Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أصحاب ولا أعز" يطلق العنان لمنع المثلية وفرض الفضيلة

الرهاب المجتمعي الطاغي يضعها في سلة الرفض والوصم والعقاب

المثلية الجنسية مسالة شائكة تثير الجدل المستمر حول العالم  (أ ف ب)

مما لا شك فيه أن ظاهرة "المثلية" موجودة لكن الغالبية المطلقة تفضل تجاهلها وغض النظر عنها. أعدادهم وأعدادهن غير معروفة، لكن الجميع يعرف قصة أو حكاية أو شخصاً لكن التابو الكبير والوصمة الرهيبة يحولان دون مجرد الإشارة أو التلميح. وإذا أراد أحدهم شتم آخر وإهانته، فإن أقصى درجات السب وأقبح أنواع الإهانة لا تكون بالأب أو الأم بل بالنعت بالمثلية. وبالطبع، فإن القاعدة الجماهيرية لا تسمّيها بـ"مثلية"، بل ألفاظ أخرى كثيرة، وما يمكن ذكره هنا هو "شذوذ".

الشذوذ أو المثلية في الثقافة المصرية هي أقصى درجات الشناعة والبشاعة والقباحة. وعلى الرغم من أن الميول الجنسية المختلفة موجودة في فئات شتى، وعلى الرغم من أنها تعود إلى أسباب وعوامل مختلفة، بعضها يقع في نطاق اختيار صاحبها وبعضها في خارجه، إلا أن الرهاب المجتمعي الطاغي يضعها كلها في سلة واحدة، إنها سلة الرفض والوصم والعقاب.

العقوبة أمنية ومجتمعية

والعقاب لمن اختلفت ميوله الجنسية عن المعتاد نوعان: أمني ومجتمعي، وكلاهما ينافس الآخر في القوة، وينضح بقدر غير قليل من نقص المعرفة. النص الأصلي الذي ما زال يشكل ركيزة التعامل القضائي - الأمني مع أصحاب الميول الجنسية المثلية هو قانون رقم 10 لعام 1961، الذي طرأت عليه بعض التغيرات الطفيفة، أبرزها أن مصر وسوريا لم تعودا إقليماً واحداً. يقول النص إن "كل من حرض شخصاً ذكراً كان أو أنثى على ارتكاب الفجور أو استدرجه أو أغواه بقصد ارتكاب الفجور أو الدعارة، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة من 100 جنيه إلى 300 جنيه في الإقليم المصري، ومن ألف ليرة إلى ثلاثة آلاف ليرة في الإقليم السوري".

وعلى الرغم مما طرأ من تغيرات على العقوبة وقيمتها وأعوام السجن، لكن التعامل مع المثلية يهمين عليه الفكر الأمني والرعب المجتمعي والأخير له شقان: أحدهما ثقافي والآخر ديني، وكلاهما متشابك مع الآخر بشدة.

شدة وطأة "الاتهام" بالمثلية أو الانتماء لميول جنسية تختلف عن المعايير العلنية المتعارف عليها والمتفق عليها دينياً وثقافياً، تدعو غالبية المثليين إلى إخفاء ميولهم حتى عن ذويهم. الحكايات التي تُحكى خلف الأبواب المغلقة والقصص التي تُسرد سراً لضمان عدم التعرض للوصمة أو العقوبة أو كليهما تقول كثيراً. لكن رد فعل المجتمع والسوشيال ميديا والإعلام والهيئات الدينية الرسمية وغير الرسمية، على وجود شخصيات مثلية في الفيلم المثير للجدل "أصحاب ولا أعز"، يقول كثيراً جداً أيضاً. وكل من شذ عن قاعدة الحديث عن "الشذوذ" بنبرة غير نبرة الملاحقة الأمنية والمنع والحجب والبتر واللعنة، يُصنّف حالياً باعتباره معادياً للأخلاق، كارهاً للدين، محباً للفاحشة، مشجعاً على الرذيلة، مؤيداً لهدم المجتمع ومعارضاً للأخلاق. والقائمة تحفل بكل ما هو مثير وغريب، حتى إن اتهامات بالترويج للماسونية وتأييد الصهيونية ومساندة السلام مع إسرائيل يتم تصويبها لمعالجة مسألة المثلية، بعيداً من العقوبات الأمنية واللعنات الدينية والوصمات الثقافية.

هذا الأمر

لكن يبدو الرهاب المجتمعي مفهوماً ومنطقياً في ضوء المعطيات. المدير التنفيذي لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أسامة الحديدي، حين قال قبل ساعات قليلة إن المثلية الجنسية مرفوضة في الإسلام وسلوك مجرم شرعاً، لم يأتِ بجديد أو يتفوه بغريب. بل هو قال ما يقال منذ قرون طويلة في المؤسسات الدينية باختلافها عن تحريم الميول الجنسية المثلية. لكنه دق على الوتر الحساس وسلّط الضوء على جوهر المشكلة الزاعقة حالياً بسبب الفيلم وتناوله لشخصيات ذات ميول مثلية. قال الحديدي: "للفن دور مهم في طرح ومناقشة القضايا التي تهم المجتمع، من دون كشف ستر بعض الأمور مثل المثلية الجنسية، تجنباً لأن يكون هذا التناول دعاية لهذا الفعل المحرم من الناحية الشرعية، إذ إن الفطرة الإنسانية والإسلامية ترفضان هذا الأمر".

ولأن "هذا الأمر" ليس مجرد مخالفة للفطرة أو خروج عن القانون، فإنه يحسب لمؤسسة الأزهر الشريف ما أشار إليه الحديدي عن وجوب النظر إلى "طبيعة المثلية وهل هي سلوك أو مرض. فلو أن هذا الأمر مرض ناتج من خلل هرموني نقوم بمعالجته طبياً، ولكن نرفض تماماً أن تكون المثلية الجنسية سلوكاً".

سلوك المصريين مصنف تحت بند "المحافظ". لكن التصنيف لا ينفي أن المحافظة درجات، والدرجات قد تحوي ظاهرياً ما يتناقض والموجود داخلياً. وما هو موجود داخلياً لا تتم المجاهرة به بالضرورة، وإن حدثت المجاهرة، فالإنكار سيد الموقف. وفي أقوال أخرى، فـ"الستر" يجب أن يكون سيد الموقف.

الموقف العلمي أو الطبي من المثلية لا يعني غالبية المجتمع المصري كثيراً. ما يعني الغالبية ألا تكون هناك مثلية، وإن وُجدت فالحكمة اليابانية القديمة للقردة الثلاثة التي لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم هي الغالبة.

أسباب المثلية مجهولة

غالباً، لا تعرف الغالبية أن دول العالم التي فتحت الأبواب على مصاريعها أمام قبول واحترام والدفاع عن حقوق أصحاب الميول الجنسية المختلفة، ما زالت تبحث وتنقب عن أسباب المثلية. الاعتقاد العلمي الذي ظل سائداً لعقود في العالم- بعيداً من قبول أو رفض المثلية- أن العوامل الوراثية هي التي تلعب دور البطولة في أن يكون الشخص مثلياً. لكن دراسة حديثة أجريت في "معهد الطب الجزيئي" في فنلندا، أشارت إلى عدم وجود جين معين هو المسؤول عن المثلية، إنما هي مجموعة معقدة من العوامل الوراثية والبيئية، وأن العوامل غير الجينية تلعب دوراً أكبر بكثير من العوامل الجينية في تشكيل السلوك الجنسي، مثل ظروف التنشئة والتربية والعوامل الشخصية والمحيطة.

لكن كل ما سبق وغيره، تفضل الغالبية في مصر عدم معرفته ولو على سبيل العلم بالشيء. وعلى سبيل العلم بالشيء، فإن منظمات أممية تحتفي باليوم العالمي ضد معاداة المثلية الجنسية والتحول الجنسي في 17 مايو (أيار) من كل عام. ففي هذا اليوم من عام 1990، تراجعت منظمة الصحة العالمية عن تصنيف المثلية الجنسية باعتبارها نوعاً من الاضطراب العقلي. وفي كل عام، يوجه برنامج الأمم المتحدة المشترك لمكافحة الإيدز رسائل تحث على تبني حقوق المثليين وثنائيي الجنس والمتحولين جنسياً كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، والتحذير مما يتعرض له هؤلاء من أخطار كثيرة، بما في ذلك تهديدات وتجريم أنشطة وحملات تشهير.

الإيدز والمثلية وقلة الأدب

ويشار إلى أن ارتباط نقص المناعة البشري أو الإيدز في العقل الجمعي المصري بالمثلية عضد من الرهاب المجتمعي تجاه المثلية والمثليين. وعلى الرغم من حملات التوعية التي أثرت إيجاباً بعض الشيء في التناول الإعلامي في مصر، حيث معرفة طرق انتقال مرض الإيدز عدة، وليست المثلية فقط، إلا أنهما في العرف المصري وجهان لعملة واحدة. كما أن مرض الإيدز في حد ذاته ما زال وصمة اجتماعية كبيرة ومصيدة أخلاقية مجتمعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحت عنوان "المصيدة: عقاب الاختلاف الجنسي في مصر" (2017) يشير تقرير صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – وهي إحدى المنظمات الحقوقية القليلة إن لم تكُن الوحيدة المهتمة بحقوق المثليين في مصر- إلى وجود استهداف عمدي وممنهج من جانب الشرطة لكل من يُشتبه في اختلاف ميولهم الجنسية عن المعايير المعروفة وغير المقبولة اجتماعياً. وحدد التقرير ثلاث تقنيات تتبعها الإدارة العامة لحماية الآداب في وزارة الداخلية في هذا الشأن. الأولى والأكثر ذيوعاً هي الإيقاع بالأفراد من خلال حسابات وهمية على مواقع وتطبيقات المواعدة المخصصة للمثليين ومتغيري الجنس (الترانس) لا سيما النساء، وقيام وزارة الداخلية بترحيل المثليين أو من يُظَن بهم المثلية من الأجانب، حتى في حال عدم ثبوت اتهامات "اعتياد ممارسة الفجور" عليهم. والتقنية الثالثة هي خلق فضائح جنسية كبرى تحظى بتغطية إعلامية استثنائية.

قوس قزح

ويشار إلى أن قوات الأمن المصري ألقت القبض على سبعة أفراد (ارتفع العدد في ما بعد إلى 33 شخصاً)، رفعوا علم قوس قزح (أعلام التضامن مع مثليي وثنائيي الجنس والمتحولين جنسياً) في حفل للفريق الغنائي اللبناني "مشروع ليلى" (الذي تشكل في لبنان عام 2008 من خمسة فنانين وأحدهم هو حامد سنو أعلن أنه مثلي)، وذلك في مركز تجاري في شرق القاهرة عام 2017. وكانت التهمة هي "الترويج للشذوذ الجنسي والتحريض على الفسق والفجور". وقتها جاء في بيان الشرطة أن السبعة المقبوض عليهم مثليون، وأنهم رفعوا أعلام المثلية الجنسية وحرّضوا على ممارسة الأعمال المنافية للآداب.

وتجدر الإشارة إلى أن موجة الغضب المجتمعي والتنديد الشعبي بمجرد طرح فكرة المثلية من دون وجود مشهد واحد يعكس سلوكاً جنسياً في هذا الشأن، تشبه إلى حد كبير ما جرى في موقعة "مشروع ليلى". وعلى الرغم من انتقادات عدة توجه أحياناً للسلطات الأمنية حين تلقي القبض على أشخاص لأسباب مختلفة، إلا أن هذه المرة وقفت الغالبية على قلب رجل واحد رافض مندد لاعن لـ"الشواذ" الذين تم إلقاء القبض عليهم. بل وصل الأمر بالبعض إلى المطالبة بمحاكمتهم في ميدان عام، وتوقيع أقصى عقوبة عليهم علناً ليكونوا ردعاً لمن تسوّل له نفسه أن يكون مثلياً.

أن تكون مثلياً

أن تكون مثلياً- بعيداً من الأسباب أو العوامل وإذا كان اختيار أو فرض- هو أقرب بأن يحكم الشخص على نفسه بالإعدام الاجتماعي. خرج وكيل مؤسسة الأزهر حينئذ عباس شومان ليصف رفع علامات قوس قزح في الحفل بأنه "عار يجب ألا يمر مرور الكرام"، وأن الحفل "شاذ وماجن" مع حتمية محاسبة كل من شارك أو سمح به لضمان عدم تكراره في المستقبل.

لكن المستقبل وشى بأن الملاحقة والوصم والرهاب والعقوبات والغرامات والحبس والفضح لم تقضِ على المثلية. لكنها أسهمت في قدر أكبر من الازدواجية والسرية.

"السرية أفضل والستر أجدى"... عبارة تلخص موقف قطاع ليس قليلاً من المثقفين المصنفين، باعتبارهم وسطيين ومنفتحين ورافضين منهج العنف في التعامل مع المثلية. عقب موقعة "مشروع ليلى"، أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر بياناً جاء فيه أن "الترويج لشعارات المثليين أو نشرها مرفوض، لأن المثلية مرض وعار يحسن التستر عليه، لا الترويج لإشاعته إلى أن يتم علاجه والتخلص من عاره، حفاظاً على السير والأخلاق العامة واحتراماً لقيم المجتمع وعقائده. والترويج لهذه الشعارات هو إفساد للمجتمع ينبغي أن يلقى المروج جزاءه".

وحظر المجلس ظهور المثليين في أجهزة الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية "إلا أن يكون اعترافاً بخطأ السلوك وتوبة عنه"، مع نفي صفة دفن الرؤوس في الرمال أو إنكار وجود مثليين. وأكد المجلس أن المطلوب علاج المثلية والتخلص منها كأي مرض آخر، مكرراً التحذير من الترويج عبر العرض لغير الثوابت، التي تشكل دعائم الأسرة القائمة على زواج الذكر بالأنثى، وكل ما خرج عن هذا الإطار يجب تجريمه ومعاقبته.

الحمام الشعبي

عقوبة أمنية وأخرى أكبر مجتمعية كانت من نصيب مرتادي حمام شعبي في منطقة رمسيس في وسط القاهرة عام 2014. هذه المرة، قادت الموقعة إعلامية تدعى منى عراقي ومعها قوة من الشرطة، إذ توجهت ومعها طاقم تصوير فاقتحموا الحمام وبدأت تصور الموجودين، واستمرت عراقي في التصوير وهي تقول أمام الكاميرا "أنتم شواذ شواذ".

المثير أنه بعد إلقاء القبض على 26 رجلاً وتقديمهم إلى المحاكمة بتهمة ممارسة الفجور - إذ لا يوجد نص قانوني يجرم المثلية- صدرت أحكام ببراءتهم جميعاً، ولكن بعدما تعرّضوا وأسرهم لوصمة "الشذوذ".

الوصمة ذاتها

الوصمة ذاتها ولكن بشكل أعمق وأكبر من نصيب حادثة "كوين بوت" الأشهر، التي دارت رحاها عام 2001. فقد داهمت القوات الأمنية مطعماً عائماً في نيل القاهرة اكتسب سمعة بأنه ملتقى للمثليين، وألقت القبض على 52 رجلاً، وأصبحت القضية تُعرف باسم "قضية كوين بوت" أو "قضية الشواذ" أو "قضية شواذ كوين بوت". وخرجت مانشيتات الصحف لتعلن عن "الملف الكامل بتنظيم الشواذ في مصر"، و"شواذ العالم يساندون شواذ مصر"، و"إحالة تنظيم الشواذ لمحاكم أمن الدولة"، و"تنظيم ديني كافر يروج لإسرائيل"، و"مافيا عبدة الشيطان الشواذ". وتلقفتها القاعدة العريضة من المصريين لتقوم بالواجب وزيادة.

الزيادة التي تضفيها لجان أو جمعيات حقوقية أو حقوقيون محليون على وضع رهاب المثلية ورفض المعرفة، هي اتهام الجماعات الحقوقية الغربية برفع راية الخصوصية المصرية أو العربية أو الإسلامية (على الرغم من أن المؤسسات الدينية المسيحية في مصر ترفض المثلية).

التعدد والمثلية

فعلى سبيل المثال لا الحصر، اعتبر الدبلوماسي السابق جمال بيومي قبل أشهر أن الجماعات الحقوقية الأوروبية "تطالب مصر بمسائل غريبة حول حقوق الإنسان، مثل إلغاء عقوبة الإعدام وتعدد الزوجات، والاعتراف بحرية العلاقة الجنسية المثلية". وأضاف أن "إلغاء عقوبة الإعدام هو تشجيع لجريمة الأخذ بالثأر. وتعدد الزوجات أكثر صدقاً واحتراماً من ثقافة تسمح بالعشرة من دون زواج وإنتاج أبناء غير شرعيين. كما أن ثقافتنا وعقائدنا لا تقرّ ولا تحترم العلاقات المثلية".

الثقافة والعقائد لا تقرّ ولا تحترم المثلية. ولذلك قامت قيامة المجتمع بفئاته والبرلمان بنوابه والإعلام برموزه، حين وردت فكرة المثلية في فيلم "أصحاب ولا أعز". وعلى الرغم من عدم الإقرار وانعدام الاحترام والقيامة القوية، إلا أن ذلك لم يؤدِ إلى إلغاء المثلية وغيرها من الميول الجنسية على أرض الواقع.

الطريف أن المطالبات المتكررة بين الحين والآخر على مدار عقود طويلة، بأن تكون هناك مادة للتربية الجنسية أو دمج الثقافة الجنسية في المناهج المدرسية دائماً تقابل بموجة رفض عاتية من غالبية القائمين على أوضاع التعليم والتربية والتنشئة والدين. الأهل يرفضون، والمعلمون يترفعون، والوزارات تتحرج، والمؤسسات الدينية الرسمية، لا سيما الإسلامية، ترفض إما صراحة أو بعد تجميل الرفض بالمسببات التي تبدو وجيهة.

الثقافة الجنسية مرفوضة

إحدى هذه المحاولات دارت رحاها عام 2008، حين اقترح عميد كلية الشريعة السابق حامد أبو طالب تدريس مادة عن الثقافة الجنسية لطلاب الأزهر بعدما رصد أن 80 في المئة من الأسئلة الشرعية تدور حول الجنس. قوبل مقترح أبو طالب برفض عارم وغضب صارم، وأجمع أساتذة الأزهر على أن "هذه المطالبة لا قيمة علمية لها، وأن التربية الجنسية يكتسبها الإنسان بفطرته من المجتمع، وأن تدريسها فضيحة كبرى تخلّ عن الحياء وإساءة للأدب".

"الإساءة للأدب" التي وقع فيها فيلم "أصحاب ولا أعز" لورود الإشارة إلى شخصيات مثلية، تقف في مواجهة الإساءة للأدب التي تنضح بها ملفات محاكم الأسرة وصفحات الحوادث وقصص البيوت وخفايا كثيرين. صحيح أن ما ينضح به ما سبق يصبّ أغلبه في إساءات أدب تتعلق بزنا محارم وقتل آباء وأمهات أو أبناء وبنات أو تضامن مع العشيق للتخلص من الزوج أو استحلال نصيب النساء من الميراث أو تحرش بالإناث أو تخفيف عقوبات اغتصاب أو مناقشة حكم زواج الطفلة أو الابتزاز الجنسي على الإنترنت أو ذبح شخص والمشي برأسه معلقة على سيف، وذلك عكس إساءة الأدب عبر ميول جنسية مختلفة، إلا أن الغالبية المطلقة في مصر تعتبر الإساءة الأخيرة هي الأبشع.

"بشاعة" المثلية في "أصحاب ولا أعز" تجعل الحديث عن أسباب المثلية، ومناقشة هل هي قدر أو اختيار، وإن كانت مرضاً أو عرضاً، والفرق بين المثلية والتحول الجنسي، وماهية اضطراب الهوية الجنسية وغيرها أموراً شبه مستحيلة. بالتالي، فإن التعرف إلى ما يجري للصغار في البيت أو الكبار خارجه أو الميول ومعناها، وكيف يتصرف الأهل وغيرها أيضاً أمور شبه مستحيلة. أما غير المستحيل فهو المطالبة بمنع فيلم أو معاقبة ممثليه، أو مقاضاة تطبيقات مشاهدة متاحة لسكان الكوكب على الإنترنت، أو التحدث عن ضرورة أن يطلّق الفنان أحمد حلمي زوجته الفنانة منى زكي لأنها شاركت في هذا العمل، أو توقُّع أن يخرج "المجرم" المتهم بالمثلية من السجن بعد تمضية مدة العقوبة التي تتراوح بين شهر وثلاثة أعوام، غير مثلي.

المزيد من تحقيقات ومطولات