Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اختفت المواد الغذائية الأساسية في تونس؟

تصاعد مخاوف المواطنين من نفاد المنتجات وارتفاع أسعارها

يتعمد بعض التجار في تونس مخالفة التسعيرة الحكومية (رويترز)

بات القلق والتوتر يسيطران على الأسر التونسية التي تعيش منذ أيام مشقة الحصول على مواد غذائية أساسية فُقدت من الأسواق بشكل مفاجئ، على الرغم من تأكيدات مسؤولي وزارة التجارة على وفرة الإنتاج والمخزون. ويتذمر المواطنون من عدم توفر العديد من المواد الأساسية المدعومة، وخصوصاً الخبز والطحين والزيت النباتي والأرز، منتقدين عجز وزارة التجارة والحكومة عن توفير هذه المواد الأساسية للفئات الضعيفة من جهة، وعجزها عن السيطرة على المضاربات والاحتكار.

وبالتوازي مع اختفاء هذه المواد من السوق، يتعمد بعض التجار مخالفة التسعيرة الحكومية والرفع العشوائي لأسعار هذه المواد. ويقبل التونسيون على اقتناء المواد الأساسية وخصوصاً الغذائية التي تدعمها الدولة منذ 70 عاماً، نظراً لأسعارها المناسبة، لا سيما بالنسبة إلى الفئات الفقيرة. وتصاعدت المخاوف في الفترة الماضية من اعتزام الحكومة على إصلاح منظومة دعم هذه المنتجات واعتماد الأسعار الحقيقية، باعتبار أن موازنة الدولة لم تعد تتحمل دعم هذه المواد التي يقر المسؤولون بأن نسبة كبيرة منها تستفيد بها الطبقات الميسورة.

وتشهد المحال التجارية والمخابز في عدد من مناطق البلاد خصوصاً الداخلية منها طوابير من المواطنين، في مشهد لم يعتده التونسيون منذ العديد من العقود، ما يعكس، وفق رأي كثيرين، الوضعية الصعبة التي آلت إليها البلاد.

ومنذ بداية عام 2022، سجلت محال المواد الغذائية نقصاً في مواد السميد والزيت النباتي، إضافة إلى ارتفاع أسعار البيض بشكل لافت، ما أزعج المواطنين وعمق مخاوفهم على قوتهم اليومي، وتشهد السوق التونسية منذ مدة نقصاً واضحاً في بعض المواد الأساسية، مثل السميد و"الفرينة" والبيض والزيت (المدعوم وغير المدعوم) وحتى قوارير الغاز التي يستعملها التونسيون في الطبخ والتدفئة.

إشكالية الأسعار المتدنية

وأقرت كريمة الهمامي المديرة العامة للتجارة الداخلية بوزارة التجارة أن بعض المواد الأساسية المدعومة، ومنها الزيت النباتي أو المعجنات، تشهد ضغطاً بسبب الاستعمالات المهنية وتوجيهها لغير الأغراض المخصصة لها، وشددت الهمامي لـ "اندبندنت عربية" على أن الدولة لم تُقلص من نفقات الدعم وحافظت على الكميات المعتادة لتزويد السوق. ولفتت إلى أن الأسعار المنخفضة تجعل المواد الأساسية المدعومة مستهدفة من المهنيين والصناعيين.

وقالت، "لو خُصصت المواد للاستهلاك العائلي فحسب لما تم تسجيل أي نقص"، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً من المطاعم أصبح ينافس المواطنين في التزود بهذه المواد لثمنها الزهيد، ما ألهب المضاربة بها في السوق السوداء، وأكدت الهمامي أن الدولة لم تتخل عن الدعم أو التوريد، وأن التلاعب بمسالك التوزيع أدى إلى فقدان بعض المواد، موضحة أنه لم يتم إقرار أي زيادة في أسعار المواد الأساسية المدعومة.

إصلاح منظومة الدعم

وفي ظل الارتفاع الملحوظ لأسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي، وتراجع سعر صرف الدينار التونسي إزاء العملات الأجنبية وارتفاع تكاليف النقل البحري، بات من الضروري وفق الهمامي، العمل على التسريع بإصلاح منظومة الدعم وتحويلها لمستحقيها، مضيفة أن المالية العمومية لم تعد تحتمل تأثير النفقات المخصصة للدعم بعد أن ارتفعت من حوالى 2000 مليون دينار (689.6 مليون دولار) خلال سنة 2007 إلى أكثر من 4000 مليون دينار (1380 مليون دولار) خلال سنة 2021.

واعتبرت أنه من الضروري البحث عن آليات تعويض أخرى، وتونس من البلدان التي تتدخل مباشرة لتحديد الأسعار، موضحة أن مقاربة الإصلاح موجودة وضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى، لكن التوقيت لا تقرره وزارة التجارة بل هو رهن الوضع الاقتصادي والسياسي، مع العمل على ضمان حقوق محدودي الدخل وتمكينهم من آليات تعويض أخرى.

ارتفاع متواصل للأسعار

وتسجل تونس منذ العام الماضي منحى تصاعدياً لأسعار العديد من المواد. ما رفع نسبة التضخم عند الاستهلاك إلى مستوى 6.6 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2021.

وأرجع المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) هذا التطور في نسبة التضخم إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار مجموعة المواد الغذائية (من 6.9 في المئة إلى 7.6 في المئة).

وتجدر الإشارة إلى أن معدل نسبة التضخم لسنة 2021 ارتفعت إلى 5.7 في المئة، بعد أن كان في مستوى 5.6 في المئة سنة 2020.

وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، وباحتساب الانزلاق السنوي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 7.6 في المئة بسبب ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 23.3 في المئة، وأسعار زيت الزيتون بنسبة 21.8 في المئة، وأسعار البيض بنسبة 15.5 في المئة.

وزادت أسعار الغلال الطازجة بنسبة 16.7 في المئة، وأسعار الخضر الطازجة بنسبة 10.8 في المئة، وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 9 في المئة.

سيطرة لوبيات الاحتكار

ويجزم رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) لطفي الرياحي بأن هناك نقصاً كبيراً في التزود بالمواد الغذائية الأساسية في تونس. ما تسبب في ضغط لافت على المحال التجارية رافقته حال من التوتر والغضب من التونسيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد الرياحي أن السبب الرئيس للنقص الحاصل في المنتجات هو سيطرة لوبيات الاحتكار على مسالك التوزيع. ما يحول دون التزود بشكل طبيعي، ويلفت إلى أن مصالح المراقبة الاقتصادية في وزارة التجارة تواصل حجز آلاف الأطنان من المواد الغذائية في عدد من المخازن والمسالك، ما يشير، من وجهة نظر الرياحي، إلى أن المواد متوافرة ولكنها تقع في أيدي المحتكرين لأجل المضاربة بها وإرباك السوق، ويطالب بضرورة إصلاح منظومة مسالك التوزيع وتشديد الرقابة عليها كي تصل المواد إلى مستحقيها، ويعتبر الرياحي أن السبيل الوحيدة لإنهاء حرب المضاربين هي الإسراع في سن قوانين تجرّم الاحتكار وتمنع المضاربة بقوت التونسيين.

الأسعار عالمياً

وقالت وزيرة التجارة فضيلة الرابحي في تصريحات صحافية، إن ارتفاع الطلب دفع إلى تسجيل اضطراب في التزود بالمواد تلك، ما دفع الوزارة إلى القيام ببرنامج مكثف لتوزيع المواد المعنية، وأضافت الرابحي أنه جرى، أخيراً، توريد أربعة آلاف طن من مادة الأرز لسد النقص في السوق.

أما بالنسبة إلى الزيت النباتي المعلب، فأشارت إلى أن تونس تستورد 60 في المئة من حاجاتها، "لكن المشكل يكمن في ارتفاع الأسعار العالمية التي ارتفعت من 800 دولار للطن إلى 1500 دولار للطن".

واعتبرت أن من بين الأسباب التي أدت إلى نقص بعض المواد، ارتفاع كلفة الدعم وارتفاع سعر برميل النفط إلى 92 دولاراً، في الوقت الذي اعتمدت فيه الحكومة على فرضية سعر 75 دولاراً في قانون الموازنة لسنة 2022.

واعتبرت أن الاحتكار وزيادة الطلب وارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية في العالم هي أبرز أسباب النقص في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية في تونس، وكشفت الوزيرة أنه تم تحرير 24500 مخالفة اقتصادية خلال الأشهر الماضية، أكثر من نصفها تتعلق بممارسات احتكارية، ودعت الرابحي المواطنين إلى التبليغ عن الممارسات غير القانونية، مثل الترفيع في الأسعار أو المضاربة أو الاحتكار، عبر الاتصال بالمصالح المختصة لردع المخالفين وضمان وصول المواد المدعمة لمستحقيها وبأسعارها القانونية.