Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قضية الصحراء تجمد علاقة المغرب بالسفارة الألمانية

تعليق كل أشكال التواصل والتعاون معها بأي شكل من الأشكال

في خطوة مفاجئة، أعلن المغرب تجميد علاقاته مع السفارة الألمانية في البلاد، من خلال مذكرة لوزارة الخارجية، لكنه لم يحدد الأسباب بشكل مباشر، واكتفى فقط بالإشارة إلى سقوط ألمانيا في سوء فهم لقضايا تخص المملكة.

تعليق العلاقات

أعلن وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة "تعليق كل أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في كل الحالات، وبأي شكل من الأشكال مع السفارة الألمانية، وهيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها"، مؤكداً أن وزارته اتخذت القرار بسبب "سوء تفاهمات عميقة حول ما يخص قضايا أساسية للمملكة المغربية" من طرف ألمانيا.

وتأتي خطوة المملكة بعد يوم من رفع برلمان ولاية بريمن الألمانية علم "جبهة البوليساريو" أمام مبناه.

وعلى الرغم من التزام الحكومة المغربية الصمت بخصوص توضيح أسباب قرارها، فإن مصادر مطلعة في وزارة الخارجية المغربية أكدت أن قرار تجميد التعامل مع السفارة الألمانية تحرك سياسي بالأساس، وليس دبلوماسياً، ويمكن التراجع عنه في أي وقت يتم فيه التوصل إلى تفاهم حول الملاحظات المغربية في التوجهات السياسية الألمانية تجاه المملكة، معتبرة أن الموقف "السلبي" من قضية الصحراء يشكل السبب الأساسي في خطوة الخارجية المغربية.

توالي العثرات

ويبدو أن خطوة التصعيد التي اعتمدها المغرب تشكل رد فعل على مجموعة من الهفوات التي سقطت فيها ألمانيا، التي يعتبر المغرب أنها تتجه عكس التيار الذي يريده. ففي أعقاب إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، عن سيادة المغرب على منطقة الصحراء، دعت ألمانيا إلى إحاطة بمجلس الأمن، وأكد  السفير الألماني لدى الأمم المتحدة، كريستوف هيوسغن، أن بلاده "طلبت هذه الإحاطة لأسباب حل النزاع، وبعد الوقوف على صعوبة الأوضاع على الأرض بعد انهيار وقف إطلاق النار الذي تم إقراره منذ عام 1991، ولهذا تود برلين التأكيد على النقطة التي ظلت تطرحها خلال العامين الماضيين، وهي أن حل النزاعات بالطريقة السلمية يعني الالتزام بالقواعد وتنفيذ قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي"، الأمر الذي اعتبره المغرب ضرباً للإنجازات التي حققها بخصوص قضية الصحراء، وتقزيماً للاعتراف الأميركي بسيادته على منطقة الصحراء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضاف إلى ذلك عدم توجيه ألمانيا، خلال تنظيمها مؤتمر برلين حول القضية الليبية في يناير (كانون الثاني) من عام 2020، استدعاءً للمغرب لحضور المؤتمر، الأمر الذي خلف استياء لدى الرباط بدعوى تغييب أهم البلدان المهتمة بحل النزاع الليبي عبر استضافته مشاورات الصخيرات، والتي تعد مخرجاتها (اتفاق الصخيرات 11 يوليو (تموز) 2015) مرجعاً للمفاوضات التي تلتها، بالإضافة إلى مشاورات بوزنيقة وطنجة.

تمسك بالعلاقات الطبيعية

أكدت وزارة الخارجية الألمانية، من ناحيتها، أن "الحكومة الألمانية لا ترى أي سبب يعرقل العلاقات الدبلوماسية الطيبة مع المغرب، لذلك، دعا وزير الخارجية الألماني السفيرة المغربية لدى برلين إلى لقاء لإجراء مناقشة عاجلة وشرح لما جرى".

واعتبر الناطق الرسمي باسم الوزارة، كريستوفر برغر، أنه "بنظرنا، لا يوجد سبب لفرض قيود على العلاقات الدبلوماسية. ألمانيا والمغرب تعاونتا عن كثب منذ عقود عدة، وهذا بنظرنا في مصلحة البلدين"، مؤكداً أنه "لا شيء تغير في سياسات ألمانيا تجاه المغرب".

وعلى الرغم من محاولة الخارجية الألمانية تلطيف الأجواء، فإن المتخصص في العلاقات الدولية، عصام العروسي، اعتبر أن ذلك لن يؤثر على موقف  المغرب، باعتبار أن الحكومة الألمانية حاولت في الآونة الأخيرة اعتماد وجهة نظر مختلفة (عن موقف المغرب)، وبالخصوص عن الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء، عبر دعوتها إلى اجتماع مجلس الأمن، محاولة بذلك إرجاع الوضع إلى سابق عهده، ومعتبرة أن آلية الاعتراف الأميركي لا تشكل حلاً لنزاع الصحراء.

تنبيه وليس قطع علاقات

واعتبر محللون أن خطوة المغرب لا تعدو أن تكون تحذيراً، ولا تصل إلى مستوى قطع العلاقات بين البلدين. وأشار العروسي إلى أن قطع التعاون مع السفارة لا يعني تجميد العلاقات الدبلوماسية، بل هو تنبيه من الخارجية المغربية يتضمن عدم رضاها على مواقف خلافية عميقة بين البلدين، متعلقة بالأساس بقضية الصحراء.

وقال إن النقطة التي أفاضت الكأس هي رفع برلمان ولاية بريمن علم جبهة "البوليساريو"، معتبراً أن المؤسسات الحكومية الألمانية مرتبطة بالإدارات الفيدرالية، ما يوحي بوجود إجماع معين بألمانيا بخصوص قضية الصحراء، بالإضافة إلى تقزيم الدور المغربي في وساطة الملف الليبي.

دعوة لتوضيح الموقف الأوروبي

وفي وقت يعتمد فيه الاتحاد الأوروبي موقفاً مشابهاً للموقف الألماني من نزاع الصحراء، دعا المغرب الاتحاد إلى توضيح توجهه بخصوص قضية الصحراء، وتبني مقترح الحكم الذاتي الذي تعتبره الرباط أساساً لكل نقاش حول الموضوع. وكان  ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجيةن قد طالب في وقت سابق من العام الجاري، دول الاتحاد الأوروبي إلى الانخراط في الدينامية الدولية التي أطلقها الدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي، مشدداً على أن "أوروبا يجب أن تخرج من منطقة الراحة بالقول إن هناك مسلسلاً، ونحن ندعم هذا المسلسل، حتى لو كان هذا المسلسل سيستمر عقوداً".

وأوضح بوريطة أن "الموقف الأميركي يجب أن يسأل أوروبا حول درجة انخراطها، إذ إن هذا الاتجاه الذي يسير فيه المجتمع الدولي، وقوامه حل في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، يكون أيضاً محط إجماع أوروبي".

وأبرز العروسي تبني ألمانيا موقفاً معاكساً لمصالح المغرب بخصوص قضية الصحراء حتى على مستوى الاتحاد الأوروبي، عبر دفع الأخير إلى تجميد القضية، بالتأكيد على ضرورة اعتمد الحل السياسي لحل النزاع، الأمر الذي اعتبره العروسي صعب المنال نظراً لاستحالة جمع طرفي النزاع (المغرب وجبهة البوليساريو) على طاولة المفاوضات، لافتاً إلى أن ألمانيا تحاول الحفاظ على التوازنات في مجال علاقاتها الدولية، عبر محاولة مسك العصا من الوسط للحفاظ على علاقاتها مع كل من المغرب والجزائر وجبهة "البوليساريو"، بالإضافة إلى محاولتها فرض التكتل الإقليمي للاتحاد الأوروبي كفاعل أساسي بالمنطقة، بدلاً من فسح المجال للولايات المتحدة، خصوصاً بعد اعترافها الأخير بمغربية الصحراء.

ولفت العروسي إلى سعي المغرب لدفع ألمانيا لتحديد موقفها بشكل واضح من قضية الصحراء، ومن جهة أخرى، إلى توضيح موقف الاتحاد الأوروبي من القضية نفسها، باعتباره تكتلاً إقليمياً له دور مؤثر في منطقة جنوب المتوسط وفي القضايا الخلافية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

اعتبارات أخرى

وعلى الرغم من إجماع المحللين على كون قضية الصحراء وتغييب الدور المغربي في المشاورات الليبية من طرف ألمانيا هما أساس الخلاف، فإن دبلوماسيون أكدوا وجود أسباب أخرى، وأوضح سمير بنيس، المتخصص في الشؤون الدبلوماسية، أن أحد الأسباب الرئيسة وراء قرار المغرب تعليق تعامله مع السفارة الألمانية، هو التقرير الأخير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية "Transparency International"، وهي منظمة ألمانية يوجد مقرها في برلين، ولها مكتب في الرباط.

وقدم التقرير الذي أصدرته هذه المنظمة، بحسب بنيس، صورة قاتمة عن حال الفساد في الإدارة العمومية المغربية، وانتقد بشدة الخطوات التي اتخذتها الحكومة من أجل التصدي لجائحة كورونا، مدعياً أنها تسببت في هشاشة أكبر في المجتمع المغربي، وأدت إلى تفاقم الفقر واستشراء الفساد في كل مرافق الدولة، معتبراً أنه بالإضافة إلى تقرير منظمة الشفافية الدولية، فإن ما أزعج المغرب بشكل أكبر التقرير الأخير لفريق العمل المالي الدولي (Financial Action Task Force)، الذي وضع المغرب ضمن اللائحة السوداء في ما يتعلق بتمويل الإرهاب وتبييض الأموال، مؤكداً أن "هذا التقرير يشكل ضربة لسمعة المغرب، الذي يعد من بين الدول الأكثر شراسة في محاربة التطرف وتمويل الإرهاب، كما يشكل ضربة قوية للاقتصاد المغربي، وسيؤدي إلى تآكل ثقة المستثمرين بالاستثمار فيه، ما سيؤدي إلى إضعافه بشكل أكبر"، معتبراً أن التقرير جاء في توقيت سيئ، إذ يعاني المغرب التبعات الاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا، وسيكون في حاجة ماسة إلى الاستثمارات الأجنبية في المستقبل القريب لإنعاش اقتصاده.

المزيد من العالم العربي