Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"قطع رؤوس واغتصاب"... فيلق أفريقيا الروسي يستنسخ نموذج "فاغنر"

اعتاد عناصره على الإفلات من العقاب بسبب حمايتهم المجالس العسكرية الحاكمة

استبدلت روسيا عناصر "فاغنر" بقوات الفيلق الأفريقي الذي يواجه اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في مالي (أ ب)

ملخص

بعد تهليل الدول التي شهدت انقلابات عسكرية في منطقة الساحل الأفريقي إثر طرد جنود القوة الاستعمارية السابقة فرنسا واستقبال قوات روسية، تتردد معلومات عن ارتكاب تلك القوات انتهاكات وتجاوزات جسيمة في حق المدنيين.

انتشرت تقارير دولية تحدثت عن انتهاكات جسيمة يرتكبها فيلق أفريقيا الروسي، الذي حل محل مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية في مالي، البلد الواقع في الساحل الأفريقي، مما أثار صدمة داخلية وخارجية.

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن مدنيين ماليين فروا إلى موريتانيا قولهم إن عناصر الفيلق الأفريقي يقومون باغتصاب النساء وقطع رؤوس المدنيين، خلال تعاونهم مع الجيش المالي في مواجهة الجماعات المسلحة.
وشكلت هذه الشهادات المروعة دليلاً جديداً حول تورط أطراف الحرب المالية في ارتكاب انتهاكات في حق المدنيين، إذ قالت الأمم المتحدة في تقرير لها إنه "عندما حل فيلق أفريقيا محل فاغنر قبل ستة أشهر كان المدنيون المنهكون يأملون بقدر أقل من الوحشية، لكن جميع أطراف النزاع ارتكبت انتهاكات في حقهم".

أبشع أنواع الانتهاكات

وتأتي هذه الاتهامات لفيلق أفريقيا الروسي، الذي يتألف من عناصر من "فاغنر" ومقاتلين سابقين في الجيش الروسي، في وقت تعاني فيه عاصمة مالي – باماكو – حصاراً تفرضه جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي منذ نحو شهرين.

ومن مالي، قال الباحث السياسي أبوبكر الأنصاري إن "الفيلق الأفريقي يرتكب بالفعل، أبشع أنواع الانتهاكات كما أنه يمثل امتداداً لـ’فاغنر‘، فما حدث عبارة عن تغيير الاسم وتبديل بعض عناصر بأخرى مع استمرار النهج نفسه في التنكيل بالشعب وبكل من يرفض سياستهم بما في ذلك الجيش المالي نفسه. الفيلق الأفريقي يعتبر نفسه وصياً على جيش مالي، لأنه يحمي المجلس العسكري الحاكم من الانقلابات ومن أي تهديد".

وتابع الأنصاري "في الحقيقة ليس هناك استراتيجية للمدنيين في مالي لمقاومة الفليق الأفريقي سوى الهرب والنزوح إلى دول الجوار، خصوصاً في ظل إفلات عناصر الفيلق من العقاب، لأنه كما أسلفنا يحمي الطغمة الانقلابية الحاكمة من الانقلابات والأخطار الداخلية، كما أنه سبب في تفكك مؤسسات الدولة ونجم عن أفعاله صراع أجنحة".

ولفت إلى أن "الفليق الأفريقي في مالي فوق القانون، ولا توجد سلطة قادرة على معاقبته".

ولم يتسن لـ"اندبندنت عربية" الحصول على تعليق فوري من الكرملين حول هذه الاتهامات، لكن الباحث السياسي الروسي ديمتري بريدجيه حذر من أن هذه الاتهامات تلحق ضرراً كبيراً بصورة موسكو في القارة الأفريقية.


تهديد وخوف

ولا تعترف السلطات في مالي علناً بحضور روسي عسكري على الأرض، لكن موسكو تقر بحضور لها عبر فيلق أفريقيا الذي يتبع مباشرة لوزارة الدفاع.

وتحدث 34 مدنياً مالياً بحرقة عن مشاهد مروعة لانتهاكات ارتكبتها عناصر الفيلق في تحقيق لوكالة "أسوشيتد برس" عن الأمر، إذ أكد هؤلاء أن "عناصر الفيلق ينتهجون سياسة الأرض المحروقة في مالي".

ويعتقد بريدجيه أنه "حتى لو بقيت هذه الروايات في إطار مزاعم يصعب التحقق من كل تفاصيلها بسبب تعقيدات الحرب وقلة الوصول الميداني، فهي تلحق ضرراً كبيراً بصورة روسيا في أفريقيا، لأن الاتهامات هنا لا تتعلق بجدل سياسي عادي بل بجرائم تمس المدنيين مباشرة، وهذا يحول أية شراكة أمنية من فكرة حماية واستقرار إلى فكرة تهديد وخوف".

وشدد على أن "أول أثر واضح هو ضرب سردية روسيا، بوصفها شريكاً يحترم سيادة الدول ويقدم حلولاً أمنية سريعة. في سياق الساحل تحديداً، كثير من الحكومات والجماهير انجذبت نحو موسكو، لأنها رأت فيها بديلاً عن نماذج سابقة لم تحقق نتائج ملموسة، لكن عندما تنتشر اتهامات مثل الاغتصاب أو القتل تتبدل المعادلة من سؤال من يوفر الأمن؟ إلى سؤال من يحمي الناس من تلك القوة نفسها؟ هنا تبدأ فجوة الثقة بين المواطن والسلطة وبين المجتمع وأية قوة أجنبية تعمل على الأرض".
واستطرد قائلاً إن "الأثر الثاني هو أن هذه المزاعم تتحول إلى مادة دعائية فعالة للخصوم، سواء دولاً تريد تطويق النفوذ الروسي أم جماعات مسلحة ومتطرفة تبحث دائماً عن قصص لتعبئة الأنصار وتبرير الانتقام". وأضاف "في بيئات هشة، أي انتهاك ضد المدنيين نادراً ما يبقى حادثاً منفرداً، بل يتحول سريعاً إلى غضب محلي وخطاب كراهية وتجنيد جديد ثم دوامة عنف إضافية، وبذلك لا تسيء الاتهامات للسمعة فقط، بل قد تقوض الهدف الأمني نفسه الذي جاءت روسيا لتسويقه".

وأكد بريدجيه أن "الأثر الثالث هو تآكل نموذج التعاون العسكري الروسي على مستوى القارة، لأن أفريقيا شبكة من العواصم التي تراقب بعضها بعضاً. إذا ترسخت قناعة بأن الشراكة الأمنية مع روسيا يرافقها إفلات من العقاب أو سلوك متكرر ضد المدنيين، فستبدأ حكومات أخرى بالتردد أو ستطلب شروطاً أشد وكلفة سياسية أعلى، أو ستبقي العلاقة في الظل وبأقل التزامات ممكنة، وهذا يضعف القدرة الروسية على بناء نفوذ طويل الأمد قائم على اتفاقات مستقرة وتعاون مؤسسي واضح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مخاوف حقيقية

وأدى تمرد "فاغنر" بقيادة يفغيني بريغوجين في عام 2023 على الكرملين إلى استبدال قوات المجموعة شبه العسكرية بفيلق أفريقيا الذي يتبع مباشرة وزارة الدفاع الروسية، وأوكلت إليه مهمة تأمين نفوذ موسكو في القارة السمراء.

واستعان المجلس العسكري الحاكم في مالي شأنه في ذلك شأن نظيريه في بوركينا فاسو والنيجر بقوات روسية لاستعادة الأمن والاستقرار، وذلك بعد طرد القوات الفرنسية والغربية إثر موجة من الانقلابات العسكرية.            

واعتبر الباحث في الشؤون الأفريقية رامي زهدي أن "ما يثار حول فيلق أفريقيا الروسي يعكس إلى حد كبير مخاوف حقيقية من إعادة إنتاج نموذج ’فاغنر‘ بصيغة جديدة، حتى وإن اختلفت المسميات أو الأطر التنظيمية، وبالفعل المؤشرات الميدانية وطبيعة الانتشار وأنماط العمل المرتبطة بالملفات الأمنية وحماية الأنظمة، توحي بأن هناك استمراراً لمنهج يعتمد على القوة الصلبة وتداخل الأدوار بين العسكري والاقتصادي والسياسي، وهو النهج ذاته الذي ارتبط باسم ’فاغنر‘ خلال السنوات الماضية في عدد من الدول الأفريقية".

 

وأردف زهدي أن "الفارق الجوهري يتمثل في أن روسيا، بعد تجربة ’فاغنر‘ وتداعياتها، تحاول على ما يبدو إعادة ضبط أدوات حضورها في أفريقيا بصورة أكثر رسمية أو شبه رسمية، بما يسمح لها بالحفاظ على النفوذ وتقليل كلفة الاتهامات المباشرة، ومع ذلك فإن تغيير الشكل من دون معالجة جوهر السلوك يظل غير كاف، خصوصاً في بيئة أفريقية باتت أكثر وعياً بتأثيرات التدخلات الخارجية على سيادتها واستقرارها الداخلي".

وبين أن "هذه الاتهامات والسلوكيات تلقي بظلال ثقيلة على صورة روسيا وسمعتها في القارة السمراء، فبدل ترسيخ حضورها كشريك تنموي أو داعم لبناء القدرات الوطنية، تختزل في أذهان قطاعات واسعة من النخب والرأي العام في كونها فاعلاً أمنياً مثيراً للجدل، مرتبط بانتهاكات محتملة وتغذية النزاعات، وهو ما يتناقض مع الخطاب الروسي الرسمي القائم على احترام السيادة وعدم التدخل، وعلى المدى المتوسط قد يؤدي ذلك إلى تآكل الرصيد السياسي الذي حققته موسكو في أفريقيا خلال العقد الأخير".

وحذر الباحث ذاته من أن "التدخل الروسي في أفريقيا يعاني بالفعل فجوة واضحة في آليات المساءلة والشفافية، سواء على المستوى الدولي أو داخل الدول المضيفة نفسها، فغياب أطر قانونية واضحة تنظم عمل هذه التشكيلات، وضعف الرقابة البرلمانية والقضائية في بعض الدول الأفريقية، ينتج بيئة تسمح بالإفلات من المحاسبة، وهو ما يضاعف الأخطار ويعمق الشكوك حول النوايا الحقيقية لهذا الوجود".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير