Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرايين كهربائية ترسم خريطة طاقة جديدة للخليج

من الزور شمالاً إلى السلع جنوباً، تمتد محطات الربط كشبكة نابضة تحفظ استقرار الإمدادات وترسم مسار التحول الطاقي في دول مجلس التعاون

تشكل محطات الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون العمود الفقري لمنظومة الطاقة الخليجية (رويترز)

ملخص

يشكل الربط الكهربائي الخليجي شبكة موحدة عززت أمن الطاقة، وخفضت الانقطاعات والتكاليف في دول مجلس التعاون.

في خضم أعمال القمة الخليجية الـ46 في المنامة، يبرز مشروع الربط الكهربائي الخليجي بوصفه واحداً من أنجح تجارب التكامل بين دول مجلس التعاون، وركيزة استراتيجية عززت أمن الطاقة في المنطقة طوال السنوات الماضية. فمنذ إطلاقه عام 2009، عملت هيئة الربط الكهربائي على دمج شبكات الكهرباء في الإمارات والبحرين والسعودية والكويت وقطر وسلطنة عمان في شبكة موحدة ومرنة، قادرة على توفير الإمدادات الكهربائية بصورة مستقرة حتى في ذروة الاستهلاك أو خلال الأعطال المفاجئة التي قد تتسبب عادة في انقطاعات واسعة.

ولا يقتصر دور هذه المنظومة على تبادل الطاقة بين الدول، بل تشكل شبكة أمان خليجية عالية الاعتمادية، أسهمت في خفض الانقطاعات وتقليل تكاليف التشغيل وتحسين كفاءة التوليد، فضلاً عن تقليص الحاجة إلى بناء محطات جديدة، وقد وفرت هذه المزايا مجتمعة مليارات الدولارات على دول المجلس خلال السنوات الماضية.

كما أصبح الربط الكهربائي دعامة أساسية في مساعي دول الخليج إلى التحول نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات وتعزيز استدامة الموارد، إضافة إلى دوره في تحسين تنافسية الاقتصادات الخليجية ورفع مستوى جودة الحياة.

أعرب أحمد الإبراهيم الرئيس التنفيذي لهيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي في حديث سابق مع "اندبندنت عربية"، عن أهمية الكهرباء كأداة دبلوماسية تسهم في تعزيز العلاقات بين الدول منذ تأسيسها، إذ تواصل الهيئة جهودها في تعزيز التكامل والتعاون في مجال الطاقة بين دول المجلس. وبين أن مشاريع الربط الكهربائي أسهمت في تحقيق استقرار وأمن الطاقة، إذ يعول عليها مستقبلاً لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري من خلال دمج مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة في الشبكات الكهربائية، مما يدعم توجهات الدول نحو مستقبل أكثر استدامة.

وأشار إلى "أن مشروع الربط الكهربائي الخليجي يعد من الإنجازات البارزة التي تعزز استقرار شبكات الطاقة بين الدول الأعضاء، إذ يتيح تبادل الكهرباء في حالات الطوارئ ويعظم الفوائد الاقتصادية لمشاريع الكهرباء، كما يعد هذا الربط أساساً لتنفيذ استراتيجيات دول المجلس نحو الطاقة النظيفة".

وفي ما يتعلق بالتكامل الإقليمي، أضاف الرئيس التنفيذي "أن منطقة الخليج تمتلك فرصة فريدة للاستفادة من مواردها المتجددة والتقنيات المتطورة لبناء شبكة كهربائية خالية من الكربون". أما عن الاتجاهات المستقبلية لقطاع الكهرباء في الخليج، فأكد أن التحديات الحالية تتطلب التعاون والتفكير الاستراتيجيين للوصول إلى حلول مبتكرة ومستدامة، مشيراً إلى أن الدول الخليجية تتخذ خطوات مهمة في مجال الطاقة المستدامة والحياد الكربوني، مع التركيز على رفع كفاءة الطاقة وزيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 50 في المئة من الطلب على الطاقة خلال أوقات الذروة بحلول عام 2050.

إنتاج الطاقة الشمسية

وأوضح الرئيس التنفيذي لهيئة الربط الكهربائي الخليجي في حديثه للوسائل الإعلامية السعودية الأسبوع الماضي، أن الهيئة تواصل دعم توجهات دول المجلس، وفي مقدمها السعودية، نحو التحول للطاقة النظيفة وتحقيق الحياد الكربوني، وأشار إلى أن قدرات الطاقة المتجددة في الخليج مرشحة للوصول إلى أكثر من 120 غيغاواط بحلول عام 2030، وإلى نحو 180 غيغاواط بحلول 2040، وهو نمو غير مسبوق في المنطقة.

ووضح أن الهيئة لعبت دوراً محورياً في دمج هذه القدرات المتجددة ضمن الشبكة الخليجية، من خلال استيعاب التذبذب الطبيعي في إنتاج الطاقة الشمسية والرياح، وتسويق الفائض بين الدول الأعضاء، وتقليل الحاجة إلى إنشاء احتياطات توليد جديدة. كما أسهمت هذه الجهود في خفض الانبعاثات بنحو 7 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون خلال السنوات الماضية، في خطوة تعكس التحول المتسارع نحو الطاقة النظيفة في المنطقة.

 

ولفت أحمد بن علي الإبراهيم إلى أن دور هيئة الربط الكهربائي لا يقتصر على إدارة الشبكات الحالية، بل يمتد ليشمل تمكين مشاريع الهيدروجين الأخضر وتقنيات تخزين الطاقة، وهو ما يجعل دول الخليج مرشحة، لأن تكون مركزاً عالمياً لتصدير الكهرباء النظيفة والهيدروجين إلى أوروبا وأفريقيا وآسيا خلال السنوات المقبلة.

ويشير مختصون في قطاع الطاقة إلى أن هذا المسار بات جزءاً من الملفات الاستراتيجية المطروحة أمام القادة في قمة المنامة، بوصفه أحد أهم محركات الاقتصاد الخليجي المستقبلي، ومحوراً رئيساً في التحول نحو اقتصاد منخفض الكربون وأكثر تنوعاً.

توسعات من الشرق

كشف الإبراهيم أن الهيئة أطلقت من المنطقة الشرقية مرحلة توسع جديدة تشمل مشروع تعزيز الربط مع الكويت عبر خطوط جديدة ومحطة الوفرة التي اكتمل تشغيلها خلال الربع الثالث من العام الحالي، بكلفة 260 مليون دولار، لتكون بوابة التوسع باتجاه الشمال. كما أشار إلى مشروع الربط مع جنوب جمهورية العراق عبر محطة الوفرة، وبكلفة تجاوزت 300 مليون دولار، بوصفه خطوة محورية تمهد لربط أوسع قد يمتد مستقبلاً إلى تركيا وأوروبا، بما يعزز مكانة الخليج كحلقة رئيسة في شبكة الطاقة العالمية.

900 مليون دولار للربط مع الإمارات وسلطنة عمان

وأضاف الإبراهيم أن الربع الثالث شهد إطلاق مشاريع توسعية جديدة مع دولة الإمارات، إلى جانب مشروع الربط المباشر مع سلطنة عمان بكلفة تقارب 900 مليون دولار، وذلك لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة، وتمكين مشاريع الطاقة المتجددة عبر رفع كفاءة الربط الإقليمي واستيعاب قدراته.

ملف طاقة استراتيجي أمام قمة المنامة

ومع هذا الزخم من المشاريع، يرى خبراء خليجيون أن القمة الخليجية في المنامة تمثل محطة مفصلية لدفع ملف الطاقة نحو مرحلة جديدة من التكامل، خصوصاً في ما يتعلق بتأسيس سوق كهرباء خليجية مشتركة، ودعم تصدير الهيدروجين الأخضر، وتعزيز الاستثمارات في تقنيات التخزين والربط العابر للحدود.

ويؤكد هؤلاء أن دول الخليج تمتلك اليوم فرصة تاريخية لقيادة التحول الطاقي في المنطقة، مستندة إلى بنية تحتية متقدمة، وشراكات دولية واسعة، ورؤية سياسية واقتصادية موحدة نحو المستقبل.

أمن الطاقة واستدامتها

أكد الخبير الاقتصادي خالد الدوسري أن شبكة الربط الكهربائي الخليجي أصبحت اليوم واحدة من أهم البنى التحتية الاستراتيجية في المنطقة، بعد أن نجحت هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون في إنشاء شبكة إقليمية فائقة القوة تعمل بجهد 400 كيلو فولت وتردد 50 هرتز، تربط شبكات الكهرباء الوطنية في منظومة موحدة تعد من أكثر الشبكات موثوقية واعتمادية في الشرق الأوسط.

وأوضح الدوسري أن هذه الشبكة تتكون من سبع محطات رئيسة للنقل والتحويل، إضافة إلى خطوط هوائية وكابلات بحرية تمكن من نقل الطاقة بكفاءة عالية بين دول المجلس، مع ضمان استقرار الإمدادات حتى في حالات الطوارئ أو الذروة، وهو ما يعكس قدرة دول الخليج على بناء منظومة طاقة متقدمة تتجاوز الحدود الوطنية.

وأشار إلى أن أحد أهم عناصر هذا التكامل يتمثل في ارتباط الشبكة مباشرة مع شبكة السعودية ذات التردد 60 هرتز عبر محطة متخصصة للتيار المستمر عالي الجهد (HVDC)، بما يسمح بالتشغيل المتزامن بين نظامين مختلفين من دون أي تأثير في كفاءة التوزيع أو موثوقية الإمدادات.

وبين الدوسري أن الخطوط الهوائية في الشبكة صممت بدوائر مزدوجة لضمان أعلى درجات الأمان واستمرارية الخدمة حتى في حال تعطل إحدى الدوائر، فيما تعد سلطنة عمان الدولة الوحيدة التي ترتبط بالشبكة عبر منظومة كهرباء الإمارات، بما يعكس مرونة الشبكة في التكامل واستيعاب الفروقات التشغيلية.

شرايين تمتد عبر الخليج

وأشار الدوسري إلى أن الخطوط الهوائية ذات الجهد 400 كيلو فولت تمتد لمسافة 913 كيلومتراً عبر تضاريس مختلفة، وصممت بدوائر مزدوجة لضمان استمرار الخدمة وتقليل التكاليف التشغيلية.

أما الكابلات البحرية، فتمثل بحسب الدوسري إحدى أكثر الوصلات استراتيجية داخل المنظومة، إذ ترتبط الشبكة بمحطة الجسرة في البحرين عبر كابلين بحريين بطول 50 كيلومتراً يوفران اتصالاً مستقراً وآمناً للطاقة تحت الماء.

وفي ختام حديثه، أكد الخبير الاقتصادي خالد الدوسري أن شبكة الربط الكهربائي الخليجي تمثل نموذجاً متقدماً للتكامل الاقتصادي والطاقة المشتركة، وركيزة أساسية لدعم استدامة الإمدادات وتعزيز أمن الطاقة، وتمكين الخطط المستقبلية للطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، بما يجعل دول الخليج في موقع ريادي داخل أسواق الطاقة العالمية.

الطاقة النظيفة والربط الكهربائي

أكد المحاضر والباحث في الشؤون الاقتصادية والمصرفية الإقليمية عارف خليفة على أهمية التوسع في قطاع الطاقة النظيفة، خصوصاً الهيدروجين الأخضر، داعياً إلى وضع خريطة طريق خليجية موحدة تشمل توحيد مواصفات الإنتاج والنقل والاعتمادات الكربونية لضمان تنافسية هذا القطاع الحيوي. وأشار إلى إمكان إنشاء سوق مزادات إقليمية طويلة الأجل لمنتجات مثل الألومنيوم والهيدروجين، إلى جانب تشكيل تحالفات للتصنيع المحلي في مجالات الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية، بما يعزز أمن الطاقة ويعمق القيمة الاقتصادية داخل دول الخليج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بالربط الكهربائي الخليجي، أكد عارف أن التوسع الجاري في الربط مع العراق واليمن يمثل خطوة بالغة الأهمية لتعزيز استقرار المنظومة الكهربائية في المنطقة. وبين أن الربط الإقليمي يسهم في خفض الانبعاثات وضبط الأسعار، ويدعم مسار التكامل الاقتصادي داخل المجلس وخارجه، خصوصاً مع تنامي التوجه نحو الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.

محطات الربط الرئيسة 

تشكل محطات الربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون العمود الفقري لمنظومة الطاقة الخليجية، إذ تؤمن استدامة تدفق الكهرباء وتعزز قدرة الشبكات الوطنية على مواجهة الأحمال الطارئة والظروف المناخية القاسية. ويوضح الدوسري أن كل محطة من هذه المحطات تؤدي دوراً مركزياً داخل الشبكة المشتركة، بدءاً من محطة الزور في الكويت التي تعمل بجهد 275 كيلو فولت، وتعد نقطة اتصال رئيسة تمنح الشبكة مرونة إضافية وموثوقية أعلى، وصولاً إلى محطة الفاضلي في السعودية التي تعد أحد أهم مراكز تحويل الطاقة بجهد 400 كيلو فولت، وتعمل كمحور رئيس لتوزيع الكهرباء عبر المنطقة.

ويمتد دور السعودية داخل المنظومة عبر محطة غونان التي تسهم في الحفاظ على استقرار تدفقات الطاقة داخل الشبكة المشتركة، بينما تضطلع محطة الجسرة في البحرين بمهمات حيوية عبر ارتباطها بجهد 220 كيلو فولت، إذ تشكل العصب الأساس لإمدادات المملكة الكهربائية من خلال كابلات بحرية عالية الاعتمادية.

وتبرز محطة سلوى السعودية كأحد أهم المراكز المرتبطة بجهد 400 كيلو فولت، كونها تتولى إدارة حركة الكهرباء بين دول المجلس، إلى جانب محطة LZS في قطر التي تعمل كحلقة ربط موثوقة بجهد 400 كيلو فولت، وتؤمن تبادل الطاقة مع الدولة بكفاءة عالية.

أما في الإمارات، فتتولى محطة السلع ربط منظومة الدولة الكهربائية مع الشبكة الخليجية بجهد 400 كيلو فولت، لتشكل مع بقية المحطات ممرات أساسية تضمن تدفق الطاقة واستقرارها. ويكتمل هذا النظام المتداخل عبر محطة التيار المستمر عالي الجهد (HVDC)، وهي منشأة متقدمة تقنياً تسمح بمواءمة الترددين 50 و60 هرتز، مما يجعل تبادل الكهرباء بين الشبكات الخليجية والسعودية أكثر سلاسة وفعالية.
 

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات