Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحافة اللبنانية... أثرٌ بعد عين

شهد عام 2016 إغلاق صحف "السفير" و"المستقبل" و"البلد" و"الأنوار" بعد أن خسرت الريادة الإقليمية

تراجع دور الإعلام في لبنان إقليمياً ومحلياً وتمثل ذلك في توقف صحف عريقة عن الصدور (غيتي)

على مدى أكثر من 150 عاماً والصحافة اللبنانية تسجل ريادة على مستوى المنطقة، منذ العهد العثماني مروراً بالانتداب الفرنسي وصولاً إلى الاستقلال وما بعده، لكنها حالياً تواجه انتكاسة مع تخبط عدد من المؤسسات الصحافية، وإغلاق إحدى أعرق الجرائد فيها وهي جريدة "السفير" بعد 42 عاماً من صدورها، بسبب الأزمة المالية، والمنافسة الشرسة مع التكنولوجيا الحديثة.

تاريخ نشأة الصحافة وذروتها

ففي بدايات القرن العشرين، وتحديداً عام 1909، صدر قانون المطبوعات وفق الدستور العثماني، لتزداد الامتيازات الصحافية، وتتبعها حركات سياسية مختلفة الأهداف والأبعاد. في هذه الفترة، صدرت صحف سياسية كثيرة، أهمها "لسان الحال" لخليل سركيس عام 1877، ومنذ هذه التواريخ وعدد الصحف في ارتفاع.

أما بالنسبة لجريدة "النهار"، فقد لعبت دوراً كبيراً عربياً، وتروي رئيسة مجلس إدارة صحيفة "النهار" اللبنانية نايلة تويني، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أنها كانت تسمع من الأساتذة الكبار في الجريدة أن "الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كان ينتظر بلهفة صدور (النهار) لكي يقرأها".

وبالحديث عن عبدالناصر، ترد محطة مهمة في تاريخ الصحافة اللبنانية، إذ دفعت ظروف لبنان إبان الحكم العثماني بعض الصحافيين إلى الهجرة إلى مصر لينشئوا جرائد مثل "الأهرام" و"المقتطف" وغيرهما، ما خلق هذا التأثير بين البلدين.

وقد استمرت الصحافة الورقية مزدهرة إلى سنة 2000 تقريباً، حين شهدت أزمة مالية كبيرة تفاعلت في السنوات اللاحقة ما أدى إلى إقفال بعض الصحف مثل "السفير" و"الأنوار" و"الصياد". وفي الوقت عينه، نشأت صحف جديدة مثل "نداء الوطن" على الرغم من الصعوبات المالية التي كانت تعترض الصحافة الورقية.

كما شهدت الصحافة في لبنان إصدارات حزبية عدة مع "صوت الشعب" للحزب الشيوعي عام 1937، و"العمل" لحزب "الكتائب" عام 1939 و"صوت العروبة" لحزب النجادة.

ليست الأزمة الأولى

ورغم الأزمات، استمرت الصحافة اللبنانية في الحضور بشكل ملفت، وتوالت هذه الوتيرة في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، إذ لم تتوقف الصحف حينها عن الإصدار، وانتظر اللبنانيون افتتاحياتها للتعرف على الجو السياسي العام.

وتشير تويني إلى أن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يواجهها لبنان "ليست الأزمة الأولى التي تشهدها الصحافة اللبنانية، فقد كنا شاهدين على مختلف أنواع الأزمات منها القمع والاعتقالات والتهديدات والقتل والحروب. وقد واجهت صحيفة النهار عدة مضايقات سابقاً من قبل الحكومات، حيث أدخل صاحب الجريدة وناشرها الراحل غسان تويني إلى السجن وتم تهديد الكاتب ميشال أبو جودة حينها، إضافة إلى أنه في بعض الحالات كان هناك رؤساء جمهوريات يشددون على المعلنين لمنعهم من وضع الإعلانات في النهار كطريقة لتجفيف أقلامهم".

وبعد عام 2000، وفي ظل الهيمنة السورية ازدادت عمليات القمع والتقييد، بسقوط عدد كبير من ضحايا الصحافة، أبرزهم سمير قصير، وجبران تويني عام 2005.

2016 سنة التشييع الجماعي

ورغم أن الصحافة في لبنان قد تطورت وواكبت العولمة، إلا أنها بدأت تتخبط وشهدت انتكاسة هي الأقسى في تاريخه؛ ففي نهاية عام 2016، جرى إغلاق صحيفة "السفير"، التي تأسست عام 1974 بسبب أزمة مالية خانقة، و"المستقبل"، و"البلد" و"الأنوار".

وأثار توقف جريدة "البيرق" اللبنانية بعد زهاء قرن من الصدور، تساؤلات بشأن قوانين الصحافة ومصير الصحف التي تفتقر إلى المال السياسي أو الدعم الحزبي أو الخارجي في بلد يعتبر رائداً وعريقاً في الصحافة على المستوى العربي.

ويفسر وزير الإعلام السابق رمزي جريج، تراجع الصحافة قائلاً "حلول الصحافة الرقمية مكان الصحافة الورقية كان سبباً جوهرياً، أي حتى الجرائد بات لديها مواقع إلكترونية ولا تكتفي بالنسخ الورقية، أيضاً غياب الإعلانات التي تعد المورد الأساسي في ظل الأزمات الاقتصادية التي شهدها لبنان. تراجعت لأنه لا يمكنها الاتكال فقط على المداخيل الناتجة عن المبيعات وإنما هي بحاجة إلى إعلانات وحلول المواقع الإلكترونية، وإقبال الناس على مراجعتها جعلهم ينصرفون عن الصحافة الورقية".

من جهتها، تعتبر نايلة تويني أن "الصحافة ليست أقل تنافساً وتأثيراً وأهمية من مواقع التواصل الاجتماعية، بخاصة أن للصحافي دوراً مسؤولاً يتسم بالدقة والمهنية وكيفية نقل الخبر بطريقة موضوعية"، مؤكدة أن "مواقع التواصل الاجتماعية قامت بتعزيز دورنا أكثر، خصوصاً أننا بتنا مسؤولين عن التحقق من المعلومة والتأكد منها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من ناحيته، يرى رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في لبنان عبد الهادي محفوظ أن سبب تراجع الإعلام اللبناني هو ضعف فكرة الدولة "أصبح لكل طائفة مؤسساتها الإعلامية، وغالبية هذه المؤسسات تمتلك شيئاً من الحماية الطائفية والسياسية. إنما الآن الدولة عموماً أضعف من مكوناتها الطوائفية، ذلك أن المسألة الطائفية هي الشر الأكبر في هذا البلد، والصحافة ليست بمنأى عن تأثيرات هذه الطائفية، ولكن وصل هذا النظام في لبنان إلى طريق مسدود".

إصلاح القطاع

أما بالنسبة للإصلاحات والقوانين المقدمة من قبل الوزارة المعنية لتحسين ودعم هذا القطاع، فيشير الوزير جريج إلى أن "السلطة أهملت دعم الصحافة الورقية المقصور بالدعم المادي، كما أن هناك مشروعاً جديداً للإعلام قيد النظر لم يقر في المجلس النيابي، وهو يتناول جميع أنواع وسائل الإعلام"، لافتاً إلى أنه "أثناء توليتي وزارة الإعلام أعددت مشروعاً لمساعدة الصحافة الورقية، وهذا الأمر موجود في دول مثل فرنسا حيث تساهم الدولة في الدعم المادي والمعنوي للصحافة الورقية غير أنه لم يبصر النور، وهذا الدعم المادي للصحافة الورقية لا يكلف أكثر من عشرة ملايين دولار أميركي في السنة، وهو ضروري لأنني لا أتصور أن يكون لبنان من دون صحافة ورقية على الرغم من تطور الإعلام وانتشار المواقع الإلكترونية".

وعن أهمية دعم الحكومات للإعلام، ترى تويني أن "تمويل الحكومات للصحف يهدد هويتها واستقلاليتها وحريتها، ولكن بالتأكيد كل دعم مهم بدءاً من الدعم الإعلاني إلى الدعم الذي نتلقاه من القارئ".

وعما إذا حصلت جريدة "النهار" على أي دعم من الحكومات المتعاقبة، تؤكد تويني أن صحيفتها لم تمولها السلطة على الرغم من علاقاتها الوطيدة مع السياسيين، معتبرة في الوقت عينه أن "الصحافي يجب أن يكون على مقربة من السياسيين أو الحكومة من أجل أن يواكب أعماله ليحاسب ويسائل ويضغط أصحاب القرار من أجل إحداث التغيير المرجو وليس أن يبقى على مسافة واحدة منهم".

الصحافة اللبنانية وبسبب إهمال الدولة لدورها، تركت لبعض أصحاب الصحف والمجلات الاعتماد على المصادر الخارجية وعلى المواضيع الإعلانية، وكانت حجة الدولة أنها تدفع مساعدات لنقابتي الصحافة والمحررين، من أجل ذلك وبعد أن توقف الدعم الخارجي وهبوط حجم الإعلانات بشكل كبير بدأت الصحف والمجلات تتهاوى وتقفل. اليوم معظم المطبوعات التي تصدر مدعومة من أحزاب ووجهات سياسية محلية وخارجية، ومعظم الصحف والمجلات التي تصدر لحينه تأثرت بعد انهيار القطاع المصرفي الذي كان المعلن الأول لهم.

تراجع دور الإعلام خارجياً

أما بالنسبة لتراجع دور الإعلام اللبناني إقليمياً، فيرى محفوظ أن "السبب الأساسي داخلي أي بعد تراجع الإعلانات والمبيعات وإقفال عدد كبير من المؤسسات الإعلامية. ثانياً، انتشار منصات التواصل الاجتماعي والبث المباشر من التلفزيونات بحيث لم يعد المواطن أو القارئ يتابع القنوات التقليدية للإعلام. ثالثاً، عدم وجود مؤسسات ووكالات أنباء ذات مستوى عالمي ناطقة باللغة الإنجليزية والفرنسية ذات طابع لبناني".

بدورها، اعتبرت تويني أنه "على عكس ما يعتقد البعض فإن النهار لا يزال صوتها يصدح والصحافة اللبنانية بشكل عام لا تزال تلعب دوراً مهماً. والدليل على ذلك أن النهار تمتد في العالم العربي أكثر، إذ أصبح لدينا (النهار العربي) وهو موقع عربي مستقل يستطيع أن ينافس أهم منصات عربية ويكون في الطليعة بالأرقام، ويستطيع أن يجلب الأخبار والمقابلات المهمة ويلعب دوره في الوصول إلى جميع فئات المجتمع".

يذكر أن وزارة الإعلام اللبنانية قامت بإعداد مشروع قانون لتنظيم الإعلام اللبناني بعد التطور الذي حصل في هذا القطاع بعد انتشار المواقع الإلكترونية المتعددة، ولكن الظروف السياسية حالت دون إقرار هذا المشروع، وكان هناك نية لإلغاء وزارة الإعلام اللبنانية لتصبح هيئة ناظمة لقطاع الإعلام، وكان الوزير رياشي قبلها طرح نفس الأفكار لتطوير القطاع الإعلامي بعد الانهيار الذي حصل في هذا القطاع وإغلاق عدد كبير من الصحف والمجلات العريقة.

المزيد من تحقيقات ومطولات