Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصحافة تبحث عن نصيب عادل من الإعلانات الرقمية في عصر كورونا

خبراء: هناك حاجة لاتفاق عالمي يحمي الصناعة ومنصات التواصل تستغل المحتوى من دون مقابل

منصات التواصل الاجتماعي تربح الملايين سنويا من الإعلانات الرقمية مستفيدة من الزخم الإخباري (أ.ف.ب)

دفع فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) الملايين حول العالم نحو وسائل التواصل الاجتماعي، فسواء بهدف الحصول على الأخبار والمعلومات حول الفيروس التاجي الجديد أو لقضاء أوقات الفراغ التي خلفها الإغلاق ودعوات البقاء في المنزل، فإن مواقع مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام" و"غوغل"، فضلاً عن "نتفلكس" وغيرها ممن تبثّ الأفلام والمسلسلات، جميعها أصبحت الفائز الأكبر إن لم يكن الوحيد في ظل هذه الجائحة التي أغلقت كبرى الصناعات وأسفرت عن خسائر عالمية بمليارات الدولارات.

وسائل التواصل الاجتماعي لطالما كانت محل جدل وقلق، بخاصة عندما يتعلق الأمر بعائدات الإعلانات الرقمية التي باتت تسيطر في بعض البلدان الكبرى على نحو 90 في المئة من العائدات، مما يشكّل تهديداً لوسائل الإعلام التقليدية التي تواصل فقدان واردات الإعلانات لصالح السوق الرقمية.

ففي المملكة المتحدة، سيطر محرك البحث "غوغل" على 90 في المئة من جميع عائدات إعلانات البحث في بريطانيا خلال 2018، والتي تبلغ قيمتها نحو 6 مليارات جنيه إسترلينى (7.5 مليار دولار أميركي)، في حين أن "فيسبوك" هيمن على نصف إعلانات العرض التي تبلغ ملياري جنيه إسترليني(2.5 مليار دولار).

وفي الولايات المتحدة تستحوذ شركتا "فيسبوك" و"غوغل" على أكثر من 70 في المئة من سوق الإعلانات الرقمية، التي تبلغ 73 مليار دولار. فعلى سبيل المثال، تراجعت إيرادات الصحف الأميركية من الإعلانات عام 2016 إلى 18 مليار دولار مقارنة بـ50 مليار دولار قبل عقد، بحسب دراسة لمركز" بيو" للأبحاث.

وعالمياً، أشارت التوقعات في مطلع عام 2019 إلى أن المعلنين سينفقون على منصات وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما ينفقونه على المطبوعات، بما في ذلك الصحف والمجلات. كما أشارت إلى أن نفقات الإعلان على وسائل التواصل الاجتماعي ستزيد بنسبة 20 في المئة مقابل انخفاض نفقات المعلنين مجتمعة على الصحف والمجلات بنسبة 6 في المئة.

وعلى مدى العقد الماضي، عانت صناعة الصحافة من خسائر مالية جمة، أسفرت عن فقدان عشرات آلاف الصحافيين وظائفهم، حيث اضطر العديد من الصحف إلى تسريحات جماعية، في الوقت الذي يتزايد استهلاك الناس من الأخبار أكثر من أي وقت مضى. غير أن الأمر المثير، ووفقاً لدراسة أعدها تحالف وسائل الإعلام "نيوزميديا اليانز"، فإن غوغل حقق أرباحاً عام 2018 تبلغ 4.7 مليار دولار من خلال المضمون الصحافي، وهو ما يعادل تقريباً حجم أرباح المؤسسات الإخبارية في الولايات المتحدة مجتمعة من الإعلانات الرقمية، في حين لم يدفع غوغل أي مقابل لهذا المضمون الذي تربّح منه، وهو ما يعتبره البعض بمثابة سرقة لمجهود الصحافيين والمؤسسات الخبرية التي تنفق على إنتاج ذلك المضمون.

هذا الواقع شبه الاحتكاري لسوق الإعلانات والذي يمثل تهديداً لصناعة الأخبار، دفع العديد من دول العالم للاتجاه نحو سنّ تشريعات تنظم هذه السوق وتحمي الصحافة التي تشكل إحدى أذرع الديمقراطية. وأخيراً، أعلن وزير الخزانة الأسترالي، جوش فرايدنبرج، أن بلاده ستسنّ قانوناً في غضون أشهر يلزم فيسبوك وغوغل اقتسام عائداتهما من الإعلانات مع شركات الإعلام المحلية لتصبح واحدة من أوائل الدول التي تلزم المنصات الرقمية دفع ثمن المحتوى الذي تستخدمه.

 

وفي حين تبلغ قيمة سوق الإعلانات الإلكترونية بأستراليا نحو تسعة مليارات دولار أسترالي (5.72 مليار دولار أميركي) سنويا، أشار فرايدنبرج إلى أنه مقابل كل 100 دولار أسترالي يتم إنفاقها على الإعلانات الإلكترونية في أستراليا، باستثناء الإعلانات المبوبة، يذهب نحو الثلث لـ"غوغل" و"فيسبوك".

وفي مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وجّهت سلطات مكافحة الاحتكار الفرنسية شركة "الفابت" المالكة لمحرك غوغل بالتفاوض مع الناشرين للدفع مقابل المحتوى الإخباري المعروض في نتائج البحث. تنبع الإجراءات التي تتخذها فرنسا من توجيه جديد بشأن حقوق الطبع والنشر في الاتحاد الأوروبي، وهو ما ستتبعه أيضاً ألمانيا ودول أخرى.

مبادرات أستراليا والدول الأوروبية، تأتي في وقت ينظر فيه الكونغرس الأميركي في مشروع قانون المنافسة والحفاظ على الصحافة، الذي يسمح للمؤسسات الإخبارية بإعفاء مدته أربع سنوات من قواعد مكافحة الاحتكار، حتى يتمكنوا من مساومة المنصات الرقمية من خلال إنشاء نموذج لمشاركة الإيرادات، ومطالبة شركة غوغل بالتعامل مع ناشري الأخبار، مثل ناشري الموسيقى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جاءت مناقشة مشروع القانون بعد ضغط من وسائل الإعلام الأميركية لتشكيل تحالف يضمّ ناشري صحيفتي "نيويورك تايمز" و"وول ستريت جورنال"، بالإضافة إلى عشرات الصحف الصغيرة. وفي يوليو (تموز) 2017، كتب ديفيد تشافيرن، الرئيس والمدير التنفيذي لتحالف وسائل الإعلام الإخبارية الذي يمثل نحو 2000 ناشر إخباري في الولايات المتحدة وكندا، في مقال بصحيفة "وول ستريت جورنال" أن "فيسبوك وغوغل لا يوظفان صحافيين ولا يتعقبان السجلات العامة للكشف عن الفساد، ولا يقومان بإرسال المراسلين إلى مناطق الحرب. إنهما يتوقعان أن يقوم صناع الأخبار، الذين يتعرضون للضغوط الاقتصادية، أن يقوموا بذلك العمل المكلف بدلاً عنهما".

وأضاف تشافيرن أن "الطريقة الوحيدة التي يمكن للناشرين أن يواجهوا بها هذا التهديد العنيد هي الاتحاد معاً". لافتاً "إذا فتحوا جبهة موحّدة للتفاوض مع غوغل وفيسبوك، عاملين على الدفع نحو تعزيز حماية الملكية الفكرية ودعم أفضل لنماذج الاشتراك وتحقيق حصة عادلة من الإيرادات والبيانات، فيمكن أن نبني مستقبلاً أكثر استدامة لصناعة الأخبار".

ومع تعرّض الكثير من الأعمال الإخبارية للتعثر مع انخفاض الإعلانات بسبب فيروس كورونا المستجد الذي أثّر على سوق الإعلانات، حذر تشافيرن، أخيراً، في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" من أن الانكماش السريع في الإيرادات أسفر عن تعرّض 33000 موظف في وسائل الإعلام الإخبارية إما للاستغناء عنهم أو خفض الأجور، وهو ما يؤكد الحاجة الملحة للتفاوض مع شركات التكنولوجيا للدفع للمؤسسات الإخبارية مقابل ما تنشره من محتوى إخباري.

وعلى صعيد العالم العربي، لا تزال تغيب التشريعات التي تحمي المحتوى الإخباري من استغلال منصات التواصل الاجتماعي من دون مقابل. ففي حين تخضع إعلانات "فيسبوك" الخاصة بحسابات الأفراد لضرائب القيمة المضافة أو غيرها من مسميات، فإن "العملاق الأزرق" لا يتحمل أي نفقات للدول عن مدخوله من الإعلانات داخل العالم العربي.

وفي تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، أوضح محرز غالي، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن مواقع محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت تدخل في صناعة الأخبار وتنافس الصحف على الإعلانات مستغلة محتواها نفسه. ومن ثم فإن البديل أن يحدث تسويات وتفاهم بين شركات التكنولوجيا مع الصحف حول عائدات الإعلانات من خلال تخصيص نسبة من العائد الإعلاني للمحتوى الإخباري الخاص بالإعلان، لأن المحتوى الصحافي غالباً ما يكون مرتبطاً بعمليات تسويق معينة. وأشار إلى توجه صحف كبرى حول العالم نحو تشكيل تحالفات وكيانات للضغط على شركات التكنولوجيا للاستفادة من عائدات الإعلانات، فالتسوية والشراكة هما البديل.

وبينما نشرت صحف مصرية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تقارير تتحدث عن طرح الحكومة المصرية مشروع قانون يسمح بفرض ضريبة على الإعلانات التجارية التي تبثّ على فيسبوك وغوغل وتويتر وإنستغرام، إلا أن جون طلعت، النائب في البرلمان المصري بلجنة الاتصالات والتكنولوجيا، نفى وجود مشروع قانون من هذا القبيل، موضحاً أن الأمر كان مجرد نقطة اقتراح وبحث من دون أن يتم تقديم أي مقترح بشكل رسمي للبرلمان.

ويقول غالي إنه لا توجد أي دوله عربية قدمت تصوراً خاصاً بقانون يلزم إدارة فيسبوك أو غوغل أو غيرهم من منصات التواصل الاجتماعي دفع جزء من أرباحها كضريبة على ظهور الإعلانات في نطاق الدولة وجمهور مواطنيها، وبينما تعدّ مصر الدولة الوحيدة التي حاولت طرح هذه الفكرة. ويضيف أن الحكومات ليست لديها سلطة على هذه الشركات العالمية. وأضاف أن الأمر يحمل مخاطرة بصورة الدولة لأنه بسهولة يمكن لهذه الشركات أن ترفض الرضوخ لأي تشريع محلي، وفي هذه الحالة ستهتز صورة الدولة داخلياً وخارجياً، ومن ثم سيكون البديل فرض إجراءات عقابية، مثل الحجب وهذا صدام أي دولة في غني عنه.

ويرى أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة ضرورة وجود إطار قانوني على مستوى عالمي، ربما اتفاقية برعاية الأمم المتحدة أو اتفاقية ثنائية بين الدول وهذه الشركات. وهو ما يتفق معه حسين أمين، أستاذ الإعلام بالجامعة الأميركية في القاهرة، الذي أشار إلى الحاجة الملحة لآلية جديدة تضمن لكل ذي حق حقه.

وأشار أمين إلى أن العصر الجديد هو عصر الحقوق وحماية الملكية الخاصة للمحتوى، إذ بات على هذه الشركات الكبرى إما أن تدفع لأصحاب الحقوق أو يحدث تفاهمات حول تقاسم الإعلانات والبحث في نشر الإعلان من خلال أي محتوى، بحيث يحصل صاحب المحتوى عن حصته من الإعلان.

وأضاف أن الكيانات الدولية كلها تعترف بالأقوى و"صراعنا مع هذه الشركات الكبرى ربما لن يؤول لشيء"، لافتاً إلى أن  هناك دولاً صارعت وفشلت. ومن ثم يتمثل الحل في فتح قنوات اتصال وتشكيل لوبي والتحدث مع ممثلي الشركة، ودراسة نماذج أخرى نجحت في ذلك، فمن مصلحة فيسبوك وغيره من الشركات التعاون مع الشعوب والحكومات، لأن ذلك يحقق ربح الجميع.

وأثار أستاذ الإعلام في الجامعة الأميركية نقطة هامة في إطار المنافسة بين الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى ضرورة أن نتعامل مع العصر بأدواته. وأوضح أن التحول الرقمي أصبح واقعاً في حين لا زال البعض في العالم العربي يتعامل مع هذه الفكرة باستعداء. ولفت إلى نموذج صحيفة "نيويورك تايمز" التي استطاعت تحقيق أرباح قاربت مليار دولار، بحسب أمين، من هذا النموذج الخاص بالتحوّل الرقمي فأصبح الموضوع لديها يقرأ من خلال (الويب سايت) ويسمح من خلال البودكاست ويشاهد أيضاً عبر الفيديوهات.

اقرأ المزيد

المزيد من الأخبار