Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يحدد المغرب علاقته مع الاتحاد الأوروبي؟

أنباء عن توجه بريطاني لاعتماد قرار يدعم سيادة الرباط على الصحراء الغربية 

التوجه لشرق القارة الأوروبية يشكل ورقة جديدة بيد الدبلوماسية المغربية من أجل تطوير وتنويع الشراكات (أ ف ب)

في خضم الخلافات التي تشهدها العلاقات بين المغرب وبعض الدول الأوروبية مثل إسبانيا وألمانيا، والمتعلقة أساساً بالموقف من قضية الصحراء الغربية، أصبحت المملكة تعتمد نهجاً براغماتياً في مجال علاقاتها الخارجية، وبالخصوص مع الاتحاد الأوروبي، وذلك منذ إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2020، قراراً يؤكد سيادة المغرب على الصحراء، وبالتالي أضحى المغرب يعتمد الصرامة في مواقفه وحتى في علاقته بدول عظمى، وينهج مسارين، الأول عبر الضغط على الدول "المعادية لوحدته الترابية"، والثاني عبر تعميق الشراكة مع الدول الذي يربطه معها تقارب بخصوص قضية الصحراء، كما يشترط على الاتحاد الأوروبي تبني موقف واضح من تلك القضية.

تناغم بريطاني 

منذ إعلان ترمب عن القرار الداعم لسيادة المغرب على الصحراء، تروج أنباء عن توجه بريطاني لاعتماد قرار مماثل، الأمر الذي يجعل المغرب منفتحاً جداً على دعم الشراكة مع إنجلترا، وفي ذلك الاتجاه عقد المغرب والمملكة المتحدة، خلال الأسبوع الحالي في لندن، الدورة الأولى لمجلس الشراكة بهدف تعميق التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث عبر الطرفان في بيان مشترك عن طموحهما في النهوض بمبادلاتهما التجارية، التي تصل بالفعل إلى نحو ملياري جنيه إسترليني في السنة، موضحين أنهما أصبحا يتوفران على أرضية تتيح تعميق شراكتهما الاقتصادية من خلال ذلك الاتفاق، وأنهما يطمحان إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية، من خلال تشجيع المقاولات البريطانية للاستثمار بالمغرب في قطاعات مختلفة.

وبمناسبة احتفال البلدين بالذكرى 300 لأول معاهدة تجارية بينهما، والتي جرت في 23 يناير (كانون الثاني) من عام 1721 بمدينة فاس، أكد الجانبان أهمية رؤية الشراكة الاستراتيجية الثنائية من أجل تعميق علاقاتهما الاقتصادية والأمنية، وتعزيز صلاتهما الثقافية، إضافة لدعم مساهماتهما الطموحة في مكافحة التغير المناخي والتعاون المتبادل، من أجل انتعاش اقتصادي أفضل لما بعد الوباء، ومن ناحية أخرى، عقد البلدان الدورة الثالثة للحوار الاستراتيجي التي أسفرت عن اتفاق الجانبين على تعزيز الحوار السياسي، وتعميق العلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني، والنهوض بالعلاقات الثقافية.

توجه نحو الشرق

انعقد، الثلاثاء الماضي في بودابست، الاجتماع الوزاري الأول لمجموعة "فيسغراد + المغرب"، والتي تضم عن الجانب الأوروبي جمهورية التشيك وبولونيا وهنغاريا وسلوفاكيا، وأوضح وزير الشؤون الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، عقب ذلك الاجتماع، أن "المغرب وشركاءه داخل مجموعة فيسغراد يحدوهما عزم قوي لتعزيز تعاونهما من أجل مواجهة التحديات المشتركة، لا سيما في مجال محاربة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود"، مشيراً إلى إمكانية توسيع ذلك التعاون ليشمل مجالات أخرى، من خلال استغلال إمكانيات المغرب باعتباره بوابة لولوج القارة الأفريقية، ومؤهلات مجموعة فيسغراد بوصفها منصة لوسط وشرق أوروبا، مضيفاً "سنعمل من دون كلل من أجل تطوير مبادرات للتعاون الثلاثي بين مجموعة فيسغراد والمغرب من أجل أفريقيا".

من جانبهم، ثمن وزراء خارجية دول "مجموعة فيسغراد" الدور الذي يضطلع به المغرب كباعث على السلام والاستقرار في المنطقة، وبجهوده النوعية في المجال الأمني ومحاربة الإرهاب، إضافة لدوره المحوري في محاربة الهجرة غير الشرعية، مشددين على ضرورة قيام الاتحاد الأوروبي بمنح المملكة المزيد من الدعم في مجال تدبير الحدود، وتعزيز قدراته في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية، إضافة إلى تقديم دعم مباشر وملموس من أجل مواكبة المغرب في جهوده التنموية، مجددين دعمهم استئناف مجلس الاتحاد الأوروبي لدى محكمة العدل الأوروبية من أجل إلغاء الأحكام الصادرة عن محكمة الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقيتي الفلاحة والصيد البحري المبرمتين مع المغرب.

يشير الباحث في العلاقات الدولية، عصام لعروسي، إلى أن المغرب في إطار تصوره لتنويع شراكاته، عليه الاستفادة من التعاون ولو مع دول لا تشكل قوى اقتصادية كبرى، لكن لديها مزايا اقتصادية معينة تسمح بتطوير شراكة جيدة على أساس مبدأ تعاوني لا احتكاري، موضحاً أن التوجه لشرق القارة الأوروبية يشكل ورقة جديدة بيد الدبلوماسية المغربية من أجل تطوير وتنويع الشراكات، إضافة إلى الحد من التركيز على التعاون مع جهة معينة قد تكون في بعض الأحيان غير مربحة، مضيفاً أن هذا التوجه له ما يبرره بالنظر إلى الإمكانيات التي من المحتمل أن ينتجها التعاون مع بلدان كرومانيا وبولونيا والمجر ودول البلطيق... إضافة إلى أهمية الفيتو الروسي وما يمكن أن يقدمه لقضية الصحراء. 

مقاربة متنوعة

ويشير محللون إلى اعتماد المغرب، أخيراً، توجهاً براغماتياً، وبالخصوص مع الاتحاد الأوروبي، يميز بين الضغط على الدول المخالفة لمصالحه وتعميق الشراكة مع الدول التي تجمعه معها رؤى متقاربة. ويقول لعروسي، إن "المغرب يعتمد مقاربة مركبة ومتعددة التوجهات، يمكن اعتبارها ذكية وشمولية بشكل عام، بمعنى أن المغرب حينما راجع علاقته مع الاتحاد الأوروبي وبخاصة في مجال الشراكة، وقف على العديد من نقاط الضعف في تلك العلاقة، وكذلك على كثير من النواحي التي لا تستغلها المملكة"، موضحاً أن الاتحاد الأوروبي كتكتل إقليمي يمر الآن بمرحلة انتقالية مفصلية جراء الجائحة الحالية، إضافة إلى انهيار أسس الاتحاد، بين منظومة الدول الكبرى والأخرى السائرة في طرق النمو والمنتمية للكوكبة الأخيرة المنضمة للاتحاد منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي إلى حدود عام 2013 إثر انضمام كرواتيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضيف لعروسي أن على الاتحاد الأوروبي مراجعة استراتيجيته في التعامل مع الدول الأفريقية، والقطع مع العقلية الاستعمارية في مجال الشراكة والتعاون مع بلدان الجنوب، مشيراً إلى أن "المغرب عند مراجعته سياسته الخارجية مع أوروبا يسترجع مكانته الإقليمية ويتعامل مع الاتحاد بندية، بخاصة وأن الاتحاد لم يفلح في استراتيجيات الشراكة مع المغرب ومع دول جنوب المتوسط بشكل عام، وخصوصاً في بعض القضايا المتعلقة بمجال الهجرة، والموقف من ملف الصحراء المغربية"، موضحاً أن المقاربة المغربية اتجهت إلى إعادة النظر في التعامل مع الاتحاد الأوروبي وليس مع الدول الكبرى داخل الاتحاد، باعتبار أن ألمانيا وفرنسا هما قطبا الرحى داخل ذلك التكتل، وبالخصوص بعد خروج بريطانيا التي كانت تحدد توجه الاتحاد في العديد من القرارات، إضافة إلى غياب انسجام داخلي ما بين مجلس أوروبا، بخصوص مجال الشراكات، والبرلمان الأوروبي الذي يصدر في بعض الأحيان قرارات مسيئة لتك الشراكات، كتلك التي تستثني منطقة الصحراء من الاتفاقيات الفلاحية، وتلك الخاصة بالصيد البحري التي تجمع الاتحاد بالمغرب، لكن المملكة المغربية ترفض سياسة المشروطية تلك، وبالتالي على الاتحاد الأوروبي إعادة النظر في صياغة استراتيجيته تجاه بلدان جنوب المتوسط، والتفاهم مع تلك الدول بهدف الوصول إلى توافقات بخصوص القضايا الإشكالية على حد تعبيره.

ويشدد لعروسي على أنه "ليس من الصدفة أن تكون إسبانيا وألمانيا من الدول الأوروبية الأكثر تورطاً في خلافات مع المغرب بخصوص وحدته الترابية، فالجانب الألماني حريص على مصالحه الاقتصادية في أفريقيا، وإسبانيا التي لم تغير حتى الآن طبيعة تصورها من قضية الصحراء المغربية"، وبالتالي فالمغرب يأخذ بعين الاعتبار كل تلك العوامل السياسية والاقتصادية، وبالخصوص الموقف من قضية الصحراء الذي يعتبرها جوهرية، ويريد من جانب آخر إنهاء تلك الأزمات مع الدول الأوروبية على أساس معادلة رابح- رابح، وليس على أساس أي تنازل يمكن أن يضر بمصالحه، على حد تعبيره.

قلق من تقدم المغرب

بعد أن أعلن المغرب في مارس (آذار) الماضي قطع تعامله مع السفارة الألمانية بالرباط بدعوى "سوء تفاهمات عميقة"، واستدعاء في مايو (أيار) الماضي سفيرته ببرلين للتشاور بسبب ما وصفه بموقف ألمانيا "السلبي" بشأن قضية الصحراء، و"محاولة استبعاد الرباط من الاجتماعات الإقليمية حول ليبيا"، عاد الجدل حول أزمة العلاقات المغربية الألمانية، وذلك إثر تناقل الصحافة الألمانية تقريراً استخباراتياً أنجزته إيزابيل فيرينفيلس، التي قدمت على أساس أنها رئيسة مكتب المخابرات الألماني قسم شمال أفريقيا والشرق الأوسط، يحمل عنوان "لا نريد تركيا جديدة في غرب البحر الأبيض المتوسط"، مشيراً للعديد من الأنشطة التي أقدمت عليها جهاز الاستخبارات الألمانية لعرقلة نمو وتقدم المغرب وتوسعه في أفريقيا ونسجه لعلاقات في أوروبا الشرقية، باعتباره يهدد المصالح الألمانية، إضافة للتعاون المغربي الإسرائيلي الذي يثير قلق ألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام.

وبذلك الخصوص يشير عصام لعروسي إلى أن فبركة الملفات الاستخباراتية يكون في العادة بمثابة فزاعة لإخافة الرأي العام من المغرب الذي يتغلغل في أفريقيا، مؤكداً أن للمملكة دوراً إقليمياً في القارة السمراء، وله طموحات في مجال التعاون مع بلدانه، لكن ليس من منطلق الهيمنة، وبالخصوص في ظل وجود منافسين أقوياء مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا والجزائر، وفي ظل وجود تكتلات إقليمية لدول كبرى كفرنسا التي تلعب أدواراً أساسية داخل أفريقيا بالتعاون مع المغرب والجزائر وتونس ومصر، مضيفاً أن "تلك العقيدة السياسية التي لم تتغير مع وجود أنغيلا ميركل، ويمكن أن تتغير وتتحسن نسبياً مع قدوم المستشار الألماني الجديد، ونأمل تفهم ألمانيا قضايا ومواقف المغرب حتى تبنى العلاقات على أساس متين".

من جانب آخر، قال التقرير الاستخباراتي "يشكو حليفنا الإسباني كثيراً من الدعم الأميركي للمغرب، خصوصاً بعد اتفاقات أبراهام، كما لاحظنا برودة من واشنطن تجاه مدريد، واتضح ذلك مع انتقال العديد من جنودهم من القواعد الإسبانية إلى القواعد الإيطالية، فضلاً عن ذلك، هناك براكين خامدة بين مدريد والرباط يمكن استغلالها، وأن برلين لا يمكن إلا أن تكون داعماً قوياً لمدريد"، مضيفاً "في الواقع، هناك حقاً مشكلة في الصحراء الغربية، والرباط تعاقب كل من يعارض رغبتها في جعل هذه المنطقة رسمياً ضمن حدودها الجغرافية".

تعرف العلاقات المغربية - الإسبانية توتراً منذ عقود بسبب توجهات مدريد بخصوص قضية الصحراء، والتي يعتبرها المغرب مناهضة لوحدته الترابية، فيما تظهر مخاوف في الداخل الإسباني من تصاعد قوة المغرب جراء إعلان الرئيس الأميركي السابق ترمب، وبعد التقارب المغربي - الإسرائيلي، ويشير المحلل السياسي، بلال التليدي، إلى مبالغة بعض النخب البحثية القريبة من المؤسسة العسكرية والأمنية بإسبانيا، في التحذير من الذكاء الاستراتيجي المغربي، ومن قوته العسكرية، ومخاطر التحالف المغربي - الأميركي - الإسرائيلي، وتهديد ذلك لمنظومة الأمن الإسباني، لكن رئاسة أركان الجيش الإسباني، حاولت أن تقلل من هذه التخوفات، وأن تؤكد أن تسلح المغرب لم يصل بعد إلى مستوى تهديد إسبانيا ولا حتى تهديد سبتة ومليلية المحتلتين، مضيفاً أن "مدريد اليوم، تخشى أن تتجه إلى سياسة رد الفعل مع المغرب، وتقضي على مسار من سياسة الهدوء التي انتهجها وزير الخارجية الإسباني من أجل عودة العلاقات إلى طبيعتها مع الرباط، في حين، تنتهج الرباط سياسة حذرة تجاه مدريد، فتُبقي على حالة الالتباس لدى الإسبان، فلا هي تقبل بعودة العلاقات إلى طبيعتها، ولا هي تغذي عمليات التصعيد فيها، بل تلتزم بالحرف، بتوجيهات الملك، التي جعلت من شرط إنهاء التردد والغموض والازدواجية في الموقف من الدول الأوروبية محدداً أساسياً في علاقات المغرب مع دولها".

كما تشهد العلاقات المغربية - الفرنسية فتوراً بسبب اعتراض الرباط على باريس عدم دعمها الموقف الأميركي بخصوص قضية الصحراء داخل الاتحاد الأوروبي، في حين تتهم فرنسا المغرب بالتنصت على هواتف بعض كبار مسؤوليها من بينهم رئيس البلاد.

تأكيد على قوة العلاقات 

نفت السفارة الألمانية بالرباط صحة ذلك التقرير الاستخباراتي، قائلة إنه "في الأيام القليلة الماضية، كما في الماضي، نشرت معلومات كاذبة حول العلاقات الألمانية المغربية بطرق مختلفة"، مضيفة "هذه المرة كان السبب أخبار مزعومة حول تقرير مخابراتي منسوب للباحثة السويسرية إيزابيل فيرينفيلس، ليس لها قطعاً أي علاقة بجهاز الاستخبارات الفيدرالي الألماني، إن الأخبار المتداولة في الأيام الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي وفي بعض الصحف كاذبة وليس لها أي أساس من الصحة"، مشيرة إلى أن "المملكة المغربية شريك محوري لألمانيا، من وجهة نظر الحكومة الاتحادية، وأن ألمانيا مستعدة لشراكة تتطلع للمستقبل على قدم المساواة، كما ترحب بشكل جلي بتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل".

فيما وصف وزير الخارجية الإسباني، خوسي مانويل، في وقت سابق، المغرب بالصديق الكبير، داعياً إلى "ضرورة العمل مع شركاء وأصدقاء إسبانيا، وتعزيز العلاقة بينهما، بخاصة مع المغرب".

المزيد من تقارير