمارات المعولة على يد العاملة الرخيصة.

غموض

واعتبر لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) أن الحكومة التونسية تجد نفسها في مواجهة معركة تعديل الأسعار الحرة بفتحها ملف الدعم وترشيده، ولا تعارض المنظمة توجيه الدعم إلى مستحقيه لكنها تدعو في المقابل إلى السيطرة على انفلات أسعار المواد الاستهلاكية الحرة التسعيرة، والتي تشهد ارتفاعاً كبيراً لسعرها لا يعكس تكاليف إنتاجها، وتوزيعها في غياب تام للرقابة، فالمواد الأساسية المدعمة لا تتجاوز أربعة في المئة من السلع الاستهلاكية الغذائية بخاصة، بينما تواجه الأسر التونسية تكاليف نشطة للسلع الأخرى غير المدعمة التي يوفر هامش الربح غير المحدد فيها الفرصة للتجار للتلاعب بقوت التونسيين، وإن لم تتم مراجعة الأسعار بتحديد هامش الربح وسن عقوبات لمتجاوزيه، فإن الإصلاح سيؤدي إلى تفقير الطبقة المتوسطة، وفي انتظار تحديد قائمة العائلات المتمتعة بالمنح المالية المعوضة للدعم والتي لم يتم الكشف عنها، وسقف المنح التي سيتم توزيعها، كما لم يتم تركيز المنظومة الرقمية الخاصة، فالاستراتيجية المجسدة للإصلاح وفية دائماً لغموضها.

اقرأ المزيد