Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة مياه خانقة في تونس وتزايد الطلب يدخلها في مرحلة الشح

معدل استهلاك الفرد تراجع إلى 420 متراً مكعباً وقد ينخفض أكثر

فتيان تونسيون يقفزون في مياه المتوسط في شمال البلاد بعد تسجيل درجات حرارة قياسية لامست الـ48 درجة مئوية في 11 أغسطس الماضي (أ ف ب)

تبدو الصور والمشاهد المقبلة من تونس حول وضعية السدود صادمة وتبعث على الانشغال بشأن مستقبل المياه في البلاد، بخاصة بعد إقرار السلطات بقرب نضوب عدد من السدود وتراجع مخزونها، ما يهدد تزويد مناطق عدة بالماء الصالح للشرب، مع إمكانية التأثير السلبي على النشاط الفلاحي.
وتشهد تونس للعام الثالث على التوالي حالة من الجفاف أسهمت في مزيد من فرض الضغط على المنظومة المائية التي لم تعد تتحمل الطلب المتزايد، لا سيما في فصل الصيف.
وبحسب تصريحات المسؤولين التونسيين المشرفين على المنظومة المائية، فقد تم تسجيل تراجع في مخزون السدود في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ إن المخزون عام 2019 كان 79 في المئة من طاقة التخزين ليتراجع في عام 2021 إلى 59 في المئة من تلك الطاقة.

خريطة العطش تتوسع

من جانبه، يضع المرصد التونسي للمياه (منظمة مستقلة) شهرياً، خريطة العطش في البلاد، فتم خلال أغسطس (آب) الماضي، رصد 517 إشكالاً في المياه وأكثر من تحرك احتجاجي على خلفية انقطاعات المياه في عدد من المناطق، بعد تسجيل 381 انقطاعاً في ذروة فصل الصيف حين تزداد حاجة المواطن إلى الماء.
وتشهد تونس في السنوات الأخيرة تحركات احتجاجية من المواطنين في مناطق عدة على خلفية الانقطاعات المتكررة للمياه بخاصة في فصل الصيف حين يرتفع استهلاك المياه.
وما انفك المواطنون ينفذون اعتصامات واحتجاجات متكررة وصلت إلى حد إقفال الطرق وحرق العجلات المطاطية.

أسباب تراجع المخزون

ترى جمعية "نوماد 08" التونسية (مستقلة) المختصة في الشأن المائي، أن الأسباب الأساسية التي جعلت تونس تحت خط الفقر المائي متعددة على الرغم من تشابهها في باقي الدول العربية التي تعاني من ذات الأزمة، وهي في الأساس المناخ والكثافة السكانية وسوء التصرف في الموارد المائية والسياسات المائية غير الملائمة للوضع.
ووفق أحدث تقرير لها صدر في مارس (آذار) الماضي، أثرت التغيرات المناخية بشكل كبير على الموارد المائية، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة، بخاصة في الجنوب فأسهمت في تبخر المياه بشكل كبير.
كما أسهم الاحتباس الحراري بشكل أكبر في خفض نسبة التساقطات السنوية للأمطار ما جعل سنوات الجفاف تتوالى وهو ما زاد في انخفاض مستوى المياه السطحية وامتلاء السدود والبحيرات الجبلية.
إن ازدياد عدد السكان في مناطق عدة في تونس أدى إلى تزايد الطلب على استهلاك المياه، وهو ما سيزيد العبء على الموارد المائية المتاحة والمتسمة بالشح. كما أن سوء التصرف في الموارد المائية من قبل المصالح المختصة، أسهم بشكل كبير في تعميق أزمة الفقر المائي.
وتعتبر الجمعية أن الإصلاحات البطيئة وغير الجوهرية لا تتماشى مع تسارع التغيرات المناخية وتفاقم مشكلة الاحتباس الحراري وأثرها على مصادر المياه. وأضافت "لم تضع الدولة التونسية برنامجاً استراتيجياً مواكباً للتغيرات المناخية وللفقر المائي الحالي وما زالت تعمل بذات النسق الذي اعتمدته خلال السنوات الماضية من دون تجديد أو تغيير في سياساتها، بخاصة في سياسة صنع القرار وهذا ما سيعمق أزمة المياه الحالية أكثر لتتواصل مع الأجيال المقبلة".

وضعية مائية حرجة جداً

من جهة أخرى، أقر حمادي الحبيب، مدير عام مكتب التخطيط والتوازنات المائية بوزارة الفلاحة التونسية، بأن "تونس تمر بوضعية جد حرجة على مستوى الوضعية المائية"، مستدلاً في ذلك بمؤشر قال إنه "خطير جداً، وهو أن المواطن التونسي يستهلك سنوياً 420 متراً مكعباً في السنة وهي مرحلة الشح المائي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت إلى أن التونسي بات يمر بمرحلة الفقر المائي أيضاً (أقل من ألف متر مكعب للفرد في السنة) لتتعقد الوضعية أكثر في عام 2021، إذ من المرجح أن ينخفض معدل استهلاك التونسي للماء إلى مستوى 250 متراً مكعباً.
وأفاد الحبيب بأنه خلال السنوات الست الأخيرة، شهدت تونس حالة جفاف لافتة أثرت على إيرادات السدود التي تراجع مخزونها بنسبة 33 في المئة حتى نهاية أغسطس الماضي، مرجعاً تدهور الوضعية المائية في تونس إلى التغيرات المناخية المهمة التي تشهدها مناطق عدة في العالم.

وأكد المسؤول في وزارة الفلاحة أن كل ارتفاع في درجات الحرارة يفرض ضغطاً على "الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه" (حكومية) بوجوب توفير الماء للصلح للشرب في ظل تواضع الموارد المائية.

وكشف أن "إيرادات السدود التونسية بلغت حوالى 800 مليون متر مكعب، والحال أنه في السنوات الممطرة يصل معدل الإيرادات إلى 1 مليار و880 متر مكعب، أي نقص في حدود 42 في المئة".

تجدر الإشارة إلى أنه في تونس 37 سداً، بطاقة استيعاب تبلغ 2.3 مليار متر مكعب في السنة، وصلت نسبة امتلائها حتى نهاية أغسطس الماضي، إلى 33 في المئة فقط.

قطع الماء عن عدد من المناطق

الوضعية المائية الحرجة التي تمر بها تونس دفعت بوزارة الفلاحة إلى اتخاذ إجراء يتمثل في القطع الإرادي للماء على عدد من المناطق من أجل الحفاظ على الموارد المائية خلال الصيف وتفادي ضياع المياه.

وفي هذا الإطار كشف محمد الفاضل كريم، وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بالنيابة والمعفى من مهماته، أخيراً، أنه "أمام الوضعية الحرجة والصعبة التي تعيشها منظومة المياه في تونس، تم الشروع منذ بضعة أسابيع في قطع الماء الصالح للشرب من الساعة العاشرة ليلاً إلى الخامسة صباحاً في عدد من المناطق على غرار الوطن القبلي والساحل ومدينة صفاقس خلال فصل الصيف".
وأوضح الوزير أنه بتاريخ 21 يونيو (حزيران) الماضي، خلال إشرافه على دورة تدريبية للصحافيين حول ترشيد استعمال الماء، أن "وضعية المياه في البلاد أضحت حرجة جداً بسبب نقص الموارد المائية وتواصل انحباس الأمطار بفعل التغيرات المناخية ما أثّر على منسوب التساقطات، وبالتالي تواضع موارد السدود في تونس".
وأقر بأن هذا الصيف سيكون صعباً جداً في عدد من مناطق البلاد، مشيراً إلى أن "العجز المائي في مناطق الوطن القبلي والساحل بلغ 18 في المئة مقابل 12 في المئة السنة الماضية، إلى جانب أن العجز المائي بلغ هذا العام 12 في المئة في ولاية قابس (الجنوب الشرقي)".
كما لفت إلى أن "تونس دخلت مرحلة الشح المائي بمعدل أقل من 500 متر مكعب في السنة للفرد الواحد، وأن هذه النسبة مرشحة للنزول إلى مستوى 320 متراً مكعباً في السنة في السنوات المقبلة".

بناء خزانات في المساكن

في السياق يُنتظر تفعيل بعض الإجراءات الخاصة بحسن توظيف المياه في تونس، في ظل ما تعانيه البلاد من نقص فادح في الموارد المائية جراء النقص الكبير في هطول الأمطار وتراجع منسوب السدود.
ومن ضمن الإجراءات التي تعمل عليها وزارة الفلاحة، تثمين مياه الأمطار بحسن استيعاب كميات مهمة منها وعدم تركها تذهب إلى البحر.

وفي هذا الإطار، فإن وزارة الفلاحة وفي إطار مخططها الاستراتيجي للمياه في أفق سنة 2050، ستحرص على تثمين مياه الأمطار من خلال فرض ربط رُخص البناء بضرورة تقيد كل شخص يعتزم بناء منزل فردي جديد أو مقاول سيشرع في بناء عمارة جديدة بأن يبني خزاناً وفق مساحة محددة مخصصة لاستيعاب مياه الأمطار بما سيخفف الضغط على مياه الشرب.
ووفق مسؤولي الوزارة، فإن بناء خزانات في المساكن الفردية أو الجماعية لا يكلّف كثيراً، من خلال الحفر والتهيئة بجانب المنزل أو العمارة حيث يكون متصلاً بأنبوب من الأسطح وعند هطول الأمطار يتم ملء الخزانات واستعمالها في أغراض مهمة على غرار غسل السيارات أو الثياب أو سقي الحدائق ومسائل أخرى عدة من شأنها أن تخفف الضغط على مياه الشرب.

وأكد مسؤولو الوزارة أن مشروع مجلة المياه الذي تمت المصادقة عليه في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، من قبل لجنة الفلاحة في البرلمان التونسي، نص على أهمية ربط رخص البناء الجديدة بوجوب تهيئة خزانات لاستقطاب مياه الأمطار.

وللإشارة فإن هذه التقنية منتشرة كثيراً في دول أوروبية عدة تشجع مواطنيها على انجاز خزانات مخصصة لاستقطاب مياه الأمطار وربطها بآلات غسل الأواني وغسل الثياب وغسل السيارات وريّ الحدائق.

المزيد من العالم العربي