Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من هو "الأب الروحي" للنووي الباكستاني الذي توفي في الإقامة الجبرية؟

يقف عبد القدير خان وراء شبكة واسعة وفرت هذا النوع من التكنولوجيا لإيران وليبيا وكوريا الشمالية

توفي العالم النووي عبد القدير خان، المعروف بـ"أبو القنبلة النووية" الباكستانية، عن عمر يناهز 85 سنة، بعد نقله إلى المستشفى بسبب مشكلات في الرئة جراء إصابته بفيروس كورونا، وفقاً لما أفادت به وسائل إعلام محلية. وبحسب وزير الداخلية الباكستاني شيخ رشيد أحمد، فإنه سيتم التشييع في جنازة رسمية الأحد 10 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ليُدفن في مسجد فيصل في العاصمة إسلام آباد، حيث يرقد كذلك الجنرال والرئيس الباكستاني السابق محمد ضياء الحق، الذي توفي في حادث تحطم طائرة عام 1988.

الفزيائي الباكستاني الذي يُشار إليه أيضاً "الأب الروحي" للبرنامج النووي الباكستاني، لطالما كان يُنظر إليه على أنه بطل قومي في بلاده لأنه جعل منها أول بلد مسلم يمتلك القنبلة النووية. وكتب رئيس الوزراء عمران خان على حسابه على "تويتر"، ناعياً خان: "لقد أحبته أمتنا لمساهمته الحاسمة في جعلنا دولة نووية"... "لقد وفّر لنا هذا الأمن ضد جار نووي عدواني أكبر بكثير (في إشارة إلى الهند). بالنسبة إلى شعب باكستان، كان رمزاً وطنياً".

 لكن في الوقت ذاته، ظل خان محور اتهامات دولية بأنه قدّم معلومات سرية، بما في ذلك تصاميم أجهزة الطرد المركزي إلى ليبيا وإيران وكوريا الشمالية. وعام 2004، بناء على طلب من الولايات المتحدة، وضعت السلطات الباكستانية خان رهن الإقامة الجبرية. وبعد اعترافه عبر التلفزيون المحلي عفا رئيس الدولة، آنذاك، برويز مشرف عنه عام 2009 لكنه ظل خاضعاً لرقابة شديدة، وكان مجبراً على إبلاغ السلطات بكل تحركاته. وقال في اعترافه إنه تصرف بمفرده من دون علم مسؤولي الدولة، غير أنه ذكر في ما بعد أنه كان كبش فداء.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، آنذاك، إن خان كان يدير "شبكة دولية واسعة النطاق لنشر المعدات والمعرفة النووية، التي وفّرت محطة تسوق واحدة للدول التي تسعى إلى تطوير أسلحة نووية". ووفقاً للخارجية الأميركية، فإن تصرفات هذه الشبكة "غيّرت بشكل لا رجعة فيه مشهد الانتشار (النووي) وكانت لها تداعيات دائمة على الأمن الدولي".

اشتباه أوروبي في سلوكه

وحصل خان على شهادة هندسة المعادن من الجامعة التقنية في دلفت بهولندا، ثم الدكتوراه من الجامعة الكاثوليكية في لوفين ببلجيكا عام 1972، وبدأ في العام ذاته العمل في مختبر البحوث الديناميكية الفيزيائية (إف دي أوه)، كمقاول تابع لشركة "يو سي إن"، الشريك الهولندي في ائتلاف تخصيب اليورانيوم "يورينكو". وسرعان ما بدأت الاستخبارات الهولندية مراقبة خان بعد وقت قصير من بدء عمله، إذ أثار القلق بسبب استفساراته المتكررة حول معلومات تقنية لا تتعلق بالمشاريع التي كان يعمل عليها.

 

وبينما أجرت الهند أول تجربة نووية في 18 مايو (أيار) 1974، كتب خان إلى رئيس وزراء باكستان ذو الفقار علي بوتو في سبتمر (أيلول) من العام ذاته، يعرض خدماته وخبراته لبرنامج نووي باكستاني. وفي أغسطس (آب) 1975، بدأت إسلام آباد شراء مكونات لبرنامجها لتخصيب اليورانيوم من موردين تابعين لـ"يورينكو"، وتسارعت عمليات شراء أجهزة طرد مركزي من شركات في هولندا على صلة بخان.

غير أنه في أكتوبر 1975، نُقل خان بعيداً من أعمال التخصيب في مختبر البحوث الديناميكية الفيزيائية، إذ أصبحت السلطات الهولندية تشعر بقلق متزايد بشأن أنشطته. وبحسب ما ورد في تقارير رسمية، لوحظ خان وهو يسأل "أسئلة مشبوهة" في معرض تجاري نووي في سويسرا. ووفقاً لتقرير نشره مركز كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن عام 2005، فإنه في أواخر السبعينيات، أقنع مسؤولو الاستخبارات الأميركية السلطات الهولندية في مناسبتين بعدم اعتقال خان وذلك لمراقبة أنشطته بشكل أكبر.

وفي 15 ديسمبر (كانون الأول) عام 1975، غادر خان فجأة مختبر البحوث الهولندي إلى باكستان، ومعه مخططات منسوخة لأجهزة الطرد المركزي والمكونات الأخرى ومعلومات الاتصال لما يقرب من 100 شركة توفّر مكونات ومواد أجهزة الطرد المركزي، وبدأ العمل رسمياً على البرنامج النووي الباكستاني.

بيع التكنولوجيا النووية لإيران

ووفقاً لتقرير كارنيغي، فإن النجاحات المبكرة التي حققها خان في برنامج تخصيب اليورانيوم الباكستاني، خلال الثمانينيات، تبعها تصميم وتقنيات أكثر تقدماً لأجهزة الطرد المركزي "بي-2"، وهي نسخة معدلة من "جي-2" الألمانية، التي يمكنها الدوران مرتين أسرع من جهاز الطرد المركزي السابق "بي-1". وفيما كان خان يحتفظ بمخزون فائض من مكونات "بي-1"، بدأ بشراء مكونات "بي-2"، التي قام بعد ذلك بتصديرها من خلال عدد من القنوات ذاتها، التي استخدمها لاستيراد مكونات أجهزة الطرد المركزي. وقام خان بمبيعات نووية في هذه الفترة لإيران، كما قدّم تقنيات إلى العراق وربما إلى آخرين.

وفي الفترة بين منتصف الثمانينيات حتى منتصف التسعينيات، بدأ خان بتطوير شبكة التصدير الخاصة به، وطلب ضعف عدد المكونات اللازمة للبرنامج الباكستاني الأصلي. وبحسب كارنيغي، فإن هذا الانتقال حوّله من مستورد إلى مصدّر لمكونات أجهزة الطرد المركزي، الأمر الذي يبدو أنه فات تماماً أجهزة الاستخبارات الغربية التي كانت تعتقد أن خان يعمل فقط على برنامج الأسلحة النووية المحلي لباكستان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويُشتبه في أن طهران وإسلام آباد وقّعتا على اتفاقية سرية حول التعاون النووي السلمي، في أواخر الثمانينيات. ويُزعم أن الصفقة تضمنت بنداً لتدريب ستة إيرانيين على الأقل في باكستان في معهد العلوم والتكنولوجيا النووية في العاصمة ومعهد الدراسات النووية. وربما تلقّى العلماء الإيرانيون أيضاً تدريباً على أجهزة الطرد المركزي في "معامل أبحاث عبد القادر خان".

كما يُشتبه في أن خان زار المفاعل الإيراني في بوشهر في فبراير (شباط) 1986، ومرة أخرى في يناير (كانون الثاني) 1987. وتعتقد الاستخبارات الألمانية أن باكستان قدّمت دعماً محتملاً إلى العراق، وربما إلى إيران وكوريا الشمالية، في العمليات المتعلقة بصهر اليورانيوم.

ليبيا تكشف برنامجها النووي

وبعد عمليات النقل النووية الأولية إلى إيران، يُعتقد أن خان استطاع توسيع شبكة عملائه لتشمل ليبيا وكوريا الشمالية. واستندت شبكة خان إلى هيكل معقد من الموردين الدوليين، الذين يشحنون المكونات من دون عوائق بفعل ضوابط متراخية. ويقول تقرير كارنيغي إن خان على ما يبدو كانت لديه دوافع مالية، وأنه تلقّى أكثر من 100 مليون دولار من المبيعات إلى ليبيا وحدها.

