Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف وقع العمال المهاجرون في براثن "العبودية الحديثة" في لبنان

يُعتبر نظام الكفالة السبب في تفشي الإساءة إلى عاملات المنازل المهاجرات

أعضاء في الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين يشاركون في تظاهرة احتجاجية في بيروت بمناسبة يوم العمال في الأول من مايو (أ.ف.ب)

على مدى عقود، اشتكت عاملات المنازل المهاجرات في لبنان من تفاقم سوء معاملتهنّ على أيدي أصحاب العمل. وأخبار الامتناع عن صرف أجورهنّ، واحتجازهنّ في المنازل التي يعملنَ فيها، والعنف والاعتداء الجنسيّ، منتشرة وشائعة.

وحُدد السبب الكامن وراء هذه الانتهاكات منذ مدة طويلة، وهو نظام الكفالة الذي ينطوي على أنظمة عمل تربط الإقامة القانونية لعاملات المنازل المهاجرات بأرباب العمل.

وتقول جماعات حقوقية إن النظام، المنتشر في أنحاء الشرق الأوسط، يُرسي اختلالاً كبيراً في ميزان القوة بين العامل وصاحب العمل، مما يشجع على الإساءة. وعلى الرغم من الجهود التي بذلها النشطاء على مدار سنوات، إلا أن هذا النظام بقي راسخاً بشكل لافت في لبنان.

لكن وزير العمل الجديد في البلاد - وهو محام مشهور عالمياً لا يأتي من عالم السياسة - تعهد بتغيير ذلك. ففي مقابلة حصرية مع الاندبندنت، كشف كميل أبو سليمان تفاصيل خططه لإدخال تغييرات على النظام الحالي، وهو يشبهه بنظام "العبودية المعاصرة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول أبو سليمان، الذي تولى منصبه في فبراير (شباط)، إن النظام "يحتاج إلى تغيير،" مضيفاً "هذا ليس نظاماً مقبولاً في القرن الحادي والعشرين".

"إنه شكلٌ من أقسى أشكال العبودية المعاصرة. ثمة مسألتان: مضمون القوانين والتطبيق. اليوم، على سبيل المثل، يُمنع حجز جواز سفر شخص ما، لكن ذلك إجراء سارٍ ومعمول به. إذن، فالأمر لا يتعلق بالنظام، وإنما أكثر بتطبيق النظام".

يعيش في لبنان ما يقدر بنحو 250 ألف عاملة من عاملات المنازل الوافدات، معظمهنّ من إثيوبيا والفيليبين وبنغلاديش وسريلانكا، ويتحدّر أغلبهنّ من خلفيات فقيرة ويعملنَ في منازل خاصة لإرسال الأموال إلى عائلاتهنّ في أوطانهنّ. عندما يصلنَ إلى لبنان، تجد الكثيرات أنفسهنّ محاصَرات في ظروف استغلال لا يستطعنَ الهرب منها.

 

وقال أبو سليمان، الذي ترك منصباً بارزاً في شركة محاماة عالمية مرموقة في لندن للانضمام إلى الحكومة اللبنانية الجديدة، إن إجراء تغييرات على نظام الكفالة هو" مسألة حقوق إنسان أولية وأساسية".

في الأشهر القليلة الأولى من تولّيه المنصب، دعا المنظمات غير الحكومية الأكثر نشاطاً في هذا المجال إلى تشكيل لجنة وتقديم "توصيات عملية" بشأن ما يجب أن يتغيّر. وهو يعمل على وضع خطط لتوفير خط ساخن على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع للعمالة المنزلية المهاجرة للإبلاغ عن سوء المعاملة، (علماً أنه يوجد حالياً بالفعل خط ساخن ولكن قلما يعمل). كما يخطط للتصدي لمكاتب الاستقدام التي تنتهك أنظمة العمل، والتي غالباً ما تتجاهل تقارير عن سوء المعاملة أو تكون هي من يرتكبها ومسؤولة عنها.

"سأواجه بعض المقاومة ولكني لا أهتم، أريد أن أفعل الشيء الصحيح. إنهم بحاجة إلى التثقيف بشأن حقوق عمالهم".

ولاقت خطط الوزير ترحيباً حذراً في أوساط الناشطين، غير أن المحاولات السابقة لإصلاح نظام الكفالة لم يكن لها تأثير يذكر – ولم تنجز اللجان ومشاريع القوانين وغيرها من التدابير الجزئية، الكثير.

أصبحت الدعوات إلى الإصلاح أكثر إلحاحاً بعد صدور الأسبوع الماضي تقرير كبير عن منظمة العفو الدولية حول إساءة معاملة العمال المهاجرين في لبنان.

وخلص التحقيق الذي أجرته المنظمة الحقوقية على مدى شهر إلى أن نظام كفالة الهجرة "المسيء بطبيعته" هو السبب في "أنماط كبيرة ومتسقة من سوء المعاملة" ضد عاملات المنازل، بما في ذلك الاتجار بالبشر، والامتناع عن صرف الرواتب، والإيذاء البدني واللفظي، وفرض قيود على حرية التنقل والحرمان من الطعام.

ولفت التقرير إلى أنه "تأكيداً على عدم توازن القوى بين أصحاب العمل وعاملات المنازل المهاجرات، قالت كثيرات منهنّ إنهنّ تعرضنَ بوجه خاص لمثل هذه الإساءة عندما حاولنَ تحدي أصحاب العمل".

وعلى الرغم من ارتفاع مستويات سوء المعاملة، تخشى كثيرات من عاملات المنازل المهاجرات الذهاب إلى الشرطة، لأن نظام الكفالة يربط الوضع القانوني للعامل بصاحب العمل، وبالتالي فإن مجرد الهروب من صاحب العمل المسيء يمكن أن يعرضهنّ لخطر الاعتقال.

ويضَاف التقرير المؤلف من 42 صفحة إلى مجموعة من الأبحاث التي أجرتها منظمات غير حكومية ومجموعات حقوقية منذ سنوات، ما يقدم قراءة مروّعة عن أوضاع العمالة المنزلية.

في العام 2016 خلصت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية إلى أن 22.5 في المئة من أرباب العمل احتجزوا العاملات داخل المنازل من حين إلى آخر أو بشكل دائم. وأشارت المنظمة إلى أن النسبة الفعلية قد تكون أعلى بكثير بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإقرار بالإساءة. كما وجدت الدراسة أن 18 في المئة من أصحاب العمل يعتقدون أنهم يملكون الحق قانوناً في القيام بذلك.

وأدّت هذه الظروف مجتمعةً إلى ارتفاع معدلات الانتحار بين عاملات المنازل المهاجرات، ووجد تقرير صادر في العام 2017 عن مجلة "ذي نيو هيومنيتارين،" نقلاً عن إحصاءات رسمية صادرة عن الحكومة اللبنانية، أن معدل الوفيات في صفوف عاملات المنازل بلغ حالتيْ وفاة أسبوعياً. وتشير الأرقام إلى وفيات طبيعية وإلى شيوع حالات الانتحار والوفيات الناجمة عن محاولات الفرار الفاشلة، وغالباً ما تقفز العاملات في هذه المحاولات من شرفات الشقق. فخلال الشهر المنصرم وحده كانت هناك ثلاث حالات انتحار ومحاولة انتحار.

يقول أبو سليمان "ما يقلقني أكثر هو موجة الانتحار. وشكّلت فريق عمل لمحاولة معالجة هذه المشكلة. أريد أن أتعاون مع السفارات وكذلك مع بعض المنظمات غير الحكومية لفهم أساس المشكلة".

ويرى أبو سليمان إن وظيفته ستقتضي التصدي لأصحاب المصالح الخاصة في بلد لم يكن مقيماً فيه منذ حوالي 40 عاماً، لكنه يأمل في أن تساعده مكانته هو الآتي من خارج الدائرة السياسية وخبرته في القانون الدولي في تجنب أخطاء أسلافه. ويشير إلى أن دور وزير العمل هو أول وظيفة له في السياسة، وأنه لا ينوي السعي إلى دور آخر.

"أعتقد أن الجديد الذي سآتي به هو مقاربة مختلفة جديدة. إن قدومي إلى هنا لا يعدّ استمراراً للنظام نفسه – لقد جئت من إنكلترا، وأنا محامٍ يتولى مسؤوليات إدارية عليا، في شركة محاماة تعير الكثير من الاهتمام إلى هذه المسائل".

في منصبه السابق، كان شاغل أبو سليمان الشؤون المالية للشركات وأسواق رؤوس الأموال الدولية، ولكن شركة Dechert LLP حيث كان يعمل، تناولت قضايا تتعلق بالعبودية المعاصرة.

يقول الوزير إن فرصة تعليمية شخصية تسنّت له وأتاحت له اكتساب خبرات من مريم غونزاليس دورانتز، وهي محامية دولية وشريكة سابقة في الشركة، وهي متزوجة من نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق، نيك كليغ.

"كانت ترفع الصوت عالياً منددة بالعبودية المعاصرة، لذا حظيت بإعداد خاص في هذه المسألة. أنا على دراية كاملة بمفهوم العبودية الحديثة. وكنا في الشركة ناشطين للغاية في هذا المجال".

في أعقاب تقريرها، أطلقت منظمة العفو الدولية حملة تدعو إلى إلغاء نظام الكفالة. وتقول حركة مناهضة العنصرية في لبنان، وهي مجموعة ناشطة في قضية عاملات المنازل الوافدات، إنها تأمل في أن يتخذ الوزير الجديد خطوات ملموسة.

يقول أحد ممثلي الحركة لصحيفة الاندبندنت: "نشعر بالتشجيع إزاء التعليقات الأخيرة الصادرة عن وزارة العمل بشأن حقوق عاملات المنازل الوافدات، ونأمل في أن يترجم هذا مباشرة في السياسة والتغيير على أرض الواقع".

وترى المجموعة أيضاً أنه ينبغي إلغاء نظام الكفالة، ودعت إلى تطبيق "محاسبة حقيقية عن انتهاكات العمل وأشكال العنف الأخرى".

غير أن أبو سليمان يمتنع إلى حد الآن عن المطالبة بإلغاء نظام الكفالة بالكامل، قائلاً "لا أعتقد أنني سأنزل على مطالب المنظمات غير الحكومية 100 في المئة، لأن هناك دوائر انتخابية أخرى يجب أن أستشيرها، لكن أولويتي هي سلامة الموظف ورفاهيته، ويجب أن تتغير الأولويات".

"وفق فهمي لنظام الكفالة، فإن الجانب الرئيس منه هو أنه يعوِّل على حسن نية أصحاب العمل وموافقتهم لتغيير الوظيفة. نحن بحاجة إلى وقف العمل بهذا الجانب وتغيير المقاربة. يجب أن أحتسب حقيقة أن معظم أرباب العمل ليسوا أغنياء، وأنهم أنفقوا مبالغ، لذلك لا يمكنني الإتيان بنظام يعاقب تماماً شخصاً دفع 4000 دولار لتوظيف عاملة منزلية".

يقول سليمان إنه سيحاول تنفيذ جميع التغييرات المطلوبة على النظام الحالي من طريق وزارة العمل، لتجنب التعثر في محاولة سن القوانين. لكنه يقرّ بأن تغيير أنظمة العمل ليس سوى جزء من المعركة.

"إن الأمر ليس مسألة قانونية فحسب، بل هو نظرة عامة. فالعادات السيئة انتشرت بين السكان مع مرور الوقت. لكن ثمة صواب وخطأ فحياة الناس على المحك".

وأضاف سليمان أن "معظم اللبنانيين هم أشخاص طيبون وأُصلاء وكرماء، لكن لا يمكنك التعويل على لطف شخص ما وحسن نيته. وهذا ليس السبيل الى إرساء العلاقات القانونية. يجب أن نتمتع بنظام يحمي الضعفاء".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي