Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جولة بلينكن الأفريقية... فعالية محدودة في معالجة الملفات الملحة

آمال محدودة في نجاح الضغوط الأميركية في إثيوبيا بينما يُتوقع أن تكون أكثر نجاعة في السودان بفضل التحركات الشعبية

بلينكن ووزير الدولة الكيني لشؤون البيئة كيرياكو توبيكو يزرعان شجرة ويسقيانها خلال زيارة إلى غابة كارورا في العاصمة نيروبي في 17 نوفمبر الحالي (رويترز)

ترتبط زيارة بلينكن إلى ثلاث عواصم أفريقية في هذا التوقيت بأزمات متصاعدة خصوصاً في منطقة القرن الأفريقي، والتي تؤثر على جملة من المصالح الأميركية الحيوية، وأيضاً على صورة إدارة الرئيس جو بايدن في ما يتعلق بمدى التزامها بدعم الديمقراطيات الناشئة حول العالم، إذ تزامنت جولة وزير الخارجية الأميركي على كل من كينيا، ونيجيريا، والسنغال مع زيارة مساعدته للشؤون الأفريقية ماري كاثرين إلى السودان.

إن التحركات الأميركية الراهنة إزاء أفريقيا تسعى إلى أمرين رئيسيَن هما تحجيم فرص انهيار الدولة في كل من إثيوبيا والسودان، وتطويق تصاعد أسلوب تغيير السلطة عبر آليات الانقلابات العسكرية في أفريقيا بشكل عام، حيث جرى خلال عام 2021 أربعة انقلابات في كل من: السودان، ومالي، وتشاد، وغينيا كوناكري، ولم ينجح المجتمع الدولي في أي منها، بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء واستعادة العملية السياسية الطبيعية.

اختباران مهمان

في السياق، تبدو قدرات الدبلوماسية الأميركية على المحك، وفرص نجاحها في تحقيق أهدافها محدودة وذلك لعوامل عدة، منها افتقاد الأدوات الناجزة، وقدرة الفاعلين الإقليميين أحياناً على احتواء الضغوط الأميركية، نظراً إلى حساسية وأهمية المصالح الأميركية في مناطقهم.

ويمكن اختبار فرص نجاح الدبلوماسية الأميركية في تحقيق أهدافها، في حالتَي إثيوبيا والسودان. أما مسألة تراجع حجم الانقلابات العسكرية فتحتاج إلى مجهودين دولي وأفريقي منسقَين.

في الحالة الأولى أي إثيوبيا، جاءت محطة بلينكن الأولى في العاصمة الكينية نيروبي، وهي تأتي تحت مظلة تقدير أميركي أن الدولة الإثيوبية معرضة للانهيار، كما تلي زيارة قام بها الرئيس الكيني أوهورو كينياتا إلى أديس أبابا، لاكتشاف مدى القدرة على تدشين حوار سياسي بين الأطراف المتصارعة في إثيوبيا، في وقت يخوض التحالف العسكري المضاد لرئيس الوزراء آبي أحمد قتالاً ضده على ثماني جبهات متوازية، وبات حالياً يطرق أبواب العاصمة ويقف على بُعد 80  كيلومتراً منها.

وعلى الرغم من خطورة الموقف الإثيوبي، انحصرت الأدوات الأميركية في التواصل المباشر الذي بدأ في أبريل (نيسان) 2020 مع آبي أحمد، وذلك بإرسال مبعوث شخصي للرئيس بايدن لمحاولة تهدئة الصراع الإثيوبي، ثم أقدمت واشنطن على تسمية مبعوث لها في القرن الأفريقي هو جيفري فيلتمان، وكانت أهم نقاط تكليفه هي إثيوبيا التي زارها في محاولة أخيرة لوقف إطلاق النار في الحرب المشتعلة، وذلك قبيل زيارة بلينكن مباشرة.

وبدا بايدن مضطراً لتطوير أساليبه بالتلويح بسلاح العقوبات تدريجاً، حيث بدأ بعقوبات اقتصادية على إثيوبيا، منعت مساعدات عنها، لكن قيمتها تُقدر بمبالغ غير مؤثرة، ثم انتقلت الإدارة الأميركية إلى توقيع عقوبات على  إريتريا، نظراً لدورها المركزي في الصراع الإثيوبي.


وقدم بلينكن تبريراً لعدم فرض عقوبات في الوقت الحالي على إثيوبيا و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، بأن واشنطن "تريد إعطاء وقت ومساحة لمعرفة ما إذا كان يمكن للمحادثات أن تتقدم؟"، حيث حددت أديس أبابا شروطاً لإجراء محادثات مع "جبهة تحرير شعب تيغراي"، وهي وقف إطلاق النار والانسحاب من مناطق أمهرة وعفار، والاعتراف بشرعية الحكومة المركزية. والمثير هو أن الإدارة الأميركية تبنت مطالب آبي أحمد بالفعل، وهو ما جعل مواقفها غير مسموعة لدى الأطراف الإثيوبية الأخرى.
ويبدو أن اقتصار الأدوات الأميركية على أسلوب فرض العقوبات أخّرها عن استعمال أدوات أخرى، مثل بلورة مشروع لإرسال قوات حفظ سلام إلى إثيوبيا عبر الأمم المتحدة، وهي الفرصة التي كانت متاحة قبل تفاقم الصراع الإثيوبي واتساعه ليخرج من إقليم تيغراي إلى إقليمَي أمهرة وعفار، كما أن التجربة الأميركية العسكرية المريرة في الصومال تجعلها ترفض استخدام آلتها الحربية، على الرغم من وجود قاعدة أميركية في جيبوتي، فضلاً عن القرار الاستراتيجي الأميركي بالتقوقع وإنهاء فترة التدخل العسكري المباشر في الأزمات حول العالم، خصوصاً بعد الانسحاب من أفغانستان.
في هذا السياق، تبدو الجهود الأميركية في إثيوبيا غير مؤثرة حتى اللحظة، مع توقع أنها لن تكون مؤثرة كذلك حتى لو وقعت واشنطن عقوبات على الأشخاص الفاعلين في الصراع. وربما ينحصر دور الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد انتصار التيغراي على آبي أحمد، حيث ستكون هناك فرصة لفتح حوار سياسي بين الأطراف المنتصرة لإدارة فترة انتقالية في إثيوبيا، وذلك لتحجيم فرص الانخراط في حرب أهلية واسعة في إطار انتقامي بين الأمهرة والتيغراي.

الملف السوداني أكثر حظاً

في الملف السوداني، ربما تكون فرص الولايات المتحدة في نجاح دبلوماسيتها أكثر حظاً من الحالة الإثيوبية، ليس لأن الأدوات الأميركية فاعلة بدرجة 100 في المئة في السودان، ولكن بسبب فاعلية الشارع السياسي السوداني في رفض الانقلاب العسكري الذي جرى في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث إن تظاهرات الشارع ما زالت فاعلة، وتملك أجندة متدرجة في إدارة الضغوط على المكون العسكري السوداني، وذلك بأدوات مؤثرة مستندة على لجان المقاومة الشبابية في أحياء العاصمة والمدن الكبرى وبعض الأرياف.

وبسبب هذه الحيوية السودانية الداخلية، يمكن القول إن الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي والقائد العام للقوات المسلحة السودانية، افتقد الأدوات المناسبة في تمرير انقلابه. ذلك أن المجلس السيادي الذي كونه، أعضاء يسمون ما قام به البرهان، انقلاباً عسكرياً، مثل مالك عقار (رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان -  شمال)، وهو عضو المجلس السيادي بموجب اتفاقية جوبا للسلام، ويرى أنه لا فرص لإقرار سلطة عسكرية في السودان. كما أن المنشقين عن التحالف المعارض، "قوى الحرية والتغيير"، تملصوا نسبياً من الانقلاب وتراجعوا عن تأييده، مثل مني أركو مناوي، حاكم دارفور.

وأخيراً، فشل البرهان حتى اللحظة في تسمية رئيس للوزراء يقود حكومة انتقالية من التكنوقراط، حيث رفض كل المرشحين تولي هذا المنصب، معتبرين أن عبد الله حمدوك هو رئيس الحكومة الشرعي الذي يجب أن يقودها في المرحلة المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحت مظلة هذه الفاعلية الداخلية حققت السياسيات الأميركية قدراً من النجاح عبر قيادة مجهود متعدد الأطراف على أكثر من مستوى، حيث دفعت الدول الإقليمية باتجاه رفض انقلاب البرهان عبر بيان رباعي صدر عن السعودية والإمارات وبريطانيا والولايات المتحدة. أما على الصعيد الدولي، فتحركت واشنطن في إطار دول الترويكا الداعمة للانتقالي الديمقراطي في السودان، والتي تضم أيضاً النرويج وبريطانيا، وذلك مع عدم استبعاد إمكانية إصدار مجلس الأمن الدولي بياناً شديد اللهجة ضد السلطة الانقلابية في السودان، وذلك بعدما فشل المجلس في إصدار بيان يعبر عن إرادة دولية داعمة للانتقال الديمقراطي السودان، بتأثير مباشر من موقفي موسكو وبكين.

في سياق موازٍ، دفعت واشنطن، باريس إلى الدخول على خط الضغوط ضد الانقلاب السوداني، فضلاً عما مارسه "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" من تلويح بوقف كل الإجراءات المتفَق عليها اقتصادياً، ومنها حزمة المساعدات الدولية، وإعفاء السودان من 80 في المئة من ديونه العالمية.

وبطبيعة الحال، سبقت واشنطن الجميع على الصعيد الاقتصادي وجمدت مساعدات مالية للسودان بقيمة 700 مليون دولار، في خطوة تبدو واضحة بشأن طبيعة التحديات التي يمكن أن يواجهها البرهان في حال أصر على المضي قدماً في انقلابه على الشرعية الانتقالية في البلاد.

هذه الجهود الأميركية المتفاعلة مع النضال السوداني الداخلي، جعلت الفريق عبد الفتاح البرهان مستعداً للدخول في حوار سياسي مع المعارضين، قد تكون نتيجته النهائية عودة حمدوك إلى رئاسة الوزراء والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وذلك كنتيجة لزيارة أجرتها مساعدة وزير الخارجية الأميركية إلى الخرطوم حيث التقت قائد الجيش، إضافة إلى المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.

المحطة النيجيرية

أما المحطة الأخيرة لوزير الخارجية الأميركي في أفريقيا فهي نيجيريا، عاصمة إقليم غرب أفريقيا حيث تزدهر حالياً الانقلابات العسكرية، في وقت فشلت فيه فرنسا في تحجيم تصاعد التهديدات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تتجاوز أرقام ضحايا العمليات الإرهابية المئات شهرياً. وعلى الرغم من ذلك فإن الاستراتيجيات الأميركية إزاء هذين التحديين الكبيرين غير واضحة، وربما هذا ما جعل الرئيس النيجيري محمد بخاري يقصر أجندته في لقائه مع بلينكن في قضايا مرتبطة بمواجهة تحدي جائحة كورونا، ولم يكن سقف طموحات الرجل يتجاوز ذلك لإدراكه ربما أن واشنطن باتت محدودة الفاعلية في أفريقيا.

المزيد من متابعات