Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ديون العالم تتجاوز 250 تريليون دولار وسط تحذيرات متصاعدة

متخصصون: الخطورة الأكبر تكمن في كلفة خدمتها وضغوطها المتزايدة على الاقتصادات النامية

الدول النامية من المفترض أن تبقي مستوى مديونيتها عند حدود 60% من الناتج (اندبندنت عربية)

ملخص

يرى المتخصصون أن معالجة المشكلة تتطلب حلولاً هيكلية تزيد الإنتاجية من بينها الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الاقتصادات وتعزيز النمو.

لا يزال الدين العالمي عند مستويات مرتفعة، إذ بلغ إجمال الديون نحو 251 تريليون دولار، بينها 99.2 تريليون دولار ديون عامة و151.8 تريليون دولار ديون خاصة، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي.

على رغم تراجع المديونية الخاصة خلال العام الماضي، لا يخفي الخبراء قلقهم من التداعيات طويلة المدى لهذه المستويات المرتفعة من الديون على الاستدامة المالية، في ظل أجواء جيوسياسية واقتصادية تتسم بالتوتر وعدم اليقين.

ويحذر محللون من أن أخطار الديون تتفاقم اليوم بسبب النزاعات الجيوسياسية وتذبذب النمو وضعف الإنتاجية في عديد من الاقتصادات، فضلاً عن التفاوت الكبير في اتجاهات المديونية بين الدول وفق مستويات الدخل.

ويرى هؤلاء أن معالجة المشكلة تتطلب حلولاً هيكلية تزيد الإنتاجية، من بينها الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة الاقتصادات وتعزيز النمو.

"رؤوس الأموال تهرب"

قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات وضاح الطه إن مستويات الديون الحكومية والسيادية ارتفعت بصورة ملحوظة خلال السنوات الماضية، لا سيما أثناء جائحة كورونا وبعدها، حين أدى الركود وتراجع الإيرادات إلى قفزة غير مسبوقة في حجم الديون حول العالم. وأضاف أن صندوق النقد الدولي قدر عام 2020 ارتفاع الدين العالمي بنحو 28 نقطة مئوية ليصل إلى 256 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقاً لقاعدة بيانات الدين العالمي التابعة للصندوق.

وأوضح الطه أن الارتفاعات الكبيرة في الدين العام تمثل تحدياً حقيقياً للدول، سواء النامية أو المتقدمة، إذ لم يعد مستوى الدين منخفضاً كما كان في السابق، فبينما شكل الدين العام نحو 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2007، ارتفعت هذه النسبة إلى 124 في المئة عام 2020. ورأى أن الدول النامية من المفترض أن تبقي مستوى مديونيتها عند حدود 60 في المئة من الناتج، بينما يصل المعدل المقبول في الدول المتقدمة إلى نحو 80 في المئة، وفقاً لدراسات متخصصة. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تجاوزت اليوم نسبة 125 في المئة من الناتج المحلي، بينما تعد اليابان الأكثر مديونية في العالم بنسبة تفوق 220 في المئة. وتكمن الخطورة، بحسب الطه، في كلفة خدمة الدين، خصوصاً الديون الخارجية المرتبطة بالدولار الأميركي، والتي تمثل عبئاً هائلاً على الدول النامية، لا سيما تلك التي لا ترتبط عملاتها بالدولار، فمع انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، يزداد العبء عند سداد الديون بالدولار، مما يشكل ضغطاً مضاعفاً عليها.

أضاف أن ارتفاع الديون وما يرافقه من ضغوط مالية يدفع رؤوس الأموال في القطاع الخاص إلى الهرب بحثاً عن ملاذات آمنة وعوائد أعلى، مما يلحق ضرراً كبيراً بعملية التنمية في الدول النامية. ويرتبط ذلك أيضاً بارتفاع معدلات التضخم وتراجع الدخل وانعكاساته على الأوضاع الاجتماعية، وصولاً إلى تآكل التماسك الاجتماعي، وهو أحد الأخطار التي أشار إليها تقرير الأخطار العالمية، والذي يرى الطه أنه ناتج بدرجة أساسية من الضغوط الاقتصادية الناتجة من ارتفاع الديون، وما يصاحبه من تضخم وبطالة.وعلى مستوى المنطقة العربية أوضح الطه أن لبنان يتصدر قائمة الدول الأعلى مديونية عربياً وعالمياً، بينما تسجل البحرين ومصر مستويات مرتفعة أيضاً، إذ يبلغ الدين في مصر نحو 89 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولفت إلى أنه "لا يوجد حل جذري لمشكلة الدين العام إلا عبر زيادة الإيرادات ومن ثم رفع الناتج المحلي الإجمالي"، مشدداً على أن ذلك لا يمكن أن يأتي فقط من الحكومة، بل يتطلب أيضاً تعزيز مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد، ودعا إلى عدم تخلي الحكومات عن وظائفها الأساس في مجال الحماية والضمان الاجتماعي.

وأشار كذلك إلى أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر، لافتاً إلى أن السعودية والإمارات تمكنتا خلال الأعوام الأخيرة من جذب مستويات مرتفعة من الاستثمارات الأجنبية، على رغم أن مديونيتهما تبقى ضمن مستويات مقبولة إلى متدنية مقارنة بالدول النامية الأخرى. واختتم الطه بتأكيد ضرورة التمييز بين الديون الداخلية والخارجية، خصوصاً في حالات مثل الولايات المتحدة، مشيراً إلى وجود استراتيجيات مختلفة لإدارة كل منهما بما يتوافق مع طبيعة الاقتصاد وهيكل تمويله.

أهمية الحذر في إدارة السياسات المالية

شدد صندوق النقد الدولي على أهمية إدارة السياسات المالية بحذر لتجنب أزمات دين مستقبلية، مشيراً إلى أن ضغوط المديونية باتت من أبرز التحديات التي تواجه الحكومات. وخلال الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حذر الصندوق من احتمال تجاوز الدين العام العالمي مستوى 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2029، محذراً من أن عديد من الاقتصادات النامية يواجه بالفعل تحديات متجددة في خدمة ديونها.

ودعا رئيس البنك الدولي أجاي بانغا إلى ما وصفه بـ"ثقافة جديدة من الشفافية" في عمليات إعادة هيكلة الديون، مؤكداً ضرورة تسريع وتيرة التمويل التنموي وتحسين كفاءة توجيهه إلى الدول الأكثر احتياجاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وطالب عدد من وزراء المالية في أفريقيا وأميركا اللاتينية بتعزيز تمثيل بلدانهم في منظومة الحوكمة المالية العالمية، مؤكدين أن الإصلاح يجب ألا يكون شكلياً، بل يمنح الدول منخفضة ومتوسطة الدخل دوراً حقيقياً في القرارات المتعلقة بالإقراض وإعادة الهيكلة والاستثمار.

"الطريق الوحيد للخروج"

قال المحلل المالي حسن الريس إن الاقتراض الدولي ما زال يرتفع على مستوى معظم الحكومات، وهو يشمل في معظمه الديون التي تشكلت خلال جائحة كورونا وما تبعها من زيادة في حجم الاقتراض. وأوضح أن هذا النوع من الديون الحكومية غالباً ما يجرى تعديل فوائده فحسب، بينما تسهم معدلات التضخم في رفع كلفة الاقتراض نتيجة ارتفاع أسعار الخدمات الأساسية وزيادة كلفة الفائدة. وأضاف الريس أن جائحة كورونا لعبت دوراً محورياً في التأثير في اقتصادات العالم، إذ اضطرت الحكومات إلى ضخ حزم إنقاذ للحفاظ على النشاط الاقتصادي، في حين أدى اضطراب سلاسل الإمداد إلى ارتفاع كلف التأمين والنقل، فضلاً عن الأخطار الأمنية في البحر الأحمر التي رفعت كلف الشحن، بالتالي أثرت في كلفة الإنتاج. وأشار إلى أنه مع التوقعات بانخفاض أسعار الفائدة، ستواصل الدول الاقتراض بهدف موازنة أثر التضخم، إذ إن الحكومات ستستمر في تمويل مشروعات جديدة وتخصيص احتياطات لمواجهة الزيادات في الكلفة الناتجة من الرسوم الجمركية، وبين أن هذه الرسوم تؤثر في أسعار جميع السلع، مما ينعكس في النهاية على المستهلك ويؤدي إلى تراجع مستويات الادخار.

وأكد الريس أنه لخفض الدين الحكومي يجب تضمين هذا الهدف ضمن الخطط المالية السنوية، مع الإصرار على تقليص العجز بنسبة محددة سنوياً، لأن سداد الدين دفعة واحدة غير ممكن، بل يجب أن يتم على مراحل تضمن استمرار تمويل القطاع العام والإدارة الحكومية، مضيفاً أن أحد أكثر الأساليب شيوعاً وفاعلية في خفض الدين، على رغم أنه غير محبوب، هو زيادة الضرائب. وتابع أنه بالنظر إلى التضخم الحالي ومستويات الاقتراض لدى الحكومات الكبرى مثل مجموعة السبع، يمكن ملاحظة تشابه مع فترة ما قبل الأزمة المالية في 2008، إذ قد يكون الطريق الوحيد للخروج هو حدوث ركود وإعادة ضبط للنظام النقدي، وهو ما قد يضرب الاقتصاد بقوة على المدى القصير أو الطويل، ولهذا السبب، يتجه عديد من المستثمرين حالياً إلى شراء المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة للتحوط وتقليل الأخطار والاستعداد للمرحلة المقبلة.

أميركا والصين والدين العالمي

على صعيد الاتجاهات تظهر البيانات تبايناً واضحاً بين مجموعات الدخل المختلفة، ففي الاقتصادات الكبرى لا تزال الولايات المتحدة والصين تشكلان جزءاً كبيراً من ديناميكيات الدين العالمي.

ارتفع دين الحكومة الأميركية إلى 121 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، مقارنة بـ119 في المئة في العام السابق، أما الصين فسجلت زيادة لافتة في الدين العام بلغت 6 نقاط، ليصل إلى 88 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وباستثناء الولايات المتحدة سجلت الاقتصادات المتقدمة تراجعاً في ديونها العامة بأكثر من 2.5 نقطة مئوية ليصل متوسط الدين إلى نحو 110 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وجاءت الانخفاضات مدفوعة بتراجع الدين في اليابان واقتصادات عدة أصغر، مثل اليونان والبرتغال، بينما شهدت دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا زيادات طفيفة.

أما في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية فتراجع الدين العام – باستثناء الصين – إلى أقل من 56 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط، نتيجة جهود ضبط المالية العامة وإعادة هيكلة بعض الديون.

وعلى المستوى الخاص تفاوتت اتجاهات الدين بصورة واضحة بين الدول، ففي الولايات المتحدة، انخفض الدين الخاص بنحو 4.5 نقطة مئوية ليصل إلى 143 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما واصلت الصين الاتجاه الصعودي في الاقتراض الخاص ليبلغ 206 في المئة، وهو من بين الأعلى عالمياً.

وفي بقية الأسواق الناشئة ارتفع الدين الخاص في اقتصادات رئيسة مثل البرازيل والهند والمكسيك، بينما شهدت دول أخرى مثل تشيلي وكولومبيا وتايلاند تراجعاً بفعل ضعف الطلب الائتماني وتطبيق سياسات نقدية أكثر تشدداً.

اقرأ المزيد