Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توجيهات رسمية قد تعرقل مكافحة العبودية الحديثة في بريطانيا

أُمر ناشطون اجتماعيون يتابعون هذه القضايا بعدم التواصل مع محامين بخصوص حرمان الضحايا من الإعانات الحكومية

ملصق حملة "حمايتهم وليس إهمالهم" للدفاع عن حقوق ضحايا أشكال العبودية الحديثة في بريطانيا (أنتي سلايفري.أورغ)

علمت "اندبندنت" أنه جرى منع عمال اجتماعيين ينشطون في دعم ضحايا العبودية الحديثة، من رفع الصوت تجاه ما يتعرض له الأخيرون من تقليص واقتطاع لمستحقاتهم المالية. وحذر محامون وناشطون من أن يؤدي هذا الأمر إلى حرمان الضحايا من العدالة.

وكان مئات الأشخاص المصنفين ضحايا محتملين للعبودية الحديثة تعرضوا في أغسطس (آب) الماضي، لإيقاف إعاناتهم المالية الحكومية الأسبوعية، التي كان الهدف منها مساعدتهم في مواصلة حياتهم. ويذكر في هذا الإطار أن العمال الاجتماعيين الذين توظفهم جمعيات خيرية، يعملون على مساعدة الناجين من مظاهر العبودية الحديثة في أوجه عدة من حياتهم، وهم يمثلون في العادة أول من يتصل بهم الناجون والضحايا ويستعرضون مشكلاتهم أمامهم.

بيد أن هؤلاء العمال تلقوا تعليمات عبر رسائل إلكترونية، اطلعت "اندبندنت" عليها، مصدرها منظمة "جيش الخلاص" (سالفيشين آرمي Salvation Army) تدعوهم إلى "عدم إعطاء أي تعليق" إن اتصل بهم ممثلون قانونيون عن ضحايا التهريب. و"جيش الخلاص" (مؤسسة خيرية بريطانية تساعد المشردين والمحتاجين في أنحاء بريطانيا) في هذا السياق مُكلفة من الحكومة بدعم الضحايا، وقامت من جهتها بتوزيع مهمات الدفاع عن الضحايا على 12 جمعية خيرية بواسطة عقود فرعية.

واعتبر محامون أن هذه التعليمات الموجهة إلى العمال هي وراء الحؤول دون عمليات جمع الأدلة التي كانوا سيقدّمونها إلى المحاكم لإثبات ما تعرض له الضحايا جراء خسارة إعاناتهم المالية. ويخشى العمال الاجتماعيون من تعرضهم "للعقاب" إن قاموا بتقديم المعلومات عن الضحايا، وبوصف "ثقافة الصمت" culture of silence المرتبطة بعقود توظيفهم.

في هذا السياق، اعتبر ناشطون ونواب في البرلمان أن "إسكات" gagging العمال الاجتماعيين على هذا النحو "يحد" من نظام العدالة. ودعا الناشطون والنواب الحكومة إلى تمكين الجمعيات الخيرية من معالجة تلك "العوائق المنهجية" التي تحول من دون دعم ضحايا العبودية الحديثة، وهي عوائق لا تؤدي إلا إلى "نفي الأدلة" التي من شأنها توجيه الضحايا نحو سكة العدالة.

ومن بين الذين تأثروا سلباً بفعل وقف الإعانات المالية، سيدة من كينيا يُعتقد أنها وصلت إلى المملكة المتحدة من طريق التهريب، حيث جرى احتجازها في بيت للدعارة وإجبارها على ممارسة الجنس يومياً. وأدى حجب الإعانة المالية عنها إلى تعذر حصولها على مستلزمات الحمام والنظافة، والتي شملت الفوط الصحية ومعجون الأسنان، كما جعلها تعجز عن تعبئة خط هاتفها الذي يساعدها في الاتصال بالعمال الاجتماعيين والمحامين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهة أخرى، تقوم الحكومة بتحديد ضحايا التهريب ومساعدتهم عبر صيغة تُعرف بـ "آلية الإحالة الوطنية" National Referral Mechanism، والتي تتطلب دعم وزارة الداخلية في مساعدة الضحايا على التعافي واستضافتهم في "مسكن آمن" إن اقتضى الأمر. ويُتاح هذا الدعم من خلال "عقد رعاية الضحايا" Victim Care Contract، الذي تُشرف عليه حالياً مؤسسة "جيش الخلاص" Salvation Army، والتي بدورها تقوم بتوزيع مهمات رعاية ومساعدة الضحايا على 12 جمعية خيرية عبر عقود فرعية.

وقد وصلت الرسالة الإلكترونية التي بعثتها مؤسسة "جيش الخلاص" الخيرية Salvation Army إلى الجمعيات الحاصلة على العقود الفرعية المذكورة في 11 أغسطس (آب) 2020، إذ وجهت فيها العاملين الاجتماعيين إلى "عدم مناقشة أو نشر ما يرتبط بقضايا قانونية تتصل بوزارة الداخلية أو "جيش الخلاص" أو أية جهة أخرى من حاملي العقود الفرعية، إن كانوا أطرافاً مُدعى عليهم أو مسؤولين". وجاء في الرسالة الإلكترونية، "إن جرى الاتصال بكم للحصول على تعليق أو إيضاحات من قبل أية منظمة من خارج أوساطنا، وذاك يشمل ممثلين قانونيين أو أفراداً من الصحافة، فعليكم عدم إعطاء أي تعليق. نصحيتنا هي ألا تقدموا أي تعليق أو معلومات، لا كتابةً ولا شفاهية، بل قوموا بتوجيههم في حال وجود أي سؤال واستفهام إلى المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية". وجرى بعث هذه الرسالة الإلكترونية بعد أيام من انتشار خبر حجب الإعانات المالية عن ضحايا التهريب من دون تحذير مسبق، وبدأ المحامون وقتها في إعداد ملف قانوني لمواجهة ذلك القرار.

من جهته، وتعليقاً على هذا الأمر، قال متحدث باسم مؤسسة "جيش الخلاص" الخيرية إن الرسالة الإلكترونية أُرسلت "لتذكير فريق الدعم العامل مع المنظمة بأن عدم الالتزام بالحفاظ على الخصوصية من شأنه في نهاية المطاف إلحاق الأذى بالأشخاص الذين يطلبون المساعدة". أما المتحدث باسم وزارة الداخلية، فاعتبر أن الرسالة الإلكترونية "لم تهدف إلى منع العمال الاجتماعيين من تقديم طعون قانونية ضد وزارة الداخلية في قضايا عملوا بها شخصياً"، وأن الوزارة تتواصل مع مؤسسة "جيش الخلاص" الخيرية للتأكد من "تصحيح" هذه الرسالة.

في هذا الإطار، قال عمال اجتماعيون لـ "اندبندنت" إن هناك "ثقافة صمت" يرسيها العقد، وذلك بسبب خشية الجمعيات الخيرية الحاصلة على عقود فرعية من خسارة تفويضها إن قام عاملون فيها بتوجيه انتقادات لوزارة الداخلية. وقال عامل اجتماعي، طلب عدم ذكر اسمه، إن إمكان طرح المخاوف التي تعتريه هو وزملائه، والمتعلقة بمهمات دعم الضحايا، يجري "ابتلاعها" من قبل مؤسسة "جيش الخلاص" الخيرية التي تتحكم في مسألة "من يمكن ومن لا يمكن الحديث معه". وتابع العامل الاجتماعي، "إنهم يلتزمون سياسة عدم الإبلاغ عن المخالفات، والتي تعني برأيي على الدوام، ابتلاعاً تاماً لما يمكن أن يفصح عنه البعض بخصوص ما يتعرضون له، إذ إنه لا يمكننا تلقائياً التوجه خارج المؤسسة لطرح المخاوف، وبالتالي إلى من يمكننا التوجه؟"

عامل اجتماعي آخر، استقال حديثاً من مهماته وطلب أيضاً عدم ذكر اسمه، قال إن "هناك ثقافة صمت ونظام تهديد فعلي لحاملي عقود الدعم الفرعية". وذكر متابعاً، "يتم بسرعة تأديب العمال الاجتماعيين الذين يجرؤون على مراجعة القرارات المتخذة، والتي يمكن أن تقوض حقوق الضحايا أو تعرضها للخطر، والأمر مرده إلى تهديد مؤسسة "جيش الخلاص" الخيرية ووزارة الداخلية في إبطال العقد". ويتابع قائلاً، "بيد أن ذلك كله يتم بهدوء ومن دون اعتراض، ترافقاً مع تهديدات صارمة تطلب منك عدم مساءلة وزارة الداخلية حين تفشل في تأدية واجباتها أمام ضحايا التهريب".

وفي نهاية أغسطس (آب)، وقبل أيام من التدابير القانونية التي كان يفترض اتخاذها بمواجهة قرار وقف لإعانات المالية، قامت وزارة الداخلية باتخاذ قرار معاكس تماماً لقرار سابق لها، فأعلنت تغييرات في النظام الذي تنتهجه لمكافحة العبودية الحديثة. واستناداً إلى هذا القرار المعاكس والمستجد، فإن ضحايا التهريب الذين فقدوا إعاناتهم المالية سيعاودون الآن الحصول عليها، لكن بمستوى أقل.

ويحاول في الوقت الراهن المحامون الذين تبنوا القضية في أن يمكّنوا مَن فقدوا أهلية تلقي الإعانات المالية نتيجة التغييرات في النظام المتبع، من تلقي المبالغ التي خسروها عبر دفعات متأخرة. بيد أن المحامين أشاروا إلى ما تعرضوا له من "عرقلة" في سعيهم للوصول إلى معلومات من أشخاص كثر تأثروا بقرار اقتطاع الإعانات، وذلك بسبب خشية العاملين الاجتماعيين من الحديث والافصاح.

من جهته، ذكر مدير قسم الحق العام في مكتب دونكان لويس للمحاماة Duncan Lewis Solicitors، أحمد أيديد، في رسالة إلى المحكمة العليا، بأنه تحدث إلى عمال اجتماعيين ممن أبدوا خشيتهم من "العقاب" إذا ما قدموا أدلة في قضايا قانونية تتعلق بضحايا التهريب. وأشار أيديد إلى أنه "نتيجة لهذا الأمر، فقد وجدنا صعوبة كبيرة في الحصول على معلومات من الجهات الداعمة. ما أخشاه هو أن تكون مؤسسة "جيش الخلاص" قد منعت مقدمي الدعم من الحديث معنا بطلب من المدعى عليهم الذين يسددون لمؤسسة "جيش الخلاص" بدل أتعاب لخدماتها، وذلك في مسعى لكبح قدراتنا في مقاضاة هذا الزعم وعرضه أمام المحكمة".

وفي 27 أغسطس (آب) راسل السيد أيديد منظمة "جيش الخلاص" طالباً منها توضيحات عاجلة عن سبب طلبها من العمال الاجتماعيين عدم تقديم أية معلومات لمحامي الزبائن (ضحايا التهريب)، محذراً من أن يؤدي الأمر إلى عجز المحامين عن مساعدة زبائنهم عبر تقديم "معلومات مهمة تسهم في تسهيل الإجراءات القانونية". بيد أن السيد أيديد لم يحظ بجواب على مراسلته.

من جهة أخرى، قال النائب في البرلمان البريطاني عن حزب العمال بول بلومفيلد إن "هذه التقارير مقلقة فعلًا". وتابع، "على المحامين المتكفلين بقضايا مثيرة للجدل وصعبة الحصول على جميع المعلومات المتوافرة، والعمال الاجتماعيون في أغلب الأحيان لديهم ملاحظات ومعلومات بالغة الأهمية من شأنها توفير تفاصيل ملحة وضرورية". وأضاف بلومفيلد، "إسكاتهم بهذه الطريقة التي سمعنا عنها يحد من نظام العدالة، وذلك عبر حجب المعلومات التي قد تؤثر كثيراً في أحكام مصيرية".

أما صاحبة مشروع "ما بعد الاستغلال" After Exploitation لمخططات البيانات، مايا إيسليمونت، فقالت إن على الجمعيات الخيرية التحلي بـ "الجرأة" والدفاع عن الضحايا "من دون استثناء". ودعت إيسليمونت الحكومة إلى "وقف نفي الأدلة حين يكون بوسعها تمكين الضحايا من ولوج سكة العدالة، وإلى تمكين قطاع الرعاية على نطاق أوسع من تخطي العوائق الممنهجة التي تحول دون تقديم الدعم". وتابعت، "يرعبنا إقدام الحكومة على تحويل المصادر بهدف الطمس، بدل تصحيح الإخفاق في دعم الضحايا".

وبالنسبة لـ "عقد رعاية الضحايا" Victim Care Contract فإنه على من يحملون العقود الفرعية القيام بـ "التعويض والاستمرار فيه، وإبقاء المتعاقد والحكومة بمأمن من جميع الأفعال والدعاوى والمزاعم والمتطلبات والأضرار والنفقات والأتعاب القانونية المتعلقة بتكاليف الوكيل والموكل، وغيرها من المسؤوليات". ويتابع العقد ليشير إلى أنه على أصحاب العقود الفرعية إيلاء "العناية المقبولة خلال تقديم الخدمات، وغيرها من الواجبات المطلوبة منهم بموجب العقد، لضمان ألا يؤدي ذلك إلى الإخلال بالعمليات أو الإضرار بسمعة المتعاقد أو السلطة".

في المقابل، رأت المديرة والمحامية في "وحدة مكافحة التهريب واستغلال العمال ""Anti Trafficking and Labour Exploitation فيكتوريا ماركس، أن الخشية السائدة في أوساط العمال الاجتماعيين من الإفصاح عما يجري والكلام تعني أن ضحايا التهريب ومظاهر العبودية الحديثة "يخذلهم باستمرار النظام نفسه الذي يهدف إلى حمايتهم". وتابعت ماركس "للأسف، طبيعة هذا العقد تعني أن الوكالات المولجة ضمان تلقي الضحايا الدعم الذي يحتاجونه، تبقى عاجزة عن رفع الصوت ومساعدة الضحايا على الوصول إلى حقوقهم عندما تفشل وزارة الداخلية في الاضطلاع بمسؤولياتها القانونية".

في هذا الإطار قالت رئيسة مشروع حماية الضحايا في المؤسسة الدولية لمكافحة تهريب البشر Human Trafficking Foundation راتشيل سميث، إن كل محاولة تهدف إلى الحد من الوصول إلى المساعدة القانونية لها تأثير مباشر في حقوق ضحايا التهريب الناجين منه، وهي "مدعاة قلق بالغ". وأضافت، "حصول ضحايا التهريب الناجين منه على الدعم القانوني قد يوازي الفارق بين أن يكونوا حالياً محميين بسقف فوق رؤوسهم أو مشردين في الشوارع. أما في الأمد البعيد، فقد يحدد ذلك على نحو شامل مصير حياة المرء".

في المقابل، قالت مديرة جهاز مكافحة تهريب البشر والعبودية الحديثة في مؤسسة "جيش الخلاص" الرائدة كاتي بيتيريدج، إن الرسالة التي بعثت للموظفين في الجمعيات التي تلتزم بـ "عقد رعاية الضحايا" جاءت "لتذكير فريق الدعم الذي نعمل معه بأن الفشل في تأمين الخصوصية والسرية يمكن له في النهاية إيذاء الأشخاص الذين يطلبون المساعدة". وتابعت، "الهم الأول لـ"جيش الخلاص" ولمتعاقدينا الفرعيين هو مصلحة الأشخاص الذين ندعمهم عبر "عقد رعاية الضحايا"، إذ إن أولئك الأشخاص ليسوا فقط وعلى نحو استثنائي في موقع هش، بل قد يحتاجون أيضاً إلى مساعدة قانونية معقدة. ويتمثل دورنا في ضمان أفضل تمثيل قانوني متاح لزبائننا، على أن الأمر الأساسي الذي يقود إلى هذا يتمثل في الحفاظ على الخصوصية والسرية، كي نضمن عدم تعارض ذلك مع أي من الإجراءات القانونية".

في الإطار عينه، رفض متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية الاعتراف بـ "ثقافة الصمت"، مضيفًا أن "الرسالة الإلكترونية تفتقر إلى سياق محدد، إذ يشير محتواها إلى العمال الاجتماعيين الذين يقدمون الدعم للضحايا، أو إلى غيرهم من الموظفين في الجمعيات المنخرطة بـ "عقد رعاية الضحايا"، والذين يتحدثون مع الإعلام أو مع مستشارين قانونيين في قضايا ليسوا معنيين بها شخصياً، والرسالة لم تهدف إلى منع العمال الاجتماعيين من طرح تحديات قانونية على وزارة الداخلية في قضايا اشتغلوا فيها شخصياً". كما ذكرت أوساط الوزارة أنهم يتواصلون مع مؤسسة "جيش الخلاص" لضمان تصحيح الرسالة وتصويبها، وتذكير العمال الاجتماعيين بدورهم في دعم الضحايا في القضايا القانونية.

© The Independent

المزيد من سياسة