وكُشف عن عدد من التفاصيل المتعلقة بالمبيعات إلى ليبيا منذ أواخر عام 2003، عندما أعلن نظام الزعيم الليبي معمر القذافي التخلي عن برنامجه النووي في إطار صفقة مع الولايات المتحدة، انطوت على تحمّل طرابلس المسؤولية عن تفجير لوكربي، ودفع تعويضات لعائلات الضحايا مقابل رفع العقوبات الدولية التي فُرضت ضد البلاد. وبعد إعلان تخليها عن البرنامج النووي، بدأت طرابلس الكشف الكامل عن تفاصيل البرنامج للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك الإعلان عن المشتريات الأجنبية كافة.

وفي 21 ديسمبر عام 1988، أسقطت طائرة ركاب تابعة لخطوط الطيران الأميركية "بان أميركان وورلد إيروايز" من طراز بوينغ 747-121 فوق منطقة لوكربي في اسكتلندا، في عملية إرهابية دِين فيها ضابط الاستخبارات الليبية عبد الباسط المقراحي بـ270 تهمة قتل تتعلق بتفجير الطائرة ومقتل جميع الركاب، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة.

ومنذ تفجير الطائرة وحتى عام 2003، رفض نظام القذافي تحمّل المسؤولية، نافياً توجيه أي أوامر بالهجوم. لكن تحت ضغط العقوبات الدولية ومع صعود تنظيم "القاعدة" الإرهابي الذي أصبح عدواً مشتركاً، تقدم القذافي بمبادرات عدة لفكّ العزلة الدولية على بلاده، شملت التخلي عن ترسانة الأسلحة النووية، وتحمل المسؤولية عن تفجير لوكربي ودفع تعويضات لعائلات الضحايا.

النووي الباكستاني يقلق واشنطن

وفي مايو 1998، أصبحت باكستان رسمياً قوة عسكرية ذرية حين اختبرت للمرة الأولى رأساً نووياً، لتغدو بذلك الدولة السابعة في العالم التي تقوم بذلك رسمياً، ويُنظر إلى ترسانتها على أنها دفاعية ضد الهند، التي اختبرت رؤوساً حربية نووية للمرة الأولى عام 1974. وتمتلك إسلام آباد ترسانة من حوالى 160 رأساً نووياً بما في ذلك 102 صاروخ أرضي وستة صواريخ باليستية وطائرات مقاتلة من طراز F-16 مع 24 قاذفة نووية.

وحتى الآن، يشغل البرنامج النووي الباكستاني قلق القادة الغربيين، تحديداً في الولايات المتحدة. فخلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، أواخر الشهر الماضي، قال كبار الجنرالات إنهم حذروا الرئيس جو بايدن من أن الانسحاب السريع من أفغانستان ربما يزيد المخاطر على الأسلحة النووية الباكستانية وأمن البلاد. وأكد رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي أنهم نبّهوا من أن الانسحاب السريع سيضاعف مخاطر عدم الاستقرار الإقليمي وأمن باكستان وترساناتها النووية، مضيفاً "نحن بحاجة إلى دراسة دور الملاذ الباكستاني بشكل كامل"، ومشدداً على الحاجة إلى التحقيق في الكيفية التي قاومت بها حركة "طالبان" الضغط العسكري الأميركي لمدة 20 عاماً.

وفي حين رفض الجنرالات الأميركيون مناقشة المزيد حول المخاوف بشأن الأسلحة النووية الباكستانية واحتمال وقوعها في أيدي الإرهابيين، قائلين إنهم سيبحثون هذه القضية وغيرها من القضايا الحساسة في جلسة مغلقة مع أعضاء مجلس الشيوخ، فإن مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون، أشار في لقاء إذاعي إلى احتمال سقوط الأسلحة النووية الباكستانية في أيدي "طالبان"، إذا سيطرت الجماعات المتطرفة على الحكم في إسلام آباد. وأوضح أن "سيطرة الحركة على أفغانستان تهدد بإمكانية سيطرة الإرهابيين على باكستان... وهذا يعني ربما سقوط 150 سلاحاً نووياً في أيديهم".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة