ألقى الأوكرانيون القبض على مقاتل يحمل جواز سفر روسياً داخل المنطقة المحايدة في 13 أكتوبر (تشرين الأول). وبعد أسبوعين، استخدمت أوكرانيا للمرة الأولى طائرة "بيرقدار" التركية المسيرة. وحدثت تحركات مشبوهة للدبابات على طول الحدود، وظهر مزيد من الجنود، وحصل تصعيد في اللغة المستعملة، علاوة على تحذيرات مضمرة وأخرى صريحة.
هكذا، باختصار، عاد شرق أوكرانيا من جديد إلى الأخبار.
وتكتسب التوترات أهمية مباشرة بالنسبة إلى السكان المحليين المحاصرين في إقليم "دونباس" [الذي يسعى إلى الانفصال عن أوكرانيا]. وتبدل الوضع من حصول عدد قليل من الحوادث بشكل يومي، إلى ورود تقارير عن مئات الخروقات لوقف إطلاق النار. وثمة مخاطر بالنسبة إلى الحياة المحلية خلف كل واحد من تلك الإحصاءات.
لكن هناك مخاوف من أن الحرب المستعرة منذ سبع سنوات ونصف السنة، وقد أدت إلى انتزاع جزء من ]واحدة من[ أكبر الدول في أوروبا، ربما كانت في طور التحول إلى صراع من نوع جديد.
ومن المؤكد أن استخدام الأوكرانيين الأول من نوعه الطائرات التركية المسيرة، التي كان لها تأثير كبير في كل من ليبيا وسوريا و"ناغورنو قره باغ"، قد تسبب بقدر من الحيوية في أوساط الجانبين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا السياق، وصف المحلل يوري بوتوسوف، الذي يعتبر مقرباً من السلطات الأوكرانية، وصول طائرات "بيرقدار" المسيرة إلى دونباس بأنه "يوم تاريخي" بالنسبة إلى أوكرانيا. وفي المقابل، اعتبر فلاديمير سولوفييف، الذي يقوم بالدعاية لصالح الكرملين، ذلك "تحدياً لصبر بوتين". وتساءل بصوت عالٍ عما إذا كان الوقت قد حان من أجل "تدمير أوكرانيا عن بكرة أبيها".
إن استعمال الطائرات المسيرة في النزاع المسلح ليس أمراً جديداً، حتى إنه ليس جديداً في النزاع الأوكراني. وتحلق الدرونات، أو الطائرات من دون طيار، فوق ميادين القتال هناك منذ عقد من الزمن. وقد استعمل الجانبان المدعومان من قبل أوكرانيا وروسيا، الطائرات المسيرة منذ أبريل (نيسان) 2014 في الأقل، بشكل رئيس كأدوات للقيام بمهمات الاستطلاع وكأنظمة أسلحة مباشرة غير موجهة أيضاً.
ويتمثل ما تغير مع وصول الجيل الجديد من الطائرات المسيرة في قدرة تلك الدرونات التركية على إيصال الصواريخ بدقة إلى أهدافها، وكذلك براعتها في تجنب وسائل الدفاع الجوي المتطورة.
ولذا، تملك تلك الطائرات المسيرة القدرة، من الناحية النظرية في الأقل، على إعطاء أوكرانيا من جديد مستوى معيناً من الأفضلية الجوية، علماً بأنها كانت غائبة عن الأجواء منذ صيف 2014، حينما أسقطت القوة المدعومة من قبل روسيا، مجموعة كبيرة من طائراتها.
وقد أوضح الكرملين أنه لا ينظر إلى تلك التطورات بعين الرضا، وقد حث تركيا على الانسحاب من اتفاق حول إنتاج هذه التكنولوجيا في أوكرانيا.
من جهة ثانية، تتمتع روسيا بشراكة قوية، لكنها معقدة، مع تركيا.
وقد تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اجتماع له مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول)، شراء مزيد من أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة "أس- 400"، الأمر الذي أثار ذعر حلفاء أنقرة في حلف الناتو. إلا أن هناك توترات واضحة أيضاً، إذ رفضت تركيا بإصرار الاعتراف بضم شبه جزيرة القرم في 2014، وكذلك تؤيد المطالبات الأوكرانية المتعلقة بالأراضي. وقد وجهت انتقادات لطريقة معاملة روسيا سكانَ شبه جزيرة القرم من التتار المسلمين.
أخيراً، منع المنظمون الروس، على سبيل الرد، استيراد برتقال اليوسفي والليمون من تركيا. وفي الظاهر، جاء هذا التطور بعد "اكتشاف" مبيدات محظورة في الفاكهة التركية. لكن، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي سارعت فيها روسيا إلى استعمال سلاح الصحة والسلامة، فقد أخضعت كلاً من النبيذ المولودوفي والمياه المعدنية الجورجية والبندورة التركية، إلى إجراءات صحية "طارئة"، في أوقات شهدت توترات جيوسياسية.
ويرى سيت فرانتزمان، صاحب كتاب "حروب الطائرات المسيرة"، وهو دراسة عن حروب الطائرات من دون طيار، أن لدى روسيا أسباباً تجعلها تشعر بأنها ضعيفة.
وكانت روسيا ذات يوم في طليعة الدول التي تجري بحوثاً حول الطائرات من دون طيار. وكان العلماء السوفيات سباقين في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، إلى ابتكار مركبات كـ"تي- 123"، و"تي-141"، أما اليوم، فإن روسيا تحاول اللحاق بدول أخرى في هذا المجال.
وحتى الآن، تخلفت أجهزة طائراتها [روسيا] المسيرة عن التكنولوجيا التي يستخدمها قادة هذه الصناعة، أي الولايات المتحدة والصين وإسرائيل وتركيا. كذلك فإن قدرات المسيرات الروسية الدفاعية والإلكترونية التي اعتبرت دوماً نقاط قوة تقليدية في الأسلحة الروسية، لم تقدم أداءً مقنعاً حينما نشرت من قبل جيوش الجنرال خليفة حفتر ضد الطائرات المسيرة التركية الصنع.
وحسب فرانتزمان، "يبدو أن روسيا متخلفة كثيراً فيما يتعلق باستعمال درونات مسلحة في نزاع ما. وإذا استطاعت أوكرانيا أن تضع يدها على مزيد من هذه الطائرات، فسيعطيها ذلك أفضلية، على غرار ما حصل في النزاع مع الأذربيجانيين في ناغورنو قره باغ".
ويضيف فرانتزمان أن اعتماد الجيش الروسي على الدبابات والأسلحة الثقيلة يجعله عرضة للخطر بشكل خاص، أمام الأسلحة الآتية من الأعلى. وتزويد الأسلحة ألواحاً مصفحة ليس جيداً بما فيه الكفاية لحمايتها من الذخائر المتسكعة ]تحوم حول منطقة الهدف باحثة عنه[ المتطورة، ما يعني أن على روسيا أن تعتاد على تفادي الإذلال.
واستطراداً، يرى ذلك الخبير أن "اللعبة لم تنتهِ بالنسبة إلى روسيا، لكنها في حاجة إلى تطوير قدرات أفضل في الدفاع الجوي والتشويش".
وفي سياق متصل، ذكرت تقارير صدرت خلال الأسبوع الماضي أن القلق الروسي الشديد قد يكون هو المسؤول عن حصول تحركات مشبوهة للقوات الروسية على طول الحدود الغربية [مع أوكرانيا].
وتشير صور الأقمار الاصطناعية إلى أن جزءاً من جيش الأسلحة المشتركة الـ41، في الأقل، لم يعد بعد إلى قاعدته المعتادة في سيبيريا بعيد المناورات العسكرية في بيلاروس. ويبدو أن جزءاً من تلك الوحدة بات يتمركز حالياً بالقرب من الحدود مع بيلاروس، على بعد نحو 180 ميلاً من الزاوية الشمالية الشرقية لأوكرانيا.
وعلى نحو مشابه، تظهر لقطات أخرى دبابات من طراز "تي– 80 يو" الحديثة، تكمن بالقرب من الحدود الأوكرانية في "كورسك"، مع أنها تتبع وحدة عسكرية تتخذ في العادة من منطقة قرب موسكو قاعدة لها.
وفي ذلك المنحى، يرى رسلان ليفييف الذي يقود "فريق استخبارات النزاع" وقد دأب على مراقبة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا منذ 2014، أن ظهور وحدات جديدة قريباً من الحدود يثير بعض القلق. ويلفت رسلان إلى أن للجيش الـ41، تاريخاً من القتال في إدلب بسوريا، وقد سجل وجوده قرب الحدود الأوكرانية حين وصل القتال إلى ذروته في 2015.
في المقابل، يعتقد رسلان أن من المبالغة وصف تلك التغيرات بأنها دليل على استعدادات روسية لشن عملية عسكرية. ويوضح "حتى إنها لا تبدو كاستجابة مباشرة على حادثة بيرقدار [إشارة إلى شراء أوكرانيا تلك الطائرات المسيرة من تركيا]".
في هذه الأثناء، نقل مصدر عسكري أوروبي إلى صحيفة "اندبندنت" أنه يتفق مع ليفييف، معتبراً أنه ليس من الواضح ما الذي يعنيه تسلسل الحوادث، إن كان له أي معنى. فمن ناحية، أشار الأوكرانيون إلى أن استخدام الطائرات المسيرة جاء على سبيل الدفاع عن النفس. ومن ناحية أخرى، فإن الحشد العسكري الروسي هو "أكثر جلاء وأشد وضوحاً" من أن يكون جزءاً من هجوم جرى التخطيط له سلفاً.
ومع ذلك، فإن مخاطر إساءة تفسير النيات، عن قصد أو من دون قصد، واضحة للجميع. وأضاف المصدر، "قد يطلق ذلك الأمر شرارة سلسلة أوسع نطاقاً من أعمال العنف".
وتابع، "لن أستبعد أن هذا [الحشد] يشكل جزءاً من حساب التفاضل والتكامل، من قبل موسكو".
© The Independent