Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حروب أيديولوجية وسجالات ثقافية تكشف رهاب المثلية في مصر

غالبية من كتبوا رثاء أو ترحّموا على سارة حجازي اتُهموا بالفسق والشذوذ والإلحاد

يرى البعض أن رفع راية قوس قزح اعتداءٌ على الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية (مواقع التواصل الاجتماعي)

أن لا تعرف بوجود مثليين وعابري جنس ومتحوليه فهذا لا يعني أنهم غير موجودين. وأن لا تعترف بوجودهم فهذا لا يعني أيضاً أنهم غير موجودين. وأن تعتمد أحد سلاحين لا ثالث لهما: التجريم أو التحريم أو كليهما فلن يضع ذلك كلمة النهاية أمام الانتماءات الجنسية غير المعترف بها وغير المقبولة ثقافيّاً ودينيّاً.

دينيّاً وثقافيّاً تدور مسائل الانتماءات الجنسية "غير السوية" straight في المنطقة العربية بدوائر بالغة الحساسية، من حيث التناول أو المواجهة أو الفهم أو حتى التغطية الخبرية. ليس هذا فقط، بل إنّ التغطية الخبرية تكاد تكون مقصورة على صفحات الحوادث وبرامجها وفقراتها التلفزيونية والإذاعية، ومنها بالطبع إلى منصات "الهبد العنكبوتي" و"الرزع الإلكتروني".

الشك في الهوية الجنسية

الأيام القليلة الماضية شهدت استعاراً واشتعالاً غير مسبوقين بعد ما تأكّد خبر انتحار الشابة المصرية المثلية سارة حجازي في كندا، التي سافرت إليها إثر تجربة قاسية، بدأت بالقبض عليها في حفل شهير لفرقة "مشروع ليلى" اللبنانية في القاهرة سبتمبر (أيلول) عام 2017، وهو الحفل الذي تجرّأ فيه عدد من الشباب والشابات على التلويح براية "قوس قزح" (رمز المثلية).

وكانت حجازي ضمن من لوّحوا بالعلم، بالتالي أصبحت من بين نحو 57 شاباً وشابة أُلقي القبض عليهم آنذاك بسبب "الشكّ في هُوياتهم الجنسية". وقتها وجّهت النيابة إلى حجازي وشاب اسمه أحمد علاء اتهامات بتأسيس جماعة على خلاف أحكام القانون، الغرض منها تعطيل أحكام الدستور والقانون، والترويج لأفكار ومعتقدات تلك الجماعة، والتحريض على الفسق والفجور في مكان عام، ورفع علم "راينبو" (قوس قزح).

وعلى الرغم من الإفراج عن حجازي بعد 90 يوماً، فإنّ تجربة الاحتجاز ونوعية القضية التي تعني فضيحة علنية وتشهيراً شعبياً ووصمة اجتماعية لها ولأسرتها تركت آثاراً غائرة لديها، ومن ثمّ سافرت إلى كندا واستقرّت هناك. يشار إلى أن حجازي كانت قد انضمت كذلك إلى حزب "العيش والحرية"، تحت التأسيس، المعروف بتوجهاته الثورية، والمطالب بالقضاء على كل أشكال التمييز في المجتمع.

موجة هجوم

لكن، التمييز في المجتمع ضد سارة ليس جديداً أو مستغرباً، بل إنه ليس مستهجناً، إلا في ما ندر. لكن هذه الآونة، يخرج "ما ندر" إلى النور بشكل غير مسبوق. لكن خروج "ما ندر" إلى النور يعني بالطبع اشتعال الجبهة الأخرى الغالبة، حيث التنديد والشجب والمطالبة باجتثاث رؤوس وجذور المثليين والعابرين والمتحولين، ألا وهي جبهة المنددين والشاجبين والرافضين حتى الترحّم على حجازي ومن هم مثلها.

 

 

موجات عارمة من الهجوم، وبعضها لا يخلو من سبّ وقذف باسم الثقافة تارة، وباسم الدين تارة أخرى، عمّت أرجاء مواقع التواصل الاجتماعي، مملكة الحوار الشعبي في ظل الجائحة. طلب الرحمة والمغفرة لسارة حجازي قوبل بموجة عارمة من رفض الرحمة والحيلولة دون المغفرة اللتين لا تجوزان لانتحارها، وزادت مثليتها طين الانتحار بلة. البعض الآخر اعتبر "وزر" المثلية أكبر وأبشع من الانتحار، ووصل الأمر إلى درجة اشتباكات جدلية بين الفريقين، بسبب أيهما السبب الأكبر في حجب الرحمة والمغفرة عن حجازي: الانتحار أم المثلية؟!

كلمة "المثلية" التي ظهرت حديثاً في المجتمع المصري لدى بعض الفئات وليس غيرها ليست معتمدة شعبياً، ولدى المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية. المسمّى المعتمد هو "الشذوذ"، وهو الذي سارعت دار الإفتاء المصرية قبل أيام إلى وصفه بـ"الخروج عن القيم الدينية الراسخة"، و"الفعلة الشنيعة".

"هذه الفعلة الشنيعة" تشرحها الجهة التي يحتكم إليها العالم حين تتعلق الأمور بالطب والصحة والأمراض، ألا وهي منظمة الصحة العالمية في ما يعرف بـ"هُوية النوع". تعرّف المنظمة "هوية النوع" بأنه "ما يشعر به الشخص داخلياً أو خبرته الشخصية تجاه الجنس، وهو ما قد يتوافق أو لا يتوافق مع الجنس المحدد له لدى ولادته. ويشمل ذلك إحساس الشخص تجاه جسده إذا أتيحت له فرصة اختيار مظهر بعينه أو وظيفة من دون غيرها حتى لو اضطر إلى اللجوء إلى تدخلات طبية، مثل العمليات الجراحية وغيرها. وتشمل كذلك ميل صاحب الجسد إلى ملابس بعينها، وطريقة كلام، وسلوكيات وغيرها. فإذا كانت هُوية الشخص الجنسية تختلف عن تلك التي جرى تحديدها له، يعتبر متحولاً جنسياً transgender أو مرن الهوية الجندرية gender fluid أو حر الهوية الجندرية gender queer. أمّا إذا كان جنس الشخص متوافقاً وهويته الجنسية المحددة له فهذا يكون منسجم النوع الجندري".

هويات غير تلك المتعارف عليها

وعلى الرغم من هذه التعريفات الطبية الصادمة المعترف بها، والمشروحة من قِبل منظمة الصحة العالمية، فإنّ المنظمة تقرّ أنه على الرغم من أن هذه التصنيفات والمصطلحات يتزايد الإلمام بها في بعض الدول، فإنّ دولاً أخرى ما زالت تستخدم مسميات أخرى للإشارة إلى الناس الذين يظهرون هُويات جنسية غير تلك المتعارف عليها والمقبولة ثقافيّاً. وتلفت المنظمة الانتباه أيضاً إلى أنّ دولاً أخرى تطلق على أصحاب الهُويات الجنسية المتعارف عليها اسم "الجنس الثالث"، وذلك لحمايتهم بالقانون من أعراف ثقافية وقواعد دينية سائدة.

تحريم ولعنات

وفي سياق القواعد الدينية السائدة، فإنّ المؤسسات الدينية المصرية الرسمية على مدار سنوات طويلة، وفي رد فعل على كل حادث يهزّ المجتمع وينطوي على كلمة مثلي أو مثلية أو بالأحرى "شذوذ"، تسارع دار الإفتاء المصرية ومؤسسة الأزهر إلى إصدار البيانات والفتاوى التي "تحرّم وتلعن الفعل وصاحبه والساكتين عنه".

وكتبت الدار على صفحاتها المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، "الله عز وجل حرّم الشذوذ الجنسي تحريماً قطعياً، لما يترتب عليه من المفاسد الكبيرة. ونوصي من كان عنده ميل إلى هذه الفعلة الشنيعة أن يبحث عن الطبيب المختص، ويحاول أن يُعالج من هذا الداء القبيح، فالأديان السماوية جميعها رافضة لمسألة المثلية الجنسية، باعتبار ذلك خروجاً عن القيم الدينية الراسخة عبر تاريخ الأديان كافة".

 

 

وفي ردود مختلفة على أسئلة ترد إلى الدار على مدار سنوات أفتت بأن "الإسلام نهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ونهى الرجالَ أن يتشبّهوا بالنساء، والنساء أن يتشبهن بالرجال، وأقام كلا منهما في الخصائص والوظائف التي تتسق مع خِلْقتهما، وربط هذا كله بالحساب في يوم القيامة وبعمارة الأرض وبتزكية النفس، فاعتقد المسلمون اعتقاداً جازماً أن مخالفة هذه الأوامر والوقوع في هذه المناهي يُدمِّر الاجتماع البشري، ويُؤْذِنُ بسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، ويُمثِّل فساداً كبيراً في الأرض يجب مقاومته، ونُصْح القائمين عليه وبيان سيء آثاره. إذا تقرر ذلك فإن الإسلام لا يعترف بالشذوذ الجنسي".

عدم الاعتراف

لكن، المشكلة تكمن في "عدم الاعتراف"، إذ يجرى الخلط بين تحريم المثلية وعدم الاعتراف بها. ويمتد الخلط كذلك إلى الاعتقاد بأن الاعتراف بأن هناك شيئاً اسمه "مثليون جنسياً ومتحولون وعابرون" وغيرهم هو تأييد وإعجاب وتشجيع ودعوة إلى انتشاره. والحرب المستعرة على أثير مواقع التواصل الاجتماعي حاليّاً ليست إلا انعكاساً للفكر السائد. غالبية من كتبوا كلمة رثاء أو ترحّموا على سارة حجازي اتُهموا من قِبل مستخدمين آخرين بالفسق والفجور و"الشذوذ" و"الإلحاد". ويشار إلى أن نسبة كبيرة من المصريين تعتبر المثلي ملحداً بالضرورة. بل ويصل الأمر بالبعض إلى اعتبار "الإلحاد" و"المثلية" و"العلمانية" مسميات متطابقة.

تطابق مؤسسي

وتتطابق رؤى المؤسستين الدينيتين الرسميتين المصريتين الإسلامية والمسيحية في ما يختص بالمثلية. بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية البابا تواضروس الثاني قال في أثناء زيارة إلى أستراليا قبل سنوات، "الكتاب المقدس فقط هو المرجع للعلاقة بين الرجل والمرأة، وهذا الزواج (المثليين) مرفوض تماماً من الإيمان المسيحي ومن المؤمنين ومن الله. كما أن المجمع المقدس، الهيئة العليا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذي يرأسه بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، كان قد دان المثلية الجنسية بوضوح، مستنداً إلى تعاليم السيد المسيح ونصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. وأشار المجمع إلى أن السيد المسيح دان المثلية بوضوح".

ورغم أن البيان الصادر عن المجمع يعود إلى عام 2005 إبان الإعلان عن اعتراف بعض المقاطعات في دول غربية بزواج المثليين، فإنه أشار إلى أن "من يستندون إلى دعاوى حقوق الإنسان في تشجيع الشذوذ الجنسي يتجاهلون أنه ليس من حقوق الإنسان أن يفسد نفسه أو غيره. فالحرية الحقيقية لا تدمّر الإنسان، ولا تتعارض مع الوصايا الإلهية والأخلاقيات والآداب العامة". وطالب البيان هؤلاء بـ"التوبة عن هذه الخطيئة حرصاً على مصيرهم الأبدي".

المصير الأبدي

المصير الأبدي الذي اختارته سارة حجازي عن طريق الانتحار فتح أبواباً لا حصر لها من الجدل والعراك، ليس فقط في مصر بل في سائر الدول العربية. وعلى الرغم من أنه في كل مرة يظهر على السطح حدث أو حادث ذو صلة بالمثلية تنشط دوائر الجدل التي سرعان ما تفتر في مجتمعات يفضل أغلبها الاعتقاد بأن "كله تمام"، وأن الغالبية المطلقة تلتزم المعايير المتعارف عليها والمعمول بها والموثقة دينياً، إلا أن هذه المرة يتخذ الجدال شكلاً مغايراً.

كوين بوت الحادث الأشهر

في عام 2001، وقع الحادث الأكثر شهرة على صعيد المثلية الجنسية في مصر الحديثة، وهو ما يعرف بـ"شواذ كوين بوت". وقتها ألقي القبض على العشرات من الأشخاص الموجودين في حفل على متن الملهى الليلي العائم المعروف بـ"كوين بوت" وذلك بتهمة ممارسة الفجور.

وفي عام 2014، ثارت ضجة شعبية وإعلامية أخرى حين قدّمت المذيعة المثيرة الجدل منى عراقي حلقة من برنامجها الذي كان يذاع حينئذ تحت عنوان "المستخبي" عن حمام عام قالت إن "شذوذاً بين الرجال يمارس فيه"، ووثقت عراقي "سبقها" بتصوير المترددين على الحمام الشعبي في أثناء القبض على 26 منهم بتهمة ممارسة "أعمال الفجور". وعلى الرغم من براءة الـ26 رجلاً الذين ألقي القبض عليهم، فإن المجتمع رفض حكم المحكمة، ووصمهم جميعاً إلى الأبد.

 

 

المثير أن عراقي عرضت هذه الحلقة في مناسبة اليوم العالمي للإيدز الذي يوافق الأول من ديسمبر (كانون الأول) من كل عام. وفي عام 2017، كان حفل فريق "مشروع ليلى" الشهير. ويشار إلى أن وكيل الأزهر حينئذ عباس شومان أصدر بياناً قال فيه إن رفع أعلام المثلية "عار لا يجب أن يمر مرور الكرام"، ووصف الحفل الذي أقيم في ساحة أحد المراكز التجارية المعروفة بـ"الشاذ الماجن"، مضيفاً أن ما جرى من رفع راية قوس قزح "اعتداءٌ على الشرائع السماوية والأعراف الإنسانية السوية"، مشدداً على "ضرورة محاسبة كل من شارك فيه، ومن سمح به لضمان عدم تكراره". وجدير بالذكر أنه لا يوجد نص قانوني يجرِّم المثلية، لكن جرى العرف القانوني على اعتبارها جنحة تتعلق بالآداب العامة.

شفرة النازية

وبعيداً عن الآداب العامة، يقول المفكر السياسي والكاتب نادر الشرقاوي، "المثلية مسألة شائكة جداً في عالمنا العربي، لكن الأجيال الشابة تتحدث عنها بشكل أكثر انفتاحاً على الأقل من حيث التسليم بوجودهم بدلاً من إنكارهم من الأصل السائد بين الأكبر سناً. وعلينا أن ننظر إلى ما جرى في دول أوروبا من تطوّر لقضية المثلية عبر عقود طويلة. دول كثيرة كانت بالغة التعسف مع المثليين، وتنكر وجودهم وتعاقبهم، ودول أخرى كانت أكثر تسامحاً، لدرجة أن عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينغ الذي فكّ شفرة مرسلات ألمانيا النازية في أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان سبباً رئيساً في انتصار الحلفاء ألقي القبض عليه وجرى إيداعه السجن بعد ما اكتشفوا أنه مثلي، وكان يُحقن بهرمونات الذكورة لعلاجه إلى أن انتحر. حدث هذا في بريطانيا التي تصنّف الآن باعتبارها واحة الحريات. وأكثر هذه المجتمعات باتت تتقبل وجود المثليين، وإن لم يكن الجميع بالضرورة يرحّب بالفكرة. لكن على الأقل يعترف بوجودهم".

المصيدة

التعامل العلني مع قضايا المثليين والمثليات وغيرهم من أصحاب الهُويات الجنسية خارج إطار المقبول بعيداً عن التحريم أو التجريم أو كليهما أمر نادر في العالم العربي. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (منظمة حقوقية مصرية) أصدرت تقريراً في عام 2017 عنوانه "المصيدة"، تطرّقت فيه إلى أوضاع المثليين في مصر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأشارت إلى وجود ثلاثة طرق رئيسة تتبعها الإدارة العامة لحماية الآداب في وزارة الداخلية في هذه القضايا، "أولها وأكثرها ذيوعاً الإيقاع بالأفراد من خلال حسابات وهمية على مواقع وتطبيقات المواعدة المخصصة للمثليين ومتغيري الجنس (الترانس)، وبخاصة النساء. والثانية ترحيل المثليين أو من يظن بهم المثلية من الأجانب حتى في حال عدم ثبوت اتهامات اعتياد ممارسة الفجور عليهم. والثالثة خلق فضائح جنسية كبرى تحظى بتغطية إعلامية استثنائية".

وأوصى التقرير بعدد من التوصيات، منها أن تكفّ الشرطة عن استدراج المثليين، وعدم السماح للإعلام بتصوير المقبوض عليهم، ونشر معلوماتهم، وتفاصيل عن حياتهم الشخصية، وإتاحة الوقت للمحامين للاطلاع على محاضر الضبط والتحريات.

يشار إلى أن البعض من المتعاملين مع المثليين، مثل أطباء الأمراض النفسية والعصبية يتعرّضون إلى ضغوط عدة، بعضها مباشر، والبعض الآخر غير مباشر، وذلك لإجبارهم على عدم المجاهرة بالتعامل "الآدمي" معهم، ولو كان علاجاً نفسيّاً، وهو ما يمكن تفسيره بميل المجتمع ككل إلى رفع شعار "خير وسيلة للتعامل مع المشكلة هو إنكار وجودها من الأصل".

خيوط متشابكة

وإذا كان الأصل في التعامل مع مسائل المثلية في المجتمع هو صبّ اللعنات عليها، فإن حادث سارة حجازي فتح عراكاً حامي الوطيس، قلما تتشابك فيه خيوط الأيديولوجيا والثقافة والدين والسياسة. حجازي، التي كانت ترتدي الحجاب حتى وقت قريب، يُجرى تجاذبها بين فرق متناحرة. بين فريق يرى أنها تمثّل موجة التدين المظهري الذي ضرب المجتمع في العقود الأخيرة، ما دفعها إلى الاندفاع إلى النقيض الآخر في أول فرصة، وآخر لا يرى فيها إلا "شاذة تستحق الإعدام"، أو "ملحدة جديرة بضرب النار"، ولا يجوز الترحّم عليها، وثالث كان يمكن أن يرقّ قلبه لحالها لولا أنها "ماتت كافرة" وذلك لانتحارها، ورابع وجدها فرصة لصبّ غضبه على عموم الثوريين "الذين ودوا البلد في داهية"، وكل الحقوقيين "الذين خانوا البلد"، وخامس يدق على أوتار "الدولة الظالمة التي تقهر الضعفاء"، بين كل هؤلاء ما زالت سارة حجازي موضوع الساعة رغم رحيلها.

وفي خضم هذا الصخب، يظهر فريق سادس ذو صوت خافت يناقش المثلية، لا من باب التحريم، أو من بوابة التجريم، ولا حتى من منطلق الثورية، لكن كحقيقة واقعة بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها. ووسط رهاب المثلية الجنسية المجتمعي، وإرهاب تجريمه وإنكاره، والترهيب عبر الوصم والتشهير أعداد غير معروفة تعيش سرّاً، وتتواصل سرّاً، وأحياناً تموت سرّاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات