Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مشاركة خجولة للعراق في أولمبياد طوكيو 2020

ظهر وكأنه بلد لا يعرف من الرياضة غير التجذيف والرماية والعدو

افتتحت دورة أولمبياد طوكيو 2020 في 23 يوليو بمشاركة 11 ألف رياضي (أ ف ب)

تتطلع الشعوب إلى أن تشاهَد مواهبها الرياضية على منصات التتويج في الأولمبياد... فالسعي للحصول على الميداليات وتحقيق أرقام قياسية تخطط لهما الاتحادات الرياضية. وافتتحت دورة أولمبياد طوكيو 2020 في 23 يوليو (تموز) الحالي بمشاركة 11 ألف رياضي يمثلون 207 دول في 33 رياضة متنوعة لـ 339 فعالية. ومع متابعة حفل الافتتاح وانتظار ظهور العلم العراقي ليعلن مشاركة بغداد في الأولمبياد، تفاجأ الجميع بأن من يقف تحت سارية العلم هم ثلاثة رياضيين فقط: الرامية فاطمة عباس والجذاف محمد رياض والعداء طه ياسين، هؤلاء هم من يمثّلون العراق في دورة أولمبياد طوكيو ليكون هذا التمثيل كما وصفه أهل الرياضة بـ"أفقر بعثة في تاريخ العراق الرياضي". تلك المشاركة الخجولة طرحت الكثير من التساؤلات، فهل خلت البلاد من رياضيين في مجالات أخرى؟ وأين الاتحادات الرياضية الأخرى؟ وما قيمة البطولات المحلية والآسيوية التي يشارك فيها العراق إن لم تقدّم أبطالاً قادرين على المنافسة في الأولمبياد؟

الرياضة ليست بعيدة من المحاصصة

لم تكُن الرياضة بعيدة من تداعيات المناخ السياسي والأمني الذي أحاط بالعراق لأعوام طويلة، فهي تعاني حالها حال القطاعات الأخرى من غياب التنظيم وإقصاء الكفاءات الرياضية بسبب المحاصصة في تولي المناصب، كما أدت الانقسامات بين اللجنة الأولمبية ووزارة الشباب بعد 2003، إلى صعوبة خلق استراتيجية واضحة المعالم تسهم في إصلاح الاتحادات الرياضية. ولم تنجح الرياضة في العراق على الرغم من وجود مواهب متنوعة، في إضافة ميدالية لسجل البلاد الرياضي بعد برونزية الربّاع عبد الواحد عزيز في روما عام 1960.

ويوضح سعد المشهداني، رئيس الاتحاد العراقي للقوس والسهم والأمين العام للاتحاد العربي للقوس والسهم، أن الرياضة الوطنية تمرّ بأزمة كبيرة منذ 2019، تحديداً بعد قرار وزارة الشباب والرياضة بإيقاف عمل اللجنة الأولمبية وتجميد أموالها، الأمر الذي أدى إلى إيقاف النشاطات الرياضية والتخصيصات المالية، وأسفرت الصراعات بين اللجنة والوزارة حول أحقية الحصول على الأموال، عن تراجع كبير في الأنشطة الرياضية ومستواها.

تمويل لجيوب الفاسدين

وفي إطار آخر، يوضح مدرب ألعاب القوى مؤيد الجنابي أن الرياضية في العراق ارتبطت بالفساد السياسي وتسلّطت الأحزاب على هذا القطاع. ويعتبر أن مشكلة الرياضة في البلاد تكمن في اعتمادها "على المتدربين وليس المدربين، وتعاني من الفساد المالي والإداري، وتنتشر فيها ظاهرة تزوير الأعمار، كل هذا أدى إلى موت الرياضة العراقية سريرياً".

الجنابي يوضح أن العراق صرف المليارات بعد عام 2003 على القطاع، لكهنا ذهبت إلى جيوب الفاسدين، متسائلاً: "هل من المعقول أن تحقق فيتنام وهي الدولة الفقيرة، ميدالية ذهبية، والعراق بوفرة المال المتاح لم يحقق أية ميدالية؟".

غياب الاهتمام بالألعاب الفردية

ويرى الصحافي الرياضي شاكر محمود علوان أن أصحاب الشأن الرياضي لم يولوا الاهتمام للألعاب الفردية، بل انصب اهتمامهم على الألعاب الجماعية مثل كرة القدم. وأكد أن الألعاب الفردية هي ميزان الميداليات الذهبية، قائلاً: "العراق يمتلك مواهب متعددة على صعيد الألعاب الفردية، وإذا أردنا مواكبة الدول علينا أن نضع خبراء وكشافين للألعاب الفردية التي تسهم في تحقيق الإنجازات بأقل تمويل مالي". ويعتبر أن الأفق حالياً مغلق أمام الشباب الموهوبين، فمواهب كثيرة تُهمل وتترك الرياضة، بالتالي يخسر العراق طاقات رياضية عدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويختم علوان أن الطريق إلى الميداليات يبدأ من استقطاب المدربين الأجانب لمدة أربعة أعوام أو أربعة مواسم، لكي يكون العراق قادراً على المنافسة ويحقق الميداليات. وهو الأمر الذي يعتقد أنه صعب مع وجود التناحر بين مسوؤلي الرياضية على الامتيازات التي يمنحها المنصب، مثل السفر والأموال.

مشاركة سياحية

غالبية مشاركات العراق في الأولمبياد جاءت ببطاقات مجانية باستثناء كرة القدم وبعض الألعاب الأخرى التي تمكّنت من تحقيق التأهل المباشر. والبطاقات المجانية تمنحها الاتحادات الدولية لكل لعبة بحسب العدد المطلوب، وتستفيد منها الدول النامية لدعمها ولمنح الفرصة لرياضييها بالتنافس مع المحترفين.

من جهتها، ترى رشا رفعت، رئيسة نادي فتاة أيش الرياضي، وبطلة العراق والعرب بالدراجات سابقاً، أن مشاركة بلادها الخجولة يتحمّلها اللاعب من جهة واللجنة الأولمبية من جهة أخرى. رفعت توضح أن هناك قلة من اللاعبين المثابرين الذين يمكن أن يقدّموا شيئاً لافتاً في الأولمبياد، لكن الدعم غير كافٍ والبرنامج التأهيلي لا يسعفهم، وهي تصف مشاركة العراق في الأولمبياد بـ"المشاركة السياحية"، معلّلة أسبابها بأن هناك عدداً لا يُستهان به من اللاعبين يقضون مسيرتهم الرياضية في منافسات محلية أو عربية في أقصى حدودهم، فطبيعة هذه المشاركات لا تسهم في دفع الرياضيين إلى المشاركات الدولية، أما السبب الآخر، فيعود لإخفاق اللجنة الأولمبية في إعداد بعثة رياضية وطنية بالتنسيق مع الاتحادات تشرّف البلاد بالمستوى والنتائج، وكلها عوامل جعلت مشاركات العراق في الألعاب الأولمبية "أقرب إلى السياحة منها إلى مهمة مهنية تتطلب التميّز والإبهار".

الحل كما يراه أصحاب الشأن الرياضي

لا تخفي رشا رفعت شعورها بفقدان الأمل من إصلاح الرياضة في العراق، إذ توضح أن الخطط والاستراتيجيات لمجابهة هذا الإخفاق "لا تعدو سوى حماسة ووعود على الورق"، وهي ترى أن ما تحتاجه الرياضة في بلدها هو مدرب جيد يفهم خصائص القوة لدى اللاعب، وكيف يطور مستواه، إلى جانب اتحاد قادر على تأمين معسكرات وفقاً لبرنامج المدرب، ولجنة أولمبية تضع في الحسبان انتقاء ثلّة من الأبطال الذين يعوّل عليهم التنافس على المراكز من (1-6) في نهائيات الأولمبياد بتوصية من لجنة خبراء، وحكومة ترصد موازنة كل أربعة أعوام لمشاركة عراقية تليق بسمعة الدولة وتاريخها الرياضي أمام الدول المتنافسة.

حلول جذرية

أما مدرب ألعاب القوى مؤيد الجنابي، فيرى أن الحلول للنهوض بالرياضة لا بد من أن تمضي بأبعد من وضع الخطط والاستراتيجيات، ويقول لا بد من تجميد الرياضة العراقية لمدة أربعة أعوام، والاعتماد على المواهب والأطفال والأشبال، والاستفادة من المليارات المخصصة للقطاع ببناء منشآت خاصة. ويؤكد أن هذا الحل يسهم "في إقصاء الطارئين والفاسدين عن الرياضة العراقية والساعين للاستفادة من المناصب الرياضية من أجل المال والسفر"، فهذا الحل بحسب رأيه، يساعد في إعادة بناء الرياضة لأن الأموال التي بالغالب ما تستقر في جيوب الفاسدين من خلال السفر والمشاركات الرياضية الدولية الخجولة، ستذهب عوضاً عن ذلك لبناء منشآت رياضية لكل الألعاب. كما يشدد على ضرورة دعوة كل الكفاءات التي هُمّشت من العمل في الحقل الرياضي، وتوجيه عقوبات صارمة لمن يثبت تعاطيه المنشطات، على ألا تشمل اللاعب فحسب، بل تتعداه إلى المدرب والاتحاد.

صناعة البطل الأولمبي

ويوضح سعد المشهداني أن صناعة البطل الأولمبي تحتاج إلى دعم من الدولة، وأن لا يقتصر هذا الدعم على الاتحاد أو اللجنة الاولمبية. فاللاعب الموهوب "يحتاج صقل موهبته عن طريق إقامة معسكرات تدريبية وتوفير التجهيزات المناسبة والاستعانة بخبرة المدربين الأجانب"، متسائلاً: "كيف يمكن لاتحاد القوس والسهم مثلاً أن يسهم في خلق البطل الأولمبي، والاتحاد لا يملك مركزاً تدريبياً خاصاً بهذه الرياضة؟".

ويسرد لنا المشهداني كيفية ضياع فرصة لصناعة البطل الأولمبي الخاص برياضة القوس والسهم، ويقول إنه في عام 2019، حصلت اللاعبة العراقية رند سعد على الرقم التأهيلي للأولمبياد، وناشد الاتحاد المعنيين بالشأن الرياضي رعاية هذه اللاعبة وزجّها في معسكرات تدريبية والمشاركة في البطولات التأهيلية لخطف إحدى البطاقات التأهيلية للأولمبياد. لكن كل المناشدات لم تلقَ الاستجابة، بالتالي خسر العراق في إعداد بطل أولمبي لرياضة القوس، إذ كان بإمكان اللاعبة إن تحقق لها الدعم، من المنافسة في الأولمبياد وتحقيق مراكز تليق بالرياضة العراقية.

إنفاق غير مدروس على الرياضة كانت نتائجه إهدار المليارات على بطولات استعدادية، غالبيتها هزيلة ولأغراض ترويحية، لم يتمكن العراق نتيجتها من تحقيق نتائج مرضية، وفي الخلاصة ظهر في أولمبياد طوكيو 2020 وكأنه بلد لا يعرف من الرياضة غير التجذيف والرماية والعدو.

المزيد من رياضة