Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوضع في أفغانستان معقد للغاية وعلينا وضع ذلك في الحسبان

لدي هواجس حيال طريقة التوظيف العاطفي لمعاناة النساء والفتيات (وهو أمر غير محسوم) بعد الخروج المتسارع  للقوات الأميركية لإضفاء نوع من التشكيك على جدوى هذا الانسحاب 

التركيز الضيق على معاناة النساء الأفغان وحده، من شأنه أن يخفي مظاهر أخرى من عدم المساواة (غيتي)

بعد ما اجتاحت حركة "طالبان" أفغانستان واستولت على السلطة هناك، برزت قضية واحدة في الرد الغربي على ما جرى. ماذا سيكون عليه مصير النساء والفتيات، كل إنجازاتهم، كل الأحلام التي شجعن على حلمها [السعي وراء تحقيقها]؟ إلا أن ذلك لم يطرح يوماً في شكل سؤال. فلطالما برزت هذه المسألة في سلسلة من التأكيدات الغاضبة المتداخلة وأحياناً المتباكية.

فتطلعات الفتيات (وطموحهن) قد جرى تحطيمها. لقد خانهن [تخلى عنهن] الغرب والولايات المتحدة الأميركية وجو بايدن. الأمر أشبه بالعودة بهن إلى عزلة تشبه الحياة في العصور الوسطى. المقاتلون المسلحون سيذهبون من دار إلى دار ليختطفوا فتيات في الثانية عشرة من العمر أو أرامل من أجل اغتصابهن، أو تزويجهن قسرياً. النساء ممن كن يعملن سيجري طردهن وإرغامهن على البقاء في المنزل. ممثلات الشعب في البرلمان، والمحاميات، والأطباء، والمعلمات، والقضاة منهن سيتم إنهاء خدماتهن بشكل تعسفي، كما ستغلق أبواب مدارس الفتيات. وسيتم كم أفواه النشطاء بأي طريقة عنيفة متاحة. كل التقدم الذي أُحرز على مدى الأعوام العشرين الماضية سيذهب هباء. فإذا كان هناك من مستحق لمقعد على طائرات الإجلاء (من أفغانستان)، تقول الرسالة، فكان الأفضل إجلاء النساء والفتيات أولاً.

خلال مؤتمر صحافي  عقده أمين عام حلف الأطلسي، يانس ستولتنبيرغ Jens Stoltenberg- طرحت سيدة- سؤالاً وهي تجهش بالبكاء كيف ينوي الحلف دعم المرأة الأفغانية. في المملكة المتحدة، أُطلقت عريضة مطالبة بتدخل بريطانيا لإنقاذ الأفغانيات حيث فشل الآخرون. "إننا نشهد فصلاً حياً [من السلسلة التلفزيونية] "حكاية خادمة" Handsmaid’s Tale  شارك في كتابته المجتمع الغربي" بحسب ما قالته الترجمة على الشاشة، "نحن على وشك رؤية جيل كامل من النساء الأفغان (تنتزع حقوقهن) وتجبرن على الانكفاء في عبودية حديثة [معاصرة]".

وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بالصور الملهمة– من لاعبات "كريكيت" cricket  من فتيات المنتخب الوطني الموعودات بمستقبل كلاعبات محترفات، إلى صور أول أوركسترا موسيقية مؤلفة فقط من النساء: "انظروا إلى تلك الوجوه النسائية الشابة... وارتجفوا خوفاً بسبب المصير الذي ينتظرهن" بحسب ما يقول النص المرافق للصورة. أما هنا فلدينا صورة أول امرأة تشغل منصب عمدة مدينة كابول وتبلغ من العمر 27 عاماً وهي تقول: "أنا أنتظر طالبان... كي يصلوا لقتلي". وظفيرة غفاري تدرك ما تقول، بعد ما كانت هدفاً لعدة محاولات لاغتيالها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عند هذه النقطة دعوني أقول شيئاً ليسجله التاريخ. فأنا لا أنحني لأي كان في مسألة احترامي للنساء اللاتي وقفن للدفاع عن حقوقهن في أفغانستان: تلك المدافعات عن حقوق المرأة وحق الفتيات في التعليم، والنساء الشجعان اللاتي خضن غمار الترشح في الانتخابات كنائبات في برلمان مصيره الزوال، والنساء اللاتي تعلمن وتخرجن بشهادات مهنية وأسهمن في (تحسين) المجتمع الذي يعشن في أوساطه، والأمهات اللاتي اجتهدن كي تسنح الفرصة بذهاب بناتهن إلى المدرسة. أنا لست متوهمة بخصوص حجم الصعوبات والأسوأ الذي قد يواجههن لو بقيت تلك النسوة في بلد تحكمه حركة "طالبان".

التقارير بدأت تظهر، والتي تقول إن النساء في مدن الأقاليم البعيدة منعن من مزاولة أعمالهن وتم إرسالهن إلى بيوتهن بقوة السلاح (كما جرى في قندهار)، أو أُعلمن بضرورة أن يعدن إلى منازلهن وإرسال من ينوب عنهن من أقاربهن من الذكور (كما جرى في هراة). هذه الأمثلة القليلة حتى الآن ربما تشكل أو لا تشكل- الحال الذي ستستقر عليه الأمور لاحقاً. ولكن من يستطيع أن يثق في تطمينات تطلقها حركة "طالبان" بأنها تغيرت عما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي؟

وبعد، لدي هواجس حيال الطريقة في توظيف معاناة النساء والفتيات (وهو أمر ما زال غير محسوم) بعد الخروج المتسارع  للقوات الأميركية، وكذلك أتساءل عن كيفية استخدام أسوأ السيناريوهات على نحو عاطفي ومبتذل، ليس فقط من قبل النساء الناشطات في مجال حقوق الإنسان، بل أيضاً من قبل سياسيين غربيين من مختلف الانتماءات، لإضفاء نوع من التشكيك حول جدوى هذا الانسحاب. 

مسألة طرحهم هذه القضية، يدفعها في رأيي، ليس فقط أنها قضية فعلية تستحق الاهتمام، بل كذلك لأنه ينظر إليها بأنها الطريقة المجدية التي يمكن عبرها استجداء عطف المتلقي الغربي، وطريقة فعالة لجمع التبرعات، والتأثير من أجل الحصول على حجم تمويل أكبر في المجال الإغاثي، وفتح المجال للحصول على مزيد من تأشيرات (للخروج من أفغانستان) حتى الذهاب إلى تلطيخ سمعة أي كان ممن أيد عملية الانسحاب التي نفذها "الرئيس بايدن".

إن الفشل في رسم صورة مروعة إلى حد كاف عن مستقبل الفتيات في أفغانستان- خصوصاً من قبل النساء- كي يتم اتهامكم ليس فقط بأنكم خذلتم شقيقاتكم الأفغانيات، بل إنكم تحكمون عليهن بموت فظيع لن يتأخر.

التركيز الضيق على معاناة النساء الأفغان وحده، من شأنه أن يخفي مظاهر أخرى من عدم المساواة كانت سائدة في ظل النظام الذي تمت إطاحته، كما ستبقى حال عدم المساواة هذه في ظل حكم "طالبان". فكم سمعنا مثلاً عن مستويات الفساد التي قلصت وقوضت فرص نجاح جهود الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لبناء جيش أفغاني ونظام سياسي موثوق.

كم سمعنا عن عمليات اختلاس أموال مخصصة لعمليات الإغاثة، وكم سمعنا عن مدى انحسار حكم الشريعة في أفغانستان وما تضمنه ذلك من [إلغاء عقوبات] كقطع الأطراف والرجم بالحجارة، وأيضاً من شأن ما سبق أن يترك انطباعاً وكأن أفغانستان فريدة في العالم في طريقة معاملتها للنساء، وهو ما لا يعكس الواقع بالطبع. فليس عليكم السفر بعيداً جداً عن العاصمة كابول كي تجدوا دولاً تعامل فيها المرأة تماماً كما يُعاملن في ظل حكم "طالبان" وربما على نحو أسوأ أيضاً.

بالنسبة إلي، فأنا واحدة من الأشخاص الذين يتحفظون عن المغالاة في الدعوة لنصرة حقوق المرأة، أو حقوق الآخرين، خصوصاً في دول لا تشبه دولنا [من طينة أخرى]. أنا لا مانع لدي من الترويج لإرسال الفتيات إلى المدرسة والجامعة، وأن تلعب النسوة دورهن كاملاً في المجتمع والحياة الوطنية. ولكن ذلك متوقف على النساء في هذه الدول، وأن تنبثق الحاجة من عندهن في البدء. عليهن أن يكن على رأس الحملات للمطالبة بحقوقهن وأن يكن مستعدات للدفاع عن هذا الحق لأن المعوقات التي تواجههن لا تندرج تأتي فقط من كونهن نساء، بل من البنية الاجتماعية والثقافية في تلك الدول ككل. وعلى الرجال أن يتغيروا [يغيروا بما في أنفسهم] تماماً كالنساء.

قبل حوالى عشرين عاماً، وفيما كانت القوات التي تدعمها الولايات المتحدة تحكم قبضتها على كابول لإنهاء آخر مظاهر حكم "طالبان"، رفعت السيدتان الأُول في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة لورا بوش وشيري بلير قضية دعم (حقوق) المرأة الأفغانية. وكان الموضوع الطاغي في حينه على المداولات، هو مسألة عدم عدالة [الإجحاف في فرض] ارتداء البرقع كمثال على خضوع المرأة وضعفها. والدعوة الرئيسة لتلك الحملات كانت تسعى إلى منع ارتداء البرقع.  

لقد وجدت ذلك الأمر صعب الهضم في حينه، ولدي صعوبة في قبول دعوات مماثلة اليوم، حتى مع إمكانية أن نشهد تدهور وضع المرأة في أفغانستان وعودتها إلى الوراء. التركيز فقط على تحرير المرأة من البرقع أو الحجاب لا يؤدي إلى تحرير النساء– ففي بعض المناطق القروية المحافظة في ذلك البلد من شأن ذلك أن يشكل خطراً على حياتهن. في مقال كتبته في ذلك الزمن قلت: "إن حرق البرقع لن يؤدي بشكل آلي، إلى منح المرأة حقوقها حيث هذه الحقوق غير موجودة [في الأساس]. فالمرأة يمكن أن تكون بلا تأثير سواء كانت ترتدي حجاباً أو إن كانت سافرة [لا ترتديه]. وفي مجتمعات يسيطر عليها بشكل واضح الرجال ستكون المرأة أكثر ضعفاً". هذه الحقائق لم تتغير كما لم يتغير موقفي.

نعم هناك نساء متعلمات وتشغلن وظائف، وفتيات ترتدن المدارس في أفغانستان اليوم بأعداد أكبر مقارنة بالماضي. لكن الجزء الأكبر من البلاد يحكمها طابع ذكوري ومحافظ – لاحظ سرعة تقدم "طالبان" كدليل على ضعف الجذور التي زرعها الغرب لإرساء قيم حضارية. تذكر أيضاً ما سيكون أثر الدعوات التي أطلقتها المملكة المتحدة والولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي على الرجال والأطفال في أفغانستان. حيث ستؤكد تلك الدعوات الشكوك القائمة بأن أميركا وحلفاءها هما قوة تخريب تسعى لتحطيم الأسس [التقاليد] الاجتماعية هناك.

الحقيقة أنه لن تكفي أي نسبة من المواعظ الواردة من الخارج في تغيير كيفية معاملة المرأة في أفغانستان. فأساس الحكم القاسي الذي قد تنتهجه حركة "طالبان" نظرياً، من شأنه تأهيل كل امرأة أفغانية– وهن 19 مليوناً- للحصول على تأشيرة خروج-  وهذا بالطبع غير منطقي. ولكن لو كتب للتغيرات الإيجابية التي حدثت أن تصمد وتنتشر فإن دعم بقائها يجب أن يأتي من داخل البلاد ومن تمسك الأفغان أنفسهم بها.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء