ملخص
ضمن خطاب ألقاه داخل القصر الرئاسي في بعبدا قرب بيروت، بحضور السلطات ودبلوماسيين، تحدث فيه عن صفات "فاعلي السلام"، قال البابا "هناك لحظات يكون فيها الهرب أسهل، أو ببساطة يكون الذهاب إلى مكان آخر أفضل"، مضيفاً "يتطلب البقاء أو العودة إلى الوطن شجاعة وبصيرة"
ناشد البابا لاوون الـ14 اليوم الأحد من بيروت التي وصلها حاملاً رسالة سلام، اللبنانيين إلى التحلي بـ"شجاعة" البقاء في بلدهم، داعياً المسؤولين إلى أن يضعوا أنفسهم في "خدمة" شعبهم، في خضم الأزمات التي تعصف بالبلد الصغير.
ولبنان يعد المحطة الثانية للحبر الأعظم (70 سنة) خلال جولته الخارجية الأولى منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية خلال مايو (أيار) الماضي، والتي استهلها من تركيا حيث شدد على أهمية الحوار والوحدة بين المسيحيين.
في خطاب ألقاه داخل القصر الرئاسي في بعبدا قرب بيروت، بحضور السلطات ودبلوماسيين تحدث فيه عن صفات "فاعلي السلام"، قال البابا "هناك لحظات يكون فيها الهرب أسهل، أو ببساطة، يكون الذهاب إلى مكان آخر أفضل"، مضيفاً "يتطلب البقاء أو العودة إلى الوطن شجاعة وبصيرة".
وخاطب البابا اللبنانيين بالقول "أنتم شعب لا يستسلم، بل يقف أمام الصعاب ويعرف دائماً أن يولد من جديد بشجاعة". وأضاف "عانيتم كثيراً من تداعيات اقتصاد قاتل، ومن التشدد وتصادم الهويات ومن النزاعات، لكنكم أردتم وعرفتم دائماً أن تبدأوا من جديد".
وحض البابا في كلمته اللبنانيين على اتباع "طريق المصالحة الشاق"، وشدد على أهمية العمل على "شفاء الذاكرة وعلى التقارب بين من تعرضوا للإساءة والظلم"، وإلا سيكون "من الصعب السير نحو السلام".
وتوجه رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى المسؤولين اللبنانيين، داعياً إياهم إلى أن "يقدموا هدف السلام على كل شيء". وقال "أشجعكم على ألا تنفصلوا أبداً عن شعبكم، وأن تضعوا أنفسكم في خدمة شعبكم الغني بتنوعه".
ويعاني لبنان الذي كثيراً ما نظر إليه على أنه نموذج للتنوع الديني في الشرق الأوسط، منذ عام 2019 أزمات متلاحقة شملت انهياراً اقتصادياً غير مسبوق وارتفاعاً كبيراً في معدلات الفقر وتدهور الخدمات العامة، فضلاً عن انفجار مرفأ بيروت عام 2020، والحرب الأخيرة التي خاضها "حزب الله" وإسرائيل، ولا تزال البلاد تعاني تبعاتها.
وعلى رغم الدور السياسي المهم الذي يؤديه المسيحيون في لبنان، الدولة العربية الوحيدة حيث رئيس الجمهورية مسيحي، تراجعت أعدادهم بصورة حادة خلال العقود الأخيرة، مع ارتفاع نسبة الهجرة خصوصاً في صفوف الشباب.
وبغياب أية إحصاءات رسمية داخل لبنان، يقدر مركز الدولية للمعلومات، وهو مركز أبحاث وإحصاءات في بيروت، عدد الذين غادروا البلاد بين عامي 2012 و2024 بأكثر من 800 ألف شخص، 70 في المئة منهم من الشباب.
"رسول سلام"
ضمن تصريحات على متن الطائرة البابوية، قال البابا (70 سنة) للوفد الصحافي المرافق قبيل وصوله إلى بيروت "أن آتي إلى تركيا، وبالطبع الآن إلى لبنان في هذه الرحلة، له بطبيعة الحال محور خاص، وهو أن أكون رسولاً للسلام، وأن أسعى إلى تعزيز السلام في جميع أنحاء المنطقة".
وداخل مطار بيروت، كما في القصر الرئاسي، أقيمت مراسم استقبال رسمية للحبر الأعظم، حضرها رؤساء الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام والبرلمان نبيه بري. وترحيباً بوصوله، أطلقت مدفعية الجيش 21 قذيفة خلبية، بينما أطلقت السفن الراسية في مرفأ بيروت أبواقها.
وقالت زهرة نحلة (19 سنة) بينما كانت تنتظر مرور موكب البابا على طريق المطار لوكالة الصحافة الفرنسية "جئت لأقول إن اللبنانيين شعب واحد ونحن يد واحدة، البابا لا يخص المسيحيين فقط بل المسلمين أيضاً".
وأضافت الشابة التي تتحدر من قرية جنوبية حدودية مع إسرائيل "نريده أن يبارك أرضنا وأتمنى لو يتمكن من زيارة أرض الجنوب"، الذي تعرضت بلداته لدمار واسع خلال الحرب الأخيرة بين "حزب الله" وإسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسلك موكب البابا طريق المطار في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل "حزب الله"، حيث كان عناصر من كشافة المهدي التابعين للحزب ينتشرون على جانبي الطريق، قرب صور مرفوعة للأمين العام السابق للحزب حسن نصرالله الذي اغتالته إسرائيل بضربات جوية العام الماضي.
وتأتي زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية إلى بيروت على وقع مخاوف محلية من اتساع نطاق التصعيد الإسرائيلي على لبنان، على رغم التزام السلطات بنزع سلاح "حزب الله"، بعد عام من سريان وقف لإطلاق النار أنهى حرباً مدمرة بين الطرفين.
واجتاز البابا الجزء الأخير من الطريق المؤدي إلى القصر الرئاسي داخل سيارته "بابا موبيل"، وحيا المئات من المؤمنين الذين تجمعوا تحت أمطار غزيرة ورفع بعضهم أعلام دولة الفاتيكان.
وشاهد من داخل سيارته رقصاً فلكلورياً ترحيباً به أدته فرقة لبنانية داخل باحة القصر.
"خيار شجاع"
تحفل زيارة البابا خلال اليومين المقبلين بسلسلة لقاءات، أبرزها لقاء يعقده غداً الإثنين مع الشباب داخل مقر البطريركية المارونية في بكركي، وقداس في الهواء الطلق يترأسه قبيل مغادرته الثلاثاء المقبل في واجهة بيروت البحرية ويتوقع أن يحضره أكثر من 100 ألف مؤمن.
وقال رئيس منظمة "لوفر دوريان" l'Oeuvre d'Orient الكاثوليكية المعنية بمساعدة المسيحيين في الشرق الأوسط المونسينيور أوغ دو ويليمونت، إن زيارة البابا إلى لبنان تعكس "خياراً شجاعاً".
وأعلن لبنان غداً الإثنين وبعد غدٍ الثلاثاء يومي عطلة رسمية بمناسبة الزيارة، واتُّخذت تدابير أمنية مشددة، بما في ذلك إغلاق الطرق وحظر تحليق المسيرات، وإقفال المحال التجارية في وسط المدينة مساء غدٍ، قبل القداس المقرر صباح بعد غدٍ.
ووصل الحبر الأعظم إلى لبنان آتياً من تركيا، إذ حافظ على أسلوبه الحذر الذي يعتمده منذ انتخابه، مراعياً الحساسيات السياسية لمن التقاهم، ومجدداً رسائله المؤيدة للوحدة واحترام التنوع الديني.
واختتم صباح اليوم زيارته باحتفال طقسي مهيب تحت قبة كاتدرائية القديس جاورجيوس الأرثوذكسية في إسطنبول.
وقال البابا "خلال هذا الوقت من الصراعات الدموية والعنف، في أماكن قريبة وبعيدة، الكاثوليك والمسيحيون الأرثوذكس مدعوون إلى أن يكونوا بناة للسلام".
وحظي لاوون الـ14 بترحيب حار من أتباع الطائفة الكاثوليكية الصغيرة في تركيا، إلا أن زيارته طغى عليها الهدوء بفعل التدابير الأمنية المكثفة التي ضيقت إمكانات التواصل المباشر بين العامة والبابا.