ملخص
صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية تسحب منها تدريجاً، بسبب فرض السلطات الإسرائيلية قيوداً مشددة على عملها ومن ضمنها عمل الحراس.
وظيفة حراس المسجد الأقصى في مدينة القدس باتت أقرب لأن تكون شكلية ورمزية بسبب التقليص التدريجي لصلاحياتهم من قبل الشرطة الإسرائيلية التي أصبحت تمتلك اليد العليا على أبواب الأقصى، وحتى في داخل ساحاته.
وأسهمت سياسة إبعاد الحراس عن الأقصى واعتقالهم وفرض الغرامات المالية عليهم والاعتداء عليهم بالضرب في تهميش دورهم التاريخي في المسجد الأقصى.
ويتبع الحراس الذين يزيد عددهم على 280 إلى دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للحكومة الأردنية، والتي تتولى الوصاية على المسجد الأقصى منذ عشرات الأعوام، وتم توثيق ذلك في اتفاقية السلام الأردنية- الإسرائيلية.
اقتحامات غير مسبوقة
لكن صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية تسحب منها تدريجاً، بسبب فرض السلطات الإسرائيلية قيوداً مشددة على عملها ومن ضمنها عمل الحراس.
ومع أن الحراس ينتشرون على الجهة الداخلية لأبواب المسجد الأقصى، لكن الشرطة الإسرائيلية الموجودة من الناحية الخارجية لتلك الأبواب تتحكم بكل من يدخل إلى المسجد، وتمنع من تشاء من الفلسطينيين أو المسلمين من الخارج دخوله.
لكن دخول المستوطنين اليهود إلى المسجد الأقصى أصبح يتم بصورة يومية وممنهجة ومحددة مسبقاً وعلى مجموعات تتولى الشرطة الإسرائيلية تنظيمها ومرافقتها في جولاتها في المسجد.
ومع أن الحراس وحدهم كانوا يرافقون المستوطنين خلال اقتحاماتهم قبل عام 2000، إلا أن ذلك تغيّر بعدها من خلال مرافقة الشرطة الإسرائيلية للحراس الفلسطينيين للإشراف على تلك الجولات التي تدرجها تل أبيب "ضمن السياحة الدينية".
لكن ذلك انتهى مع اشتراط السلطات الإسرائيلية إبعاد حراس الأقصى عن المستوطنين مسافة 50 متراً في البداية ثم 100 متر، إلى أن أشرفت الشرطة الإسرائيلية بالكامل على عمليات الاقتحام.
وأدى ذلك إلى "أسوأ عملية هدم للوضع الديني والقانوني القائم شهدها تاريخ المسجد الأقصى"، وفق مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس.
وينفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تغيير الوضع التاريخي القائم في الأقصى، أو السماح لليهود بالصلاة فيه، وهو عكس ما يجري على الأرض.
وتتجلى مشهدية التعديات على الوضع القائم في الأقصى، باقتحامه بأعداد كبيرة من المستوطنين بخاصة في الأعياد اليهودية، حيث يصل عددهم يومياً إلى نحو ثلاثة آلاف.
وتجاوز عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى حتى منتصف أغسطس (آب) من العام الجاري الـ 51 ألفاً، فيما سُجّل اقتحام أكثر من 59 ألفاً خلال عام 2024 و13 ألفاً خلال عام 2023.
وبحسب مركز معلومات فلسطين (معطى) فإن المسجد الأقصى شهد خلال العامين الماضيين "اقتحامات غير مسبوقة حيث وصل أعداد المقتحمين إلى نحو 124 ألف مستوطن".
طقوس تلمودية
لكن التغيير لم يقتصر على أعداد المستوطنين، لكنه تضمن ممارستهم طقوساً تلمودية من صلوات وصراخ ورقص وغناء ورفع أعلام وانبطاح وتقديم قرابين حيوانية ونباتية داخل باحاته.
ويقود وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في بعض الأحيان، تلك الاقتحامات، حيث بلغ عددها منذ توليه منصبه في عام 2022، 13 مرة، بينها 10 منذ الحرب على قطاع غزة.
وعلى رغم الرفض الدولي والعربي والفلسطيني لتلك الاقتحامات، إلا أن بن غفير يتفاخر بها ويقول "القدس روحنا، ونفكر في بناء الهيكل وفي بسط السيادة وفرض الحكم".
ويتولى بن غفير، بحكم صلاحياته، المسؤولية عن جهاز الشرطة الإسرائيلية التي تُسيطر عملياً على المسجد الأقصى.
وينتمي بن غفير إلى الصهيونية الدينية، التي تدفع إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وبناء الهيكل مكان المسجد الأقصى.
وقبل أسابيع عيّن غفير أفشالوم بيليد قائداً لمنطقة القدس في الشرطة الإسرائيلية بدلاً من أمير أرزاني الذي يُنظر إليه باعتباره شخصاً "يعرقل الإجراءات".
ومنذ أكثر من عامين، أصبح المستوطنون يقفون أمام باب الرحمة الواقع في الناحية الشرقية للأقصى، ويؤدون صلواتهم وسجودهم الملحمي بحماية من الشرطة الإسرائيلية.
وتمنع الشرطة الإسرائيلية المصلين المسلمين من الاقتراب من تلك المنطقة خلال الاقتحامات التي تتم على مرحلتين يومياً باستثناء يوم السبت.
سياسة التهميش
ووفق النائب السابق لمدير الأوقاف الإسلامية في القدس ناجح بكيرات، فإن إسرائيل "تنتهج منذ 25 عاماً سياسة تهميش دور حراس الأقصى، من خلال القمع والضرب والإبعاد والاعتقال، وفرض الغرامة المالية عليهم".
وبحسب بكيرات، فإن تلك السياسة "تستهدف إيجاد فراغ في المسجد الأقصى عبر الضغط على الحراس لترك عملهم".
واشتكى بكيرات من "نقص عدد الحراس الذي يجب وفق التفاهمات أن يكون أكثر من عناصر الشرطة الإسرائيلية، لكن اليوم عدد الشرطة الإسرائيلية أعلى بكثير، وهذا مخل بالتفاهمات.
ومع ذلك، فإن تعيينات طاقم الحراسة للأقصى وغيره من الوظائف، مستمرة، بهدف إيجاد بدلاء لمن يستقيل أو يتقاعد منهم، وفق مسؤول في دائرة الأوقاف الإسلامية.
وأوضح المسؤول أن "التضييقات الإسرائيلية على عمل الحراس غير مسبوقة، وأن الشرطة الإسرائيلية لا تعيرهم أي اهتمام، وأنها أبعدت أحد الحراس لرفضه السلام على أحد عناصرها".
ونفى المسؤول دفع دائرة الأوقاف الإسلامية "أي تعويضات للمستوطنين الإسرائيليين"، على خلفية عمل حراس الأقصى.
ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية محمد هلسة أن اليمين الإسرائيلي "يسعى إلى إحكام قبضته على المسجد الأقصى وتهويده، وأن تكون صلاحيات دائرة الأوقاف في القدس شكلية، لا وزن لها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب هلسة، فإنه بعد تولي بن غفير وزارة الأمن القومي المسؤولة عن الشرطة الإسرائيلية "جرى خرق محرمات لم يكن مسموح بها، من حيث عدد المستوطنين وطبيعة سلوكهم وصلاحيات الحراس".
وأوضح أن "الصهيونية الدينية تعمل على تكريس التقسيم المكاني للأقصى بتخصيص منطقة باب الرحمة للمستوطنين، وذلك بعد فرض التقسيم الزماني".
وأضاف أن بن غفير "يعمل على توظيف اقتحاماته للأقصى وإحداث تغييرات في الحملة الانتخابية".
ووفق هلسة، فإن التغييرات التي أحدثها بن غفير "ستبقى أمراً واقعاً، ولن يتم التراجع عنها حتى لو جاءت حكومة إسرائيلية أخرى".
أما عن دور الوصاية الأردنية على المقدسات في القدس ومنها المسجد الأقصى، فقد اعتبر هلسة أن الدور الأردني "مرتبط بموازين القوى على الأرض".
وقال هلسة إن "الأردن لم يعد يمتلك أوراق قوة للضغط على إسرائيل للجم استمرارها في تغيير الوضع التاريخي للأقصى، سوى التأكيد على قرارات الأمم المتحدة واتفاقية السلام مع إسرائيل".
وبحسب هلسة فإن "ما يسعى إليه الأردن حالياً هو إبقاء شعرة معاوية في علاقتها مع المسجد الأقصى، والحفاظ على الصورة الشكلية من دفع رواتب الموظفين وتنظيم الخطابة وإقامة الصلوات".