Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاريخ من هيمنة السلطة وسطوة المال السياسي على "الصحافة العراقية"

سرّح الجيش الأميركي في 2003 الكوادر العاملة في الإعلام العراقي ما أفقد المؤسسات الأسماء المحترفة

توسع النشاط الصحافي في العراق بعد 2003 في عدد الصحف (غيتي)

ظلت الصحافة العراقية حتى عام 1931 خاضعة لأحكام قانون المطبوعات العثماني الصادر في عام 1909، الذي وضع للصحافة في البلاد قيوده الأولى.

ويعد قانون المطبوعات رقم 82 لعام 1931، الذي حل محل قانون المطبوعات العثماني، هو أول قانون عراقي خاص بالصحافة، أضاف تنظيماً جديداً على الصحافة. وتوالت بعد ذلك القوانين التي تخص المطبوعات وكان يجمعها خط واحد وهو رغبة الطبقة الحاكمة في السيطرة على الصحافة وتقييد حريتها بالتنظيمات.

ومرت الصحافة العراقية بمراحل حكمتها الظروف السياسية، فتارة تكون الصوت المعبر عن السلطة الحاكمة، وتارة أخرى تتحكم فيها الأحزاب والمال السياسي، فهناك من يعتقد أن الصحافة في العراق لم تشهد أي فترات ازدهار، إذ تجاذبتها الحكومات المتعاقبة التي كانت تنظر إلى الصحافة على أنها العدو وليست المرآة لتصحيح الأوضاع.

ازدهار صحافة الأحزاب

وفي تعليقه على المسألة، قال صباح السيلاوي، رئيس تحرير صحيفة "ميسان" الثقافية، إن "الصحافة العراقية لم تعش مرحلة الذروة نهائياً"، موضحاً أنه بالإمكان إطلاق تسمية مرحلة الذروة في التجربة الصحافية في مرحلة العهد الملكي الذي شهد ازدهاراً  للصحف، لكنه مع ذلك لم يخل من العقبات، إذ تعرضت صحف للإغلاق؛ لأنها لم تكن تتماشى من توجهات الحكومة آنذاك.

وفي الأعوام 1958 و1963 و1968 جيرت الصحافة لمصلحة النظام وبعد السقوط جيرت لصالح الأحزاب الحاكمة، فالصحافة وإن تحررت بعد عام 2003 إلا أنها بقيت مقيدة ببرامج الأحزاب السياسية ويحكمها المال السياسي".

التجربة الصحافية في العراق

من جهة أخرى، ترى الكاتبة الصحافية فردوس العبادي، أنه "لا يمكن تحديد مرحلة ذروة للتجربة الصحافية في العراق، فلم تكن الصحافة بمعزل عن التاريخ السياسي في البلاد، فهما يسيران في خطين متوازيين تماماً. فالصحافة ومنذ دخول أول مطبعة في عهد العثمانيين لإصدار أول جريدة وحتى يومنا هذا في صعود وهبوط بحسب الواقع السياسي للبلاد والتطور الثقافي للمجتمع". وأضافت "مع الأسف، صحافتنا لم تتمسك بالتقاليد مثل الصحافة العربية الرائدة في مصر أو تلك الراسخة والمؤثرة كما في دول الخليج العربي، كمثالين ننظر إليهما بإعجاب واحترام".

أما الباحث في الشأن السياسي، هلال العبيدي، فيعتقد أن "مرحلة الذروة التي عاشتها الصحافة في العراق كانت في الثمانينيات أثناء الحرب العراقية - الإيرانية وكان الظرف السياسي والاقتصادي والأمني هو الغالب من خلال موضوع التحدي الذي يواجهه العراقيون كشعب في وجودهم وقوتهم اليومي".

عصر الفوضى

كانت الصحف في العراق في فترة النظام السابق محددوة العدد، تنشر آراء الحكومة وبرامجها فقط. وبعد عام 2003، بدأت الصحف في الانتشار والاتساع وازداد عددها لكنه توسع أفقي كما يصفه، سعد محسن خليل، عضو مجلس نقابة الصحافيين العراقيين "فبعد أن أصبح عدد الصحف يصل إلى أكثر من 140، بعدما كان خمس صحف في فترة النظام السابق، إلا أن هذا التوسع لم يصب لصالح تطوير الإعلام في العراق، بل إنه توسع أفقياً وأصبحت الصحافة في العراق تمر بعصر الفوضى، فالصحف التابعة للأحزاب تبث بذور التفرقة والعنصرية ولن تصب لصالح خدمة المواطن".

وأشار خليل أيضاً إلى أن قرار الجيش الأميركي في عام 2003 القاضي بتسريح الكوادر العاملة في الإعلام العراقي ووصفهم بـ"أبواق النظام"، كانت خطوة غير سليمة، إذ فقدت الصحافة العراقية الكوادر المتمرسة والمحترفة في العمل الصحافي. وأدت هذه الخطوة إلى انتشار أناس طارئين على المهنة أتوا من أحزاب وجهات متنفذة. وأسهمت هذه العوامل في إضعاف العمل الصحافي بشكل عام.

تراجع الصحف

يقول جين سومز "إذا عرفنا من يمتلك الصحافة، عرفنا أيضاً ما نتوقعه منها". يرى البعض أن الصحافة في العراق تعاني من انتكاسة بسبب هيمنة الأحزاب التي تفرض توجهاتها على الصحف. وبالعودة إلى هلال العبيدي، فهو يرى أن "الصحافة في العراق تعاني من انتكاسة في ظل غياب صحافة حرة ومؤسسات رصينة يمكنها العمل من دون ضغوطات سياسية. إن السياسية في العراق روضت الصحافة وجعلتها تابعاً ذليلاً لأحزاب وشخصيات سياسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ذات السياق، ترى الكاتبة فردوس العبادي أنه "على الرغم من العدد الكبير واللافت للصحف والمجلات التي صدرت في أعقاب احتلال العراق في أبريل (نيسان) 2003"، فإنها لم تكن بالمستوى الذي كان يترقبه القارئ من حيث المضمون والهوية والاتجاه إلا ما ندر، خصوصاً الصحافة الحزبية التي جاءت بخطابات تستهدف جماهيرها وتستخدم النقد في غالب الأحيان لإسقاط الآخر".

ازدهار ولكن...

من جهته، أوضح ناظم الربيعي، عضو مجلس نقابة الصحافيين العراقيين، الناطق باسم النقابة، أن "الصحافة كانت مسيسة وتابعة للسلطة، والصحف كانت متشابهة إلى حد كبير بالأخبار التي تتناقلها، وذلك لوجود مصدر واحد لتزويد هذه الصحف بالأخبار وهو وكالة الأنباء العراقية التابعة أيضاً للدولة". ورأى الربيعي أن "مرحلة الذروة التي عاشتها الصحافة هي بعد سقوط النظام، فالصحف أصبحت تكتب وتنشر وتنتقد ما تشاء. كما أن خطوة تأسيس الصحف تحررت من شرط الحصول على الموافقات الأمنية الذي كان سائداً في النظام السابق قبل الغزو، فازدهرت الصحافة ولكن وبعد مدة وجيزة وبسبب قلة التمويل ووجود المنصات الإلكترونية التي أتاحت متابعة الأخبار بشكل أسهل تراجعت الصحف العراقية".

الصحف الإلكترونية مساحة للحرية

في سياق متصل، اعتبر صباح السيلاوي أن "الصحف الإلكترونية أسهمت في خلق مساحة للصحافيين للتعبير عن آرائهم، إلا أنها في جانب آخر قلصت من وجود الصحافة الورقية التي كانت تستوعب كثيراً من الصحافيين، وكانت تعد وسيلة لخلق الكفاءات الصحافية".

أما الكاتبة فردوس العبادي، فأوضحت أنه "مثلما أنه لا يمكن للكتاب الإلكتروني أن يكون بديلاً عن الكتاب الورقي، كذلك الجريدة أو المجلة، لا يمكن لأي منصة اجتماعية أن تحل محلها بأي شكل من الأشكال". وأضافت "أشبه المنصات وأخبارها وقصصها، بسندويتش برغر  أو الأكل الجاهز".

وقالت العبادي، إن "الأخبار التي ترد من المنصات الإلكترونية تفتقر إلى مقومات القصة الصحافية المحترفة. هي مشاع لا خصوصية فيها أو لها، فضلاً عن افتقارها للمتعة التي نجدها في السبق الصحافي".

الدعم الحكومي

أما ناظم الربيعي، عضو مجلس نقابة الصحافيين العراقيين، فصرح بأن "بقاء الصحف بعيدة عن الدعم الحكومي يسهم في خلق صحافة حرة ويحررها من تأثير السلطة عليها"، فهو لا يرى في الدعم الحكومي وسيلة لنهضة الصحافة، إذ إن "الدعم الحكومي يقيد عمل الصحافة ويجعلها لا تشخص مكامن الخلل في عمل الحكومات".

ولفت الربيعي إلى أن "نقابة الصحافيين العراقيين في قانونها رقم 178 لعام 1969 المعدل، نظمت الدعم الذي تتلقاه الموسسات الصحافية، فلا يمكن للصحف أن تأخذ الإعلانات مصدراً للتمويل ما لم تكن مسلجة في النقابة، وهذا جزء من تنظيم عمل الدعم للمؤسسات الصحافية وجزء من حرص النقابة على ضمان استقلالية العمل الصحافي".

في حين ذهبت فردوس العبادي إلى أبعد من ذلك، وقالت، إن "ما يسبق الدعم الحكومي لإعادة العافية للصحافة لن يأتي إلا من خلال استعادة عافية الوطن والمجتمع. الحرية المسؤولة وحدها تعيد العافية، ومن دون هواء الحرية لا يمكن للصحافة أن تتنفس، وللآراء أن تحترم".

المزيد من تحقيقات ومطولات