Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أول زيارة لرئيس صوماليلاند إلى أديس أبابا... ما الأجندة؟

مراقبون: تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي ولا تحمل بعداً سياسياً لكنها تمثل لحظة دبلوماسية مهمة

لم يكن رئيس صوماليلاند طرفاً في مذكرة التفاهم التي وقعت بين الحكومة السابقة وأديس أبابا (مواقع التواصل)

ملخص

تأتي الزيارة في أعقاب التراجع الضمني لإثيوبيا عن مذكرة التفاهم الموقعة مع الرئيس السابق للإقليم غير المعترف به دولياً، والتي نصت على تمكين إثيوبيا من سواحل الصومال مقابل اعترافها باستقلال الإقليم والسعي لدى المجتمع الدولي لتحقيق حلمه الذي تأجل لأكثر من ثلاثة عقود. 

وصل رئيس إقليم صوماليلاند عبد الرحمن عبدالله عرو، إلى أديس أبابا في أول زيارة رسمية له إلى إثيوبيا منذ انتخابه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، تلبية لـ"دعوة رسمية" من الحكومة الفيدرالية.

وتأتي الزيارة في أعقاب التراجع الضمني لإثيوبيا عن مذكرة التفاهم الموقعة مع الرئيس السابق للإقليم غير المعترف به دولياً، والتي نصت على تمكين إثيوبيا من سواحل الصومال مقابل اعترافها باستقلال الإقليم والسعي لدى المجتمع الدولي لتحقيق حلمه الذي تأجل لأكثر من ثلاثة عقود. 

وأثارت المذكرة المبرمة في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي أزمة ديبلوماسية بين مقديشو وأديس أبابا لتضمنها اتفاقاً تحويلياً يمنح إثيوبيا حق الوصول السيادي إلى سواحل صوماليلاند مقابل اعتراف إثيوبيا (الضمني أو النهائي) بإقامة دولة صوماليلاند بحكم الأمر الواقع. 

لكن تلك الخطوة واجهت معارضة كبيرة من حكومة مقديشو وعدد من دول المنطقة، مما أجبر أديس أبابا على الدخول في ثلاث جولات من التفاوض مع الحكومة الصومالية بوساطة تركية أفضت إلى توقيع "إعلان أنقرة"، الذي اعترفت خلاله بوحدة الأراضي الصومالية لتجمد بذلك المذكرة الموقعة مع هرجيسا في يناير 2024، على رغم عدم إعلانها بشكل رسمي إلغاء المذكرة نهائياً، وكذا عدم تراجعها عن بعض الخطوات الدبلوماسية التي تلت توقيع المذكرة ومن بينها تعيين قائم بأعمال لسفارتها في هرجيسا. 

وعلى رغم أن العلاقات الثنائية بين مقديشو وأديس أبابا شهدت تحسناً ملحوظاً في أعقاب "إعلان أنقرة"، بخاصة في ما يتعلق بالزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين ومشاركة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في فعاليات تدشين سد النهضة الإثيوبي، فإن دعوة إثيوبيا لرئيس صوماليلاند أثارت كثيراً من الجدل في الأوساط السياسية والدبلوماسية، بخاصة أنها تأتي بعد يومين من الزيارة الرسمية للرئيس الصومالي حسن شيخ محمود. 

موشر مهم 

من جهته يرى المحلل السياسي من صوماليلاند محمد فارح، أن الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون بين هرجيسا وأديس أبابا في مجالات تشمل التجارة ونقل البضائع والأمن والتنمية المستدامة. مؤكداً أن الرئيس المنتخب حديثاً في صوماليلاند عزز الجهود الدبلوماسية لبلاده في اتجاه التعاون مع دول الجوار بصرف النظر عن اعترافها باستقلال الإقليم من عدمه، مشيراً إلى أنه يرى على عكس الرئيس السابق أن الطريق الوحيد للاعتراف ينبغي أن يبدأ من خلال توسيع وتقوية المصالح المشتركة مع دول الجوار، الأمر الذي من شأنه أن يعزز فرص التوصل سعياً للاعتراف الإقليمي ثم الدولي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويدلل فارح على ذلك من خلال الزيارة التي قام بها عرو إلى كينيا، وتوقيعه على عدد من اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي مع الحكومة الكينية. مضيفاً أن "عرو لم يكن طرفاً في مذكرة التفاهم التي وقعت بين الحكومة السابقة وأديس أبابا، وتجنب التعليق عليها أثناء الحملة الانتخابية، إذ لم يؤكد قبوله بها وأيضاً لن ينتقدها بشكل مباشر، بل قرر أن يتخذ موقفاً محايداً تجاه آثارها القانونية، بخاصة أنها أثارت كثيراً من الملاحظات والآراء ما بين مؤيد ومعارض". 

يرى فارح أن "إبقاء إثيوبيا على بعثتها الدبلوماسية في هرجيسا، على رغم توقيعها على اتفاقية أنقرة مع مقديشو يعد مؤشراً إيجابياً مهماً نحو اعتراف مستقبلي، ومن ثم فإن مذكرة التفاهم لن تكون ضمن أجندة النقاش بين آبي أحمد وعرو، نظراً إلى حساسية مقديشو تجاه نصوص المذكرة ومزاعم سيادتها على أراضي صوماليلاند". 

ويضيف "في اعتقادي أنه ليس ثمة مشكلة لدى مقديشو في زيارة عرو لأديس أبابا بعد يومين من زيارة رئيسها"، مشيراً إلى أن مقديشو تتعاطى مع الأمر بمرونة مع كافة الدول التي يزورها مسؤولو صوماليلاند ما لم يتعلق الأمر بالاعتراف الرسمي أو عقد تفاهمات بخصوص تأجير الموانئ، بدليل زيارة عرو للعاصمة الكينية وتوقيعه عدداً من اتفاقيات التعاون من دون أن يثير ذلك حفيظة مقديشو التي تدرك جيداً استقلالية القرار السياسي لهرجيسا على رغم اعتراضها على اعتبارها دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع منذ عام 1991".

بلا بعد سياسي 

يرى المتخصص الصومالي في شؤون منطقة القرن الأفريقي محمد عبدي، أن زيارة عرو لأديس أبابا تأتي في إطار تعاون تجاري واستثماري وليس لها بعد سياسي، لا سيما في ما يتعلق بالسواحل الصومالية، مشيراً إلى أنها تتم بالتنسيق مع الحكومة الصومالية، إذ أتت بعد يومين من زيارة الرئيس الصومالي لأديس أبابا.

وأضاف أن الحكومة الصومالية في مقديشو لا تمانع من عقد اتفاقيات تعاون بين الأقاليم الصومالية والدول المجاورة بما يحقق رفاهية الشعوب الصومالية، بشرط ألا يتجاوز ذلك السيادة على الأراضي والسواحل الصومالية، مشيراً إلى أن النظام السياسي الصومالي يعتمد على النموذج الفيدرالي، إذ يتمتع كل إقليم بشبه استقلالية، وتعقد الأقاليم اتفاقيات مع المناطق والدول المجاورة كبوند لاند وجوبا لاند وغيرها، وترتبط باتفاقيات تعاون مع إثيوبيا وكينيا وغيرها من الدول.

وفي ما يخص مطالبة صوماليلاند بالاستقلال ومصير مذكرة التفاهم المبرمة مع إثيوبيا، يرى عبدي أنه على رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على مطالبة حكومات صوماليلاند المتعاقبة بالاستقلال فإنها لم تحظ باعتراف أية دولة في العالم، ومذكرة التفاهم مع إثيوبيا تجاوزها الزمن والأحداث المتوترة في المنطقة.

وأشار إلى أن الحكومة الإثيوبية اعترفت بوحدة التراب الصومالي وولاية حكومة مقديشو على كافة الأقاليم الصومالية بمجرد توقيعها على اتفاقية أنقرة، ومن ثم تم تعطيل المذكرة فعلياً، مستبعداً إمكانية إحيائها مجدداً مع الحكومة الجديدة في هرجيسا، لا سيما وأن إثيوبيا ملزمة باحترام "إعلان أنقرة" بكل البنود الواردة فيه. 

وأكد عبدي أن المذكرة بالأساس كانت تفتقر إلى الشرعية السياسية والقانونية، إذ تم توقيعها مع جهة غير معترف بها دولياً، فضلاً عن افتقارها إلى الوضوح في شأن التصديق القانوني وقابلية التنفيذ.  مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من الخبراء الدوليين أشاروا إلى أنها وُقّعت كمذكرة تفاهم لا كمعاهدة، ولم يُنشر نصها بالكامل، مما جعل تفسيرها وتنفيذها رهناً بالإرادة السياسية. كذلك أدت المعارضة الإقليمية والمحلية إلى تعطيلها منذ البداية، لانتهاكها السيادة الصومالية وتعارضها مع مقررات الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة المتعلقة بمبدأ الحيازة القانونية القائمة، باعتبار أن صوماليلاند تعد جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الصومالية.

ويشير المحلل الصومالي من جهة أخرى، إلى أن نصوص المذكرة اصطدمت مع مصالح الدول الإقليمية في المنطقة، بخاصة في ظل التوترات القائمة في حوض البحر الأحمر، وإمكانية إسهام مثل هذه الاتفاقيات في زيادة التوتر وزعزعة استقرار المنطقة، في حال سعت دولة غير ساحلية لترسيخ وجودها في البحر الأحمر، بعيداً من الديناميات الأمنية المتبعة بين الدول المطلة على سواحله.

ويضيف أن المذكرة التي وقعها الرئيس السابق لصوماليلاند من دون مشاورة حكومته، قد استتبعت أيضاً تصدعات داخلية مما أدى إلى استقالة وزير دفاع الإقليم آنذاك احتجاجاً على بنودها، إذ تحتفظ ذاكرة أغلب الصوماليين بالحروب التي خاضوها ضد إثيوبيا، ولا يزالون يعتبرونها "عدواً تقليدياً لبلادهم، سواء في شمال الصومال (صوماليلاند) أو جنوبه (مقديشو). 

ويذكّر عبدي بالحوار الصحافي الذي أجراه الرئيس السابق لصوماليلاند في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والذي اعترف فيه بأن الضغط المتزايد من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية و"شركاء دوليين رئيسيين" أدى إلى انهيار المذكرة التي وقعها مع نظيره الإثيوبي. مؤكداً أن المذكرة تم تجميدها بسبب معارضة إقليمية ودولية منسقة، وكاشفاً أن قوى كبرى مثل الولايات المتحدة شعرت بالقلق حيال تطبيقها.

إعادة الزخم 

من جهة أخرى، رأى المتخصص في شؤون صوماليلاند جوليد يوسف عيدان، أن ثمة توقعات واسعة النطاق في هرجيسا بأن تتيح زيارة عرو لأديس أبابا فرصة لإعادة تنشيط الزخم المتعثر، مضيفاً "قد تفتح الزيارة نافذة مهمة للتعاون، ولكنها لن تشكل ضمانة لتحول استراتيجي حقيقي ما لم تتجاوز التحديات التي تضع مقديشو أمام علاقات أديس أبابا وهرجيسا". 

ويحذر جوليد من أنه من دون صكوك قانونية واضحة وآليات مُلزمة لن يكفي الخطاب وحده لبناء علاقات بين الطرفين، مشدداً على ضرورة تحويل رمزية مذكرة التفاهم المجمدة إلى معاهدات قابلة للتنفيذ أو بروتوكولات تنفيذية، وإلا ستُصبح كافة الاتفاقيات مجرد أثر دبلوماسي.

بدوره، يرى المتخصص في الشأن الصومالي بمركز "ساهان" للأبحاث السياسية رشيد عبدي، أن الزيارة تمثل لحظة دبلوماسية مهمة بعد أشهر من التكهنات حول توتر العلاقات بين هرجيسا وأديس أبابا. ويضيف "جاء توقيتها بعد أكثر من عشرة أشهر من انتخاب عرو، وقد أدى التأخير إلى تغذية تكهنات بوجود خلافات بين هرجيسا وأديس أبابا". ويتابع "الآن وقد قام عرو بزيارته التي طال انتظارها، تتاح للجانبين فرصة لتبديد مخاوف تردي العلاقات، واستئناف الحوار الاستراتيجي، وتعزيز التعاون، ومعالجة أية خلافات أو سوء فهم قد يكون قائماً بطريقة صادقة وصريحة".

ويستطرد أن الزيارة قد تمهد الطريق لإعادة ضبط العلاقات الثنائية، وذلك أمر قابل للتحقيق، مؤكداً أن إثيوبيا لا تزال الحليف الإقليمي الرئيسي لصوماليلاند، ومن ثم يمكن استغلال الفرصة لتحسين آفاق التعاون وتعميق شراكتهما الاستراتيجية.

ويرجح أن عرو سيسعى على الأرجح إلى "تأكيد الشراكة الاستراتيجية وتجديد التزام إثيوبيا بتعزيز علاقاتها الأمنية والتجارية والاقتصادية مع هرجيسا"، مشيراً إلى أن ميناء بربرة سيكون "بنداً رئيسياً على جدول أعمال هرجيسا"، وذلك من أجل الاستحواذ على جزء من حركة التجارة الإثيوبية، بجانب ميناء جيبوتي، لكنه استبعد إمكانية تفعيل مذكرة التفاهم في الوقت الحالي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير