Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الكأس المقدسة"... طائرة فضائية يعاد استخدامها في رحلات كونية

عقود من السعي إلى صناعتها لكن حلمها تلاشى مع المكوك الفضائي الأميركي. وثمة شركات تعتقد أنها قادرة على استعادة ذلك الأمل الآن

رسم فني يصور "راديان وان" المفترضة (راديان أيروسبيس)

في أحد أيام مايو (أيار) من 2002، انهار سقف أحد العنابر الضخمة في كازاخستان فوق الطائرة الفضائية الوحيدة في الاتحاد السوفياتي التي كانت تتمتع بالهيكلية والميكانيكية التي تسمح لها بالانطلاق في رحلة آمنة إلى الفضاء الخارجي.

ويتعلق ذلك الأمر بـ"بوران" Buran (أو "عاصفة الثلج")، وهي مركبة مدارية قابلة لإعادة الاستخدام [بمعنى إطلاقها مرة أخرى أو مرات عدة كونها قابلة للاسترداد أيضاً] تماثل في تصميمها ووظيفتها "المكوك الفضائي" Space Shuttle الأميركي [اعتبرت المكافئ السوفياتي له]. في المقابل، خاطرت "بوران" في السفر إلى الفضاء الخارجي مرة يتيمة قبل أن تتحطم [في عنبرها]، حاملة معها أرواح ثمانية عمال، بسبب سوء الصيانة وهطول أمطار غزيرة.

جاء المصير الذي آلت إليه المركبة المدارية السوفياتية بمثابة تذكير مؤسف بالتقدم الضئيل جداً الذي أحرزته الآمال البشرية منذ "الحرب الباردة"، في صناعة طائرة فضائية يكون من المستطاع إعادة استخدامها. طوال عقود من الزمن، ثابر المهندسون والعلماء على الحلم ببناء مركبة ذات "مرحلة واحدة إلى المدار" single-stage to orbit [اختصاراً "أس أس تي أو" SSTO]، التي توصف غالباً بأنها "الكأس المقدسة" لرحلات الفضاء. فمن شأن تلك الطائرة أن تقلع وتدخل في المدار وتهبط بسلامة بمفردها كآلة واحدة، من دون حاجة إلى صواريخ معززة قابلة للانفصال وباهظة التكلفة.

بقي ذلك كله أضغاث أحلام. والآن، بات "مكوك الفضاء" الأميركي القابل جزئياً لإعادة الاستخدام قطعة معدنية عديمة النفع، بعدما أُوقف العمل به في 2011. وتحدثت تقارير عن أن السفينة "بتيتشكا" Ptichka  شقيقة "بوران" في حيازة رجل أعمال كازاخستاني يصرح أنه لن يعيدها إلى روسيا إلا إذا حصل في مقابلها على جمجمة آخر الخانات الكازاخستانية، الذي قطع رأسه عام 1847.

ولكن الآن، تعتقد بعض الشركات أن في وسعها أن تجعل من تلك الأحلام حقيقة واقعة. في وقت سابق من الشهر الحالي، تخلت شركة ناشئة مقرها سياتل تدعى "راديان أيروسبيس" Radian Aerospace عن التزاماتها "السرية"، معلنة أنها جمعت 27.5 مليون دولار (حوالى 20.5 مليون جنيه استرليني) من مستثمرين عدة. وترمي خطتها إلى صناعة طائرة فضائية من طراز "مرحلة واحدة إلى المدار" من شأنها أن "تجعل السفر إلى الفضاء يوماً ما بسيطاً ومريحاً على شاكلة الرحلات الجوية".

وبحسب الرئيس السابق لـ"جمعية بين الكواكب البريطانية" مارك هيمسيل، الذي شارك في مشاريع طائرات فضائية عدة، من بينها "هوتول" HOTOL و"سكايلون" Skylon  البريطانيان، "لقد أصاب [الباحثون والعلماء] إذ وصفوا [الطائرة الفضائية ذات المرحلة الصاروخية الواحدة إلى المدار] بالكأس المقدسة، إذ إننا نطلق عليها هذا الاسم منذ نحو 40 عاماً".

ووفق هيمسيل، "طوال عقود من الزمن، شكّل عدم التطوير في مركبات الإطلاق مثابة سد. عندما تفتح هذا السد، تحصل على سياحة فضائية. والأهم من ذلك، نظراً إلى أن أزمة تغيّر المناخ تبعث الذعر في نفوس الجميع الآن، إنما بعد فوات الأوان تقريباً، ستصبح الأقمار الاصطناعية لجمع الطاقة الشمسية عملية قابلة للتطبيق".

بين الآن وآنذاك، أرض قاحلة محروقة تفيض معوقات مالية وتكنولوجية، تتناثر فيها بقايا محترقة لكل جهة خاضت غمار تلك المحاولة. كذلك يتطلب عبورها، بحسب هيمسيل، براعة شديدة ومبالغ ضخمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الطائرات الفضائية التي لم ترَ النور

في 1982، استثمرت الحكومة البريطانية في فكرة طائرة فضائية أحادية المرحلة غير مأهولة، على أمل في إحياء برنامج الفضاء البريطاني الذي أخذ يتلاشى آنذاك.

وتقرر أن تستخدم تلك الطائرة الفضائية نوعاً جديداً من محركات نفاثة وصاروخية هجينة "تتنفس الهواء" [بمعنى أنها تحصل على الطاقة بالاستفادة من الهواء] من تصميم المهندس آلان بوند، كي تنفذ إقلاعاً أفقياً من مدرج عادي ثم تزداد سرعتها منطلقة إلى الفضاء دفعة واحدة، بعد أن تصل إلى علو شاهق. ومن هنا، جاء اسمها "هوتول" الذي يختصر عبارة "أفقية الإقلاع والهبوط" Horizontal Take-Off and Landing.

اتسمت تلك المركبة ["هوتول"] بمزايا كثيرة، إذ ينطلق "مكوك الفضاء" عمودياً، على ظهر خزان وقود عملاق أحادي الاستخدام، ما يتطلب خزاناً جديداً لكل عملية إطلاق، وصواريخ معززة قابلة لإعادة الاستخدام يتعين استردادها وتجديدها. في المقابل، لا تحتاج "هوتول" سوى مزلقة تعمل بالطاقة الصاروخية ومدرج أفقي، ما يخفض كثيراً تكاليف عملية الإطلاق.

وبحسب هيمسيل، "لقد اتضح أن ولوج الفضاء أشبه برحلة بواسطة طائرة، إذ تُخرج الطائرة من قاعة التركيب، وتُزودها بالوقود، فتُقلع إلى الفضاء، ثم تعود إلى الأرض، كي تهبط على المدرج، وتركن في العنابر مجدداً. يصنع هذا فارقاً هائلاً بالنسبة إلى الإنجازات التي يمكنك تحقيقها في الفضاء".

في النتيجة، لم ترَ "هوتول" النور أبداً، شأن مركبات فضائية أخرى كثيرة مقترحة من نوع المركبة "الأحادية المرحلة إلى المدار". نذكر من بينها، طائرة "لوكهيد مارتن إكس-33"Lockheed Martin X-33  وشقيقتها الكبرى "فنتشر ستار" VentureStar، من الطائرات الفضائية على شكل رأس سهم، و"روتون" التي تنطلق عمودياً ثم تحلّق عائدة إلى الأرض مستخدمة شفرات دوارة لطائرة مروحية، و"لينكس" Lynx، من ابتكار شركة أوقفت أعمالها اسمها "إكسكور أيروسبيس" XCOR Aerospace في كاليفورنيا.

وفق هيمسيل، تعزى الصعوبة في تطوير مركبات ذات "مرحلة واحدة إلى المدار"، إلى الوزن الأقصى [لكل مركبة] المسموح به في ذلك النوع من الرحلات. فعلى عكس أنظمة التحليق المتعددة المراحل، التي تتخلص من بعض أجزائها أثناء صعودها إلى الفضاء، يجب أن تخرج الطائرة الفضائية من الجاذبية الأرضية الخطيرة سليمة في هيئة "مركبة كاملة"، تشتمل على جناحين ومعدات هبوط وخزانات وقود والأجزاء الأخرى كافة.

تجعل البراعة الشاملة المطلوبة لصنع ذلك النوع من المركبات [ذات "المرحلة الواحدة إلى المدار"]، الأمر معقداً جداً أيضاً. في الواقع، تضمن برنامج "أبولو" الذي حمل رواد فضاء أميركيين إلى سطح القمر، أربع مركبات فضائية مختلفة، الأولى مصنوعة لإطلاقها إلى الفضاء، والثانية كي تصل إلى القمر وتعود منه، والثالثة كي تزور سطح الكوكب، والرابعة كي تحمل الطاقم بأمان عبر الغلاف الجوي إلى الأرض.

باستثناء مركبة الهبوط على سطح القمر، يتعين على الطائرة الفضائية أن تؤدي كل تلك الأعمال المذكورة آنفاً، من هزيمة الجاذبية [أثناء عملية الانطلاق إلى الفضاء] وصولاً إلى مقاومة الحرارة الرهيبة التي يتركها غلافنا الجوي على الأجسام العائدة إلى الأرض [أثناء عملية الهبوط].

وتذكيراً، نستطيع عبر "مكوك الفضاء" أن نتبيّن المخاطر التي ينطوي عليها الوقوع في خطأ ما [في تلك الرحلات]. ففي 1986، تعرّض المكوك "تشالنجر"Challenger  للتدمير وتوفي جميع أفراد طاقمه السبعة حينما تعطل أحد صواريخه الداعمة بعد الإقلاع. في 2003، تحطم المكوك الفضائي "كولومبيا"Columbia  مودياً بحياة طاقمه الذي تكوّن من سبعة رواد فضاء، حينما انفتح صدع صغير في الدرع الحراري المكوّن من أنسجة كربونية، ويوفر الحماية لجناحي المكوك والجهة السفلية منه أثناء رحلة العودة إلى الأرض من الفضاء الخارجي.

سباق الشركات الجديد إلى الفضاء

اليوم، أطلقت شركات على غرار "سبيس إكس" SpaceX لإيلون ماسك و"بلو أوريجين" Blue Origin المملوكة لجيف بيزوس، سباقاً جديداً بين الشركات إلى الفضاء. إلى جانب ذلك، جاء متنافسون كثر كي يحظوا بالتاج المتروك لمن يصنع الطائرة الفضائية.

إن معظم تلك المركبات الواعدة هي من النوع القابل لإعادة الاستخدام جزئياً على شاكلة "مكوك الفضاء". مثلاً، أطلقت شركة "فيرجين غالاكتيك" Virgin Galactic التي يملكها ريتشارد برانسون طائرتها الفضائية "سبيس شيب وان" SpaceShipOne من طائرة تقليدية على علو شاهق.

وبحسب العضو السابق في فريق تصميم طائرة الفضاء "هوكر سيدلي" Hawker Siddeley ديفيد أشفورد، "تحتاج المركبات ذات "المرحلة الواحدة إلى المدار" القابلة لإعادة الاستخدام كاملة إلى تقنية متقدمة جداً". وقد نشر أشفورد أول ورقة بحثية له حول الموضوع في 1965. وتسعى شركته "بريستول سبيسبلانز" إلى الحصول على تمويل يتيح لها صناعة طائرة فضائية مدارية صغيرة ثنائية المراحل [لكل مرحلة محركاتها ووقودها].

يشرح أشفورد أنه "من المستطاع صناعة طائرة فضائية ذات مرحلتين إلى المدار في وقت أقرب وبتكلفة أقل ومخاطر أدنى، مستعنين بالتكنولوجيا التي أثبتت نجاحها. وفي وقت لاحق، حينما تصبح الأسواق والتكنولوجيات جاهزة، يمكن ابتكار طائرة فضائية أحادية المرحلة إلى المدار".

في سياق متصل، تعكف "سييرا نيفادا" Sierra Nevada، شركة أميركية خاصة مملوكة بالكامل للزوجين المليارديرين التركيين الأميركيين إيرن وفاتح أوزمن، على ابتكار مكوك صغير يُسمّى "دريم تشيسر"Dream Chaser  يستطيع نقل حمولة بوزن 5. 5 طن. ومن المقرر أن يكون ذلك المكوك متوافقاً مع أنظمة الإطلاق العمودي المتعددة المراحل المعمول بها حالياً، على غرار عائلة صواريخ الفضاء "أريان"Ariane  التي تصنعها "وكالة الفضاء الأوروبية" European Space Agency.

سبق أن أبرمت "سييرا نيفادا" عقداً مع "ناسا" للاضطلاع بست بعثات من نوع إعادة الإمداد، إلى "محطة الفضاء الدولية" حتى 2024. وكان التصميم الخاص بالشركة من الطائرات الفضائية [المتعددة المراحل] الوحيد الذي اشتملت عليه المجموعة الأخيرة من العقود التي أبرمتها وكالة الفضاء الأميركية مع عدد من الجهات. في المقابل، نصَّت كل العقود الأخرى التي أبرمتها تلك الوكالة الفضائية على استعمال تصميمات الصواريخ العمودية القابلة لإعادة الاستخدام على غرار صواريخ "فالكون" من "سبيس إكس".

في سياق موازٍ، تحاول الحكومات أيضاً استعادة القدرة المفقودة [في مجال صنع طائرات فضائية]، إذ تمتلك الولايات المتحدة "إكس- 37" (X-37)، طائرة فضائية آلية قابلة لإعادة الاستخدام وشديدة السرية أطلقت داخل صاروخ تقليدي، ويخشى كثيرون أن يكون الغرض منها الاستخدام العسكري. كذلك تختبر الصين مركبة مشابهة معروفة باسم "سي أس أس أتش كيو" CSSHQ، اختصار صيني لـ"المركبة الفضائية الصينية التجريبية القابلة لإعادة الاستخدام" Reusable Experimental Spacecraft، وقد أثارت أيضاً تكهنات مماثلة.

في الواقع، المركبة "الأحادية المرحلة إلى المدار" بحق أكثر ندرة بعد. تحاول الهند تطوير مثل هذه الطائرة الفضائية، بيد أنها ما زالت في مرحلة البحث والتطوير. في الوقت ذاته، انتهى المطاف بمحركات "آلان بوند" والعمل على "هوتول" في القسم الخاص في "ريأكشن إنجينز" Reaction Engines، شركة بريطانية تعكف الآن على اختبار محركات الدفع الهوائية "سابر" SABER في كولورادو.

عوضاً عن محاولة صناعة طائرة فضائية كاملة، تصب "ريأكشن إنجينز" تركيزها على المحركات أولاً، على اعتبار أن استخداماتها تتجاوز السفر في الفضاء، بحسب الشركة. إذا اكتملت المحركات، يمكن أن تجعل الطائرات الفضائية أسهل كثيراً، لكن اختبارات التحليق قد تستغرق عقداً من الزمن.

يعتقد أشفورد أن إنجاز ذلك ممكن، إذ أشار أحد المقترحات الأخيرة لشركته إلى أن "العمل المبكر على ابتكار طائرات فضائية [في ستينيات القرن العشرين] لم يفوقه عمل آخر أبداً، إنما آلَ مصيره إلى النسيان أو التجاهل. ومنذ ذلك الحين، طورت كل التكنولوجيات اللازمة لطائرات أخرى. إن ما كان صعباً ومكلفاً في ستينيات القرن العشرين ينبغي أن يكون سهلاً الآن".

لماذا تعتقد "راديان" أن في وسعها الفوز

في هذا المشهد الوعر، تأتي "راديان أروسبيس" التي أشرف كبير مسؤولي التكنولوجيا لديها ليفينغستون هولدر، على العرض الأصلي لطائرة "إكس- 33" (X-33) من "بوينغ".

في تصريح إلى "اندبندنت"، ذكر هولدر أن "تغييرات كثيرة طرأت بين اليوم والأمس. صنعت الأنظمة السابقة استناداً إلى متطلبات شديدة القوة، ذهبت بالتصميمات إلى أقصى حدودها".

وأضاف هولدر، "الآن، يمكننا أن نستغل سنوات من التقدم في علم المواد، والهياكل الأولية المركبة، وأنظمة الحماية الحرارية الدائمة، وتقنيات تقليص الحجم والوزن والطاقة في المكونات الكهربائية والميكانيكية كلها، إضافة إلى تقنيات في التصنيع تسمح لنا بالانتقال من النظرية إلى الأجهزة على نحو أسرع وتنفيذ التغييرات بسرعة أكبر".

على منوال "هوتول"، يمكن إطلاق المركبة النموذجية الخاصة بشركة "راديان" عبر مزلقة صاروخية. ولكنها خلافاً لنظام "هوتول"، صُمّمت لتكون مركبة صاروخية خالصة، وسوف تزود منذ البداية بطاقم بشري. وتتكتم "راديان" على إعطاء تفاصيل إضافية لكنها تشير إلى إن الطائرة قد تكون غير مأهولة في المستقبل.

في سياق متصل، يفيد هولدر بأن الطائرة ستكون قادرة على نقل حمولة بوزن 2.5 طن في طريق سفرها إلى الفضاء، وخمسة أطنان في طريق رجوعها إلى الأرض. كذلك يذكر المهمات المحتملة من قبيل فرق البحث والرصد الأرضي والتنقل "من نقطة إلى أخرى"، أي الرحلات الجوية التي تعتمد على طائرات ترتفع إلى الفضاء لفترة وجيزة قبل أن تعود بسرعة فائقة إلى الأرض، ما يمكّنها من قطع مسافات ضخمة بسرعة كبيرة.

في المقابل، يشكك هيمسيل في تصريحات "راديان"، إذ يرى أن كثيرين جربوا تصميماً صاروخياً خالصاً من دون أن ينجحوا في ذلك، مشيراً إلى أنه لا نفع من إضافة وزن الطاقم البشري والأنظمة التي تدعم حياته إلى كل بعثة فضائية، طالما كان في مقدور حتى "بوران" في ثمانينيات القرن العشرين أن تتحرك في المدار وتهبط باستخدام طيار آلي.

ويشير هيمسيل إلى أن مخزن التحميل المبين في الرسوم التمثيلية الخاصة بشركة "راديان"، المتمركز قرب مقدمة المركبة وبعيداً من مركز جاذبيتها، من شأنه أن يخلّ بعمل الحافة الخارجية لأجنحة المركبة ويخلق قوى مزعجة من عزم الدوران [ميل القوة إلى تدوير جسم حول محور أو نقطة ارتكاز]. ولكن، تشير الشركة إلى أن هذا اختيار متعمد، والغرض منه الحفاظ على توازن تصميم جناح "دلتا" الثقيل في الجزء الخلفي من الطائرة.

كذلك يتساءل هيمسيل أيضاً عما إذا كانت الشركة ستملك ما يكفي من المال، مشيراً إلى أن تكاليف تطوير الطائرات الفضائية تتخطى عادة التكلفة. ويعبّر عن الأمر بسخرية، "27.5 مليون دولار بالكاد تشتري لك همبرغر في هذه اللعبة".

ومع ذلك، تبدو راديان على "ثقة" بأنها ستبدأ اختبارات التحليق بحلول نهاية العقد الحالي.

"أحدهم سيموت وفق الإحصاءات"

أي جهة تصنع مركبة ذات "مرحلة واحدة إلى المدار" قابلة للتطبيق عملياً تنتظرها جوائز رائعة. فمن شأن القدرة على إطلاق المركبة بسرعة وإعادة استخدامها أن تخفض تكلفة الدخول إلى المدار، ما يفتح المجال ربما أمام استخدام أوسع بكثير.

ووفق كلايتون أندرسون، "حينما كنت رائد فضاء على متن مكوك فضائي، كانت عملية الإطلاق صعبة جداً". وقد أمضى كلايتون ما مجموعه 167 يوماً في الفضاء في مهمة مع "ناسا"، وهو الآن بروفيسور في "جامعة آيوا".

ويضيف أندرسون، "إن الجمع بين محركات الصواريخ الصلبة والخزان الخارجي من جهة، والمكوك مع المدخنة من جهة أخرى، قد يستغرق أسابيع. لا يكون ذلك على شاكلة ابتياع تذكرة سفر، وقيادة السيارة إلى المطار، كي تصبح في غضون ساعة أو اثنتين على متن مركبة جاهزة للانتقال من مكان إلى آخر".

وحاضراً، يقيّد ارتفاع أسعار التذاكر سوق السياحة الفضائية، إذ تتقاضى شركة "فيرجين غالاكتيك" مئات الآلاف من الدولارات مقابل رحلة مدتها بضع دقائق عبر حدود الفضاء، في حين أن رحلات إيلون ماسك المدارية بالكامل تكلف، وفق ما يُروى، مئات الملايين من الدولارات.

يأمل المؤيدون في أن يفضي انخفاض الأسعار إلى توسيع نطاق سوق السياحة الفضائية، ما يجعل شركات الفضاء أكثر قدرة على الاستمرارية، ويغذي تالياً توسع صناعات أخرى.

وبحسب هيمسيل، "إنّك تخوض لعبة جديدة تماماً. ويرتفع مستوى الموثوقية، على غرار مأمونية الاستخدام، لذا تصبح [الرحلات في مركبة أحادية المرحلة] وسيلة تتيحها لعامة الناس كنظام نقل. يعني ذلك أيضاً أن في مقدورك حمل الأشياء من الفضاء إلى الأرض، ويتمثل ذلك في وسيلة فقدناها الآن منذ المكوك الفضائي".

ولكن، ثمة جانب مظلم يتمثل في أن مركبة ذات "مرحلة واحدة إلى المدار" ستكون أيضاً مثالية للاستخدام العسكري، ما يمنح الدول القدرة على إطلاق الأقمار الاصطناعية، أو مهمات اعتراض الصواريخ، أو حتى الأسلحة الفضائية، مع خفض الإعداد إلى أدنى حدٍّ ممكن.

ما زال هيمسيل يحمل شعلة المركبة الفضائية "سكايلون" Skylon خليفة "هوتول" من تطوير "ريأكشن إنجينز"، إذ يعتقد أن تنفيذها كان ممكناً. اليوم، اختفت المقالات حول "سكايلون" من الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة، وتدعي الأخيرة الآن أنها كانت مجرد نظرية.

في تصريح إلى "بي بي سي نيوز"، ذكر مدير تطوير الأعمال أوليفر نيلارد أن "سكايلون شكلت المركبة النموذجية لتبيان كيفية استخدام محرك سابر. نحن لا نعمل على تطوير مركبة. بل نصب تركيزنا في المدى القريب على المحرك".

في الوقت ذاته، يحذر البروفيسور أندرسون من أنه يتوجب على الشركات التي تسعى إلى أن تتجاوز قدرة "ناسا" أن تكون مستعدة لمواجهة تقلبات مهلكة.

ووفق البروفيسور أندرسون، "في أيام رواج خدمة توصيل البريد والصحف ’بوني إكسبرس‘ Pony Express، توفي الموظفون الذين كانوا يركبون الخيول في مختلف أنحاء البلاد. كذلك في الأيام الأولى لرحلة الطائرة، لقي أشخاص حتفهم. لكن، لم تكُن لدينا وسائل تواصل اجتماعي تُمكّن الناس من اكتشاف أن طائرة تحطمت وأودت بحياة ثلاثمئة شخص، بعد ثانيتين [من حصول ذلك]".

ويضيف أندرسون، "تفيد الإحصاءات بأنه أثناء حصول ذلك، سيحدث أمر سيّء في مكان ما، بالضبط على غرار ما حدث في 135 عملية لإطلاق مكوك فضائي، وقد أودينا بحياة طاقمين. ماذا يحدث عندما يأتي ذلك اليوم السيّء؟ هل ما زالت هذه السوق قابلة للاستمرار؟ هل ما زال الناس على استعداد لاستثمار الملايين من الدولارات فيها؟".

© The Independent

المزيد من علوم