Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحذير أممي من انهيار السلام الهش في إثيوبيا... ما الأسباب؟

دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى ضرورة اتباع السبل "الدبلوماسية لتهدئة التصعيد"

مسلحون من ميليشيات "الفانو" الأمهرية (أ ف ب)

ملخص

وجه وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثاوس في وقت سابق شكوى إلى مجلس الأمن الدولي تضمنت اتهامات لأسمرة بالضلوع في تسليح ميليشيات إثيوبية متمردة على النظام، بما فيها ميليشيات "الفانو" الأمهرية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، في حين نفى وزير الإعلام الإريتري يماني قبري مسقل هذه الاتهامات، بشدة، معتبراً أنها محاولة لتبرير استعدادات أديس أبابا لشن حرب ضد بلاده.

حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن الهدنة التي توسط فيها الاتحاد الأفريقي وأوقفت القتال في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2022 معرضة لخطر حقيقي. ودعت المنظمة في تقرير جديد في الـ23 من نوفمبر الجاري الجهات الفاعلة كافة، سواء الإقليمية أو الدولية إلى التدخل بصورة عاجلة لمنع تجدد الفظائع. وأوضحت المنظمة الحقوقية أنه في حين أن وقف إطلاق النار بين الحكومة الفيدرالية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، قلل إلى حد كبير من الأعمال العدائية النشطة، فإن آلية المراقبة "فشلت في الاهتمام بانتهاكات حقوق الإنسان"، مما سمح للأطراف بمواصلة استهداف المدنيين في تيغراي، بما في ذلك الجهات الفاعلة التي لم توقع على الاتفاق. وتابعت المنظمة أن السلطات الإثيوبية لم تحاكم بصورة موثوقة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت خلال الصراع في الفترة بين عامي 2020 و2022 والذي اتسم بارتكاب فظائع واسعة النطاق ونزوح جماعي وتدمير للبنية التحتية. وانتقدت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لفشله في تجديد التحقيق الدولي في شأن إثيوبيا عام 2023، بعد ما وصفته بضغوط من السلطات الإثيوبية لمصلحة عملية محلية تقول المجموعة إنها "توقفت تقريباً". ودعت إلى ضرورة اتباع السبل "الدبلوماسية لتهدئة التصعيد"، وحضت الضامنين الرئيسين للهدنة، الاتحاد الأفريقي، وكينيا، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة، إضافة إلى شركاء إثيوبيا الآخرين على "التعبئة الفورية لمنع وقوع مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان". وقالت إن الاتحاد الأفريقي يجب أن يقدم تقارير علنية عن انتهاكات الهدنة، بما في ذلك الهجمات على المدنيين. وخلص التقرير إلى أن "خطر تجدد دورات الفظائع حقيقي للغاية"، محذرة من أن الفشل في التصرف قد يؤدي إلى انزلاق شمال إثيوبيا مرة أخرى إلى انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان.

 

يأتي ذلك في وقت تصاعدت فيه التهديدات في شأن وقوع حرب وشيكة بين النظامين الإريتري والإثيوبي، على خلفية مطالبة أديس أبابا بمنفذ بحري، وفي وقت وقعت اشتباكات متقطعة بين ميليشيات مدعومة من النظام الإثيوبي وقوات الدفاع التيغراوية، كما تزامن التقرير الأممي مع المذكرة التي قدمتها "جبهة تحرير تيغراي" لمجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة في شأن غارات نفذها الجيش النظامي الإثيوبي بطائرات مسيرة ضد قوات الدفاع التيغراوية، وحثت الجبهة المجتمع الدولي على ضرورة إيقاف انزلاق الأوضاع إلى حرب شاملة، مؤكدة أن الحكومة المركزية في أديس أبابا، تعمل على العبث باتفاقية السلام من خلال خلق عراقيل لعدم تنفيذها، والاستمرار في ممارسة انتهاكات واسعة ضد التيغراويين، معتبرة ذلك استمراراً للحرب بطرق أخرى.

إلى ذلك وجه وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثاوس في وقت سابق شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تضمنت اتهامات لأسمرة بالضلوع في تسليح ميليشيات إثيوبية متمردة على النظام، بما فيها ميليشيات "الفانو" الأمهرية و"الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي"، في حين نفى وزير الإعلام الإريتري يماني قبري مسقل هذه الاتهامات، بشدة، معتبراً أنها محاولة لتبرير استعدادات أديس أبابا لشن حرب ضد بلاده.

توقف الرصاص وبقت الانتهاكات

في السياق قال المتخصص في الشأن التيغراوي محاري سلمون إن تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، اعتمد على وقائع تم توثيقها من خلال ناشطين ومنظمات حقوقية محلية، أكدت كلها على استمرار الانتهاكات في إقليم تيغراي، وأشار إلى أن اتفاقية بريتوريا أوقفت الرصاص، لكنها لم تنجح في إيقاف الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، بما فيها الاختفاء القسري للناشطين، ومنع عودة النازحين إلى ديارهم، فضلاً عن منع المنظمات الحقوقية الدولية من العمل داخل تيغراي، لافتاً إلى أن أديس أبابا تتعمد في تعطيل آليات التحقيق حول المزاعم المتعلقة بوقوع انتهاكات واسعة ترقى إلى مستوى التطهير العرقي وجرائم حرب أثناء حرب تيغراي الأخيرة (نوفمبر عام 2020 - نوفمبر عام 2022)، إذ تتهم المنظمات الدولية كلاً من الجيش الإثيوبي وحلفائه الإريتريين والأمهرة بممارسة هذه الانتهاكات.

ورأى سلمون أن النظام الإثيوبي، الذي وقع على معاهدة السلام في جنوب أفريقيا، عمل، منذ نوفمبر عام 2022، على تعطيل مسار التحقيقات حول المزاعم المتعلقة بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي، وهي التهم التي تنص الاتفاقية على ضرورة إجراء تحقيقات مستقلة حولها، وتقديم المتهمين للعدالة. وأضاف أنه على رغم مرور نحو 3 أعوام على توقيع الاتفاقية فإن مسار التحقيق لم يبدأ ولم يقدم أحد للمحاكمة، كما تم تجميد التدابير المتعلقة بعودة النازحين إلى قراهم، مما يضاعف من صعوبة الوضع الإنساني، مؤكداً أن المجتمع الدولي، لا سيما الضامنين للاتفاقية كالاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة، يتحملون مسؤولية إنفاذ نصوص الاتفاقية، وضمان التحقيقات حول مزاعم الانتهاكات الواسعة، وعدم إفلات المتهمين من العقاب، وأوضح أن عدم تقديم المتهمين بجرائم الحرب والتطهير العرقي للمحاكمة، سيشجع الجيش النظامي الذي يخوض حروباً أخرى في إقليمي الأمهرة وأوروميا، على ارتكاب مزيد من الانتهاكات، من دون أن يخشى العقاب.

ونوه المتخصص في الشأن التيغراوي بأن أهمية تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، تأتي في إطار تذكير المجتمع الدولي بالالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، بخاصة المجلس الدولي لحقوق الإنسان، حتى لا تتكرر الفظائع في مناطق أخرى من العالم، لا سيما في ظل انشغال الإدارة الأميركية بأزمات دولية أخرى كالحرب الروسية - الأوكرانية والأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وأكد أن الميثاق الدولي لحقوق الإنسان سيظل عديم التأثير في حال تجاهله الأوضاع في القارة السمراء، بخاصة في ظل الإجراءات المشددة التي تفرضها حكومة آبي أحمد على عمل المنظمات الحقوقية، والصحافة الأجنبية في مناطق النزاع داخل القطر الإثيوبي، وأشار إلى أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سبق وأن اعتمد تقريراً اشترك في إعداده عشرات الخبراء القانونيين الدوليين، وخلص إلى نتائج مهمة تشير إلى أن هناك "أساساً معقولاً للاعتقاد" أن كل من جيشي إثيوبيا وإريتريا قد ارتكب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، ونصح سلمون المجتمع الدولي بالضغط على إثيوبيا لتقديم المتهمين أمام محكمة العدل الدولية.

الانتهاكات المحتملة تشمل الأطراف كافة

بدوره رأى المحلل السياسي الإثيوبي بيهون غيداون أن التحذير الذي أطلقته منظمة "هيومن رايتس ووتش"، حول الأوضاع في تيغراي، قد يعيد الاهتمام الدولي في ما خص تداعيات الحرب التي استمرت عامين، وحصدت أرواح ما لا يقل عن نصف مليون مدني، وأشار إلى أن التقرير، على رغم توجيهه اتهامات واسعة للحكومة الإثيوبية باعتبارها صاحبة الوصاية في الإقليم، فإن الانتهاكات المحتملة تشمل الأطراف كافة التي اشتركت بصورة مباشرة في الحرب، وعلى رأسها الجيش النظامي الإثيوبي والإريتري وميليشيات الأمهرة وتيغراي. وأكد أن المنظمة الدولية نفسها سبق وأن أصدرت تقريراً شاملاً في يونيو (حزيران) عام 2023 تضمن اتهامات واسعة لاشتراك "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" في ارتكاب جرائم حرب وتصفية عرقية في غرب تيغراي أثناء فترة الحرب، ومن ثم فإن الاتهامات تشمل أطراف النزاع كافة وليس الجيش النظامي وحسب، موضحاً أن التقرير الأخير للمنظمة ذاتها تجاهل الاتهامات التي سبق وأن وجهها ضد الجبهة الشعبية، ما يضعف من حججه المتعلقة بإنفاذ القانون. ولفت غيداون إلى أن الحلول الناجعة والمجربة على المستوى الدولي في حالات مماثلة، توجب على الأطراف كافة ضرورة الاعتراف بوقوع الانتهاكات الحقوقية، وتجاوز ذلك عبر تحكيم مبدأ العدالة الانتقالية، للخروج من نفق الاتهامات المتبادلة ومنطق الانتقام، وأكد أن اتفاقية بريتوريا نفسها تشير في بنود عدة إلى ضرورة اللجوء للعدالة الانتقالية كمخرج للأزمة الإنسانية والسياسية كي لا تبقى المنطقة ككل تدور في فلك الانتقام والانتقام المضاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التحالفات الآثمة

وتابع غيدوان "أن ما يضاعف الأزمات الإنسانية في تيغراي، هو إعادة تشكل التحالفات الآثمة بين أطراف النزاع، ففي حين تم فك الارتباط بين النظامين الإريتري والإثيوبي على خلفية مطالبة أديس أبابا بمنفذ بحري في سواحل البحر الأحمر، فإن الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تبدو قد حسمت أمرها في شأن التحالف مع أسمرة في حال قيام حرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا، في حين أن العلاقات المتوترة بين أديس أبابا والقاهرة على خلفية ملف سد النهضة، قد دفعت حكومة آبي أحمد إلى التحالف مع قوى إقليمية كالإمارات العربية المتحدة، وقوات "الدعم السريع" في السودان، ومن ثم فإن هذه التحالفات الجديدة تسهم بصورة مباشرة في استمرار الأوضاع الإنسانية المتأزمة في الإقليم"، وأضاف "ثمة ضرورة قصوى إلى إعلان حوار وطني إثيوبي شامل يفضى إلى مصالحة وطنية وفق مبادئ العدالة الانتقالية، وضرورة إدراك أن إقليم تيغراي يعد جزءاً لا يتجزأ من السيادة الإثيوبية، وضرورة أن يمر أي تحالف قد تعقده جبهة تيغراي مع جهة خارجية عبر الطرق القانونية والسياسية التي تعزز سيادة إثيوبيا على أراضيها وأقاليمها كافة"، في المقابل "ثمة ضرورة أن تلتزم الحكومة المركزية بضرورة تنفيذ بنود اتفاق بريتوريا، بما في ذلك تقديم المتهمين بالإبادة الجماعية للمحاكمة التي تفضي إلى العدالة الانتقالية وتعويض المتضررين"، وأكد أن ذلك وحده سيحقق المرور الآمن نحو تحقيق العدالة ويضمن عدم تكرار الانتهاكات في الإقليم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير