تخيّل أنك تعاني من ألم مزمن على درجة من الشدة تجعل الحصول على كوب من الماء مخاطرة قد تهدر طاقتك كلها، أو ما تعانيه أثناء احتضان طفلك الحديث الولادة أثناء معاناته نوبة الصرع رقم مئة خلال أسبوع واحد، بل إنها يحتمل أن تكون قاتلة.
أنت تعلم أن هناك دواء يمكنه مساعدتك، من شأنه السماح لك بالشعور بأنك تعيش هذه الحياة ولا يقتصر أمرك فيها على مجرد الصراع من أجل البقاء. سيقي الدواء طفلك من نوبات الصرع. زد على ذلك، أنه دواء يمكن الحصول عليه بوصفة طبية بشكل قانوني منذ عام 2018 ، ومدعوم بآلاف الدراسات التي تثبت فاعليته، وله تاريخ لا مثيل له من حيث الأمان، ويتوافر على نطاق واسع في أكثر من 50 دولة، وأعادت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالأدوية تصنيفه تقديراً لقيمته الطبية.
أنت تعلم أن هذا الدواء موجود ولكن وصولك إليه ممنوع، لأن ما لا تعلمه هو أن السبل التي تتيح ذلك لم تجرِ تهيئتها. وعلى الرغم من أن الحصول عليه بوصفة طبية قانوني، إلا أن إطار التوريد في وصول هيئة "خدمة الصحة الوطنية" البريطانية إلى القنب الهندي، يشكّل في الأساس خدعة.
وعلى الرغم من توافره رسمياً على حساب الهيئة، إلا أن وصفه غير مصرح به للأطباء الممارسين العامين، ما يشكّل تغييراً بسيطاً يمكن أن تجريه حكومتنا حاضراً، بمناسبة "أسبوع التوعية بالاستعمالات الطبية للقنب" بين 1 و7 نوفمبر (تشرين الثاني).
بدلاً من ذلك، يتوجب على الأطباء العامين إحالة مريضهم إلى استشاري، الذي يلجأ إلى لجنة تتلقى نُصحاً من شركات الأدوية التي تضغط بفاعلية ضد الوصول إلى القنب.
تراجع هذه اللجنة (الخدمات الاستشارية السريرية المتخصصة للصرع المستعصي) ملفات مرضى الصرع حصراً، إذ سُحبت اللجنة المعنية بالحالات الأخرى في 2019، بعد فترة وجيزة من تشكيلها. لذا، إذا كنت مصاباً بمرض "التصلب العصبي المتعدد" وأحالك طبيبك العام، لا توجد جهة تنظر في حالتك، بل ليس هناك تمويل لها. قد يكون القنب متاحاً من الناحية النظرية، لكن إذا حاولت الحصول عليه من هيئة "خدمة الصحة الوطنية"، فستصل إلى طريق مسدود.
منذ 2018، وُصف تناول نبتة القنب الكاملة على حساب "خدمات الصحة الوطنية" لثلاثة أشخاص حصراً. بينما حصل آخرون على أدوية مستخلصة من تلك النبتة، أي تركيبات قنب تحتوي على مركبات مستخلصة من النبات مع مكونات إضافية، بما في ذلك الـ"إيثانول" (وهو مادة مسرطنة معروفة). ثبت أن هذه الأدوية أقل فاعلية إلى حد كبير في علاج عديد من الحالات.
في 2020، حقق أحد هذه الأدوية، هو "إيبيديوليكس" Epidyolex الذي تصنّعه شركة "جي دبليو" GW الدوائية على 515.5 مليون دولار أميركي (من إجمالي عائدات بلغ 527.2 مليون دولار، ما يشكّل زيادة بـ69 في المئة بالمقارنة مع العام السابق)، بعدما وافقت عليه "خدمة الصحة الوطنية" في 2019، بدعم من تجارب نهض بها أعضاء في اللجنة المذكورة أعلاه.
على عكس نبات القنب الكامل، بحيث تكون التأثيرات الجانبية المضرة للدواء ضئيلة، تشمل الآثار الجانبية لذلك الدواء تضرر الكبد والخدر والسلوك الانتحاري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك يجد الأشخاص الضعيفون أنفسهم الآن في وضع يجبرهم الوصول إلى أدويتهم على بيع منازلهم أو الانتقال إلى بلد آخر أو اللجوء إلى السوق غير القانونية. في المقابل، تبدو ملتوية تلك المبررات التي قدمتها حكومتنا وهيئات تنظيمية كـ"وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية" (التي ترعاها وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية)، و"الرابطة البريطانية لطب أعصاب الأطفال" (التي تتبع استشارات "وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية").
في سياق متصل، لقد أُخبرنا أنه "نحن بحاجة إلى أدلة تثبت سلامة وفاعلية [القنب]"، على الرغم من أنه قد أُنفق في المملكة المتحدة وحدها، أكثر من 40 مليون دولار على أبحاث القنب منذ عام 2000 (مع الإشارة إلى أن الدراسات التي تحاول العثور على الأضرار المحتملة للقنب بدلاً من فوائده تهيمن على تلك الأبحاث).
ويتوافر لدينا أيضاً مزيد من البيانات المستقاة من العالم الحقيقي التي جُمعت على مدار عقود وعبر ملايين المستخدمين، التي تدعم سلامة القنب وفاعليته أكثر من أي دواء صيدلاني آخر.
وبانتظام، يقدم برنامج "مشروع توينتي 21" في "برنامج علم الدواء" إلى "خدمة الصحة الوطنية" بيانات ودراسات أُخضعت للتدقيق من قبل علماء نظراء، عن 2000 مريض حسّن القنب حياتهم بشكل كبير في حين فشلت الأدوية الأخرى في ذلك. لم يجرِ ربط أي حالة موت بشكل مباشر بالقنب، على عكس معظم الأدوية المصنعة التي قد تحل بديلاً منه. ويشمل هذا أدوية أخرى، غير مرخصة في بعض الأحيان، التي يجب على المرضى تجربتها قبل السماح لهم بالحصول على القنب على حسابهم الخاص. مع ذلك، كل ما ورد ليس كافياً.
"هناك حاجة إلى المزيد من التجارب العشوائية المراقَبة"، على الرغم من سوء سمعة التجارب العشوائية المراقبة في تحديد السلامة على المدى الطويل، وأنها غير مناسبة لدراسة البنيات الحية المعقدة كالقنب. أثبت أكثر من 100 مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم المعدل المنخفض لحدوث الآثار الجانبية الخطيرة، ولكن هذا لا يزال غير كافٍ. ومع ذلك، كانت البيانات التي جُمعت خلال أقل من عام واحد من مئتي ألف امرأة في الولايات المتحدة كافية لإثبات سلامة لقاحي "موديرنا" و"فايزر" المضادين لفيروس كورونا خلال الحمل.
من الواضح أن المشكلة لا تتعلق بالسلامة.
وكذلك ليست السلامة مضمونة بالنسبة إلى الأطفال ممن يعانون حالات الصرع المستعصية، فيما قد تصل فرصتهم في انخفاض النوبات إلى 95 في المئة مع استعمال نبات القنب الكامل، وقد يصابون بتلف في الدماغ والموت، إذا لم يُستعمل في علاجهم (في مقابل 50 في المئة التي تسجلها أفضل نتيجة للأدوية الموصوفة عادة على حساب "خدمات الصحة الوطنية، كـالأدوية من فئة "بنزوديازيبين" أو دواء "إبيديوليكس" الذي يحتوي على مادة "كانابيديول" المستخلصة من القنب). وليس في أمان أيضاً مئات الآلاف من المرضى الذين يعانون آلام مزمنة، ويمكن أن يعيشوا من دون ألم ولا خوف من تناول جرعة زائدة من مسكنات الألم.
يمكن لأكثر من مليون شخص يعانون حالات صحية خطيرة أن يشهدوا تحسناً بمجرد تمكّنهم من الوصول إلى هذا الدواء (القنب).
بالطبع، ستضيع أرباح بالمليارات إذا أصبح القنب متاحاً بالفعل على حساب "خدمة الصحة الوطنية". وفي البلدان التي توفر وصولاً حقيقياً للقنب، تراجعت الوصفات الطبية للأدوية المضادة لنوبات الصرع ومضادات الاكتئاب ومسكنات الآلام وغيرها.
ثمة تضارب في المصالح بين الطب والربح، واضح وقاتل. وإلى أن يُحلّ هذا النزاع لمصلحة المريض، ستستمر معاناة عدد كبير جداً من الناس الذين هم أبعد ما يكون عن السلامة، أو قد يموتون من دون مبرر.
© The Independent