Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحفاظ على البيئة يضخ مبالغ طائلة في الاقتصاد العالمي

انهيار خدمات النظم الإيكولوجية "المحددة" التي توفرها الطبيعة قد يؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بمقدار 2.7 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030

صدر تقريران عن البنك الدولي والمنظمات البيئية التابعة للأمم المتحدة يتناولان حجم المردود المالي الضخم الذي يمكن أن يوفّره اقتصاد الحفاظ على البيئة (موقع الأمم المتحدة)

باتت المعرفة بأهمية الحفاظ على البيئة والطبيعة والنظم الإيكولوجية كبيرة جداً خلال القرن الـ 20، وانتشرت هذه المعرفة بين الجميع في الحكومات والمؤسسات والشعوب، وظهرت جمعيات الحفاظ على البيئة والمنظمات الدولية العاملة على هذا الموضوع بعدما تعممت المعلومات حول تأثير أفعال الإنسان مباشرة في الطبيعة التي يعيش فيها بشكل سلبي من خلال نشر التلوث بكل أنواعه في البحر والجو والأرض، ومن خلال رفع حرارة الأرض وقطع الغابات وتدمير التوازن في النظم الإيكولوجية، حتى إن بعض المتطرفين البيئيين يعتبرون أن فيروس كورونا نفسه هو تعبير عن "غضب" الطبيعة بسبب عدم التوازن أو التخريب الفائض الذي تتعرّض له، وهذا ما ينطبق على الفيضانات والأعاصير والجفاف وانقراض عدد كبير من الأنواع، وأن ارتفاع حرارة الأرض يعود أيضاً إلى التدمير المتواصل للنظم الإيكولوجية على سطح كوكب الأرض.

الاقتصاد أفضل سبل التوعية

لكن هذا الوعي المتعاظم حول أهمية البيئة في سبيل الحفاظ على وجود البشر أنفسهم، لم يكن كافياً بذاته للانطلاق في معركة مواجهة الدول والشركات الضخمة التي تسهم تلقائياً أثناء تطورها الاقتصادي وتقدمها العلمي في تدمير البيئة، لذا كان لا بدّ من تحويل موضوع الحفاظ على البيئة إلى موضوع اقتصادي يدرّ الأموال على هذه الدول والحكومات والقطاع الخاص أيضاً. وبهذه الطريقة، يصبح الاستثمار في البيئة حاجة وعملاً وصفقات وعقوداً وأموالاً بمليارات الدولارات تُتداول في الحسابات المصرفية العالمية، وتدرّ عوائد مرتفعة على الجميع. وبهذه الطريقة، يخرج موضوع الحفاظ على البيئة من قوقعة النظريات والتمنيات والأيديولوجيا والمجتمع المدني ومنظمات الأمم المتحدة، إلى عالم الاقتصاد المفتوح على كل الاحتمالات، الذي يحقق نتائج ملموسة مباشرة على أرض الواقع.

تقرير البنك الدولي 

في هذا الإطار، صدر تقريران خلال الشهر الحالي عن البنك الدولي، وخلال الأشهر الماضية عن المنظمات البيئية التابعة للأمم المتحدة، وهي مؤسسات مشهود لها عالمياً بصحة تقاريرها وجدّيتها، يتناولان حجم المردود المالي الضخم الذي يمكن أن يوفّره اقتصاد الحفاظ على البيئة.

في التقرير الذي أصدره البنك الدولي في بدايات شهر يوليو (تموز) الحالي بالتعاون مع جامعتي "مينيسوتا" في الولايات المتحدة الأميركية و"بوردو" الفرنسية، جاء أن انهيار خدمات النظم الإيكولوجية "المحددة" التي توفرها الطبيعة، مثل التلقيح البرّي وتوفير الغذاء من مصائد الأسماك البحرية والأخشاب من الغابات المحلية ربما يؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بمقدار 2.7 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030.

وبرأي تقرير البنك الدولي، من الضروري أن تعتمد الاقتصادات بصورة قوية على الطبيعية، لا سيما في البلدان المنخفضة الدخل، على سبيل المثال، فإن منطقة أفريقيا، جنوب الصحراء، ومنطقة جنوب آسيا، ستعانيان من الانكماش النسبي لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي بسبب انهيار خدمات النظم الإيكولوجية بحلول عام 2030 بنسبة 9.7 في المئة و6.5 في المئة سنوياً على التوالي، ويرجع ذلك إلى الاعتماد على المحاصيل الملقحة في جنوب آسيا، والاعتماد في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء على المنتجات الحرجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس في تصريحه عند نشر التقرير أن "الحفاظ على الطبيعة واستدامة خدماتها غاية في الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي، وفي الوقت الذي تسعى البلدان إلى تحقيق التعافي من جائحة كورونا، من المهم أن تعمل التنمية الاقتصادية على تحسين الناتج من ولأجل الطبيعة".

جيوفاني روتا، كبير خبراء الاقتصاد البيئي في البنك الدولي، دعا إلى مزيج من السياسات "تحقق المنافع على قدم المساواة لكل من التنوع البيولوجي والاقتصادات".

تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة

يختصر تصريح أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة في مقدمة تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الصادر في شهر يونيو (حزيران) الماضي، مدى الضرر الذي يلحقه البشر بالبيئة، قائلاً، "من خلال الجمع بين أحدث الأدلة العلمية والتقارير الدولية والنتائج الاقتصادية، يتبيّن أن حربنا على الطبيعة تسببت في تحطم الكوكب".

تقول مقدمة التقرير إن النمو الاقتصادي العالمي أدى إلى تحقيق مكاسب غير متكافئة في الازدهار لسكان العالم الذين يتزايد عددهم بصورة سريعة، ما ترك نحو 1.3 مليار شخص في حالة الفقر، وتضاعف استخراج الموارد الطبيعية ثلاث مرات، ما يستدعي حالة طوارئ كوكبية. وعلى الرغم من الانخفاض المؤقت في الانبعاثات بسبب وباء كورونا والإغلاق العام المتكرر، تتجه الأرض نحو 3 درجات مئوية على الأقل من الاحترار العالمي في هذا القرن، ما سيؤدي إلى تعرّض أكثر من مليون نوع من أنواع النباتات والحيوانات المقدر عددها بـ 8 ملايين نوع لخطر الانقراض بشكل كبير، ويعيق التدهور البيئي التقدم المحرز نحو القضاء على الفقر والجوع.

وبرأي تقرير "حالة التمويل من أجل الطبيعة" أن هناك حاجة إلى استثمار إجمالي في الطبيعة تبلغ قيمته 8.1 تريليون دولار أميركي من الآن وحتى عام 2050، بينما يجب أن يصل الاستثمار السنوي إلى 536 مليار دولار أميركي بحلول عام 2050، من أجل معالجة أزمات المناخ المترابطة وحماية التنوع البيولوجي ووقف تدهور الأراضي والغابات وتلوّث المحيطات والهواء، أي أن الاستثمارات السنوية يجب أن تتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2030 وأن تزيد إلى أربعة أضعاف بحلول عام 2050 من الاستثمارات الحالية التي تبلغ 133 مليار دولار أميركي.

وعلى الرغم من أن الاستثمار في الطبيعة يدعم صحة الإنسان والحيوان والكواكب، ويحسّن نوعية الحياة، ويخلق فرص عمل، إلا أن الطبيعة لا تمثّل حالياً سوى 2.5 في المئة من الإنفاق التحفيزي الاقتصادي المتوقع في أعقاب جائحة كورونا، الأمر الذي سيتطلب مشاركة القطاع الخاص في المخاطر الاقتصادية الناتجة من دعم الاقتصاد البيئي.

جعل الطبيعة قضية تجارية واستثمارية

برأي السيدة إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن خسارة التنوع البيولوجي تؤدي إلى خسارة الاقتصاد العالمي نحو 10 في المئة من إنتاجه كل عام، وإذا لم نموّل الحلول القائمة على الطبيعة بشكل كافٍ، فسنؤثر في قدرات البلدان على إحراز تقدم في مجالات حيوية أخرى مثل التعليم والصحة والتوظيف.

وما يؤكد مخاوفها ومخاوف الأمين العام غوتيريش، وكذلك المسؤولين عن الملف البيئي في منظمات الأمم المتحدة، وجامعة "أكسفورد"، معدّة التقرير، وكذلك مخاوف اقتصاديي البنك الدولي المعنيين بالحلول البيئية، هي الأرقام التي وردت في التقرير، والتي تشير إلى أن الاستثمار السنوي للقطاع الخاص في الحلول القائمة على الطبيعة كان يساوي 18 مليار دولار أميركي عام 2018، ويمثل التمويل الخاص 14 في المئة فقط، أما في ما يتعلق بتمويل المناخ، يمثل استثمار القطاع الخاص معظم تدفقات رأس المال أي 56 في المئة وفقاً لمبادرة سياسة المناخ.

لذا كان لا بدّ من الإضاءة على الأهمية الاقتصادية للحلول البيئية، إذ يمكن للمستثمرين والمطورين والمعنيين ببناء البنية التحتية للسوق والعملاء والمستفيدين لعب أدوار في إنشاء سوق حيث تصل الحلول القائمة على الطبيعة إلى مصادر جديدة للإيرادات، أو تزيد من مرونة الأنشطة التجارية، أو تقلل التكاليف أو تسهم في الدعاية والإعلان وتحقيق سمعة طيبة لتحقيق هذا الهدف.

وجاءت في التقرير ذاته هذه الأرقام المحددة لحجم الاستثمارات في القطاعات البيئية، ومنها أن 341 مليار دولار أو 18 في المئة من الإنفاق العالمي كانت مراعية للبيئة، معظمها تمثل من قبل مجموعة صغيرة من البلدان ذات الدخل المرتفع، فتمّ استثمار 66.1 مليار دولار في الطاقة منخفضة الكربون، ويرجع الفضل في ذلك إلى حدّ كبير إلى الدعم الإسباني والألماني لمشاريع الطاقة المتجددة واستثمارات الهيدروجين والبنية التحتية. وأُعلن عن 86.1 مليار دولار للنقل الأخضر من خلال عمليات نقل وإعانات المركبات الكهربائية والاستثمارات في النقل العام والبنية التحتية لركوب الدراجات والمشي.

وهناك مبلغ 35.2 مليار دولار خُصّص لتحديث المباني الخضراء لزيادة كفاءة الطاقة، ومبلغ 56.3 مليار دولار لرأس المال الطبيعي أو الحلول القائمة على الطبيعة كمبادرات تجديد النظام البيئي وإعادة التحريج، ومبلغ 28.9 مليار دولار في مجال البحث والتطوير الأخضر الذي يشمل تقنيات الطاقة المتجددة وقطاعات إزالة الكربون مثل الطيران والبلاستيك والزراعة وعزل الكربون، فمن دون إحراز تقدم في البحث والتطوير الأخضر، سيتطلّب تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ تغييرات بعيدة المدى في الأسعار ونمط الحياة.

المزيد من بيئة