Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ستقاتل إيران على جبهتين وتتفاوض أيضا؟

طهران تحتاج وقتاً زائداً حتى نهاية العام وترمب يريد صفقة قبل أبريل المقبل فيما ترغب إسرائيل في ضربة ضد النظام قبل الصيف

ترمب خلال مؤتمر صحافي جمعه بنتنياهو في فلوريدا (أ ف ب)

في مقالتنا السابقة توقفنا عند سيناريوهات الحرب الصاروخية الثانية واحتمالات إطلاق غرف الحرب لدى إيران وإسرائيل عنان المواجهة من جديد، وفي هذه المقالة سنركز على سيناريوهات محتملة لإيران بناء على تطورات تتسارع خارجياً وداخلياً، وقد تقنع القيادة الإيرانية بالاستعداد لضربة على إسرائيل في ظروف داخلية صعبة.

بالطبع فإن هكذا سيناريو سيخضع لأمور عدة، أولها تقييم إيراني لنيات إسرائيل العسكرية، وثانيها تقدير الموقف الأميركي، وثالثها قياس قوة المعارضة الشعبية الداخلية، وقد تكون الأمور أكثر تعقيداً ولكن التحليلات تشير إلى احتمال خروج سيناريو معين مبني على تطور داخلي في إيران، قد يشجع النظام على اتخاذ قرار لا يريده الآن ولكنه قد يتخذه إذا كان ثمن عدم اتخاذه أعلى من إقراره.

لنعد للوراء وتحديداً قصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمشروع النووي الإيراني بعد أكثر من أسبوع من قصف إسرائيلي مستمر للدفاعات الجوية الإيرانية، فالرئيس الأميركي وقتها كان يبغي الوصول إلى تسوية تقود إلى صفقة سلام مع طهران، ولهذا السبب أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو وقتها أن واشنطن غير مسؤولة عن الغارات الجوية الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في أول أسبوع، وكان فريق المفاوضين الأميركيين يتواصل مع النظام الإيراني بهدف الحصول على تنازل وربما إلى وقف إطلاق نار ثابت، لكن القيادة في طهران رفضت أي اتفاق مع ترمب قبل إيقاف الهجمات الإسرائيلية، فقرر الرئيس الأميركي توجيه ضربة إستراتيجية إلى المفاعل النووي الإيراني، وإنهاء الملف والمباشرة في مفاوضات ما بعد النووي.

ومع إنهاء المفاعلات أنهى ترمب ورقة طهران للتفاوض المتوازن ولم يبق على الطاولة إلا ورقة إنهاء الملف التي تمر عبر اتفاق لمصلحة واشنطن، بغية تفادي ضربة إسرائيلية مسبقة ضد الجمهورية الإسلامية، لكن النخبة الحاكمة في إيران كانت قد استعملت وقف إطلاق النار الذي هندسته قطر مع البيت الأبيض لإيقاف الغارات الإسرائيلية، من أجل كسب الوقت الثمين، وآنذاك أمل الرئيس الأميركي أن يقدم خامنئي تنازلات سريعة للمبعوثين ليعلنها ترمب كانتصار سياسي من المكتب البيضوي، إلا أن الملالي لم يقدموا أي تنازلات جدية منذ نهاية حرب الـ 12 يوماً (التي أحددها تاريخياً بأنها معركة وليست حرباً)، وكان دونالد ترمب يرغبها كإنجاز قبل نهاية عام 2025، لكن الجمهورية لم تكن جاهزة لتنازل بهذا الحجم للأميركيين قبل أن تنهي إعادة التسليح الإستراتيجي من صواريخ مضادة للطائرات وصواريخ باليستية تتوازن عبرها مع إسرائيل، فالدخول إلى مفاوضات من هذا النوع من موقع ضعف يعد خطراً على النظام، ولذا فالمعادلة بعد حرب الصواريخ الأولى في الصيف الماضي كانت تتمحور حول أمرين: إيران أُعطيت وقتاً لتنتج مسودة اتفاق تقدمه إلى الإدارة الأميركية، وهذه الأخيرة تضبط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كي لا يضرب النخبة الحاكمة في طهران، إلا أن تأخرها في تنفيذ ما كان منتظراً منها أميركياً أغضب ترمب، وهو ما وفر لنتنياهو نافذة لإثبات أن النظام الإيراني لا يمكن الوثوق به، ويجب التحضير لضربة شاملة.

وخلال قمة ترمب- نتنياهو بمارا لاغو في فلوريدا هذا الأسبوع جرى الاتفاق على أن تبدأ إسرائيل بالتحضير لضربة، وستساعد الإدارة الأميركية في التحضيرات، لكن الضوء الأخضر سيأتي من واشنطن، فحكومة نتنياهو ستحصل على دعم ترمب عسكرياً ولكن الرئيس سيقرر التوقيت، وسيشارك في دعم إسرائيل ولكن مبعوثيه سيتفاوضون مع طهران، في مثلث مترابط بين إيران وأميركا وإسرائيل، وكل طرف يراقب ويتهيأ، فترمب يريد صفقة وبيبي يريد ضربة والخامنئي يريد وقتاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحتاج القيادة في طهران إلى أطول مهلة ممكنة لتتفاوض مع ترمب، وتريد أطول وقت ممكن لتعيد التسلح وإعادة هيكلة ميليشياتها في المنقطة، ويبدو أن النخبة الحاكمة تبغي عامل الوقت لسبب غير معلن، وهو استعمال وقت ترمب في الرئاسة للزعم بأن طهران حاضرة لصفقة ما، بينما الحقيقة هي أن إيران تمرر الوقت لتقوية نفسها وتستعمل الوعد بالصفقة لتحصل على حماية من الضربة القاضية، فمخططو الإستراتيجيات الإيرانية الشاملة يضعون في الحسبان تطورات داخلية أميركية تلتهم الوقت، مثل  الانقسامات داخل المعسكر المحافظ وبروز المؤثرين المعادين لإسرائيل، مثل تاكر كارلسون وكانداس أونز وغيرهما، والذين يضعفون التأثير الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

إلا أن أهم ما ينتظره النظام في عام 2026 هو تغيير في أكثرية الكونغرس مما قد يشل قدرة البيت الأبيض على دعم إسرائيل بقوة ويخفف من تدخل الإدارة في الشرق الأوسط من دون منازع، فطهران تحتاج وقتاً زائداً حتى نهاية العام، والرئيس ترمب يريد صفقة إيرانية قبل أبريل (نيسان) 2026، وإسرائيل تريد ضربة ضد النظام قبل الصيف، لكن الرياح قد لا تأتي بما تشتهي السفن الثلاث، وإذا طال زمن الانتظار لأشهر عدة فقد يطلق الرئيس العنان لإسرائيل، وإن طالت مرحلة الانتظار أكثر من قدرة الدولة العبرية على التحمل فقد تشن إسرائيل حملتها الاستباقية على الجمهورية الإسلامية، وفي أقصى السيناريوهات، وإذا اقتنعت القيادة الإيرانية بأن واشنطن أعطت الضوء الأخضر لحليفتها بصورة نهائية، فقد تقوم السلطة الخمينية بهجوم انتحاري استباقي على عدوتها شرقاً.

المعادلة مترابطة بين اللاعبين الثلاثة ضمن ضغوط خاصة بكل طرف، غير أن لاعباً من خارج المعادلة قد يدفع بالجميع إلى الوثوب خارج حساباتهم، فإن تطورت التظاهرات الشعبية التي وصلت إلى البازار والقطاعات الاقتصادية والمالية في إيران، فالنتيجة ستكون صعبة على السلطة وتبرز تحدياً كبيراً لقراراتها وتحركات الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، وإذا قمعت طهران المسيرات فستنفجر الأوضاع بشدة ضد النظام، وإن حصل ذلك فقد تخاطر إسرائيل بضربة مركزة على الباسدران والباسيج تفتح الباب أمام الجماهير الإيرانية للانتفاض الواسع، وإن حصل ذلك فسيكون أمام ترمب أن يدعم التغيير ويلقي بقوته إلى جانب حليفته، ولكن عامل الوقت سيضغط على البيت الأبيض، فهل سيسعى الرئيس الأميركي إلى محاولة أخيرة للحصول على صفقة في آخر ربع ساعة؟ أم أن التقاطع بين إسرائيل والمعارضة سينهي وقت التفاوض؟

لا ندري ولكن الشعب الإيراني، وبخاصة الجيل الشاب، لديه الورقة الأقوى إذا تحرك بذكاء على كل المحاور، بما فيها الداخلية والإقليمية والدولية وعلى رأسها الداخل الأميركي، وكل هذه المعادلات قابلة للتحول والتغيير مع أحداث غير متوقعة.

نتمنى لقرائنا عيد سنة جديدة هنيئة وأملاً بسلام موعود..

اقرأ المزيد

المزيد من آراء