Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دعوة إلى حماية الطبيعة بدل تدميرها بذريعة الاستفادة منها

السير ديفيد أتينبوره يدعو إلى نهج يعبر عن ارتباط الاقتصاد بالبيئة بصورة وثيقة بهدف حماية النظام الإيكولوجي وإنقاذ أنفسنا

وجه تقرير بريطاني أول في نوعه، دعوة إلى النظام الاقتصادي العالمي، بشأن ضرورة حشد الجهود وإعطاء أهمية لحماية الطبيعة بدلاً من الاستفادة من الممارسات الآيلة إلى تدهورها السريع.

وكذلك اعتبر ذلك التقرير المستقل الذي قاد أبحاثه البروفيسور السير بارثا داسغوبتا أستاذ الاقتصاد في "جامعة كامبريدج"، أن تفاقم أزمة التنوع البيولوجي عالمياً، مرتبط "بفشل مؤسساتي كبير ومتجذر" في إدراك أهمية حماية الطبيعة.

وأضاف التقرير أن "الطبيعة هي أثمن ما لدينا لأنها تمدنا بالغذاء والماء وتؤمن لنا المأوى، وتشكل مساحة للاستجمام والرفاهية، والحماية من الأمراض وآثار أزمة المناخ. في المقابل، ترمي متطلباتنا الراهنة بثقلها على الطبيعة، لأنها تتجاوز بكثير قدرتها [الطبيعة] على إمدادنا بالسلع والخدمات التي نعتمد عليها جميعاً"، بحسب التقرير الذي أعد بتكليف من وزارة الخزانة البريطانية في 2019.

في نفس مماثل، رأى السير ديفيد أتينبوره (مؤرخ للطبيعة اشتهر بسلسلته الوثائقية عن التاريخ الطبيعي على قناة "بي بي سي" البريطانية في العقود الماضية)، الذي وضع مقدمة التقرير، وعنوانه "مراجعة داسغوبتا" (Dasgupta Review)، رأى أن "بقاء عالم الطبيعة وثرواته يعتمد على استمرارية التعقيد الذي تتسم به نظمه، وتنوعه البيولوجي أيضاً. ويتطلب تصحيح الأمور ووضعها في نصابها، أن يكون هناك وعي كامل بطريقة عمل تلك النظم المعقدة. وينطبق الأمر نفسه على الاقتصاد أيضاً".

وأشار أتينبوره إلى أن "هذا التقرير الشامل والمهم للغاية، يبين لنا كيف يمكننا عبر تسليط الضوء على الترابط الوثيق بين الاقتصاد والنظام الإيكولوجي، أن نساعد في إنقاذ عالم الطبيعة، فنعمل بذلك على إنقاذ أنفسنا".

وفي ذلك السياق، لفتت مراجعة البروفيسور داسغوبتا إلى أنه من أجل الحفاظ على المعدلات الراهنة في استخدام العالم الموارد الطبيعية، سنحتاج إلى ما يعادل 1.6 ضعف من التربة المنتجة للنبات على سطح الكرة الأرضية.

ويرى البروفيسور داسغوبتا أن "النمو الاقتصادي المستدام الحقيقي والتنمية، يتطلبان الاعتراف بأن ازدهارنا على المدى البعيد، يعتمد على إعادة التوازن بين الطلب على السلع المستخرجة من الطبيعة والخدمات المعتمدة عليها من جهة، وقدرات الطبيعة على توفيرها لنا من جهة أخرى. ويشمل ذلك أيضاً أن تكون هناك محاسبة كاملة عن تأثير تفاعلاتنا مع الطبيعة، على جميع مستويات المجتمع. فقد أظهر لنا وباء كوفيد - 19 ما يمكن أن يحدث عندما لا نقوم بهذه المحاسبة".

وفي وقت سابق، كشف تقرير بارز نشر في 2019، عن أن نحو مليون نوع من الحيوانات والنباتات أصبحت عرضة في الوقت الراهن لخطر الانقراض، نتيجة التأثير البشري. وتشمل التهديدات التي تواجه الحياة البرية فقدان الموائل الطبيعية، والاتجار غير المشروع بالحياة البرية، وأزمة المناخ التي تفرض ظروفاً معيشية لا تطاق بالنسبة إلى كثير من أجناس الحيوانات.

وفي سياق متصل، نبهت "مراجعة داسغوبتا" إلى أن السلع والخدمات التي توفرها الطبيعة "لا تنعكس قيمتها في أسعار السوق"، الأمر الذي دفع باقتصادات العالم إلى "التقليل من استثماراتها في الأصول الطبيعية". واعتبر التقرير أن "هذا لا يقتصر على فشل السوق، بل يتخطاه ويضحى أيضاً فشلاً مؤسسياً ذريعاً". وأضافت المراجعة نفسها، "تسهم الحكومات في كل مكان تقريباً في تفاقم المشكلة من خلال دفع مزيد من الأموال إلى الناس بهدف استغلال الطبيعة بدلاً من العمل على حمايتها، وكذلك إعطاء الأولوية للأنشطة الاقتصادية غير المستدامة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب التقرير، تشير بعض التقديرات المتحفظة إلى أن دول العالم تنفق سنوياً في الوقت الراهن ما بين 4 و6 تريليونات دولار أميركي (3 إلى 4 تريليونات جنيه استرليني)، على إعانات تضر بالطبيعة.

ويرى أنه لقلب المعادلة وعكس المسار بهدف تجنب التدهور المستمر للتنوع البيولوجي، "يحتاج العالم إلى إدراج مسألة حماية الطبيعة في صلب صنع القرارات الاقتصادية والمالية، على قدم المساواة مع المسائل والقضايا الأخرى المتعلقة بالمباني والآلات والطرق أو المهارات".

ويعتبر التقرير أن هذا يفرض أن تكون لـ"الثروة الشاملة" التي تمثل أحد التدابير التي تعنى بالخدمات التي تنتجها الطبيعة، أولوية على الإجراءات التقليدية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي، كالناتج المحلي الإجمالي.

ويضيف أنه "عبر قياس ثروتنا بطريقة تشمل مختلف الأصول بما فيها الأصول الطبيعية، ستوفر الثروة الشاملة مقياساً واضحاً ومتناسقاً من شأنه أن ينعكس بشكل مباشر على استقرار الأجيال الراهنة والمستقبلية، وعلى رفاهيتهم".

وتوقع التقرير للقمة المقبلة للأمم المتحدة عن التنوع البيولوجي، المعروفة باسم "كوب 15" (Cop15) التي ستنعقد في "كونمينغ" في الصين في مايو (أيار) المقبل، أن تشكل "فرصة مهمة" في تحديد الاتجاه العالمي الجديد بشأن تقييم مسألة التنوع البيولوجي. وكذلك تستطيع قمة المناخ المسماة "كوب 26" (COP26)، التي ستستضيفها المملكة المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني)، أن تمثل أيضاً فرصة لاتخاذ خطوات وتدابير عملية في ذلك الشأن.

في ذلك المنحى، تجدر الإشارة إلى أن بعض أنصار حماية البيئة يعارضون فكرة تحديد سعر للطبيعة، معتبرين أن ذلك يمكن أن يفتح المجال أمام الشركات للمتاجرة بالتنوع البيولوجي بيعاً وشراء.

وفي وقت لاحق، ذكر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي حضر حفل إطلاق تقرير "مراجعة داسغوبتا" الذي تستضيفه "الجمعية الملكية" Royal Society (أكاديمية علمية مستقلة في المملكة المتحدة، تعتبر من بين الأقدم في العالم، وتعمل على تعزيز التميز في العلوم لمصلحة البشرية)، إن "هذه السنة حاسمة من أجل تحديد مدى قدرتنا على وقف منحى التدهور المقلق في التنوع البيولوجي، والعمل على عكس منحاه".

وأضاف جونسون، "أرحب بـ"مراجعة البروفيسور داسغوبتا" التي تظهر بوضوح أن حماية الطبيعة وتحسين مواردها يحتاجان إلى أكثر من النيات الحسنة. إنهما يتطلبان بذل مزيد من الجهود المتناسقة والمتضافرة. وبصفتنا مضيفاً مشاركاً للقمة العالمية عن المناخ "كوب 26" (Cop26)، ورئيساً لـ"مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى" هذه السنة، فسنحرص بشدة على وضع مسألة حماية البيئة في مقدم الأجندة العالمية".

في المقابل، رأت كارولين لوكاس العضو في مجلس العموم البريطاني عن "حزب الخضر"، أن المراجعة "يجدر أن تحدث صدمة في أوساط وزارة الخزانة".

واعتبرت أنه "يمكننا تعزيز التنوع البيولوجي وإرساء مجتمع أفضل للجميع، إذا تخلينا عن المفاهيم القديمة والمدمرة التي ما زالت ترى أن "الاقتصاد منفصل عن البيئة ورفاه الإنسان، وانتقلنا (مؤخراً) إلى مجتمع يركز على صحة الناس ونوعية حياتهم ويعمل على إعادة تجديد موارد الطبيعة. إن ثلثي الناس يعتبرون أنه يتعين على الحكومة أن تركز على الصحة والرفاهية على حساب الناتج المحلي الإجمالي. وتعتبر سنة 2021 التي ستشهد انعقاد قمتين مهمتين [بشأن المناخ] للأمم المتحدة، سنة الحسم للمضي في هذا الاتجاه".

وفي تعليق على "مراجعة داسغوبتا"، رأى السير بوب واتسون الرئيس السابق لـ"المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظم البيئية" Intergovernmental Science-Policy Platform on Biodiversity and Ecosystem Services ، أن "هذا التقرير المهم يبين الدور الحيوي للبيئة في رفاه الإنسان بأجياله الراهنة والمستقبلية".

وأضاف، "في المقابل، لن ندرك هذه الإمكانات، إلا إذا توقفنا عن الإفراط في استغلالها، وتضمين رأس المال الطبيعي في جدول صنع القرارات، والاستثمار في الحفاظ على البيئة وترميم الأضرار التي لحقت بها".

في منحى متصل، اعتبرت جينيفر موريس الرئيسة التنفيذية في "الحفاظ على الطبيعة" Nature Conservancy، وهي منظمة بيئية غير ربحية، أن "ثمة دعوة واضحة توجهها "مراجعة داسغوبتا" إلى قادة العالم مفادها أنه يتوجب علينا معالجة أزمة الطبيعة بالتزامن مع حالة الطوارئ المناخية، وذلك من أجل حماية اقتصاداتنا وسبل عيشنا، ورفاهنا، وأجيال المستقبل".

وخلصت إلى أن "وباء "كوفيد- 19" كشف عن الصدع الكبير الموجود بيننا وبين الطبيعة، لكنه سلط الضوء في المقابل على مدى قوة التعاون العالمي الجذري في معالجة المشكلات المعقدة على وجه السرعة. ولا بد الآن من استخدام هذه الطاقة الجماعية نفسها، بهدف منع وقوع مزيد من أعمال تدمير الطبيعة".

© The Independent

المزيد من بيئة