Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استمرار تأمين أجور موظفي تونس في خطر

المباحثات مع صندوق النقد الدولي تنعش الآمال بدعم اقتصادي جديد

تخوّف من عدم قدرة تونس على الاستمرار في تأمين أجور الموظفين في الأشهر المقبلة بسبب الصعوبات التي تعيشها البلاد (رويترز)

للشهر الثالث على التوالي، يُسجَّل تأخير في تأمين أجور ورواتب الموظفين في تونس، ما يعكس الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد في الفترة الأخيرة، واعتاد الموظفون الحصول على رواتبهم بين تاريخي 18 و22 من كل شهر، غير أنه في الأشهر الثلاثة الماضية وصلت الأجور إلى حساباتهم البنكية أو البريدية يومي 24 و25 من شهر أغسطس (آب)، كما أن عدداً آخر لم ينل إلى الآن راتبه.

وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهرياً نحو 592 مليون دولار، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة إلى الوظيفة العمومية 7.1 مليار دولار، أي بنسبة تقارب 38 في المئة من إجمالي الميزانية (18 مليار دولار)، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية دول العالم.

الديون الداخلية والخارجية

وبين ضرورة تأمين الديون الداخلية والخارجية، ودفع رواتب الموظفين ومصاريف أخرى، فإن تونس مطالبة من أغسطس إلى نهاية العام الجاري بدفع 6.7 مليار دولار بمعدل 1.6 مليار دولار شهرياً مقابل تحصيل ضرائب مباشرة وغير مباشرة تقدر بنحو 857 مليون دولار.

وأظهرت دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، وهو تابع لرئاسة الجمهورية، أن عدد العاملين في الوظيفة العمومية يبلغ 690091 موظفاً وعاملاً من بينهم 152756 انتداباً في الفترة بين سنتي 2011 و2016، ومن بين هؤلاء، سُجل 6839 انتداباً استثنائياً لفائدة المنتفعين بالعفو التشريعي العام و2929 من ذوي الضحايا والجرحى، إلى جانب تسوية وضعية 45 ألفاً من عملة المناولة.

وانتقد معظم المحللين والمختصين في تونس هذه السياسة المعتمدة في الانتدابات في الوظيفة العمومية، ما لا يتلاءم وعدد سكان تونس البالغ نحو 11.7 مليون نسمة، وبخاصة عدم نجاعة الإدارة التونسية وجدواها في ظل العدد الكبير للموظفين.

وعلى الرغم من تطمينات المسؤولين الحكوميين في البلاد، فإن الواقع يظهر عكس ذلك، ولا سيما مع تسجيل تأخير ملحوظ في تأمين الرواتب تجلى بشكل لافت في شهر أغسطس، مع إمكان استمرار الأزمة في الأشهر المقبلة لعدم إيجاد الحلول المالية اللازمة.

تخوفات وشكوك

وتخوّف رضا الشكندالي، أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، من عدم قدرة تونس على الاستمرار في تأمين أجور الموظفين في الأشهر المقبلة، بسبب الصعوبات التي تعيشها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية، وقال إن توقف المفاوضات تماماً مع صندوق النقد الدولي، وصعوبة الخروج على الأسواق المالية الدولية، يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لمواصلة تنفيذ موازنة العام 2021 البالغة 18.7 مليار دولار.

وشدد على وجود انسداد مالي في ظل الظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها البلاد منذ 25 يوليو (تموز) 2021، على أثر إقدام الرئيس قيس سعيد على تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن كل النواب، وقيامه منذ يومين بتمديد تعليق عمل البرلمان حتى إشعار آخر.

التريث والانتظار

أضاف الشكندالي، "مثل هذه الظروف السياسية الاستثنائية تفرض على كل المانحين الدوليين، وفي مقدمهم صندوق النقد الدولي، التريث وانتظار انفراج الأوضاع"، لافتاً إلى أن الوضع السياسي الراهن من شأنه أيضاً أن يزيد في تعميق الأزمتين الاقتصادية والمالية، وبالتالي فرض ضغوطات أكثر في إيجاد التمويلات اللازمة لمواصلة تأمين أجور موظفي الوزارات والشركات الحكومية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى أن التأخر الملحوظ في صرف تونس رواتب موظفيها (وهو واحد منهم) يعكس شحّ السيولة في ظل استيفاء العديد من الحلول للمعالجة، ولا سيما التوجه نحو السوق الداخلية لإصدار رقاع الخزينة، والاقتراض من البنوك ما قد يجعل هذه البنوك (حكومية وخاصة) تعجز عن تمويل الاستثمار أو الضغط عليها للتصرف في ودائع العملاء.

ورجح أن تتعكر الأوضاع أكثر في الأشهر المقبلة ما قد ينتج عنه غليان في الشارع التونسي والدخول في أزمة اجتماعية حادة جداً.

هل تكون مخصصات صندوق النقد الدولي الحل لمعضلة الأجور؟

في هذا الوقت، أعلنت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي "بدء سريان التوزيع العام لمخصصات حقوق السحب الخاصة الجديدة بقيمة 650 مليار دولار"، ما سيتيح لدول عدة منها تونس دعم احتياطيات النقد الأجنبي والحد من اعتمادها على الدين.

وقالت غورغييفا، في بيان نشره صندوق النقد الدولي على موقعه الإلكتروني، الاثنين 23 أغسطس 2021، "سيتيح هذا التوزيع سيولة إضافية للنظام الاقتصادي العالمي ويمكن للبلدان استخدام حيز الإنفاق الذي يتيحه توزيع مخصصات حقوق السحب الخاصة، لدعم اقتصاداتها وتكثيف جهودها في التصدي لأزمة كوفيد-19"، وأضافت أن توزيع مخصّصات حقوق السحب الخاصة على البلدان الأعضاء سيجري بالتناسب مع نصيب كل بلد من حصص عضوية الصندوق.

وبلغت حصة عضوية تونس في صندوق النقد الدولي سنة 2020 نحو 523 مليون وحدة حقوق سحب، ما يعادل 741 مليون دولار وفق بيانات نشرها الصندوق على موقعه الإلكتروني، وخاضت تونس، في مايو (أيار) 2021، مفاوضات مع الصندوق من أجل تمويل جديد لكن الاتفاق لم يرَ النور بعد، وتوقفت المحادثات تماماً.

وشددت غورغييفا على أن تحقيق الاستفادة القصوى للبلدان الأعضاء والاقتصاد العالمي من استخدام حقوق السحب يتطلب أن تكون قرارات الاستخدام حكيمة ومرتكزة على قدر كافٍ من المعلومات.

وسيضع صندوق النقد الدولي في إطار دعم البلدان الأعضاء إطاراً لتقييم الانعكاسات الاقتصادية الكلية لتوزيع المخصصات الجديدة، وكيفية معاملتها إحصائياً وإخضاعها للحوكمة الرشيدة، وتأثيرها المحتمل في بقاء الدين في حدود مستدامة، ولكن في ظل الظروف المالية الحرجة التي تمر بها تونس، قد تلجأ إلى ضخ جزء من قيمة المخصصات لحقوق السحب من الصندوق في الموازنة العامة وتحويل جزء منها لتأمين أجور الموظفين.

واعتبر محسن حسن، المحلل الاقتصادي، وزير التجارة السابق، أن المبلغ الذي ستحصل عليه البلاد سيوفر سيولة إضافية للاقتصاد الوطني، ويسدّ النقص الحاصل في الاحتياطي من النقد الأجنبي، وبالتالي سيحدّ من اللجوء إلى الدين الداخلي، وأيضاً الخارجي، ولفت إلى أن هذا الدعم سيساعد، ولو بصفة غير مباشرة، على سداد ما تبقى من خدمة الدين للسنة الحالية وسيقلّص من حدة الضغوطات التي تواجهها المالية العمومية بخاصة في هذا الظرف الصعب اقتصادياً وسياسياً.

تحذير من الوقوع في السيناريو اللبناني

وعما إذا سيتم اللجوء إلى الاحتياطي من النقد الأجنبي لتأمين أجور الموظفين في الفترة المقبلة، لم ينفِ رضا الشكندالي هذه الفرضية، لكنه حذر من استنزاف النقد الأجنبي تأمين الرواتب على حساب هذا المخزون الاستراتيجي من النقد الأجنبي الذي تحتاج إليه البلاد لمسائل أكثر حيوية، على غرار اقتناء المواد الأساسية الغذائية والدواء والمحروقات.

وحذّر من إمكان وصول تونس إلى السيناريو اللبناني، داعياً رئيس الجمهورية إلى الإسراع في تعيين رئيس حكومة جديد قادر على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وبخاصة رسم معالم خارطة طريق اقتصادية من شأنها في الأقل المساهمة في استقرار البلاد.

اقرأ المزيد