Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"المركزي التونسي" يحذر من تأخر التمويل الخارجي للموازنة

ثبّت سعر الفائدة دون تغيير عند 6.25 في المئة داعياً إلى تبني إصلاحات لكبح التضخم

مبنى المدينة الثقافية في العاصمة التونسية (أ ف ب)

عبّر البنك المركزي التونسي عن انشغاله الشديد إزاء الوضعية الاقتصادية التي تمر بها المالية العامة في البلاد، محذراً من عواقب التأخير الحاصل في مجال تعبئة الموارد الخارجية الضرورية لتمويل ميزانية الدولة لعام 2022. 
وحض في اجتماع مجلس الإدارة الذي عقده منذ يومين كل الأطراف للتوافق حول مضمون الإصلاحات الضرورية والهيكلية للاقتصاد التونسي، بما يتيح الانطلاق بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإرساء برنامج جديد. 
وأشار المجلس إلى حتمية التزام الحكومة التونسية الشروع في الإصلاحات الهيكلية اللازمة لدفع النمو الاقتصادي، وإحكام التصرف في الميزانية، بما يتيح النفاذ إلى الموارد الخارجية الضرورية لتمويل ميزانية الدولة لعام 2022، وتجنب أي لجوء للتمويل النقدي الذي قد تكون عواقبه وخيمة على الاستقرار النقدي والمالي. 

الإبقاء على الفائدة

وقرر مجلس الإدارة الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسة (العامة) للبنك المركزي التونسي دون تغيير، أي في مستوى 6.25 في المئة. وذلك بعدما بحث التطورات الأخيرة على الصعيدين الاقتصادي والمالي، والآفاق الاقتصادية الكلية على المدى المتوسط، التي سُجل خلالها تعافي النشاط الاقتصادي العالمي خلال عام 2021 بعد تسجيل انكماش غير مسبوق في سنة 2020، لا سيما في منطقة اليورو، الشريك التجاري الرئيس لتونس. لكن زادت الشكوك المحيطة بآفاق النشاط للفترة المقبلة، وفق المركزي التونسي، على الرغم من تقدم عمليات التلقيح، وذلك أساساً جراء الارتفاع الأخير في حالات الإصابة بسلالة "أوميكرون" شديدة العدوى، المتحورة من فيروس كورونا. كما لاحظ مجلس إدارة المركزي تصاعد التضخم في العالم الذي من شأنه أن يتخذ طابعاً استمرارياً، بسبب تواصل الاضطرابات على صعيد سلاسل التزويد وتوقع بقاء أسعار الطاقة في مستويات مرتفعة في عام 2022، مشيراً إلى أنه "في هذا الصدد وبعد مرحلة من التوسع المالي والنقدي التي أملتها تداعيات الأزمة الصحية على النشاط الاقتصادي، دخلت بنوك مركزية عدة في العالم، في دورة تشديد للسياسة النقدية، من خلال اللجوء إلى رفع نسب الفائدة الرئيسة، من أجل كبح توقعات التضخم والتمكن من تعديل منحى الأسعار في اتجاه النسب المستهدفة على المدى المتوسط".

عجز رغم الانتعاشة

وسجلت تونس انتعاشة معتدلة نسبياً للنشاط الاقتصادي الذي يُتوقع أن يتطور بنسبة تناهز 2.9 في المئة خلال كامل سنة 2021، مع آفاق وصفها البنك بـ"المحتشمة" لعام 2022.
وعلى الرغم من المؤشرات الجيدة على المستوى الخارجي، وتفاقم حاصل الميزان التجاري نتيجة انتعاش النشاط الاقتصادي، فقد بلغ عجز العمليات الجارية 6.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي خلال كامل عام 2021 مقابل 6.1 في المئة قبل سنة، وذلك بفضل الأداء الجيد لتحويلات التونسيين في الخارج التي بلغت مستوى قياسياً قدره 8.6 مليار دينار (2.9 مليار دولار). هذا إلى جانب تماسك مستوى الاحتياطي من العملة الذي بلغ 23.3 مليار دينار (8 مليارات دولار) أو 133 يوماً من التوريد في نهاية عام 2021. 

ضغوط التضخم

وأشار المجلس إلى أنه وفق تقديرات سابقة، واصل التضخم مساره التصاعدي ليقفل عام 2021 في مستوى 6.6 في المئة، مقابل 6.4 في المئة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، و4.9 في المئة قبل سنة، لاحظاً تواصل الضغوط التضخمية على مستوى أهم مؤشرات التضخم الأساسي، أي "التضخم في ما عدا المواد الغذائية الطازجة والمواد ذات الأسعار المؤطرة" و"التضخم في ما عدا المواد الغذائية والطاقة"، التي ظلت في مستويات مرتفعة نسبياً قدرها 6.1 في المئة و6.4 في المئة على التوالي مقابل 5 في المئة و5.9 في المئة قبل سنة.
وحذر المركزي من أن ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك المسجل بحلول نهاية عام 2021 سيتواصل لفترة أطول مما كان متوقعاً، بفعل الضغوط التضخمية على مستوى أهم مكونات الأسعار المرتفعة، بما من شأنه الدفع بالتضخم نحو مستويات عالية نسبياً على المدى المتوسط نتيجة تصاعد الأسعار العالمية، لا سيما بالنسبة للمواد الموردة، إضافةً إلى التوجه نحو التحكم في نفقات الدعم، فضلاً عن التأثير الناجم عن شح الموارد المائية. وأعلن مجلس إدارة المركزي أنه سيواصل متابعته الدقيقة لتطور الأسعار خلال الفترة المقبلة، والتزام استخدام كل الوسائل المتاحة له لمجابهة أي انحراف للتضخم. 
تأكيد المخاوف

وعلق الباحث الاقتصادي التونسي، أنيس بن عبدالله، على تحذير المركزي، معتبراً أنه "تأكيد للمخاوف المحيطة بالتضخم وانعكاساته السلبية على الحركة الاقتصادية، والعجز عن كشف الموارد المالية الخارجية لسد العجز الحاصل في الميزانية بسبب التأخر المسجل في مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي". 

وشهد التضخم منحى تصاعدياً، وأُغلق عام 2021 بنسبة 6.6 في المئة، ولم يتم الكشف عن النسبة المسجلة في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي. ونظراً إلى الفرضية التي حددها قانون المالية لعام 2022 للتضخم، وهي 7 في المئة، فإن النسق الحالي يسير نحو نسف مصداقية القانون، بخاصة وأن ذلك تزامن مع إشكال عدم تعبئة الموارد المالية الخارجية وشح المداخيل من العملة مع تعثر التصدير والاستثمار. مما يؤدي حتماً إلى خطر انزلاق الدينار تأثراً بالتضخم المستورد بعدما نص قانون المالية للعام الحالي على رفع الرسوم على المواد المستوردة التي لا يتوفر مثيل لها في تونس، إذ إن المركزي التونسي لن يتمكن في المستقبل القريب من الحفاظ على نسبة الفائدة العامة الحالية في مثل هذه الوضعية وسيضطر إلى رفعها، ما من شأنه أن يؤثر على مردودية المؤسسات الاقتصادية بكل القطاعات وجاذبية الاستثمار بحكم ارتفاع كتلة الدين ونسبة الفوائض، إضافة إلى التأثير سلباً على قروض الاستهلاك المرشحة لمزيد من الانكماش. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


اتفاق صندوق النقد

ولا تؤدي هذه المؤشرات إلى الحسم بالسير نحو الإفلاس لأن مصير الوضع الاقتصادي لا يزال رهين توقيع اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، ما لم يتم البت فيه إلى الآن. لكن الثابت هو أن التأخير الحاصل في المفاوضات ألقى بظلاله على الوضع المالي الراهن. فلم تكشف تونس عن الموارد المالية الخارجية لسد العجز في الميزانية البالغ 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار)، ولتسديد الدين البالغ حوالى 10 مليارات دينار (3.44 مليار دولار). 

ويتحدد مصير المفاوضات بمدى جرأة الحكومة الحالية على تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بخفض كتلة الأجور ومراجعة الدعم والتفويت في جزء من المؤسسات العمومية والإصلاح الجبائي. في انتظار ذلك، لم يُكشف بعد عن توقيت الاستحقاقات الأولى للديون للسنة الحالية، للبت في مدى قدرة تونس على تسديدها من عدمها. فالصعوبات تكمن في الأشهر الأولى من السنة التي تدور فيها المفاوضات. وبحال طال تعثر الحوار مع صندوق النقد، ستضطر تونس إلى الخروج إلى السوق المالية الدولية للاقتراض بفوائد تصل إلى 15 في المئة، غير المقدور عليها، بينما يمكنها توقيع اتفاقية جديدة للحصول على قرض ميسر وثقة السوق المالية لتقترض بأريحية أكبر.

سياسة نقدية حذرة

ورأى محمد صالح سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية للبنك المركزي التونسي، أن "تونس لا تواجه سيناريو الإفلاس لأن احتياطي العملة يتجاوز 23 مليار دينار (7.9 مليار دولار) إلى حد اليوم، لكن البنك المركزي يحذر من مغبة الاستنجاد بالاحتياطي في حال عدم تعبئة الموارد الخارجية على المدى القريب. لأن الموارد الخارجية لسد عجز الميزانية غائبة حالياً، وهي 9.3 مليار دينار (3.2 مليار دولار)، ولتسديد أصل الدين الداخلي والخارجي البالغ قيمته 10 مليارات دينار (3.44 مليار دولار). وفي حال عدم توفر تلك الأموال، يبدأ الضغط على الاحتياطي من العملات الأجنبية وعلى سوق الصرف وسعر الصرف، إضافة إلى أن الاقتراض من السوق الداخلية لديه حدود تحكمه وهي استحقاقات تمويل الاقتصاد".

تسديد الديون 

لذلك تحتاج تونس في مرحلة أولى إلى موارد خارجية لتسديد الديون التي يحل أجلها في عام 2022، علماً أن أغلبها قروض داخلية بالدينار التونسي ما عدا حوالى مليار دولار قروض خارجية، منها مبلغ 250 مليون دولار يشكل القسط الأخير من القرض القطري لعام 2017، ويحل أجله في أبريل (نيسان) 2022، وقرض ياباني يستحق دفعه في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وديون أخرى من قروض أهمها سعودية أو من صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي. وهي أقل بكثير من استحقاقات عام 2021 التي كان أغلبها بالعملات الصعبة. كما ينتظر تونس استحقاقات أعلى بكثير بالعملات الأجنبية في سنتي 2024 و2025، وهي السنوات التي يُنتظر أن تكون صعبة على الاقتصاد التونسي.   

لكن تنبيه البنك المركزي يلخص سياسته النقدية الحذرة والاستباقية، ومفادها أن الاتجاه إلى تمويل كل الميزانية من احتياطي العملات أو من السوق المحلية، يؤدي إلى مخاطر على الكتلة النقدية التي يريد أن يحافظ على استقرارها وتناسقها، مع تطور الإنتاج حتى لا يتعمق التضخم.