Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي تخشاه واشنطن من اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا؟

ستكون كارثية وقد تمتد 20 عاماً وتهدد استقرار القرن الأفريقي

جنود من قوة الدفاع الوطني الإثيوبية خلال تجمع مؤيد للحكومة في أديس أبابا (رويترز)

مع اندفاع الأطراف المتصارعة نحو حرب أهلية دموية في إثيوبيا، تواصل الولايات المتحدة محاولاتها لنزع فتيل الأزمة ومنح السلام فرصة أخرى، ولكن من دون أي جدوى حتى الآن، لكن ما الذي تخشاه واشنطن إذا اتسع نطاق القتال ووصل إلى العاصمة وتدهورت الأوضاع بشكل لا يمكن وقفه في بلد حليف لأميركا اعتمدت عليه في تعزيز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي؟

قلق مبكر

قبل ثلاثة أشهر من تولي الرئيس الأميركي جو بايدن الحكم في البيت الأبيض، أرسل آبي أحمد رئيس وزراء إثيوبيا قواته الحكومية إلى إقليم "تيغراي" رداً على ما زعم أنها هجمات على قواعد عسكرية لقواته شنتها الجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي" التي هيمنت على الحكومة والسياسة الإثيوبية لما يقرب من ثلاثة عقود قبل أن يصبح أحمد رئيساً للوزراء عام 2018 ويشرع في تجفيف قوة هذه الجماعة ونفوذها في إثيوبيا، ما أثار حفيظة قيادة إقليم "تيغراي"، ومنذ ذلك الحين، انخرط الطرفان في حرب طويلة تصاعدت وتوسعت لتشمل إثنيات ومناطق أخرى في البلاد.

وحتى قبل أن يتولى منصبه في يناير (كانون الثاني) 2021، كان فريق الرئيس بايدن الانتقالي يحث الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير "تيغراي" على إنهاء الصراع في إقليم "تيغراي" في شمال إثيوبيا، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وعندما وصل إلى البيت الأبيض سعت إدارته باستمرار إلى تشجيع حكومة إثيوبيا على انتهاج مسار مختلف إدراكاً منها بأن استمرار الصراع العسكري في البلاد، ستكون له عواقب وخيمة على وحدة أراضي واستقرار البلاد التي تنقسم إلى 10 ولايات إقليمية على أسس عرقية تتمتع بالحكم الذاتي مع مؤسسات مركزية، كما سيؤثر الصراع على علاقة إثيوبيا بالولايات المتحدة على الرغم من كونها حليفة عسكرية اعتمدت عليها واشنطن لتعزيز الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي المضطربة.

تدهور سريع

غير أن إصرار رئيس الوزراء المستمر على تقليم أظافر الجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي" التي كان حليفاً لها في الماضي، كانت السبب الأساسي في تحدي قيادات الجبهة له من خلال إجراء الانتخابات البرلمانية الإقليمية التي أجلها في جميع أنحاء إثيوبيا، ورداً على ذلك، قطع المشرعون الإثيوبيون التمويل عن إقليم "تيغراي"، ما أدى لاحقاً إلى اشتباكات بين قوات "تيغراي" والقوات الفيدرالية الحكومية، وأمر آبي أحمد بعدها بشن هجوم عسكري على قيادة "تيغراي" وقواتها الأمنية، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في "تيغراي" وتقييد اتصالات الإنترنت والهاتف، لكن الجيش الإثيوبي الذي كان يسيطر عليه ضباط من أبناء "تيغراي" انقسم، واندلع قتال بين وحدات متناحرة داخل المنطقة، بحسب مسؤولين أميركيين.

في المقابل، عزز أحمد قواته من خلال نشر مقاتلي ميليشيات إقليم "أمهرا" التي تقع جنوب "تيغراي"، واجتاحوا غرب "تيغراي" وسط اتهامات بشن هجمات على المدنيين وارتكاب مذابح وجرائم حرب، ثم تدفقت قوات من إريتريا، العدو السابق لإثيوبيا، عبر الحدود إلى "تيغراي" من الشمال للقتال إلى جانب قوات آبي أحمد، فاستولت القوات الفيدرالية وحلفاؤها بسرعة على "ميكيلي" العاصمة الإقليمية لـ"تيغراي"، غير أن الجيش الإثيوبي عانى هزيمة كبيرة في يونيو (حزيران) الماضي عندما أجبر على الانسحاب من "تيغراي"، وتم أسر آلاف عدة من جنوده.

ومع تقدم المتمردين نحو أديس أبابا قبل أيام، أعلنت إثيوبيا حال الطوارئ، ودعت الحكومة مواطنيها لحمل السلاح والاستعداد للدفاع عن العاصمة بعد أن انضمت قوات "تيغراي" إلى جماعة متمردة أخرى هي جيش تحرير "أورومو" الذي يمثل أكبر إثنية في البلاد، بينما أوضح مسؤولون أجانب يراقبون القتال أن هناك دلائل على انهيار وحدات عدة من الجيش الإثيوبي أو انسحابها.

خطر الانهيار

ومع تحول الحرب الأهلية بشكل كبير لصالح قوات المتمردين، أصبحت إثيوبيا معرضة لخطر الانهيار بعد عام من الصراع خلف آلاف القتلى، وأجبر أكثر من مليوني شخص على ترك منازلهم ودفع أجزاء من البلاد إلى المجاعة، ويعد أكبر دليل على هذا الخطر أنه في الوقت الذي كان فيه جيفري فيلتمان المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي يجري مفاوضات مع القيادات المتناحرة في أديس أبابا في محاولة أخيرة لتحقيق السلام، طلبت الخارجية الأميركية من رعاياها مغادرة البلاد، وشكلت فريق عمل جديد للإشراف على مغادرة بعض موظفي السفارة الأميركية من إثيوبيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحتى قبل أن يصل فيلتمان إلى العاصمة الإثيوبية، حذر في ندوة حوارية أجراها في معهد الولايات المتحدة للسلام في واشنطن يوم الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، من أن الحرب لفترة طويلة ستكون كارثية بالنسبة لإثيوبيا، وأن متوسط الحرب الأهلية قد يستمر 20 عاماً، ولذلك، فإن منح السلام فرصة يمثل الأولوية القصوى للولايات المتحدة للحفاظ على وحدة وسلامة الدولة الإثيوبية.

أمل ضئيل

لكن الأمل في التوصل إلى اتفاق يعكس المسار الحالي يتضاءل يوماً بعد يوم، فقد عبر فيلتمان عن اعتقاده أن إثيوبيا تسير في طريق خطير، لأن التغيير في الاتجاه يجب أن يحدث خلال أيام، وليس أسابيع، وأنه ينبغي على الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير "تيغراي" البدء على الفور في التفاوض وتنفيذ سلسلة من الخطوات التي من شأنها وقف العنف، والسماح بوصول الإمدادات المنقذة للحياة إلى "تيغراي"، وانسحاب قوات الجبهة الشعبية لتحرير "تيغراي" من "عفار" و"أمهرا"، في مقابل انسحاب القوات الإريترية من الأراضي الإثيوبية، وبدء المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وأي جرائم حرب أخرى.

لكن يبدو أن آبي أحمد غير مهتم بالسلام وهو ما تشير إليه تصريحات فيلتمان بأن الولايات المتحدة تريد تنشيط علاقتها مع إثيوبيا، لكن أديس أبابا، وليست الولايات المتحدة، هي التي تجلس على مقعد القيادة.

وعلاوة على ذلك، ينظر المراقبون الأميركيون بقلق لتصرفات أحمد التصعيدية، والتي عكسها دخول حكومته في سوق طائرات "الدرون" التركية الرخيصة نسبياً، والتي ساعدت في دعم أذربيجان في صراعها مع أرمينيا حول ناغورنو قره باغ، وتعتبر أكثر فعالية من الطائرات الإيرانية والصينية المسيرة والموجودة بالفعل بحوزة إثيوبيا.

إمكانية العقوبات

ولهذا قد تكون إدارة بايدن أقرب من أي وقت مضى لفرض عقوبات تستهدف جميع أطراف الصراع وأولئك الذين يعرقلون العمليات الإنسانية، بعد أن قتل الآلاف، وارتكبت فظائع خطيرة، بما في ذلك الاغتصاب، وأجبر أكثر من 2.5 مليون شخص على النزوح من منازلهم، ويواجه نحو 900 ألف شخص ظروفاً شبيهة بالمجاعة في إقليم "تيغراي"، بخاصة أن الرئيس بايدن أصدر في سبتمبر (أيلول) أمراً تنفيذياً يسمح بفرض عقوبات على الأطراف المتواطئة في إطالة أمد الصراع في منطقة "تيغراي".

كما أبلغ بايدن الكونغرس في الثاني من نوفمبر الحالي، عن نيته إنهاء التصنيف التجاري التفضيلي لإثيوبيا اعتباراً من الأول من يناير 2022، والذي يستهدف حرمان البلاد من بيع وتسويق منتجاتها التصديرية في السوق الأميركية النشطة أسوة بباقي دول أفريقيا جنوب الصحراء التي تتمتع بتعزيز النمو والفرص من خلال تصدير منتجاتها في السوق الأميركية.

علاقة متدهورة

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن مسؤولية تدهور العلاقات الأميركية - الإثيوبية إنما تنبع من الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها حكومة إثيوبيا الفيدرالية في "تيغراي"، حيث يشير فيلتمان إلى علاقة سببية مباشرة بين ما يحدث على الأرض نتيجة سياسات الحكومة الإثيوبية وأفعال الأطراف المتحاربة الأخرى، والقرارات اللاحقة التي تتخذها الإدارة الأميركية أو تفكر فيها، فقد شنت الحكومة الإثيوبية ضربات جوية في منطقة "تيغراي"، ومنعت وصول الإمدادات الإنسانية إلى المنطقة التي مزقتها الحرب، وأوقفت إمدادات الوقود وطردت كبار مسؤولي الأمم المتحدة من البلاد، واستخدمت الغذاء كسلاح حرب، ما جعل من المستحيل على المنظمات توزيع المساعدات، ولهذا تتفاعل واشنطن مع سلوك لا يقبله أي شخص ذي ضمير وبطريقة لن تفاجئ أي طرف في النزاع.

تأثير مأساوي

وعلى الرغم من المطالب الدولية بإنهاء الصراع، لا تزال القوات العسكرية الإثيوبية والقوات المتحالفة تسيطر على جزء كبير من "تيغراي"، وتتفاقم الأزمة الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، إذ يموت الأطفال من سوء التغذية، وينهب الجنود المساعدات الغذائية، كما منع عمال الإغاثة من الوصول إلى المناطق الأكثر تضرراً، وفقاً للأمم المتحدة وجماعات إغاثة أخرى.

وفي غرب "تيغراي"، طرد عشرات الآلاف من الأشخاص من منازلهم على يد ميليشيات "الأمهرة" المتحالفة مع الحكومة كجزء مما وصفته الولايات المتحدة بحملة تطهير عرقي.

عدم استقرار

حتى وقت قريب، كان ينظر إلى إثيوبيا، وعلاقاتها الوثيقة مع الجيش الأميركي، على أنها دولة محورية على الصعيد الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي، حيث شاركت في لعب دور مهم في مواجهة التنظيمات الإسلامية المسلحة في الصومال خلال فترات زمنية سابقة، لكن مع استمرار الصراع داخل إثيوبيا، يشعر المحللون بالقلق من أن هذا البلد أصبح مصدراً لعدم الاستقرار في منطقة مضطربة، كما أجبرت الحرب إثيوبيا على تقليص قوة حفظ السلام التابعة لها في الصومال المجاورة.

ولا تقتصر التوترات على أقاليم الشمال في إثيوبيا، إذ يكافح آبي أحمد لكبح جماح اندلاع أعمال عنف عرقية في أجزاء أخرى من البلاد، حيث قتل مئات الأشخاص في اشتباكات بدوافع عرقية في عدة مناطق من بينها "أوروميا"، المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان.

حليف سابق

وإذا كان رئيس الوزراء الإثيوبي، البالغ من العمر 45 عاماً، قد أثار الإعجاب يوماً ما في الغرب والولايات المتحدة كونه حليفاً من بين أصغر القادة في أفريقيا، وحاز جائزة "نوبل" للسلام عام 2019 نتيجة توقيعه اتفاق سلام مع إريتريا، وفي السنوات الأولى من حكمه أثار آمالاً كبيرة في إحداث تغيير تحولي في بلاده بعد أن أطلق سراح الآلاف من السجناء السياسيين، وخفف من قانون الأمن القمعي وساعد في التوسط في النزاعات في الخارج، إلا أنه سرعان ما تحولت سمعته نحو الأسوأ بعد أن تضررت بشكل لا يمكن إصلاحه جراء حرب "تيغراي"، ففي نوفمبر الماضي، أصدرت لجنة جائزة "نوبل" للسلام توبيخاً نادراً لآبي أحمد بسبب قيامه بإغلاق الإنترنت واعتقال الصحافيين واحتجاز المتظاهرين والمنتقدين بالآلاف، واتهام قواته الأمنية بقتل مئات الأشخاص.

والآن، لم يعد أحمد حليفاً جيداً لأحد، كما ستصبح إثيوبيا حليفاً سابقاً، ما لم تتوقف الحرب وتبدأ تسوية سلمية سريعاً.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل