Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتجه نحو رفع الدعم عن المحروقات

تخفيض الموازنة قدّر بـ148 مليون دولار ووزارة المالية تعلن تفعيل التعديل الآلي للأسعار بالنسبة إلى المواد البترولية

الانطلاق في تطبيق استراتيجية خاصة لإصلاح منظومة الدعم بهدف توجيهه إلى المستحقين في تونس (أ ف ب)

اتجهت تونس إلى التقليص في دعم المحروقات، وقد انطلقت في التخفيض بمستوى حجم الدعم السنوي الموجه إلى المحروقات. وكشفت وزارة المالية أنه في إطار موازنتها متوسطة المدى، سيبدأ تطبيق استراتيجية خاصة لإصلاح منظومة الدعم بهدف توجيهه إلى المستحقين، ويمتد تطبيق البرنامج الإصلاحي أربعة أعوام. وأوضحت الوزارة أن نسبة الدعم ستتقلص على هذا الأساس، وتبلغ 2.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و6.8 في المئة من جملة النفقات في أفق 2024، علماً أنها بلغت 3.8 عام 2020 من الناتج المحلي الإجمالي، و11 في المئة من جملة النفقات.

ويهدف برنامج الإصلاح إلى بلوغ أسعار المحروقات قيمتها الحقيقية عام 2026. وسيتم العمل بصفة موازية مع وزارة الشؤون الاجتماعية لحماية الشرائح الاجتماعية الفقيرة، وفق وزارة المالية. وأثار الترفيع المتتالي في أسعار المحروقات انتقادات المنظمات المدافعة عن المستهلك في الأعوام الأخيرة، التي تحفظت على السير في رفع الدعم وما يترتب عليه من ارتفاع أسعار السلع، وضرب المقدرة الشرائية للمواطنين. وصرّح خبراء أن رفع الدعم على المحروقات يجب أن يترافق بإجراءات اجتماعية موازية له، كما يستوجب تنزيله في إطار مخطط سياسي تنموي متكامل ومستجد لارتباطه بنموذج اقتصادي محدد سابقاً، منبهين إلى الانعكاسات الاقتصادية على المؤسسات الصناعية ومستوى الإنتاج، علماً أن مراجعة الدعم تمثل أحد البنود الأساسية في مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي في سعيها للحصول على قرض جديد.

دعم مكلف

وكشفت موازنة الدولة لعام 2022 عن الاستمرار في دعم قطاعات المحروقات والمواد الأساسية والنقل بمبلغ إجمالي يناهز 2 .7 مليار دينار (2.48 مليار دولار) تشكل 4 .15 في المئة من نفقات الموازنة و3 .5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقدّرت الحكومة التونسية حاجات التمويل الضرورية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز عام 2022 بنحو 1 .5 مليار دينار (1.7 مليار دولار)، وذلك بالاعتماد على مؤشرات عدة من بينها سعر النفط عند 75 دولاراً من نوع "برنت"، ومعدل صرف دينار في حدود 920 .2 دينار للدولار.

وتكلف زيادة بـ1 دولار في سعر البرميل زيادة نفقات الدعم بنحو 137 مليون دينار (47.2 مليون دولار)، والزيادة بقيمة 10 مليمات في صرف سعر الدولار تؤدي إلى زيادة بـ40 مليون دينار (13.7 مليون دولار) في هذه النفقات.

وشهد عام 2021 زيادة في نفقات الدعم بـ 490 مليون دينار (168.9 مليون دولار) لتبلغ مستوى 2.84 مليار دينار (980 مليون دولار) إلى حدود أكتوبر (تشرين الأول) 2021، مقابل 2.35 مليار (810 ملايين دولار) خلال الفترة ذاتها من عام 2020، تستهدف هذه الزيادة نفقات دعم المحروقات بـ 252 مليون دينار (86.9 مليون دولار).

تخفيض المخصصات

ومن المنتظر أن تبلغ نفقات الموازنة لكامل سنة 2022 ما قدره 47.16 مليار دينار (16.2 مليار دولار)، أي زيادة بـ6.6 في المئة أو 2.92 مليار دينار (1 مليار دولار) مقارنة بقانون المالية التكميلي لعام 2021، تتأتى بالأساس من تخصيص مبلغ 7.2 مليار دينار (2.48 مليار دولار) للدعم مقابل 6.02 مليار دينار (2 مليار دولار) متوقعة سنة 2021، وتستهدف المحروقات والكهرباء بـ 2.89 مليار دينار (996 مليون دولار) مقابل 3.32 مليار دينار (1.1 مليار دولار) مقدرة بقانون المالية التعديلي لسنة 2021 أي بتخفيض قدره 430 مليون دينار (148 مليون دولار).

وتأخذ هذه التقديرات في الاعتبار مفعول الإجراءات المتخذة للحدّ من حجم الدعم، وكذلك تقديرات تطوّر الإنتاج والاستهلاك وفرضيات سعر صرف الدولار، وسعر برميل النفط الخام "البرنت" في الأسواق العالمية. إضافة إلى إجراءات مبرمجة سنة 2022 بمردود مقدر بـ 1.64 مليار دينار (565 مليون دولار) لمزيد من التحكم في الدعم، وباعتبار تمويل بـ 600 مليون دينار (206.9 مليون دولار) من البنك السعودي لشراء مواد نفطية من شركة "أرامكو."

ومن خلال إعادة صياغة سياسات الدعم وآليات التعويض لمساندة الأسر الفقيرة، والحفاظ على المقدرة الشرائية والسلم الاجتماعي، أعلنت وزارة المالية أنه سيتم تفعيل التعديل الآلي للأسعار بالنسبة إلى المواد البترولية، وهو غالباً ما يكون تعديلاً في اتجاه الترفيع. ويشمل بنزين وغازوال عادي وغازوال 50 بنسبة 3 في المئة، عوضاً عن 5 في المئة معتمدة عام 2021، مع الإشارة إلى أنه ستتم مراعاة الفئات الهشة من خلال عدم إقرار زيادة في قوارير الغاز السائل. كما تقرر إرساء التعديل الآلي للأسعار بصفة دورية ومحددة بالنسبة إلى الكهرباء والغاز مع استثناء الفئات المصنفة فقيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العجز الطاقي

وتوقعت الحكومة التونسية أن يبلغ حجم الإنتاج الوطني من المحروقات 222 .2 مليون طن من النفط الخام و268 .2 مليون طن من الغاز معادل نفط، في حين سيبلغ حجم استهلاك الغاز الطبيعي 778 .5 مليون طن متوقعة لعام 2022 أي بزيادة 6 .1 في المئة.

وارتفع عجز الميزان التجاري الطاقي إلى 5.05 مليار دينار (1.7 مليار دولار)، بداية نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020 حين بلغ 4.2 مليار دينار (1.44 مليار دولار)، أي بارتفاع بنسبة 18 في المئة.

وبينما سجلت الصادرات صعوداً في القيمة بنسبة 122 في المئة، شهدت الواردات زيادة بنسبة 43 في المئة، خصوصاً على مستوى واردات النفط الخام التي ارتفعت بداية نوفمبر 2021 بنسبة 65 في المئة من حيث الكمية وبنسبة 162 في المئة من حيث القيمة.

في المقابل، شهدت الواردات من الغاز الطبيعي انخفاضاً بنسبة 20 في المئة من حيث الكمية وبنسبة 16 في المئة من حيث القيمة.

وسجل عجز ميزان الطاقة الأولية تقلصاً بنسبة 13 في المئة، إذ بلغ 4.1 مليون طن مكافئ نفط مطلع نوفمبر 2021 مقابل 4.8 مليون طن مكافئ نفط عام 2020، وفق وزارة الصناعة والطاقة والمناجم.

وعملت تونس على تحقيق التحوّل الطاقي والاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 12 في المئة في إنتاج الكهرباء مع نهاية عام 2020، إلا أنها لم تتجاوز 3 في المئة. كما تسعى إلى توفير 30 في المئة من مجموع الاستهلاك الطاقي من خلال إنتاج الطاقات المتجددة في أفق عام 2030.

الإصلاح

 وأعلنت وزارتا الصناعة والمناجم والطاقة والتجارة عن الترفيع في أسعار البيع للعموم لبعض المواد البترولية، وذلك في 1 فبراير (شباط) 2022، وهو الترفيع الرابع خلال عام.

وعلّق الخبير الاقتصادي أرام بالحاج بأن ذلك كان متوقعاً بالنظر إلى ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، ورجّح إقرار زيادة أخرى في أسعار المحروقات والكهرباء والغاز، والمواد التي تستعمل المحروقات بكثافة، إلى جانب قطاع النقل أيضاً. وذكر أن التركيز الكلي للحكومة على الزيادة في أسعار المحروقات، يأتي بسبب تأخر انطلاق عملية الإصلاح التي طلبها صندوق النقد الدولي، على اعتبار أن ذلك سيسهم في تسهيل مفاوضات تونس مع الصندوق الذي يطالب بتطبيق آلية التعديل الأوتوماتيكي للأسعار والرفع التدريجي للدعم.

وبإمكان تونس الانطلاق سريعاً في عملية إصلاح تجنّبها إقرار الترفيع المتتالي في الأسعار، بحيث تتوافر لديها آليات من بينها تطوير إمكانات التغطية وتحسين التخزين، إضافة إلى الإصلاحات في شركة الكهرباء والغاز، وقطاع استكشاف النفط عن طريق تغيير القوانين القديمة والاعتماد أكثر على الطاقات المتجددة لامتصاص صدمات الارتفاع الكبير لأسعار النفط في العالم.

بينما نبّه لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) من المخاطر المترتبة على رفع الدعم عن المحروقات، وأبرزها الزيادة في الأسعار وتفاقم الفقر، إذ يؤدي إلغاء الدعم تدريجاً إلى ارتفاع في تكلفة الإنتاج لجميع المواد الاستهلاكية الغذائية منها والصناعية، بالتالي صعود أسعارها في السوق، علاوة على الزيادة في تعريفات النقل العمومي، وهي تكلفة باهظة لإصلاح كان من المفترض أن يترافق مع توفير مخصصات مالية للعائلات الفقيرة تعويضاً لها عن الرفع التدريجي للدعم، وهي من الوعود التي قدمتها الحكومات المتعاقبة، ولم يتم تطبيقها، ومن المفترض أن يتم تنفيذها بالتوازي مع الزيادة في أسعار المحروقات. ويتحتم على الحكومة الحالية وضع استراتيجية خاصة للتخفيض في الأسعار بحكم أنها تشهد ارتفاعاً في الفترات الأخيرة، ويُنتظر أن تتعمق مع الزيادة في أسعار المحروقات بحكم تكاليف توزيع السلع والإنتاج.

النمط التنموي

في حين حذّر الاقتصادي عبد الجليل البدوي من الرفع السريع للدعم على المحروقات، داعياً إلى التأسيس لنموذج اقتصادي جديد لتونس يتماشى مع إلغاء الدعم، يليه تنفيذ الرفع على مراحل وبطريقة تدريجية ملموسة. وأوضح أن الدعم لا يمثل امتيازاً اجتماعياً بقدر ما هو خيار استراتيجي للدولة التونسية، ولم يتم اعتماده لمعاضدة المقدرة الشرائية للأسرة التونسية فحسب، بل كان من بين الخيارات الاستراتيجية التي اعتُمدت لاستقطاب الاستثمار الأجنبي الباحث عن وجهات استثمار غير مكلفة. كما مكّن من تشغيل اليد العاملة المتوسطة الكفاءة بأجور زهيدة، وذلك بتقليصه لتكلفة الإنتاج. وتمكّنت تونس من استقطاب الاستثمارات الأجنبية في هذا الصدد. وتوفر الشركات غير المقيمة المنتفعة من هذه الاستراتيجية الاقتصادية 65 في المئة من الصادرات، وتستقطب 70 في المئة من اليد العاملة الناشطة في الصناعة. وبناء على ذلك، يستوجب تزامن رفع دعم المحروقات وضع نمط تنموي جديد، يحافظ على محركات الاقتصاد المنتفعة من الدعم.

اقرأ المزيد