Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأميركيون والأفغان في حيرة من قرار الانسحاب الفوضوي

تصريحات بايدن محل انتقاد الرأي العام ومخاوف من عودة "طالبان" وموجات الهجرة العاتية المرتقبة في البلاد

سيطرة طالبان على أفغانستان تجير الأفغان على الفرار إلى الحدود  (أ ف ب)

"لا أعرف الكثير عن أفغانستان، لكن أؤيد تماماً إعادة أي جندي أميركي موجود خارج أميركا إلى البلاد"، "ما كان لبلادنا التدخل في هذا البلد البعيد الذي لا يمت لنا بصلة لولا تدخل الاتحاد السوفياتي وبعدها ما تعرضنا له في 11 سبتمبر (أيلول)، كان علينا إنجاز المهمة في المرتين والعودة فوراً، السنوات الطويلة كانت إهداراً لأرواح جنودنا ومواردنا"، "ضلوع جنودنا في بلدان عدة حول العالم أمر حتمي لأسباب أمنية واستراتيجية، نحن دولة عظمى والدول العظمى لا تجلس هكذا بعيداً تاركة شؤون العالم يديرها غيرها"، "لم أسمع عن هذه الأفغانستان طيلة حياتي"، "كنت أظن أفغانستان مكاناً خيالياً في رواية خالد حسيني "عداء الطائرة الورقية"،

صاحب "عداء الطائرة الورقية" الطبيب والروائي الأفغاني - الأميركي خالد حسيني هو نجم الشاشات والصفحات والتدوينات الأميركية هذه الآونة، من بيته الحالي في شمال كاليفورنيا يظهر مرات عدة في اليوم الواحد في مداخلات ويدلي بتصريحات عن أفغانستان وما ألم بها أميركياً، حسيني يتمتع بشهرة فائقة في الولايات المتحدة، لا سيما بين محبي القراءة، وبشكل أكبر بين الشباب وطلاب الجامعات، وحتى ظهور الوباء، كان دائماً يحل ضيفاً في جامعة هنا أو هناك يتحدث عن كتاباته، لا سيما روايته التي تدغدغ المشاعر الإنسانية.

معلومات موسمية

يقول بريان هوايت (58 عاماً) وهو موظف استقبال في فندق في أورلاندو في ولاية فلوريدا، إنه تابع القليل عما يجري في أفغانستان أربع مرات طوال حياته، الأولى وقت الوجود السوفياتي هناك في أواخر السبعينيات والثمانينيات، والثانية لدى التدخل الأميركي العسكري عقب ضربات 11 سبتمبر 2001، والثالثة لدى صدور كتاب "عداء الطائرة الورقية"، والرابعة هذه الآونة.

ويقر هوايت أن أفغانستان لا تنغص حياته، أو بمعنى آخر، "هي واحدة من تلك الدول البعيدة جداً جغرافياً وثقافياً عن اهتمامنا نحن الأميركيين، على الرغم من أهميتها على أصعدة السياسة والأمن ومصالح النفط، لذلك لا أستطيع تكوين موقف أو رأي محدد في شأن ما يجري هناك، ولكن أحب أن أرى جنود بلادي يعودون إليها بعد كل هذه السنوات، وأفضل أن تذهب هذه الأموال المهدرة هناك إلى النظام الصحي والطرق والشرطة والنظام القضائي، ويبدو أن الانسحاب تم من هناك بطريقة عشوائية قد تؤدي إلى مشكلات أكبر كما فهمت من نشرات الأخبار".

نشرات الأخبار على أغلب الشاشات الأميركية وما يتخللها ويعقبها من فقرات تحليلية وتفسيرية لما يجري في أفغانستان مرآة للوضع الفوضوي في أفغانستان، الجميع في حيرة من أمرهم، والمواقف يصعب تحديدها، حتى فهم ما يجري يتأرجح تارة بين محاولة فهم ما يقوله الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، ومحاولة تحليل ما اتخذه نظيره السابق ترمب من خطوات، وما أدلى به الرئيس الأسبق بوش من تصريحات في شأن أفغانستان.

التباس وتأرجح

موقف الأميركيين مما يجري في أفغانستان لا يقل التباساً وتأرجحاً وغموضاً من مجريات الأمور نفسها، فالمعروف أن الرأي العام الأميركي في ما يختص بسياسات بلادهم الخارجية متقلب، وكثيراً ما يكون مناقضاً لنفسه، من فيتنام إلى الكويت والعراق، ومنهما إلى ليبيا والسودان والبوسنة وباكستان وهايتي والصومال، وأخيراً أفغانستان تتأرجح مواقف الأميركيين في شأن الأدوار التي تلعبها إدارة بلادهم خارج حدودها متأثرة بالإعلام أو بمواقفهم المسبقة من الرئيس وإدارته أو بأهواء أو ذكريات أو معرفة شخصية بالدولة المتدخل فيها، وفي أحوال كثيرة يؤثر بعضهم السلامة النفسية وترك زمام الأمور في يد الرئيس المنتخب وإدارته الحاكمة بغض النظر عن مدى حكمتها.

الحكمة من الانسحاب الأميركي من أفغانستان بعد عقدين كاملين من الزمان وبهذه الطريقة التي يبدو أنها ستفجر العديد من القنابل غير واضحة بعد، فبدءاً بعودة ساطعة لحكم "طالبان"، ومروراً بهرولة دول عدة لمراجعة مواقفها ومواقعها تجاه أفغانستان، وانتهاء بموجات هجرة ولجوء عاتية متوقعة تدور دوائر لا يبدو أنها ستتوقف قريباً.

وبحسب موقع "ثري فيفتي إيت" (358) الأميركي المعني بإجراء استطلاعات الرأي وقياسات الرأي العام للأحداث الجارية، فإن 25 في المئة من الناخبين الأميركيين رأوا أن الانسحاب الأميركي يجري بطريقة جيدة، وقال 57 في المئة إنهم إما يرونه غير جيد إلى حد ما أو غير جيد تماماً، وذكر 43 في المئة أنهم يعتقدون أن الرئيس بايدن عبر تعامله مع الوضع في أفغانستان وقرار الانسحاب وتوقيته ووتيرته يتحمل مسؤولية ما يجري أكثر من الكونغرس وكذلك من الرؤساء الثلاثة السابقين.

وبحسب استطلاع لـ "إيبسوس" (شركة عالمية لبحوث السوق) بالتعاون مع "رويترز" أجري الشهر الحالي، تم عمل مقارنة بين تقييم الأميركيين لمواقف الرؤساء الثلاثة في ما يختص بأفغانستان إضافة إلى بايدن، وجاءت النتيجة كالتالي، قال 44 في المئة إن إدارة بايدن أبلت بلاء حسناً، فيما قال 42 في المئة أن الأداء سيء، وجاء تقويم جورج بوش 47 في المئة جيد و39 في المئة سيئ، وباراك أوباما 51 في المئة جيد و38 في المئة سيء، ودونالد ترمب 51 في المئة جيد و36 في المئة سيء، وتقارب النسب المئوية في التقويمات بين التأييد والمعارضة عادة ما يعكس إما انقساماً أو نقصاً للمعلومات والإلمام بالأبعاد أو كليهما، ويبدو أن الأخير هو سمة الوضع الراهن.

تأييد الانسحاب... أي انسحاب؟

وتلفت "ثري فيفتي إيت" إلى أن شكل السؤال المطروح على المشاركين في الاستطلاعات يحدث فرقاً كبيراً في الإجابات، فمثلاً سؤال "هل تؤيد الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟" تختلف نتائجه تماماً عن "هل تؤيد الطريقة التي تم بها الانسحاب الأميركي من أفغانستان؟" وهذا تحديداً ما تقوله سينثيا ستيورات (40 عاماً) وهي موظفة في جامعة أميركية، إذ تشير إلى أنها تحب المشاركة في استطلاعات الرأي التي تجرى على الإنترنت والاطلاع على نتائجها لأنها تساعدها في فهم ما يجري حولها أكثر. تقول، "أؤيد عودة أي جندي أميركي خارج البلاد إلا للضرورة القصوى، لكن العودة الفوضوية ربما تؤدي إلى كوارث أكبر، لذلك إذا سُئلت هل أؤيد فكرة الانسحاب فإجابتي تكون نعم بكل تأكيد، أما إن سُئلت عن رأيي في طريقة الانسحاب فسأقول سيئة بكل تأكيد".

والتأكيد على أن ما يجري حالياً في أفغانستان سيكون له صدى بشكل أو بآخر في الداخل الأميركي لم يعد في حاجة إلى براهين، مئات وربما آلاف المناشدات بالتبرعات تنطلق هذه الآونة في أرجاء الولايات المتحدة، حيث يقول أحد إعلانات التبرعات، "الصراع المرشح للتفاقم في أفغانستان سيهدد آلاف البشر هناك، 54 دولاراً توفر أربع خيام، و73 دولاراً تطعم 83 طفلاً، و138 دولاراً توفر رعاية صحية لستة أطفال، و500 دولار توفر عيادة متنقلة، تبرع الآن".

والقول إن الأميركيين يتكالبون من أجل التبرع لمصلحة المواطنين الأفغان أبعد ما يكون عن الوضع الراهن، فعلى الرغم من التحسن الطارئ في اقتصاد البلاد خلال الربيع الماضي حين أتاحت حملات التطعيم ضد "كوفيد-19" الموسعة إعادة فتح المطاعم والمحال وأماكن العمل، إلا أن الاقتصاد لم يكتف بعدم عودته إلى ما كان عليه قبل الجائحة، بل تلوح متحورة "دلتا" في الأفق مهددة بمزيد من التعثر.

المواطن المتعثر

وبينما المواطن المتعثر يحاول لملمة موازنته الشخصية وترقب ما هو قادم، تكتفي الغالبية لحين إشعار آخر بمتابعة الموقف عن بعد أو كثب بحسب موقع شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر، وحتى "مؤسسة خالد الحسيني" الخيرية التي يرد ذكرها كثيراً هذه الآونة ضمن فقرات إخبارية وسياسية في برامج أميركية تستضيفه للحديث عن الوضع في أفغانستان تبقى بعيدة من الهرولة من أجل فعل الخير، وعلامات التفاؤل بما هو قادم في أفغانستان لا تظهر في تصريحات الحسيني الذي خرج إلى العالمية بـ "عداء الطائرة الورقية".

المؤلف الذي أعاد قدراً من الأمل عبر روايته الشهيرة عام 2003 وقت صدورها، حيث حديث عما جرى من خراب ودمار مادي وفكري وحياتي في أفغانستان بسبب حكم "طالبان"، وتمثل الأمل في الحلم الأميركي حيث الهجرة واللجوء وإعادة بناء حياة جديدة في أميركا، يعود هذه الأيام ويسحب "الأمل"، وعلى ما يبدو، فإن "أمل" الحسيني في تخلص بلاده تماماً من قبضة الإرهاب والرجعية وحكم العصور الوسطى آخذ في التضاؤل تماماً في ضوء ما يجري على الأرض بأفغانستان، ويبدو كذلك أن نموذج نجاح الحسيني يعاود طرح نفسه بقوة أيضاً، حيث أمل النجاة الوحيد للأفغان متعلق بذيل طائرة أو جناحها.

سقط من الطائرة

خبر وفاة لاعب كرة أفغاني شاب هو زكي أنواري (19 عاماً) عقب سقوطه من طائرة أميركية كانت تحاول الإقلاع من مطار كابول ظل الخبر الأكثر قراءة وتعليقاً في أميركا على مدى أيام، لكنه أيضاً الخبر الأكثر دلالة واستشرافاً للمستقبل القريب للمعضلة الأفغانية الحالية، ولسان حال البعض في الولايات المتحدة يشير إلى ضرورة تأجيل محاسبة "المسؤول" عن "فشل التدخل الأميركي في أفغانستان على مدار عقدين"، وكذلك عن "الإدارة بالغة السوء والعشوائية لعملية الانسحاب" و"وجود آلاف الأميركيين غير القادرين على ترك أفغانستان من دون أخذ وضعهم في الحسبان قبل الانسحاب"، و"عدم تنبؤ الإدارة الأميركية الحالية بما ستؤول إليه عملية الانسحاب وفرض هيمنة طالبان بعدها بساعات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كثيرون من بين الفئة المتابعة نسبياً للسياسة الخارجية الأميركية يضعون الأولوية الحالية لإعادة الأميركيين العالقين هناك أولاً، وبعد التأكد من عودتهم سالمين يمكن النظر في وضع الأفغان الذين خاطروا بحياتهم وسلامة أسرهم بالتعاون مع الأميركيين هناك بعد وعود لهم من أميركا بالأمان، أما بقية الأفغان العاديين، فغير وارد ذكرهم بشكل واضح أو مباشر.

أزمة إنسانية

الوضوح في موقف الأميركيين تجاه "الأزمة الإنسانية" التي نشأت بسبب بسط "طالبان" سيطرتها أثناء سويعات الانسحاب الأميركي تتضح من استطلاع رأي "إيبسوس" و"رويترز" قبل أيام، تشير النتائج إلى أن 73 في المئة تؤيد إجلاء الأفغان الذين خاطروا بحياتهم بمساعدة القوات الأميركية أثناء سنوات وجودهم في أفغانستان، ويعارض فكرة المساعدة 16 في المئة فقط، وعلى الرغم من عدم وجود استطلاعات للرأي حول موقف الأميركيين من استقبال لاجئين أفغان عاديين ممن يحاولون الهرب من قبضة طالبان، فإنه من المرجح أن تعارض أغلبية المؤيدين للحزب الجمهوري المعروف بموقفه الرافض للهجرة والمهاجرين استقبال مهاجرين أفغان، سواء ممن ساعدوا القوات الأميركية أو ممن عانوا ثلاث مرارات، مرّ طالبان والقوات الأميركية وانسحابها، وبالطبع تلوح في الأفق أمارات حرب شرسة بين مؤيدي ترمب الذين يضعون شارات "جعل أميركا عظيمة مجدداً" على سبيل الاعتراض على فوز بايدن ومعارضيه.

هذه المرة أرض حلبة المصارعة هي اللاجئون الأفغان المتوقعون، وتنتشر في الأجواء عبارات مثل "في البداية نغزو ثم يتم غزونا"، في إشارة إلى الغزو العسكري الأميركي الذي كثيراً ما يعقبه لجوء شعبي للدولة التي تم غزوها، أو "احترسوا من ميركل الأميركي" حيث تشبيه ما ستؤدي إليه سياسات بايدن من فتح أبواب الهجرة واللجوء كما فعلت سياسات ميركل تجاه اللاجئين السوريين، و"أعيدوا الأميركيين إلى بلادهم وليس الأفغان إلى بلادنا".

بلادنا وبلادهم

بلاد العالم تابعت بكثير من الدهشة وقليل من الفهم كلمات بايدن حين قال إن انهيار الحكومة الأفغانية وسيطرة حركة طالبان حدثت أسرع مما توقعت الحكومة الأميركية، وأن مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان لم تكن بناء دولة أو خلق ديمقراطية مركزية، لكن الكلمات مازالت محور حوارات وسجالات على مواقع التواصل الاجتماعي لمستخدمين أميركيين وضمن تعليقاتهم على تغريدات وتدوينات، فالبعض يطالب بتفسير لما قاله الرئيس الأميركي، والآخر يقول إن كلمات بايدن لا تعني فقط سقوطاً جديداً لسايغون (في إشارة إلى الإخفاق الأميركي في حرب فيتنام) بل تضاف إليها ثورة إيرانية جديدة في العالم ولكن في أفغانستان، وآخرون عمدوا إلى السخرية حيث مقترحات بأن تتوقف الطائرات العائدة من أفغانستان عند "باسكين روبنز" لشراء آيس كريم وفشار، لا سيما وأن الرحلة لم تكن مخططة سلفاً.

والملاحظ أيضاً أن المؤيدين للرئيس بايدن لا يجدون كثيراً من الكلام أو الحجج أو التفسيرات المؤيدة لـ "خطة" الانسحاب، وكذلك التعامل مع النتائج التي يصعب توقعها.

من أصل أفغاني

من جهة أخرى، مازال الأميركيون من أصل أفغاني غير قادرين على الخروج بموقف موحد أو خطة واضحة المعالم للتعامل مع الموقف، وعذرهم في ذلك أن الموقف في حد ذاته أبعد ما يكون عن الوضوح، فنحو 300 ألف أميركي من أصل أفغاني يعيشون في أرجاء عدة في الولايات المتحدة وينتمون لثقافات وعرقيات مختلفة، ولكن أغلبهم مسلمون، ويلاحظ أن النساء الأفغانيات في أميركا هن الأنشط والأعلى صوتاً، وعدد كبير منهن مصنف كناشطات وداعمات لحقوق الإنسان، وكان عدد منهن قد بدأ في العمل بين أفغانستان وأميركا لمساعدة النساء والفتيات في إعادة بناء حياتهن أعقاب انتهاء حكم "طالبان"، حيث مشاريع صغيرة وتدريب وتعليم وغيرها، لكن أتى الانسحاب الأميركي بما تشتهي "طالبان"، وبما أصاب الجميع بدوار الصدمة والمفاجأة.

المزيد من تحقيقات ومطولات