Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل للأسماء طاقة وتأثير على أصحابها؟

أشخاص سُمّوا نسبة إلى مدن وآلهة من التاريخ أو أجدادهم

يشعر من يحملون أسماء غير مألوفة بتميزهم عن الآخرين (أ ف ب)

كتب جوزيف حرب:

"أسامينا شو تعبوا أهالينا

تلاقوها وشو افتكروا فينا

الأسامي كلام شو خص الكلام

عينينا هني أسامينا...

لملمنا أسامي أسامي عشاق

من كتب منسيي وقصايد عتاق".

لحنها فيلمون وهبي، وغنتها فيروز. وبات كل شخص يلتفت لاسمه أكثر وأكثر. فهل فكرت يوماً باسمك؟ أحببته، أو كرهته؟ هل تمنيت اسماً آخر؟ هل عرضك اسمك للتنمر؟ أم كان مصدر استغراب؟ أو إعجاب أو تندر؟ هل مر مرور الكرام؟ هل يلفظه من حولك بشكل سليم وكما تحب؟ هل ظلمتك التسمية؟ هل يقال إنه اسم أنثوي أو ذكوري؟ هل تشعر أنه يليق بك؟

أسئلة يجيب عنها أشخاص قرر أهاليهم إطلاق أسماء ميزتهم، فحفظها من حولهم وباتت لصيقة بهم وبشخصياتهم.

"ما تعبوا أهالينا"

تقول رابعة صالح أن أغنية فيروز لا تنطبق عليها ألبتة، وأنها كانت الطفلة الأنثى الرابعة، وكان أهلها بانتظار صبي... "لم يتعبوا أبداً، وأطلقوا عليّ اسم رابعة كأنهم لا يريدون أن يفكروا حتى باسم". والتقيت صبية في شبابي تدعى رابعة، وكان والدها يحب المتصوفين، وأطلق الاسم على ابنته تيمناً برابعة العدوية. أما أنا فكان اسمي مجرد رقم، ينم عن غضب والدي وخيبته، ولم أسمع في حياتي اسم رابع لشاب!".

من جهته، يقول على مصطفى، إن والده كان يطلق عليه أهله وجيرانه لقب أبو علي، فجاء اسمه بديهياً، ولم يكن لوالدته رأي في الموضوع، فقد كان الكل يناديها أم علي منذ زواجها. ويقول إنها كانت تخبره دوماً أنه لو كان لها القرار لسمته كريم لأن الاسم ينعكس على صاحبه.

ليست وحدها أم علي التي خسرت اسمها ولقبت بابن لم يولد بعد، وهي بالمناسبة تدعى رجاء. 

بعض المجتمعات كانت تعتبر مناداة المرأة باسمها من دون "أم فلان" قلة احترام. حتى إن البعض يصر على مناداة الرجل باسم ابنه. ودرج أن يسأل "أبو شو بلا زغرة"، بدلاً من مناداة الشخص باسمه. 

أنا مدينة

أراد أبوها "أن ينادي على مدينته صباح كل يوم، وأن ترد مدينته عليه باسمةً"، تلك المدينة التي تهجر منها بقارب قبل بلوغه عشر سنوات. هذا ما تخبره يافا طلال المصري عن اسمها، هي التي ولدت بعد أربع شباب بنحو 20 سنة. وأراد كل أخ أن يسمي الأخت غير متوقعة المجيء اسماً حديثاً على اسم حبيبته، والوالد مصر على "يافا". وتقول إنها شبه متيقنة أنه تلاعب بالقرعة التي أجريت حينها.

يافا التي لم تزر فلسطين يوماً، ولدت في أحد مخيمات لبنان، وزارت مدناً عديدة إلا مدينتها.

تعتبر أن اسمها جذب إليها الانتباه في المدرسة، ولم يكن مألوفاً ومنتشراً لفتاة منذ 30 عاماً... "كنت أحب أنني أمثل شيئاً أكبر مني، واسمي يمثل مدينة وقضية ويشعرني بالمسؤولية".

اعتادت يافا عند ذكر اسمها أن تسأل ثلاثة أسئلة "هل أنت فلسطينية؟ أنت من يافا؟ أتحبين اسمك؟"، وصارت تجيب قبل السؤال، "أنا اسمي يافا، ونعم فلسطينية، ومن مدينة يافا، وأحب اسمي كثيراً".

من أطرف التعليقات حول اسمها، "الله ستر، ما كان أبوك من سحماتا أو ترشيحا أو أم الفحم".

مدن وآلهة من التاريخ

في سياق متصل، تخبر المراسلة أوغاريت دندش أن المعاناة السلبية الوحيدة التي عاشتها في المدرسة مع بداية تعلمها الكتابة كانت طول اسمها. مع الأيام، حرص أهلها على إفهامها أنه اسم مدينة كنعانية قديمة، ويمثل حضارة كبيرة ظهرت فيها أول أبجدية، وتقول إنه لاحقاً تم اكتشاف أقدم سيمفونية في أوغاريت.

تذكر أن الاختيار كان بسبب انتماء أهلها العقائدي والفكري واهتمامهم بالتاريخ، "ويبدو أنني عندما ولدت كانت تثار حول مدينة أوغاريت ضجة إعلامية، فاختار أبي الاسم ووافقت عليه أمي".

تشعر أوغاريت بالتميز طوال حياتها بسبب اسمها، إذ يتوقف عنده الناس، وليس اعتيادياً. وشرحها لاسمها من سن صغيرة أعطاها ثقة كبيرة بنفسها. فهي لا تجد أي مشكلة في البدء بأي حديث، إذ يكفي أن ترمي اسمها ليكون باباً لبعد مختلف، وليبدأ حديث غير نمطي.

"صحيح أن لاسمي هوية تدل على معتقد الأهل وانتمائهم القومي، ولكن لم يكن له أي دلالة دينية، وهذا شكل حالة جيدة في المجتمع اللبناني"، كون أفراده يحاولون التحري الطائفي من خلال السؤال عن الاسم، فإن لم يُوح بشيء، يطرح سؤالاً عن العائلة، ثم عن مسقط الرأس وتتجلى بـ"من وين؟".

من الجدير ذكره أن أسماء في لبنان أنقذت أصحابها، وغيرها دفع أصحابها حياتهم ثمناً بسببها، في أيام الحرب الأهلية وما سمي "القتل على الهوية".

تقول أوغاريت إنه مع بداية عملها الإعلامي لعب اسمها دوراً في انتشاره كونه فريداً ولا ينسى، وخاصة بربطه باسم العائلة بسبب تردده في التقارير الإخبارية.

وتخبر أنها قرأت مرة أن الأسماء التاريخية وأسماء المدن تعطي أصحابها قوة كبيرة كونها تحمل طاقة عالية، وأعجبتها الفكرة حتى أنها شعرت بها. وتشعر أنها تستمد قوتها من اسم المدينة. وقررت قبل أن تتزوج أن يكون لأولادها أسماء ذات صدى مشابه ليعيشوا تجربتها الإيجابية. 

سمت أوغاريت ابنها آرام وهي تشرح له عن الحضارة الآرامية، وزارا مدينة أوغاريت معاً. وأبدى آرام ذو السنوات الخمس استنكاره في شأن وجود مدينة باسم أمه وعدم وجود مدينة باسمه، فأخبرته أوغاريت أنه يمثل حضارة كبيرة وأين تمتد أراضي آرام. 

تقول إن البعض لم يصدق أن اسمها أوغاريت، وكانوا يسألونها إذا كان الاسم مستعاراً، وخاصة في ظل تغطيتها الحرب في سوريا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما زالت أوغاريت تشعر بالقوة وهي تلفظ اسمها. وعندما زارت أوغاريت مع والدتها وكان عمرها 13 عاماً. ولفرحها بذلك قالت لقاطع التذاكر إن اسمها أوغاريت فرد "أنت ومن سماك تدخلون مجاناً". تقول إن التجربة كانت فريدة، فهي لم ترَ المدينة آثاراً، بل وجدتها تضج بالحياة لما زرعته في رأسها من خيال. وتشير إلى أن طاقة المكان كانت قوية جداً، وكأنها "موجودة في جيناتي، أو في الذاكرة الجماعية، أو ربما كان شأناً نفسياً".

الشاعر أدونيس الخطيب (لا علاقة له بأدونيس أو علي احمد سعيد) سماه والداه وهما من دينين مختلفين اسماً يمثل انتماءهما الفكري منذ نحو 50 عاماً. يقول إن الاسم لم يكن متداولاً حينها، وتعرض لكثير من السخرية. البعض كان يناديه أنيس وبقدونس وأندونوس أواديس وبليس، وخاصة في المدرسة، وكان يخجل كثيراً، إلى أن اكتسب مناعة مع الوقت، وعرف كيف يستخدم الضوء الذي وهبه إياه اسمه. 

أدونيس أطلق على ولديه اسمي نارام ونينار، وهما اسما ملك أكادي لوحة انتصاره موجودة في متحف اللوفر، واسم لإله القمر لدى السومريين، وهما فخوران جداً باسميهما.

الأسماء المركبة

نجاح – ريتا اسم له وقع مفاجئ. تخبر صاحبته أن اسم والدها ناجي، وأمها روزيت، أي (نون وراء)، ولوالدها شقيقة توفيت في صغرها اسمها نجاح. فأراد اسماً يذكره بها، وأمها في المقابل نذرت للقديسة ريتا، فأرادا اسماً لا مثيل له فسمياها نجاح - ريتا، ومع هذا ينادونها "نانو". 

تعرضت لكثير من التنمر في المدرسة، مع التساؤل إن كان اسم نجاح للصبي أم للبنت، "وكانوا ينادونني نجاح واكيم (سياسي لبناني) ونجاح سلام".

تنزعج نجاح - ريتا من اختصارها بواحد من هذه الأسماء. وتقول إن من يسمع اسمها للمرة الأولى يستغرب، ويظن أنه لم يسمع جيداً، وأحياناً، "في الحجوزات لا أذكر اسمي كاملاً كي لا يعتقدوا أننا شخصان". 

لم تكن تحب اسمها، وتمنت لو اختير لها اسم صغير، أما الآن فتحبه لأنه لا يوجد غيرها بهذا الاسم، وكأنه "ترايد مارك".

من أطرف ما حدث معها أن إحداهن أخبرتها أن لديها ابنتين واسمهما نجاح على اسم جدتها وريتا على اسم القديسة ريتا.

لم يتوقف أهل نجاح ريتا عند هذا القدر، فسميا أخاها إيلي – جوزيف. فجدها لأمها اسمه إيليا، وجدها لوالدها يوسف، أي جوزيف، ومثلها لم يُناده أهله باسمه، فكان الاسم المنزلي "للوس". وتقول ضاحكة، "ربما لشدة ما تعقد أخي من اسمه سمى ابنه ناج"، تيمناً باسم والده ناجي.

وعندما يسأل والدها لماذا هذه الأسماء المركبة والطويلة، يجيب بنكتة أنه كان قد قرر أن ينجب أربعة أولاد، لكنه حصل على اثنين، وأعطاهما أربعة أسماء.

على أسماء الجدات

تخبر صبحية نجار أنها لطالما تعرضت للتنمر بسبب اسمها الذي أطلقه عليها والدها تيمناً بجدتها التي توفيت قبل عام من ولادتها، وكانت سيدة مناضلة محبوبة جداً. وتقول كأنه لم يكفِ أن يكون الاسم صبحية لتكون العائلة نجار على اسم إحدى ماركات البن، وهذا ما أثار سخرية أكبر. ولشدة انزعاجها ذهبت ووالدها لتغيير الاسم، فتبين أنها عملية من إجراءات طويلة، فغيرت رأيها. وكانت أسماء الدلع لها لا تعد ولا تحصى.

في المدرسة طلب منها أحد الشبان تغيير اسمها، فلم توافق، وكان الأهل يعززون ثقتها بنفسها وباسمها حتى أحبته.

مع دخولها في الإعلام أعطاها اسمها دفعاً معنوياً، إذ أصبح محط اهتمام ومدخلاً سهلاً لأي موضوع. جل ما يحدث أن المحاورين كانوا يظنون دائماً أنها سيدة أكبر سناً نسبة لاسمها. وأحياناً عندما يأتي ضيوف إلى برنامجها كانوا يظنون أن اسم البرنامج صبحية، وليس اسمها.

تقول إن الاسم لافت وقديم ولا ينسى، ويستغربه كثر مع أنه عربي وواضح جداً. وتقول، "بسبب الأحداث التي شكلها اسمي أستطيع أن أكتب كتاباً كاملاً".

تخبر صبحية أنها على مشارف الولادة، وأنها محتارة جداً أي اسم تطلقه على ابنها، ليكون اسماً جميلاً ومميزاً في آنٍ، من دون أن يتعرض للتنمر ويعقد اسمه حياته.

المراسلة حليمة طبيعة سماها والدها على اسم أمه، ولم تتعرض يوماً للتنمر في طفولتها، ولكن عندما بدأت بالظهور على الشاشة عام 2015 كان الاسم غريباً على البعض. ومنهم من لم يصدق أنه اسمها، وآخرون كانوا يسخرون منه، فكانت ترد عليهم دائماً حتى تخطت الموضوع. وتعتبر أن الاسم أسهم في شهرتها؛ كونه مميزاً.

تقول إن الشاعر الراحل أنسي الحاج قال لها إن اسمها واسم عائلتها على وزن "فعيلة فعيلة"، وسألها لماذا لا تبدله إلى أحلام، لكنها أجابت أنها تحب اسمها.

وعندما بدأت في العمل مراسلة في إحدى الفضائيات طلب منها المدير تغيير اسمها في اجتماع رسمي لأنه غريب، وأن تختار اسماً فنياً ورناناً، فأجابته أنه لا يوجد اسم رنان كاسمها، فاقتنع.

أسماء الأبطال والترندات

الشيف سوليدات الزين تخبر أنها تحب اسمها كثيراً، وأن والدتها اختارته أثناء متابعتها لمسلسل مكسيكي، لكنه لم يكن اسم البطلة، بل اسم عجوز تدعم البطلة. تقول سوليدات، إن اسمها يعني القوة والدعم، وأنها تسأل يومياً عن اسمها. 

يسمي الناس أطفالهم بمزاج معين، قد يكون تقليدياً أو دينياً، أو اسماً آتياً من شخصيات مسلسل ناجح أو مشهور. والبعض يسمي بأسماء شخصيات تاريخية أو درامية أو كرتونية أو أبطال. والبعض يختار أن يعطي اسمه لابنه أو ابنته، أو اسم أمه وأبيه كاستمرار في العائلة.

مما لا شك فيه أن الأسماء صورة عن ثقافة الأهل وهواهم وانتمائهم الفكري والعقائدي والديني والاجتماعي. وهو اللقب الذي يرافق صاحبه من أول إخراج قيد يصدر حتى طباعة شهادة الوفاة.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات