ملخص
أمام روسيا وشركائها التجاريين الوقت الكافي لاتخاذ إجراءات استباقية، فمشروع القانون لا يزال يحتاج إلى الصياغة النهائية والمصادقة عليه في الكونغرس الذي يضم ديمقراطيين معارضين لترمب.
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الجمهوريين يعكفون على إعداد مشروع قانون يقضي بفرض عقوبات على أية دولة تتعامل تجارياً مع روسيا، مشيراً إلى أن إيران قد تضاف إلى تلك القائمة، مشيراً إلى أن أية دولة ستجري تعاملات تجارية مع روسيا ستخضع لعقوبات شديدة للغاية.
وسيمنح مشروع القانون ترمب صلاحية فرض رسوم جمركية تصل إلى 500 في المئة على الواردات من الدول التي تشتري النفط والغاز واليورانيوم والمنتجات الأخرى من روسيا، في حال لم توافق روسيا على اتفاق سلام دائم مع أوكرانيا.
ويستهدف المشروع بصورة خاصة الصين والهند، باعتبارهما من كبار مستهلكي الطاقة الروسية، وجاء بعدما فرض الشهر الماضي عقوبات على روسيا تتعلق بأوكرانيا للمرة الأولى في ولايته الثانية، مستهدفاً عملاقي النفط "لوك أويل" و"روسنفت".
وتعد الصين أبرز زبائن روسيا في قطاع الطاقة، إذ تتصدر مشتريات الفحم والنفط الخام، فيما تتصدر تركيا مشتريات منتجات النفط، بينما تعد الاتحاد الأوروبي أكبر مشتر للغاز الطبيعي المسال وغاز الأنابيب، وفقاً لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA).
وتشير بيانات مركز الأبحاث إلى أن حلفاء عدة للولايات المتحدة، من بينهم اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية والبرازيل، يشترون كميات أقل من الطاقة الروسية.
وتمثل العقوبات الأميركية المتتابعة بوتيرة أسرع أخيراً على روسيا تحولاً كبيراً في سياسة ترمب، الذي لم يسبق أن فرض عقوبات على روسيا بسبب الحرب، بعدما كان يعتمد على اتخاذ تدابير تجارية، إذ فرض ترمب رسوماً جمركية إضافية بنسبة 25 في المئة على السلع الواردة من الهند رداً على شرائها النفط الروسي بأسعار مخفضة.
ويرى محللون أن فرض عقوبات على الدول التي تتعامل تجارياً مع روسيا سيكون له تأثير واسع النطاق، لا يقتصر على روسيا فحسب، بل سيؤثر أيضاً في حلفاء الولايات المتحدة، وتهدف هذه الإجراءات إلى زيادة الضغط على روسيا لوقف الحرب على أوكرانيا.
وأعلنت وزارة المالية الروسية في وقت سابق أنه في حال فرض "عقوبات ساحقة"، ستعمل روسيا على تنويع إمدادات السلع التي يحظر تصديرها إلى الولايات المتحدة.
والسؤال الأبرز، ما تداعيات تصعيد ترمب ضد شركاء روسيا التجاريين على الاقتصاد الروسي بالدرجة الأولى، وعلى شركاء روسيا التجاريين وعلى التجارة العالمية والاقتصاد العالمي؟
"ترمب لا يرى روسيا الكبيرة"
قالت المستشارة في المعهد الروسي للدراسات الاستراتيجية إلينا سوبونينا، لـ"اندبندنت عربية" من روسيا، إن أميركا تتجه لمزيد من تشديد العقوبات على روسيا، إذ إن العمليات العسكرية لن تتوقف خلال الأشهر المقبلة، وترمب يحاول التأثير في الدول الشريكة مع روسيا، وللأسف نتيجة للضغوط الأميركية، خفض بعض الشركاء فعلياً حجم تعاونهم مع روسيا، وهذا التوجه برأيي سيستمر.
تضيف "لكن ترمب لا يأخذ في الاعتبار أن روسيا دولة كبيرة، ومتابعة نظام العقوبات صعب للغاية في شأنها، والمؤكد أنه سيكون هناك ثغرات، ومن المؤكد أيضاً أن رجال أعمال كثيرين سيستمرون في العمل مع روسيا، بالتالي تداعيات العقوبات الأميركية على روسيا ستكون محدودة".
وتوقعت المتحدثة أن تشتد وتيرة العقوبات الأميركية مع الوقت، لكنها تعتقد أن الاقتصاد الروسي سيبقى صامداً لعام آخر على أقل تقدير، ولن يتأثر كثيراً من تلك العقوبات، مضيفة "علينا أن نعترف أن الوضع الاقتصادي لروسيا ليس مثالياً في الوقت الراهن".
"روسيا تملك طرقاً للتغلب على العقوبات"
قال المحلل الاقتصادي الكويتي محمد رمضان إن من الصعب قياس حجم التأثير المحتمل للعقوبات الجديدة، لأن روسيا اعتادت منذ أعوام على الضغوط الغربية، وطورت طرقاً متعددة للالتفاف عليها.
وأضاف أن روسيا تعد الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات في التاريخ، ومع ذلك ما زالت قادرة على مواصلة عديد من الأنشطة الاقتصادية، وإن كان ذلك بهوامش ربح أقل، مما يجعل تحديد مدى تأثير عقوبات ترمب في شركائها التجاريين مسألة معقدة، خصوصاً أن هذه العقوبات لا تزال في إطار مشروع قانون ولم تتحول بعد إلى تشريع نافذ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستبعد رمضان أن تؤدي هذه العقوبات، إذا دخلت حيز التنفيذ، إلى تأثير كبير في الاقتصاد العالمي، واعتبر أن السؤال الأهم يتمحور حول الآليات التي تستخدمها موسكو للتحايل على العقوبات، لافتاً إلى أن روسيا أثبتت مراراً أنها تمتلك أدوات وطرقاً متنوعة لمواصلة تجارتها على رغم القيود الغربية.
"تطبيق العقوبات سريعاً"
قال محلل الأسواق العالمية أحمد حسن كرم إن الحرب الروسية – الأوكرانية المستمرة منذ عام 2022 لا تزال تراوح مكانها، على رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يزعم أنه يستحق "جائزة نوبل للسلام" وأنه قادر على إنهاء الصراع. وأضاف أن ترمب يسعى إلى إيقاف الحرب بصورة نهائية لإثبات أنه الرئيس الذي أنهى واحدة من أعقد الأزمات الدولية، ولذلك وجه الجمهوريين لصياغة مشروع قانون يفرض عقوبات على أية جهة تتعامل تجارياً مع روسيا، في محاولة للضغط على الدول الشريكة لموسكو لوقف تعاونها، ودفع روسيا إلى العزلة الكاملة لإجبارها على إنهاء الحرب.
وأوضح كرم "بما أن مشروع القانون لا يزال يحتاج إلى الصياغة النهائية والمصادقة عليه في الكونغرس الذي يضم ديمقراطيين معارضين لترمب، فإن أمام روسيا وشركائها التجاريين الوقت الكافي لاتخاذ إجراءات استباقية، والاتفاق على قنوات بديلة أو "ملتوية" لضمان استمرار معاملاتهم من دون التعرض للعقوبات الأميركية المحتملة".
وأشار كرم إلى أن دولاً مثل إيران والصين، اللتين تواجهان أيضاً عقوبات أميركية أو زيادة في الرسوم الجمركية، ما زالتا تتعاملان مع روسيا بصورة واسعة، من دون أن يظهر ذلك تأثيراً واضحاً في اقتصادهما، نظراً إلى امتلاكهما اقتصادات كبيرة وقادرة على إدارة نفسها من دون اعتماد جوهري على الغرب.
لكن في المقابل، حذر من أن تطبيق العقوبات سريعاً قد يترك آثاراً عميقة في الاقتصاد الروسي، خصوصاً إذا بادرت الدول المتعاملة معه إلى تقليص تعاونها، وفي حال حدث ذلك، قد تتخذ موسكو إجراءات معاكسة وربما "عدائية"، مما قد ينعكس على تباطؤ اقتصادي في الصين والهند، ويشل قطاع الطاقة الروسي الذي يشكل العمود الفقري للإيرادات الحكومية.
وختم كرم بالقول إن السيناريوهات تبقى مفتوحة، فإما أن ترضخ روسيا للضغوط وتعود لطاولة التفاهمات، أو سنشهد توترات عسكرية أشد على الأوكرانيين.
روسيا تسجل فائضاً تجارياً
تجارياً، سجلت روسيا فائضاً قدره 13.6 مليار دولار في سبتمبر (أيلول) الماضي، مرتفعاً من 11.9 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، وهو أوسع فائض منذ أكثر من عام، وفقاً لموقع "تريدينغ إيكونوميكس" بحسب بيانات البنك المركزي الروسي، ويعكس هذا التوسع تراجع الواردات بوتيرة أسرع من الصادرات، نتيجة ضعف الاقتصاد الروسي.
وانخفضت الواردات بنسبة 7.2 في المئة على أساس سنوي إلى 25 مليار دولار، مع تراجع إنفاق المستهلكين والشركات في روسيا على السلع الأجنبية، على رغم قوة الروبل، وفي المقابل، تراجعت الصادرات بنسبة 4.1 في المئة إلى 38.1 مليار دولار.
وجاء هذا الهبوط مدفوعاً بانخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب على السلع الأساسية من الشريك التجاري الأكبر لروسيا، الصين، مما أدى إلى تقليص مشتريات القطاعات الروسية الرئيسة التي باتت مستبعدة من التعاملات التجارية مع الغرب.