ملخص
دانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، بشدة مقتل خنساء المجاهد، التي أطلق عليها النار في طرابلس، مؤكدة أن هذه الحادثة المروعة تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى معالجة جميع حالات القتل المماثلة في أنحاء البلاد وضمان المساءلة الكاملة، ونوهت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا بأن المعلومات الأولية تشير إلى أن عملية القتل كانت تستهدف زوجها عضو لجنة الحوار السياسي السابق معاذ المنفوخ.
حاولت النزول مسرعة من سيارتها السوداء، لتبين لهم بأنها امرأة لعل أنوثتها تثني المسلحين المجهولين عن جريمتهم، غير أنهم اغتالوها بوابل من الرصاص كان كافياً بإزهاق روحها تاركة وراءها رضيعة لم يتعد عمرها أربعة أشهر، إنها صانعة المحتوى الليبية خنساء المجاهد، زوجة عضو لجنة الحوار السياسي الليبي السابق معاذ المنفوخ.
حادثة هزت الرأي العام الليبي والدولي، إذ قالت وزارة الدولة لشؤون المرأة بحكومة الوحدة الوطنية إن جريمة مقتل المجاهد، تبين حجم العنف الذي يهدد نساء ليبيا، مطالبة بتحقيق عاجل وشفاف لضمان حماية كل امرأة ليبية.
غضب محلي
وأعربت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا عن إدانتها الشديدة لجريمة اغتيال خنساء المجاهد، منوهة بأن المعلومات الأولية تشير إلى أن عملية القتل كانت تستهدف زوجها عضو لجنة الحوار السياسي السابق معاذ المنفوخ.
وأوضحت المنظمة الحقوقية في بيان أن "عناصر خارجين عن القانون يشتبه في انتمائهم لجهاز الأمن العام والتمركزات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بحكومة عبدالحميد الدبيبة قد يكونون متورطين في الواقعة"، داعية النائب العام إلى فتح تحقيق شامل يكشف ملابسات الجريمة وهوية المتورطين فيها، وتقديمهم للعدالة، محملة حكومة الدبيبة ووزير داخليتها المسؤولية القانونية الكاملة عن جريمة القتل العمد والاغتيال التي طاولت الخنساء مجاهد.
إدانة أممية
ودانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشدة مقتل خنساء، التي أطلق عليها النار في طرابلس، مؤكدة أن هذه الحادثة المروعة تسلط الضوء على الحاجة الملحة إلى معالجة جميع حالات القتل المماثلة في أنحاء البلاد وضمان المساءلة الكاملة.
وطالبت البعثة السلطات المتخصصة بالتحقيق السريع والشفاف في هذه الجريمة، وتقديم الجناة إلى العدالة، واتخاذ إجراءات حاسمة لوضع حد لهذا النمط من العنف، مشيرة إلى وجود نمط خطر من العنف ضد النساء واستهداف النساء الناشطات في الحياة العامة، محذرة من أي أعمال قد تؤدي إلى تصعيد التوتر، وتدعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس والتعاون مع التحقيقات الجارية لتقديم الجناة إلى العدالة.
فئة هشة
وشهدت المنطقة الغربية خلال الشهر الجاري، الذي يعرف بشهر التوعية للقضاء على العنف ضد المرأة، مقتل ثلاث ليبيات من بينهن الطبيبة أماني حجا التي قتلت على يد عائلتها، وخنساء المجاهد التي اغتليت في الشارع على يد مسلحين مجهولين، وامرأة ثالثة انتشلها الهلال الأحمر من أحد الأحواض الزراعية.
جرائم مختلفة أعادت إلى أذهان الليبيين سلسلة اغتيال النساء في الشرق الليبي من بينهن المحامية سلوى بوقعيقيص التي قتلت عام 2014، وعضوة مجلس النواب سهام سرقيوه المغيبة قسراً منذ عام 2019 والمحامية حنان البرعصي التي اغتيلت بالرصاص في شوارع بنغازي عام 2020.
وارتفعت في الفترة الأخيرة حوادث استهداف النساء والأطفال الذين باتوا الفئة الأكثر هشاشة في الصراع الليبي، إذ انتشر أخيراً فيديو على منصات التواصل الاجتماعي لأحد الأساتذة وهو يقوم بضرب طالبات بعصا، بينما كادت الطفلة، إيلاف الزحاف، تفقد حياتها بسبب تعذيب عمتها لها، لولا تدخل النيابة العامة الليبية، في حين تحولت مقار مخصصة لمدارس ابتدائية إلى مخازن للذخيرة وأحياء سكنية إلى مقار للمجموعات المسلحة.
العنف المنزلي
وإجابة عن سؤال، هل أصبحت حياة النساء والأطفال في ليبيا بين سندان بطش الميليشيات ومطرقة الرصاص، يقول المتخصص في الشؤون القانونية، احميد الزيداني، إن ما نشاهده الآن من تنامٍ لظاهرة قتل الأطفال والنساء، هو امتداد لحال العنف المرتكب في حقهم خلف الأبواب الموصدة داخل الوسط العائلي، الذي كثيراً ما واجهه المجتمع بحال من الإنكار، وهو العنف الذي كثيراً ما حذرنا من تناميه في غفلة من الجميع، ذلك العنف الذي يبدأ من المنزل إلى المدرسة، وصولاً إلى ذلك العنف الذي تمارسه الجماعات والميليشيات المسلحة في حق هذه الفئة الأكثر هشاشة في الصراع الليبي.
وفي ما يخص اغتيال ثلاثة ليبيات خلال الشهر الجاري، الذي يعرف بشهر التوعية للقضاء على العنف ضد المرأة، يؤكد الزيداني "أنه على رغم اختلاف البواعث أو القصد الجنائي في الجرائم الثلاث المرتكبة، وحصولها في مدن مختلفة من المنطقة الغربية، فإن ارتكاب هذه الجرائم في هذا الوقت القصير يعطي دلالة واضحة على توسع انتشار استهداف النساء في المجتمع الليبي، هذا الاستهداف الذي يستلزم إجراء مسوحات اجتماعية لمعرفة الباعث الحقيقي والخفي لارتكاب تلك الأفعال".
آليات المكافحة
وبخصوص كيفية الحد من هذه الظاهرة واقتراح البعض الاستعانة بالتجربة التونسية لإحداث فرقة للبحث في جرائم العنف ضد المرأة والطفل وهو جهاز صلب وزارة الداخلية التونسية يعنى بحماية المرأة والطفل من العنف، يؤكد الزيداني أنه على رغم فاعلية التجربة التونسية فإن إسقاط تجارب مجتمعات على مجتمعات أخرى قد يصطدم باختلاف السياقات والثقافات.
ويقول إن ليبيا استحدثت منذ مدة مكتباً لحماية الطفل والأسرة ومكتباً لشؤون المرأة تابعين لوزارة الداخلية، واستحدثت الحكومة الليبية (شرق ليبيا) أخيراً، وعلى خلفية الانتهاكات المتنامية ضد المرأة والطفل جهازاً ضبطياً جديداً تحت اسم "جهاز حماية الطفل والمرأة" الذي تقرر إنشاؤه بموجب القرار رقم (419) لسنة 2025.
ولا يتوقع المتخصص في الشؤون القانونية أن تكون لهذا الجهاز تلك الفاعلية المرجوة، لأن منبع هذه الظواهر الإجرامية ليس قصور التنفيذ من قبل مأموري الضبط القضائي، وإنما عجز التشريعات التي تشكل أحد أسباب تنامي تلك الأفعال، فالنصوص العقابية القائمة جلها من خمسينيات القرن الماضي ولا تشكل العقوبات الواردة فيها ردعاً كافياً للجناة، وفق رأيه.
ويلاحظ المتحدث ذاته أن الأفكار والموروث الثقافي المشوه والمنتشر في المجتمع يحتاج إلى إعادة تقويم وإرشاد من خلال أعمال التوعية، فالعنف المرتكب ضد النساء في المجتمع الليبي لا يتوقف عند العنف الجسدي أو اللفظي فحسب، بل إن جرائم حرمان المرأة من الميراث تمثل أيضاً دليلاً دامغاً على تفشي العنف الاقتصادي ضد المرأة بسبب الموروث الثقافي الذي يتعارض حتى مع الدين والقوانين السارية.
ويشدد المتخصص في الشؤون القانونية على أن ظاهرة العنف ضد الفئات الأكثر عرضة للانتهاك (الأطفال والنساء)، تحتاج إلى التصدي لها بحزمة من الإجراءات والتدابير لضمان الحد منها، ويأتي في مقدمها المسوحات والبحوث الاجتماعية للوقوف على أسباب تنامي تلك الظاهرة والعمل على تحديث وتطوير التشريعات الجنائية في مجابهة العنف الموجه لتلك الشرائح، إضافة إلى تأهيل ورفع كفاءة مأموري الضبط القضائي من العاملين في هذا المجال لما يكتسبه من خصوصية، والعمل على توسيع حملات التوعية في مجال مناهضة العنف وإبراز أخطار ذلك العنف على الأسرة والمجتمع، لتشمل كل فئات المجتمع.
رمزية المرأة
وترى عضو اللجنة الاستشارية ببعثة الأمم المتحدة، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بنغازي، عبير أمنينة، أنه في مراحل الصراع غالباً ما يستخدم جسد المرأة كرسالة رمزية، فهي تقتل عندما تكون الرسالة هي للسيطرة والردع أحياناً، وأحيان كثيرة لتسوية الحسابات وإظهار من يملك القوة على الأرض.
وتضيف أمنينة أنه كما قال ميشال فوكو "من يملك حق قتل الجسد، يملك المجال السياسي"، موضحة أن جسد المرأة أدخل كهدف لتأكيد حجم السيطرة، إذ تحول جسد المرأة بعيداً من كونه مادة بيولوجية في مرحلة الصراع وتداعياته على وجه الخصوص إلى بناء اجتماعي مفتوح يعاد ترتيبه وفق منطق القوة، وتستدعى من خلاله رسائل الردع أو الانتقام أو الهيمنة.
وتؤكد عضو اللجنة الاستشارية ببعثة الأمم المتحدة أن مقتل خنساء المجاهد، جاء في سياق يتم فيه التعاطي مع جسد المرأة كمساحة مفتوحة للصراع الرمزي القوي بدلالاته المحملة ضمنياً لمجموعة من الرسائل القابلة للتفكيك، فالمرأة تقتل أو تسجن أو تعذب عندما تكون الرسالة هي للسيطرة والردع أحياناً، وأحياناً كثيرة لتسوية الحسابات وإظهار من يملك القوة على الأرض وهذا يترجم نظريات علم الاجتماع في الجسد والصراع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار عالم الاجتماع بيير بورديو إلى توظيف جسد المرأة في الصراعات والحروب مما يجعلها حاملة للرمزية الجمعية أكثر من كونها فرداً، بحيث يتحول جسدها إلى "حد" بين نحن والآخر، وتصبح السيطرة عليه استراتيجية تهدف إلى إذلال جماعة/ الخصم، وتقويض مكانتها وتحطيم صورتها الأخلاقية، ناهيك بإضعاف البنية الرمزية للقيم الجمعية، وفق ما ذكرت عبير أمنينة.
وختمت المتحدثة قولها إنه باعتبار أن الصراع في ليبيا على أشده على من يملك المال والنفوذ والسلطة فإن جسد المرأة أدخل كهدف لتأكيد حجم السيطرة، ويصبح التحكم فيه أو الاعتداء عليه أداة لإعادة إنتاج القوة وترتيب موازينها في جغرافية الصراع، الذي تغذيه التوترات التاريخية والاجتماعية القائمة.
خطر الذخيرة
وشهدت منطقة عين زارة الأحد الماضي سقوط مقذوف عشوائي من أحد معسكرات "لواء 444" مما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى المدنيين في عين زارة، بينما عاشت منطقة السكيرات في مدينة مصراتة (شرق طرابلس)، في سبتمبر (أيلول) الماضي، انفجارات متتالية لمخزن ذخيرة موجود قرب الأحياء السكنية، أصيب على أثرها 16 مدنياً، ليخرج بعدها أهالي منطقة الجزيرة رافضين تحويل إحدى المدارس إلى معسكر أمني.
ويقول الناشط في حقوق الإنسان في ليبيا علي بن خيال إن ما يحصل في ليبيا من جرائم ضد النساء واستهداف لحياة الأطفال ولحقهم في التعليم هو نتيجة تخلي المجتمع الدولي عن ليبيا، مما جعل منها بؤرة للصراع الإقليمي والدولي ومسرحاً لانتهاك ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ويتابع خيال أن محاولة استغلال المدارس في ليبيا لأغراض عسكرية تعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، مؤكداً أن انتشار ظاهرة الإفلات من العقاب هي سبب تزايد الانتهاكات المتنامية في ليبيا، من مقابر جماعية إلى الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي وصولاً إلى القتل خارج إطار القانون ومحاولة استغلال المدارس والمنازل والمزارع في تخزين الأسلحة والمخدرات وحتى المهاجرين غير الشرعيين.
ويرى الناشط الحقوقي أن عدم قيام الجهات الدولية المعنية بمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان زاد من شعور الاحباط لدى المدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا، مقابل إعطاء الطمأنينة للمجرمين في التمادي بالانتهاكات، فغياب الدعم الدولي للمدافعين عن حقوق الإنسان جعلهم فئة ضعيفة وأصبحوا رهن الاعتقال والإخفاء القسري، مما جعل كثراً يفرون خارج البلاد أو يعتزلون العمل الحقوقي.
أمر مخالف
ويرى الزيداني أن وجود المعسكرات ومخازن الذخيرة بين السكان والمدارس له أضرار كارثية، لعل آخرها ما شهدته منطقة عين زارة الأحد الماضي بسبب وجود أحد المعسكرات داخل أحيائها السكنية، إضافة إلى آثار انفجار مخزن للذخيرة في مدينة مصراتة في سبتمبر الماضي، الذي يعود سببه إلى عدم تنفيذ مطالبات بلدية مصراتة الموجهة إلى وزارة الدفاع والجهات العسكرية المعنية، بضرورة تشكيل لجنة متخصصة تتولى مهمة إخلاء مواقع الذخيرة العشوائية.
وفي ما يتعلق بتخزين الأسلحة والذخائر في المناطق الآهلة بالسكان، يقول الزيداني إن هذه المعضلة مستمرة منذ عام 2011، وكانت محل اهتمام دولي، ففي فبراير (شباط) 2013 ذكر الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في تقريره الموجه إلى مجلس الأمن في شأن بعثة الأمة المتحدة في ليبيا، أن الذخيرة غير الآمنة والمتفجرات من مخلفات الحرب والأسلحة المخزنة بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة والأسلحة والمواد الكيماوية لا تزال تشكل خطراً كبيراً على الشعب الليبي وعلى أمن المنطقة ككل، كذلك فإن قرار مجلس الأمن رقم 2095 الصادر في مارس (آذار) 2013 أعطى للبعثة مهام مكافحة الانتشار غير المشروع لجميع الأسلحة والمعدات بجميع أنواعها وتنفيذ الاتفاقات الدولية المتعلقة بالأسلحة والمواد الكيماوية والبيولوجية.
وينوه المتحدث بأن تخزين الأسلحة في الأماكن السكنية أو في الأماكن المكتظة بالسكان وداخل الأعيان المدنية كالمدارس المشمولة بالحماية في القانون الدولي الإنساني في حال النزاعات المسلحة، استمر على رغم أنه يعتبر مخالفاً للتشريعات الوطنية، والمبادئ التوجيهية التقنية الدولية في شأن الذخيرة، التي أصدرها مكتب الأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح UNODA، والمتعلقة بإدارة المخزون وضمان أمن مخزونات الذخيرة، سواء في حد ذاتها، أو مخازن وأماكن إيداعها.
ويرى الزيداني أن الاستمرار في تخزين الذخائر والمفرقعات واتخاذ المدارس أو الأماكن السكنية غير المخصصة والمعدة لذلك، يعد أمراً مخالفاً للتشريعات الوطنية والمواثيق والمعايير الدولية في هذا الخصوص، كذلك فإن الاستمرار في هذا الأمر يعد تعريضاً للسلامة العامة للخطر، وانتهاكاً لجملة من حقوق الإنسان ومنها الحق في الحياة والحق في التعليم وغيرها من بقية الحقوق.