Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا النووية قد لا تتغير بفعل قلقها من الصين وروسيا

رئاسة بايدن بشرت بإمكانية خفض تاريخي في تلك الأسلحة

صواريخ باليستية برؤوس نووية أثناء عرض عسكري روسي (سيبري.أورغ)

بدا وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض قبل حوالى سنة كأنه يبشر بحدوث تحول تاريخي باتجاه اعتماد الولايات المتحدة بشكل أقل على الأسلحة النووية، واحتمال خفض عدد تلك الأسلحة. حتى أنه بدا ممكناً أن تتعهد أميركا بـ"عدم الاستخدام الأول"، بمعنى ألا تكون أول من يستعمل سلاحاً نووياً [في نزاع ما].

ثم برزت الصين، إذ كُشف عن قوتها النووية الآخذة في الاتساع، إضافة إلى حديث متداول عن حرب محتملة مع تايوان.

وبعد ذلك، جاء دور روسيا، فقد ظهرت دلائل تشير إلى أنها ربما تحضر لغزو أوكرانيا.

وهكذا، يبدو أن إجراء تحولات رئيسة في سياسة الأسلحة النووية الأميركية بات أقل احتمالاً بكثير. وفيما قد يصر بايدن على تعديلات محددة، يبدو أن ثمة تعثر في الزخم الذي كان يدفع نحو قطيعة تاريخية مع سياسة إدارة ترمب في التسلح النووي.

ستكون آفاق المستقبل أكثر وضوحاً حين تنتهي إدارة بايدن من وضع مايسمى مراجعة الموقف النووي، التي تشمل إعادة النظر داخلياً في أعداد الأسلحة الموجودة ضمن الترسانة النووية وأنواعها وأغراضها، إضافة إلى السياسات التي تحكم استعمالها المحتمل. ومن الممكن أن تُعلن النتائج في وقت لا يتعدى أوائل يناير (كانون الثاني) 2022.

ثمة جانب مجهول أكثر من غيره يتمثل في مدى حزم بايدن في شأن التأثير في تلك المسائل بناءً على حسابات البيت الأبيض للمخاطر السياسية. وقد تحدث بايدن أثناء السنوات التي شغل فيها منصب نائب الرئيس الأميركي [خلال رئاسة باراك أوباما]، عن اتجاهات جديدة في السياسة النووية. في المقابل، تبدو المخاوف المتفاقمة بخصوص الصين وروسيا، كأنها تساعد في تعزيز النفوذ السياسي للجمهوريين الساعين إلى تصوير تغيير ذلك النوع على أنه عبارة عن هدية إلى الخصوم النوويين.

لقد أصبحت روسيا محور اهتمام بايدن بشكل أكثر إلحاحاً، بعدما أرسل الرئيس فلاديمير بوتين في الأسابيع الماضية قوات يقدر عددها بمئة ألف جندي للتمركز في مواقع قرب الحدود الأوكرانية، وطالب الولايات المتحدة بتقديم ضمانات أمنية. وناقش بايدن وبوتين موضوع أوكرانيا على الهاتف يوم الخميس الفائت. وتابع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين والروس مناقشة الموضوع عبر مباحثات أكثر تفصيلاً  في جنيف يومي 09 و10 من يناير الجاري.

وفي ذلك الصدد، يرى توم زد. كولينا، مدير السياسات في صندوق "بلاوشيريس"، المؤيد لنزع السلاح النووي، أن مشكلات روسيا والصين تزيد في تعقيد سياسة المراجعة النووية التي يجريها بايدن، بيد أنها لا ينبغي أن تمنعه من العمل على تقليص المخاطر النووية.

ويوضح كولينا، "نحن لا نريد سباق تسلح نووي جديد مع أي من الدولتين [روسيا والصين]، وإن الطريقة الوحيدة لمنع ذلك تتمثل في الدبلوماسية. ينبغي بنا أن نتذكر الدروس الرئيسة التي تعلمناها في "الحرب الباردة" مع روسيا [خلال عقود من القرن العشرين]، وتفيد بأن الطريقة الوحيدة التي يمكنك بواسطتها ربح سباق تسلح تتمثل في عدم التسابق".

في مارس (آذار) 2021، أشار بايدن ضمن إجراء وصفه البيت الأبيض بأنه توجيه مؤقت حول الأمن الوطني، إلى أن الصين وروسيا قد غيرتا "توزيع القوة في أنحاء العالم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجاء في ذلك التوجيه أن "بكين وموسكو كلتاهما قد استثمرت بقوة في جهود ترمي إلى إعاقة قوى الولايات المتحدة، ومنعنا من الدفاع عن مصالحنا وحلفائنا حول العالم". وتعهد بايدن بالمواجهة عبر أفعال تهدف إلى تقوية الولايات المتحدة في الداخل، وإصلاح تحالفاتها الخارجية ورفع مستوى الدور الذي تؤديه الدبلوماسية. ولم يرد ذكر الأسلحة النووية إلا بشكل مختصر.

وكذلك جاء في ذلك التوجيه، "سنتخذ الخطوات الكفيلة بخفض دور الأسلحة النووية في استراتيجيتنا للأمن القومي". في المقابل، أشار التوجيه إلى ذلك من دون تقديم أي تفاصيل، مع ضمان وجود قوة نووية أميركية آمنة جديرة بالثقة في الوقت نفسه أيضاً، والبحث عن فرص للحد من التسلح.

ومنذ ذلك الوقت، تفاقمت المخاوف بشأن الصين وروسيا. فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية الخاصة الصيف الماضي، أن الصين تبني عدداً كبيراً من الصوامع الجديدة تحت الأرض مخصصة للصواريخ النووية. وأشار تقرير للبنتاغون في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 إلى أن الصين ربما ستزيد حجم مخزونها النووي بأربع مرات مع حلول سنة 2030.

وفي مسار متصل، يرى روبرت سوفر، الذي كان كبير مسؤولي السياسة النووية في البنتاغون أثناء إدارة ترمب، وقاد مراجعة نووية سنة 2018، إنه "بسبب ما فعلته الصين، تغيرت بالفعل طبيعة تلك المراجعة".

وأضاف سوفر، "بدلاً من أن تكون مراجعة تعاين تقليص دور الأسلحة النووية، وحتى إزالة أحد أضلاع "المثلث" [الأسلحة النووية المتموضعة في البر والبحر والجو]، فإنهم صاروا [آنذاك] مرغمين بشكل أساسي على الاستمرار في المسيرة [الأصلية من دون تغيير]، والوصول إلى قرار عن كيفية إجراء تعديلات طفيفة في الهوامش".

وفي يونيو (حزيران) 2021، حتى قبل حشد القوات الروسية الأخير قرب أوكرانيا، أشار كولين كاهل، وهو رئيس السياسات في البنتاغون، إلى أن مستقبل السياسة النووية الأميركية مُلون، إذ يتأثر بطموحات الصين النووية وكذلك بـ"القلق الحقيقي" الذي يساور حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا بشأن السياسة النووية والدفاعية الروسية.

وتابع كاهل الذي تحدث في 23 يونيو ضمن مؤتمر للسياسة النووية رعته "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي"، معتبراً أنه "من الواضح إذاً أن روسيا تمثل التهديد الأخطر والأقرب، من حيث صلتها بالمسألة النووية، لكن تأتي خلفها مباشرة رغبة الصين في توسيع ترسانتها النووية سواء من حيث النوع أو الكم".

ولم يلق كاهل نظرة أولية على نتائج مراجعة السياسة، لكنه أوضح أنها أُعدت كي تناسب استراتيجيه دفاعيه أوسع نطاقاً ستنشر أيضاً في أوائل 2022.

لم يناقش البنتاغون بشكل علني تفاصيل المراجعة النووية، غير أن الإدارة تبدو راغبة غالباً في الإبقاء على الخطوط العريضة للقوة النووية الموجودة حالياً، وهي "المثلث" التقليدي المؤلف من [الأسلحة النووية] المتموضعة في البر والجو والبحر، الذي يعتبره منتقدوه ضرباً من الإسراف في [استعمال أسلحة فتاكة]. وقد تتبنى تلك المراجعة أيضاً عمليات تحديث في تلك القوة بما يزيد على 01 تريليون دولار (حوالى 742 مليار جنيه استرليني)، علماً أن إدارة  أوباما أطلقت برنامج التحديث الذي تابعته إدارة ترمب.

وليس من الواضح إذا كان بايدن سيوافق على إجراء أي تغيير مهم في ما يسمى "السياسة التفسيرية" التي تنص على الغرض من الأسلحة النووية والظروف التي يمكن أن تستخدم فيها.

ففي 2010، أعلنت إدارة أوباما التي كان بايدن فيها نائباً للرئيس، أنها "ستفكر في استعمال الأسلحة النووية ضمن ظروف قصوى من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها". غير أنها لم تُعرّف تلك "الظروف القصوى".

وبعد 8 سنوات، أعادت إدارة ترمب التأكيد على سياسة أوباما، غير أنها جعلتها محددة أكثر. إذ أوردت أن "الظروف القصوى يمكن أن تشمل هجمات استراتيجية مهمة تكون غير نووية. ومثلاً، تشمل الهجمات الاستراتيجية غير النووية المهمة، مهاجمة السكان المدنيين أو البنى التحتية  في الولايات المتحدة أو[دول] الحلفاء أو الشركاء، والقوات النووية للولايات المتحدة أو حلفائها، أو مراكز قيادتهم [القوات]، أو قدراتهم في تقييم الإنذار والهجوم".

واعتقد البعض أن بايدن كرئيس سيمضي في اتجاه مختلف بما يتفق مع نصيحته حول التعهد بـ "عدم الاستخدام الأول". وفي كلمة له في يناير 2017، أشار إلى أنه "بالنظر إلى قدراتنا غير النووية وطبيعة التهديدات الحالية، فمن الصعب تصور سيناريو معقول سيكون فيه الاستعمال الأول لأسلحة نووية من جانب الولايات المتحدة، أمراً تمليه الضرورة أو المنطق".

في المقابل، يجادل بعض الأشخاص بأن الصين وروسيا قد غيرتا في تلك السنة "التهديدات الحالية"، وربما تُبقيان بايدن ضمن مسار حذِر.

المزيد من تقارير